رحيل سمير صبري

صفحة من فن الاستعراض تطوي

ماهو السبب في ايقاف برنامجه الشهير ( النادي الدولي) ؟

رحل الفنان الشامل (سمير صبري)،وهو واحد من الكبار اصحاب (الطله) المميزة ،والحضور الطاغي بما يفرضه من (كاريزما)خاصة،وتأثير بما يتجلى في مواهبه وقدراته في اكثر من مجال.سمير صبري لم يكن فنانا كوميديا ،فهو ليس عادل امام،ولا سمير غانم،ولكنه مع ذلك كان فنانا يرسم على شفتيك بسمه،كما يذهب الضجرعن احساسك،فهو فنان مريح،يغني ويرقص بل ويحاور ويناقش  ،ويطرح اسئله دون ان يحرج او يجرح.قدم العديد من البرامج والأسكتشات،ومثل وانتج الكثير من الافلام و المسلسلات والمسرحيات،وفوق كل ذلك كان انسانا ذو حس اجتماعي عال.يقول الفنان الدكتور اشرف زكي نقيب الفنانين وهو يحضر موكب الجنازة ويقدم العزاء في رحيل سمير صبري (هذا اول عزاء لا اري فيه وجه سمير صبري) وذلك لأمر بسيط يمكن ادراكه لأنه هو الفقيد ذاته) وقال عنه الراحل الكبير  نور الشريف (خلال فترة مرضي لم يكن يداوم عن السؤال عني سوى سمير صبري) . الاحساس بالآخر،أمر لا يمكن فرضه أو حتى طلبه ،ولكنه حس انساني صرف لا يتميز به سوى من كانت مشاعره فياضه ،واحساسه مرهف،وادراكه واسع ،وفي الأول وفي الآخر من كانت قلوبهم كبار

ووجدانهم عامر،وعيونهم نافذه ترى مالا تراه العيون الغافله التي لاتنظر سوى تحت اقدامها . من يحب الناس ،يحبه الله والناس ،تلك معادلة ابدية ،وتجربة حياة غنيه ثريه توزن بمعايير خاصه لا تتأثر بمعايير البشر المعتاده . سمير صبري من ابناء مدينة الاسكندريه،حيث كان ميلاده عام 1936 وتخرج من كلية الآداب ،وكانت دراسته الثانوية في (فيكتوريا كوليج) التي درس بها الفنانون عمر الشريف واحمد رمزي ويوسف شاهين ،كذلك درس بها تاريخيا الملك حسين الذي اصبح ملكا للأردن كما درس بها الملك فيصل الذي اصبح ملكا للعراق ، بمعنى انها كانت تحظي بأهمية خاصة للمستوى الدراسي المتقدم والحظوة من ابناء البيوت المعروفة. ترتب على تلك الدراسة الاجادة المتميزة للغة الانجليزية  التي اهلته لاحقا ليكون مذيعا في البرنامج الاوروبي للأذاعة المصريه في بدايات حياته الاعلاميه او الفنيه كما دونتها مسيرة الايام ، ورحلة العمر لسمير صبري .

مشواره الاعلامي

لعبت الصدفه أو الحظ دورا في حياة سمير صبري، فقد كان سكنه مع والده بعد انفصاله عن امه في عمارة بحي العجوزة بمحافظة الجيزة اشتهرت باسم عمارة (السعوديين)،وكانت هذه العمارة ايضا هي محل سكن العندليب عبدالحليم حافظ،في احدى فترات حياته،وهناك كانت لقاءات لعبت فيها المصادفه جانبا حتى تم الاقتراب،وكان عبدالحليم صاحب الفضل الاول في ان يتقدم سمير صبري ليعمل مذيعا في البرنامج الاوروبي بالأذاعة المصريه،نظرا لأجادته اكثر من لغة،ولاسيما اللغة الانجليزيه وهي الأوسع انتشارا،والأكثر فهما للعديد من الجنسيا ت الاخرى.اختير سمير صبري بعد ذلك ليقدم برنامجا جديدا في الاذاعة المصريه سواء في فكرته او في ادارة حواره،فقد كان البرنامج شاملا  من حيث معالجاته للموضوعات أو اختيار شخصياته،من كافة الميادين،وكان ذلك ميلادا لفكرة برنامج (النادي الدولي) الذي كان له مستمعين ومعجبين ،نجح البرنامج ،واتسعت حركته بتأثيره الجماهيري الواسع ،وكان ذلك كفيلا بترشيحه للأنتقال من مرحلة الصوت المسموع في الاذاعة ،الى الصورة المرئيه على شاشة التلفزيون،فالقبول العفوى عند الناس معيار هام في قوة الحضور،او بتعبير اّخر حدوث التوافق الكيمائي بين النجم وجموع الناس .

