الاقتصاد السعودي يلمع مع ارتفاع أسعار النفط

أعلى نسبة نمو منذ أكثر من 10 سنوات وسط توقع تحقيق أول فائض في الموازنة منذ 2013

هلا صغبيني

قد يكون ارتفاع أسعار النفط نقمة بالنسبة لمعظم دول العالم، لكنه كان نعمة بالنسبة للمملكة العربية السعودية، ولسوقها المالية. فالنفط قاد الاقتصاد السعودي لأعلى نمو فصلي منذ العام 2011 ليسجل في الربع الأول من العام الجاري 9.6 في المئة على أساس سنوي. علماً ان صندوق النقد الدولي كان رفع اخيراً تقديراته للنمو الاقتصادي السعودي بنحو ثلاث نقاط مئوية إلى 7.6 في المئة لهذا العام. فيما صُنف مؤشر السوق المالية في المملكة (تداول) المرجعي

التداعيات الاقتصادية على أسواق النفط من الحرب عززت التوقعات المالية للمملكة

كصاحب أفضل سادس أداء على مستوى العالم في العام 2022 مدفوعاً بالقفزة الكبيرة في عدد طلبات الطرح العام.

لقد كانت الحرب الروسية – الأوكرانية سبباً أساسياً في ارتفاع أسعار النفط الذي لا يزال يشكل مصدر دخل رئيسياً للدول المصدّرة له لاسيما السعودية أكبر مصدّر للنفط في العالم، وإن توسعت كثيراً في السنوات الأخيرة، شأنها شأن دول الخليج الأخرى، في مسار تنويع اقتصادها حيث يتوقع وزير ماليتها محمد بن عبدالله الجدعان نمواً اقتصادياً أقوى من المتوقع هذا العام في القطاع غير النفطي بدعم من الإصلاحات الهيكلية في إطار “رؤية 2030”.

ويلعب صندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السعودي، دوراً مركزياً في عملية التحول الاقتصادي في المملكة عبر ضخ حوالي 150 مليار ريال (40 مليار دولار) سنوياً في الاقتصاد المحلي حتى العام 2025. لقد حلّ خامساً عالمياً بأصول قيمتها 620 مليار دولار مدعومة بالارتفاعات الكبيرة في أسعار النفط على خلفية الحرب، بعد نقل حصة 4 في المئة من شركة “أرامكو” إليه.

وهو حال صندوق التنمية الوطني الذي سيسهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة بضخ أكثر من 570 مليار ريال بحلول عام 2030، كما يستهدف مضاعفة حصة الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بأكثر من ثلاثة أضعاف ليصل إلى 605 مليارات ريال بحلول عام 2030.

و”أرمكو”، وهي عملاق النفط السعودي، سجلت أداءً استثنائياً في 2021، حيث قفزت أرباحها بنسبة 124 في المئة في أعلى مستوى منذ إدراجها في السوق المالية، مستفيدة في ذلك من ارتفاع أسعار النفط. وهو ما دفع بوكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني إلى تعديل نظرتها المستقبلية لـ”أرامكو” من مستقرة الى ايجابية مع تأكيد تصنيفها عند “أ”،

السعودية توسعت كثيراً في مسار تنويع اقتصادها في السنوات الأخيرة

وتوقعها بارتفاع النفقات الرأسمالية السنوية لـ”أرامكو” إلى 40 مليار دولار – 50 مليار دولار في 2022، مقارنة بـ32 مليار دولار في 2021.

وكان من الطبيعي أن يأتي تعديل نظرة “فيتش” المستقبلية لصندوق الاستثمارات العامة إلى “إيجابية” متسقاً مع التعديل الذي طال “أرامكو”، في وقت كانت رفعت نظرتها المستقبلية للمملكة إلى “إيجابية” من “مستقرة” مع الحفاظ على تصنيف “أ”، كانعكاس للتحسينات في الموازنة العامة بعد ارتفاع عائدات النفط وضبط أوضاع المالية العامة. وتوقعت الوكالة أن تسجل السعودية فوائض في موازنة في 2022-2023، للمرة الأولى منذ العام 2013، أي بما يعادل 6.7 في المئة و3.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي، على افتراض أن يبلغ متوسط أسعار خام برنت 100 دولار للبرميل و80 دولارًا للبرميل.

