نواب قوى التغيير والمستقلين نجوم البرلمان اللبناني

تكتلات مختلفة لا أكثرية موصوفة في الانتخابات

بيروت – غاصب المختار

  جرت الانتخابات النيابية قد أُجريت في لبنان الشهر الماضي، في اجواء سياسية محمومة واقتصادية -معيشية في الحضيض، وتكون قد تشكلت في البلاد كتل نيابية – سياسية لا تختلف كثيراً عن الكتل الاساسية التي تولت برلمان 2018، سوى بوصول عدد من الوجوه الجديدة لا سيما من قوى الاعتراض والتغيير والمجتمع المدني، ما يعني بقاء الامور على ما هي عليه في البلاد من تأزّم، ما لم يتم التوافق بين القوى السياسية على إدارة مرحلة النهوض والتعافي بتعاون صادق، وليبقَ الخلاف السياسي الديموقراطي حول الامور الكبرى قائماً… فهذا هو لبنان.

  وبقطع النظرعن أي اكثرية او اقلية او تكتلات تشكلت في البرلمان الجديد، فالمشكلات المطروحة اكبرمن ان يتصدى لها فريق سياسي واحد، لاسيما مع وجود كتل كبيرة وازنة ومع التدخلات الخارجية في كل كبيرة وصغيرة

لبنان ينتخب اي توزانات جديدة.

في لبنان، وارتباطات للقوى المحلية بالقوى الاقليمية والدولية. لذلك كانت معارك الانتخابات فاقعة في حجم التدخلات الخارجية ولو بالإيحاء او الموقف السياسي لهذا السفير او ذاك، لهذه الدولة او تلك. حتى ان سيناتوراً اميركياً دخل على الخط واعلن ان الانتخابات في لبنان “مصيرية وحاسمة”.

صورة المجلس الجديد

 لكن الصورة النهائية لمجلس 2022 أظهرت في المجلس المنتخب مجموعة تكتلات ودخول كتل جديدة ككتلة الجماعة الاسلامية وكتلة جمعية المشاريع الاسلامية (الاحباش)، ولن يبقى موزعا بين اكثرية واقلية حزبيتين تقليديتين، بسبب وصول مجموعة نواب كبيرة من قوى التغيير والمجتمع المدني، إلّا في حال توحدت جبهة المعارضين وتوحدت جبهة القوى المقابلة، لكن يبقى فوز نواب المجتمع المدني وقوى التغيير والمستقلين الذين احدثوا خروقات في لوائح القوى الحزبية التقليدية، هو الحدث الانتخابي الابرز، حيث خرقت قوى التغيير لوائح القوى التقليدية في دوائر الشوف -عاليه وبيروت الثانية والاولى والجنوب والشمال والبقاع الغربي، عدا المعارضة المستجدة المتمثلة بنواب حزب الكتائب وحزب الاحرار ونواب آخرين مستقلين كانوا من ضمن تركيبة الحكم والبرلمان السابق خلال السنوات الماضية.

  كما ان المفاجأة كانت في خسارة نواب “تاريخيين” حزبيين من حلفاء حركة امل وحزب الله، هم، رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان في عاليه، والرئيس السابق للحزب السوري القومي الاجتماعي النائب اسعد حردان مقابل فوز مُرَشَحَيْن من قوى المجتمع المدني، وخسارة النائب ابراهيم عازار المحسوب على الرئيس

مقاطعة حريرية بحوض سباحة

نبيه بري في جزين لمصلحة القوات اللبنانية، وخسارة نائب رئيس المجلس النيابي الحالي ايلي الفرزلي امام مرشح التغيير، وخسارة مرشح بري ووليد جنبلاط وطلال ارسلان المصرفي مروان خير الدين امام مرشح لائحة التغيير في حاصبيا. وتراجع حصة تيار المردة برئاسة سليمان فرنجية من 3 نواب إلى نائب واحد.

  وفي طرابلس سجلت خسارة النائب فيصل كرامي ابن رئيس الحكومة الاسبق عمر كرامي، امام المرشح الاقوى في معارضة حزب الله الوزير الاسبق اللواء اشرف ريفي المتحالف مع القوات اللبنانية. كما كانت المفاجأة وصول نائب من القوات اللبنانية المتهمة بقتل الرئيس الراحل للحكومة رشيد كرامي الى المقعد النيابي في طرابلس، بالتحالف مع اللواء اشرف ريفي الذي حلّ اولاً في طرابس، وهي سابقة لم يكن احد يتوقع حصولها.