النادي الدولي على التلفزيون

 تألقه وذيوع شهرته ثم انكساره

مثل كل الاشياء الناجحة، لابد ان يصعد الناجح،وكلما اجتهد وتطور،فانه يحقق المزيد من النجاح ،بل ويرى من يرعاه ويدفعه الى الامام .وهكذا كان الامر مع سمير صبري وبرنامجه ( النادي الدولي). تحمس له الدكتور عبدالقادر حاتم وزير الاعلام ،وطلب من المخرج ( محمد سالم) وكان مخرجا مرموقا له برامج حققت نجاحا ،وقدم فنانين نالوا شهرة كبيره، فهو الذي قدم (ثلاثي أضواء المسرح) سمير غانم وجورج سيدهم والضيف احمد ،وقد احدث ظهورهم ضجة كبيرة ،وحققوا نجاحا كاسحا.كما اخرج فيلم ( نار الشوق) لحسين فهمي في بداياته وابنة صباح ( هويدا) وكانت البطولة بالطبع لصباح ورشدي اباظه. اقترح المخرج محمد سالم ان يقدم سمير صبري برنامج ( مايطلبه المشاهدون) على غرار البرنامج الاذاعي  (مايطلبه المستمعون) إلا أن الوزير الدكتور حاتم قال له: «إن سمير أكبر بمواهبه من أن يقدّم برامج يقتصر دوره فيها على ذكر أسماء الذين يطلبون الأغنيات» ثم أشار أن: «برنامجه الإذاعي المعروف باسم «النادي الدولي» جيد جداً، وأقترح عليه أن يقدمه في التلفزيون وهو ما حدث بالفعل. وكانت مواقع الثقافة والتوجيه والاعلام تعج بالصراعات شأنها شأن كل المواقع او المراكز ذات التأثير الجماهيري المباشر،وقد جرت محاولات لعرقلة ظهور هذا البرنامج أو عدم اطلاق حرية سمير صبري في الاعداد او الظهور،ولذلك تم تعيين اثنتان من المذيعات الجدد مع سمير صبري لكي لا يكون نجم البرنامج الاوحد ،وكانت المذيعه فريده الزمر والمذيعه سلمي الشماع هن رفيقات سمير صبري في تقديم البرنامج ( النادي الدولي ) في ميلاده الجديد على شاشة التلفزيون المصري و  خلال سنة واحدة كان برنامج «النادي الدولي» هو أشهر برنامج تلفزيوني في ذلك الزمن ، واستطاع أن يقدم حلقات مميزة وشهيرة مثل حلقة معرض «توت عنغ أمون» في لندن والتي أفتتحته ملكة بريطانيا بنفسها، وكانت هذه أول مرة يخرج برنامج تلفزيوني خارج حدود الاستديوهات، وحلقة «اللورد هيوم» وزير خارجية بريطانيا في ذاك الوقت، وحلقة السلطان قابوس في أول زياراته إلى مصر، ناهيك عن حلقاته مع الفنانين المصريين مثل حلقاته مع الفنان عبدالحليم حافظ والفنانة سعاد حسني والفنان نور الشريف والفنان محمد عبدالوهاب وغيرهم من أشهر الفنانين المصريين، بالإضافة إلى حلقته الأشهر مع الجاسوسة انشراح موسى، والملاحظ ان هذا البرنامج قد استطاع تفجير مواهب وطاقات في سمير لم تكتشفها السينما فيه طيلة مشواره، فأصبح مثل البطل الشعبي ففي كل أسبوع كان يثير مشكلة لا يستطيع أصحابها حلها بأنفسهم، فمثلاً عندما تم هدم بيت أحد الأشخاص، أجرى سمير حواراً معه في حضور المحافظ ليحكي مشكلته عن عدم إيجاد مأوى له،وألتقى ضمن احتفاليات الأم المثالية في ذلك الحين وتحدثت الام  عن إبنتيها المصابتين بالشلل وقالت إنها غير قادرة على الذهاب بأبنتيها إلى المدرسة بإنتظام وتم الاستجابة لها سريعاً وتوفير سيارة لها لكى تذهب بإبنتيها إلى المدرسة. خدمات من هذا النوع تقدم على الهواء مباشرة تثير عواطف الناس وتكتسب عواطفهم ،ولكن يصبح السؤال مشروعا عن مشكلة الحالات المشابهة وماذا يمكن ان يقدم لها ،بعيدا عن الشاشات والعرض العام ،ولكنه على الاقل جهد يمكنه ان يدق الجرس وينبه الى ان هناك مشاكل خافيه لابد من التنبه لها .