كما توقعت شركة “جدوى” السعودية للاستثمار زيادة كبيرة في فائض الموازنة في العام الحالي تفوق بكثير ما كانت توقعته المملكة في بيان موازنتها، إلى 298 مليار ريال (79 مليار دولار)، أو ما نسبته 7.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بفائض متوقع 90 مليار ريال (23 مليار دولار). وقدّرت أن يبلغ متوسط سعر النفط لخام برنت 102 دولاراً للبرميل كمتوسط للعام الحالي 2022، مما يعني أن الإيرادات النفطية الإجمالية للحكومة السعودية ستبلغ نحو 935 مليار ريال (249 مليار دولار)، وبزيادة 66 في المئة عن حجمها العام السابق. هذه الإيرادات المتوقعة ستسهم في إيرادات إجمالية بقيمة 1.3 تريليون ريال، وفي جانب المصروفات، بحسب “جدوى”.

وبحسب صندوق النقد الدولي في تقريره حول آفاق الاقتصاد العالمي، سترتفع الايرادات العامة للمملكة في العام 2022 بنسبة 28 في المئة الى 327 مليار دولار بسبب أسعار النفط.

وكانت السعودية ضخت 10.3 ملايين برميل يومياً في مارس (آذار)، وهو الأكبر منذ أبريل (نيسان) 2020.

البنك الدولي

البنك الدولي من جانبه سار في الاتجاه نفسه، حين أعلن أن التداعيات الاقتصادية على أسواق النفط من الحرب في أوكرانيا عززت التوقعات المالية والخارجية للمملكة العربية السعودية على المدى المتوسط. فتوقع في تحديث لتوقعاته أن يكون الاقتصاد السعودي على طريق متسارع للنمو في العام 2022 ليصل الى 7 في المئة قبل أن يستقر عند 3.8 في المئة و3 في المئة في 2023 و2024 على التوالي، وذلك بعدما كان سجل تعافياً أقوى من المتوقع عام 2021، مدفوعاً بارتفاع أسعار النفط والأنشطة غير النفطية، مع تعزيز إنتاج النفط وتلاشي الضغوط الوبائية.

وبحسب البنك الدولي، فان إنتاج النفط الأقوى هو المحرك الرئيسي وراء الانتعاش، والذي من المتوقع أن ينمو بنسبة 13 في المئة في عام 2022 بعد انتهاء تخفيضات إنتاج “أوبك +” في ديسمبر (كانون الأول) 2022. ومن المتوقع أن يواصل القطاع غير النفطي مساره للنمو، المقدر بـ4 في المئة في 2022 و3.2 في المئة في المدى المتوسط.

السوق المالية

وإلى ارتفاع أسعار النفط، كان لارتفاع أسعار الفائدة الأميركية انعكاساتها الايجابية على السعودية. وتنقل “بلومبرغ” عن محللين ومديري صناديق أن أداء الأسهم السعودية يفوق فعلياً جميع الأسواق الأخرى هذا العام، وقد لا تكون المكاسب قد انتهت بعد. وارتفع مؤشر “تداول” لجميع الأسهم بنسبة 22 في المئة هذا العام من حيث القيمة الدولارية، وهو سادس أفضل مقياس أداء عالميًا في عام 2022. وتم دعم المقياس من خلال ارتفاع أسعار النفط وارتفاع أسعار الفائدة.

وقد عززت زيادة أسعار الفائدة، ربحية المصارف المدرجة في سوق الأسهم السعودية، خلال الربع الأول من العام الجاري، محققة مكاسب قياسية بلغت 14.69 مليار ريال، بنمو 22 في المئة مقارنة بنحو 12 مليار ريال في الربع الأول من العام 2021، لتصبح أعلى أرباح فصلية في تاريخها.