   وحده ثنائي امل وحزب الله حافظ على عدد نوابه في الجنوب وبعبدا والبقاع وبيروت  ففاز بكل المقاعد المخصصة للطائفة الشيعية في المجلس (27 نائبا) وزاد عليهم الحزب نائبين من الطائفة السنية.

 وبرغم خسارة “التيار الوطني الحرّ المتحالف مع “حزب الله”  لمقعدين نيابيين في دائرة صيدا- جزين لمصلحة القوات اللبنانية، إلّا انه فاز بمقاعد بديلة في البقاع الغربي وعكار، وحافظ على كتلة مسيحية وازنة (18 نائبا+3 من حزب الطائناق الارمني)، مقابل كتلة القوات اللبنانية التي زادت عدد مقاعدها بشكل طفيف (من 14 الى 18).

 صورة النتائج تؤكد انه لن تكون هناك اكثرية موصوفة في المجلس النيابي الجديد، فهناك القوى السياسية التقليدية، وقوى المعارضة الحزبية (قوات وكتائب واحرار)، وقوى التغيير والمستقلين. وكل طرف له وزنه وتأثيره، لكن نواب قوى التغيير سيكونون نجم البرلمان لأنهم حسب قول مصاددرهم لـ “الحصاد” سيشكلون كتلة واحدة من نحو 18 او 20 نائبا.عدا النواب المستقلين المنفردين وعددهم 15.

حشد الصوت السني

    وقد إنصب اهتمام القوى السياسية الرئيسي على أمرين: الاول حشد الناخبين من الطائفة السنّية بعد قرار الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل عدم المشاركة في الانتخابات، باعتبارهم قوة التأثير الكبرى في معظم الدوائر الانتخابية حتى تلك التي لا يوجد فيها نواب سنّة. والثاني حشد اصوات كل الناخبين من كل الطوائف لقلب التوازنات السياسية التي كانت قائمة سابقاً، ومحاولة إيجاد واقع سياسي جديد يتيح تمرير مشاريع غير متفق عليها.

    لكن وقائع المرحلة الاولى من إنتخابات المغتربين التي جرت في تسع دول عربية وفي ايران، أظهرت إنكماشاً او عدم حماسة لدى ناخبي الطائفة السنية، لا سيما لجهة تدني نسبة ناخبي دوائر بيروت الثانية وطرابلس وصيدا وهي المعاقل الكبرى لجمهورتيار المستقبل. وهو مؤشر مهم في السياسة ويدل على إلتزام اغلبية جمهور تيار  المستقبل قرار الرئيس سعد الحريري.

  وحسب المعلومات الرسمية جاءت نسبة الانتخابات في المرحلة الاولى 59,6 بالمئة بفارق بسيط عن انتخابات عام 2018 التي بلغت 56 بالمئة. اما في المرحلة الثانية التي جرت في الامارات العربية المتحدة والمغرب ودول العالم الأخرى في كل القارات، فقد ازدادت نسبة المقترعين قليلاً وبلغت  63,05 في المئة لكنها بقيت دون الحد الادنى

هل يعود ميقاتي

المأمول والمعوّل عليه لدى الاحزاب التقليدية ولدى قوى التغيير والمجتمع المدني، حيث كان المتوقع ان تكون بحدود 70 في المئة وما فوق. ولاحظت مصادرمتابعة ان النسبة العالية من المقترعين كانت من المسيحيين (70 في المئة) مقابل تدني نسبة الناخبين المسلمين لا سيما السنة. وان الاقبال على التصويت لم يكن موجهاً نحو الاحزاب التقليدية بل نحو قوى التغيير والمعارضة.

اما في الانتخابات العامة التي جرت في لبنان يوم 15 ايار (مايو)، فقد كانت نسبة التصويت بحسب وزارة الداخلية 42 في المئة بما يعني انها تراجعت سبع نقاط عن دورة 2018 التي بلغت 49 في المئة.

مشكلات ما بعد الانتخابات

  ما بعد الانتخابات النيابية، ستبقى المشكلات اللبنانية قائمة وبحدة. فبعد تعثر استجرار الكهرباء والغاز من مصر والاردن عبر سوريا نتيجة تأخر الادارة الاميركية في بت مسألة استثناء الدول الاربع من عقوبات “قانون قيصر” المفروض على سوريا، ومؤخراً كلام الادارة ومجلسي النواب والشيوخ الاميركيين عن درس “الجدوى السياسية” من مساعدة لبنان على استجرار الكهرباء، وقع وزير الطاقة وليد فياض وكامل حكومة نجيب ميقاتي في حيرة كبيرة نتيجة عدم تفسير ما هي “الجدوى السياسية”.