سمير صبري وضريبة النجاح

حقق البرنامج نجاحا كبيرا،وبدأت السينما تغازل النجم الساطع ،وتسعى لضمه الى صفوف نجومها ،وبدأت علاقته القديمه بالفنان الذي تربع على قلوب المستمعين عبدالحليم حافظ ،تستخدم كأداة نيل من سمير صبري بأنه يفرد

في الدوره الاربعين لمهرجان القاهرة السينمائي قال الحمد لله انهم تذكروا تكريمي قبل ان ارحل وصعد للمسرح وبجواره لبلبه

مساحات في برنامجه للمطرب الشهير ،بغية الوصول الى نجومية في عالم السينما ،في حين ان ظهور عبدالحليم على شاشة النادي الدولي كانت دائما في اطار تقديمه لأنتاجه الجديد في عالم الغناء بالأضافة الى ان ظهور عبدالحليم في برامج النادي يعزز مكانة البرنامج في المشاهدة فعبدالحليم نجم يستحوذ البرنامج بظهوره في فقراته على مشاهده اوسع بكثير من مشاهدة البرامج الاخرى. فالبرنامج لا يخدم عبدالحليم بقدر ما يخدم جماهيرية البرنامج ودليل على ذكاء المعد

ولكن الحملات ضد البرنامج كانت لا تتوقف ووصلت أن لجنة المتابعة في التلفزيون قد كتبت في أحد تقاريرها أن سمير صبري يقوم بإحضار عبدالحليم حافظ إلى برنامجه، لأنه صاحب شركة «صوت الفن»، وهي شركة إنتاج سينمائية،في إتهام واضح لسمير بأنه يستغل البرنامج لكي يعمل في السينما من خلال شركة عبدالحليم.

ايقاف البرنامج

حدث ان استضاف سمير صبري الراقصة ( فيفي عبده) واجرى حوارا معها وصل الى سؤالها من اي مدينة او قرية كان مولدك فقالت بتلقائية شديدة ( أنا من قرية ميت ابو الكوم) ومن المعروف ان تلك القرية هي نفس القرية التي ولد بها الرئيس الراحل انور السادات وتقيم فيها بقية الاسرة. صدر قرار على الفور بايقاف هذا البرنامج نهائيا ،اما من هي الجهة التي اصدرت ذلك القرار وتقف من خلفه فلم يعلن ذلك ولم يعرف حتى الآن .من جانب اّخر يؤكد سمير صبري في حواره مع الإعلامي الراحل وائل الابراشي ببرنامج التاسعة المذاع على القناة الأولى المصرية، أن سبب إيقاف البرنامج لم تكن الجملة الشهيرة التي قالتها الراقصة فيفي عبده «أنها تعلمت الرقص في ميت أبوالكوم» موطن الرئيس الراحل أنور السادات، وأكد أن كان هناك إختلافات بينه وبين وزير الإعلام في ذلك الوقت، وأضاف أنه بعد تسجيل الحلقة طلب أن تحذف جملة فيفى عبده ولكن بحسن أو سوء نية لم يتم حذف الجملة.