وبحسب تقرير نشرته وكالة “إس آند بي غلوبال” للتصنيفات الائتمانية”، فإن المصارف السعودية ستستفيد من الزيادات المتوقعة في أسعار الفائدة. فمقابل كل ارتفاع بمقدار 100 نقطة أساس يزيد صافي الربح 13 في المئة ويصعد العائد على حقوق الملكية بمقدار 1.5 نقطة.

وتوازياً، باتت المملكة ملاذًا آمنًا للاستثمارات الأجنبية، ووجهة لكبريات الشركات العالمية. إذ قفز صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في داخل الاقتصاد السعودي بنسبة 257.2 في المئة خلال عام 2021 على أساس سنوي وبلغ نحو 72.32 مليار ريال (19.29 مليار دولار)، مقابل تدفقات صافية بلغت 20.25 مليار ريال (5.4 مليارات دولار) في 2020.

التحديات

لا شك أن انجازات كثيرة حققتها المملكة في فترة قياسية بعد نجاحها في احتواء فيروس كورونا، تأتي في مقدمتها رفع مستوى الايرادات غير النفطية والتي يتوقع أن يبلغ متوسطها حوالي 19 في المئة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي في 2022-2023، أي أكثر من ضعف مستوى العام 2015. لكن استمرار الاعتماد الكبير على عائدات النفط (أكثر من 60 في المئة من الايرادات الاجمالية) يشكل تحدياً بالنسبة للمملكة. بالاضافة إلى أن أداء القطاع غير النفطي لا يزال، وإن جزئياً، يعتمد على الاستثمار الممول من النفط. وهو ما أظهرته أرقام الهيئة العامة للإحصاء التي أعلنت أن النمو الذي حققته السعودية في الربع الاول (9.6 في المئة) يعود إلى الارتفاع الكبير الذي حققته الأنشطة النفطية بنسبة 20.4 في المئة، إضافة إلى ارتفاع الأنشطة غير النفطية بنسبة 3.7 في المئة.

كما أن الإنفاق الحكومي خارج الموازنة يمكن أن يشكل خطراً متوسط الأجل على نقاط القوة العديدة التي تتمتع بها الموازنة. علماً أن الإنفاق خارج من قبل صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطنية سمح بإنفاق أقل في الموازنة، مع انخفاض النفقات الرأسمالية إلى 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، من 11 في المئة في عام 2014.

كما هناك تحديات خارجية يمكن أن تنعكس على آداء الاقتصاد السعودي، لاسيما الارتفاع الذي تشهده معدلات التضخم العالمية مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية، وهو ما سيفرض ضغوطاً تصاعدية على أسعار المواد الغذائية محلياً وبالتالي على نسب التضخم. ورفعت “جدوى” توقعاتها للتضخم في المملكة إلى 2.4 في المئة من 1.7 في المئة سابقاً، وقالت إن السعودية التي استوردت نحو 45 في المئة من قمحها من روسيا وأوكرانيا العام الماضي، سجلت ارتفاعاً بنسبة 40 في المئة في تكلفة شراء القمح حتى الآن في عام 2022.  وارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات في المملكة بمعدل 2.4 في المئة سنوياً في فبراير (شباط) مقارنة مع ارتفاع بنسبة 2 في المئة في يناير (كانون الثاني).

لكن رفع مجلس الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة مؤخراً وإعلان استمراره في الزيادات خلال الفترة المتبقية من العام، يعني أن رفع قيمة الدولار (وبالتالي الريال السعودي) سيساعد في حصر تكاليف استيراد المملكة الى حد ما خلال العام.

في الختام، على الرغم من هذه التحديات لكن توقعات المحللين تستبشر خيراً بعام وردي للمملكة ولاقتصادها في ظل تنفيذ المشاريع الكبرى التي تخلق فرص عمل للشباب وتؤمن تمويلاً من الخارج يعزز سوقها المالية المزدهرة في هذه الأيام مع الارقام المرتفعة للاكتتابات العامة.

العدد 129 / حزيران 2022