   ووقعت حكومة الرئيس ميقاتي في مأزق اخطر وأدق بتعثّر إقرار خطط ومشاريع  التعافي الاقتصادي والمالي والتدقيق الجنائي، وفرض قيود استثنائية مؤقتة على التحاويل والسحوبات المصرفية المعروف بقانون “الكابيتال كونترول”، واعادة هيكلة القطاع المصرفي بعد الانهيار الذي اصابه، وأنهيار التفاوض مع مع صندوق النقد الدولي برغم التوقيع الاولي على الاتفاق مع الصندوق، نتيجة الرفض السياسي والنقابي والشعبي الواسع لهذه المشاريع، لأنها تزيد الاعباء المالية والمعيشية على المودعين والمواطنين عموماً، فيما لوحظ ايضا رفض جمعية المصارف وجمعيات التجار والهيئات الاقتصادية المطلق لهذه الخطط واعتبارها “كارثية” لا سيما لجهة تحميل المصارف الجزء الاكبر من الخسائر المالية  وعدم وضع خطة واضحة للتعافي المالي والاقتصادي.

اي رئيس ولأي حكومة؟ 

بعد كل هذه الوقائع يُطرَح التساؤل: ماذا بعد الانتخابات والى اين تتجه الامور في لبنان في غياب اي دعم عربي ودولي، ووسط هذا الانقسام السياسي والتخبط الرسمي؟

  كل التطورات السياسية الحاصلة تؤشر الى أن احداً لا يستطيع إلغاء احد في لبنان، فالكل مضطر للتعاطي مع ما افرزته الانتخابات من وقائع على الارض.

  ولا شك إنه بعد تشكيل مجلس نيابي جديد اغلبه من قوى المعارضة والتغيير، سيكون من الصعب تشكيل حكومة مشابهة او شبه مطابقة لحكومة الرئيس ميقاتي السابقة، حيث اعلنت القوى السياسية المعارضة  الفائزة استبدال هذا النمط من الشخصيات والحكومات، برغم ان الرئيس ميقاتي الذي يحظى بدعم عربي وغربي ومحلّي ما زال – وفق مصادر متابعة رفيعة المستوى-  من أبرز المرشحين لترؤس الحكومة الجديدة، بل مرشحاً طبيعيا لها، وثمة تقاطعات محلية وعربية ودولية حول اسمه لمتابعة ما بدأته حكومته من مشاريع وخطط الاصلاح والتعافي، وأن التمسّك بميقاتي ضرورة لا غنى عنها لضمان الاستقرار والإمساك بزمام المرحلة المقبلة أقلّه، حتى موعد الانتخابات الرئاسية في اكتوبر (تشرين الاول) المقبل، لا سيما اذا لم يحصل توافق سريع على انتخاب رئيس للجمهورية ودخلت البلاد في مرحلة فراغ رئاسي.

ماذا عن الحريري؟

   لكن لا بد من انتظار الخطوة المقبلة للرئيس سعد الحريري بعد انتهاء الانتخابات وظهور النتائج، وقد كان الغائب الحاضر في الانتخابات، لكن تشكلت كتلة من قدامى “المستقبل” تضم ستة نواب. فهل سيعود الحريري الى العمل السياسي ولو من دون كتلة نيابية او بكتلة صديقة وحليفة؟ وهل سيتم طرح اسمه مجدداً لرئاسة الحكومة ام يتم اختيار شخصية وسطية ومعتدلة اخرى ام شخصية تغييرية.

  وبعد النتائج التي تولدت عن فشل حكومتي حسان دياب ونجيب ميقاتي في معالجة اي ملف مهم واساسي، ستكون لبعض القوى السياسية مواقف وبرامج مختلفة عن السابق، لا سيما حول مقاربة ملفات سياسية واقتصادية ومعيشية وصحية صعبة، ومسائل عودة النازحين السوريين التي أُعيد طرحها قبيل الانتخابات، وترتيب العلاقة مع دول الخليج بصورة طبيعية لا شكلية كما حصل بعد عودة سفراء الخليج الى لبنان. وصولاً في اواخر السنة الحالية الى الانقسام المتوقع حول انتخاب رئيس للجمهورية في نهاية اكتوبر المقبل.

العدد 129 / حزيران 2022