تألقت فريدة الزمر بعد عملها مع سمير صبري ،وقدمت العديد من البرامج ،ولكن لأنها من عائلة الزمر ،ومن هذه العائله شخصيتان اتهمتا بالأشتراك في اغتيال الرئيس السادات ،وهما ( عبود الزمر وطارق الزمر ) ولذلك فقد صادفت العديد من المتاعب ،أما سلمي الشماع الضلع الثالث في البرنامج فقد تخصصت بعد ذلك في تقديم برامج

مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية
على اليمين المخرج مجدى احمد علي ثم الفنان محمود حميدة والفنان سمير صبري

المنوعات ومن اشهر برامجها برنامج ( زووم) وكان يذاع في فترة الثمانينات والتسعينات ،وكان يتعرض للاعمال الفنية الجديدة،كما انها تولت رئاسة قناة النيل للمنوعات وهي (احدى قنوات النيل المتخصصة )في بداية افتتاحها وأصبح اسمها الآن (نايل لايف) فاز برنامجها (زوووم) بجائزة قي مهرجان الإذاعة والتلفزيون . قدم الفنان سمير صبري كذلك العديد من البرامج الناجحة مثل «هذا المساء، بدون كلام، كان زمان»، فيما يعد برنامج «النادي الدولي» هو أشهر برامجه التلفزيونية في السبعينات، والذي دارت حوله الكثير من الحكايات والتفاصيل كما اسلفنا.

سمير صبري الفنان الشامل

يقول سمير صبري انه لم يحظ بالتكريم الذي كان ينشده في اعماله الاستعراضية على خشبة المسرح وكذلك على ادائه وجهوده على شاشة السينما،ويستطرد فيقول اعلم تماما ان شهرتي كمقدم برامج (النادي الدولي،وهذا المساء و بدون كلام وكان زمان ) قد طغت تماما على نشاطي في السينما او اعمالي على المسرح اوادواري في المسلسلات التلفزيونية اوالاذاعية وكذلك اقتحامي لعالم الفوازير. شهرتي في عالم تقديم البرامج كان لها الاولوية في تقييمي عن كوني فنان استعراضي او مساهماتي في السينما لاسيما وانني قد قدمت اول افلام سينمائيه تصور في عمق البحر،وكان ذلك تقدما ملحوظا في عالم التصوير المائي (فيلم جحيم تحت الماء) بطولته مع  ليلي علوي،وان اعماله في السينما والمسرح والتلفزيون تعد بالمئات فهو فنان منتشر بفنه ،كما ان له الكثير من الاغنيات الناجحة وفي المقدمة منها  حلوة الدنيا سكر – كان مرة في ولد صغير – ليلة امبارح – روق يابو علي – اهلا بالحب – مبروك ياعريس – ها تروق وتحلى – يا أهل اسكندرية) وغيرها. يذكر انه من المرات الناد

من المرات النادرة التي كرم فيها سمير صبري كانت في مهرجان السينما الأفريقيه الذي اقيم بمدينة الاقصر ،وكان رئيس المهرجان الشرفي الفنان محمود حميده ،وقد قال في كلمته ( انني اشاهد سمير صبري منذ زمن بعيد،وقد  أضاف لنشاطه التمثيلي عنصري الغناء والإعلام، وكنت أتابعه وهو يتحدث

في محافل عامة أو ندوات وغيرها، فأراه لا يصدر إلا البهجة، ومن المعروف عنه أنه تاريخ للسينما والغناء العربي وغير العربي، فهو يملك ثقافة واسعة جدا، أما على المستوى الشخصي فقد جعل حياتي مليئة بالبهجة والتفاؤل.. ورحل سمير صبري بعد ان ترك تراث يتميز على الدوام بالأبداع والتفوق.

امين الغفاري

العدد 130 / تموز 2022