التعايش الصعب بين مكوّنات المجلس النيابي

القوى التقليدية تبتلع ” قوى التغيير”… وتشكيل الحكومة مُعلّق

بيروت – غاصب المختار

  إتضحت صورة البرلمان اللبناني الجديد بعد إتمام كل الاستحقاقات الانتخابية الداخلية المتعلقة بإنتخاب رئيس للمجلس ونائبه واعضاء هيئة المكتب(امينا السر وثلاثة مفوضين) واللجان النيابية المتخصصة، وبدا ان هذا المجلس حسب توصيف البعض “بيت بمنازل كثيرة” ما يعني ان لا اكثرية موصوفة تتحكم به ولا اقلية موصوفة تعارض، بل تركيبة من مجموعة كتل من الاحزاب التقليدية و”قوى التغيير والمستقلين” المنبثقين من الحراك الشعبي الذي انطلق في 17تشرين اول – اكتوبر 2019. فباتت هذه المجموعات مضطرة الى التعايش الصعب مع الآخرين نظراً

المجلس الجديد التعايش الصعب

للإختلاف الكبير في التوجهات والاولويات والاداء والطموحات والاهداف والمصالح.

  وتقول مصادر سياسية ان تحالف الثنائي الشيعي امل وحزب الله مع التيار الوطني الحر وحزب الطاشناق الارمني، وبالاتفاق مع الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، استطاعوا السيطرة على تركيبة المجلس الجديد، بانتخاب نبيه بري رئيسا للمجلس، مقابل انتخاب النائب الياس ابو صعب (من التيار الحر) نائباً لرئيس المجلس، واستمرار عضو كتلة التيار الحرالنائب الان عون وعضو كتلة الحزب الاشتراكي هادي ابو الحسن وعضوحزب الطاشناق هاغوب بقرادونيان في عضوية هيئة مكتب المجلس.

  عدا ذلك، اظهرت التجربة الاولى ان النواب “التغييريين والمستقلين والسياديين” مع بعض الاحزاب التقليدية كالقوات اللبنانية وحزب الكتائب وسواهما، والمفترض انهم على تفاهم ضد ما يسمونه “المنظومة الحاكمة”، كانوا في حالة من عدم التنسيق والاتفاق. بينما كانت “القوات” على “تفاهم كامل ” مع “الخصوم السياسيين المفترضين” من القوى السياسية والحزبية التقليدية من اجل الحصول على حصتها في اللجان رئاسة وعضوية، فباتت شريكة معهم في تركيبة المجلس.

  وعليه، شكلت نتائج جلسة انتخاب هيئة مكتب المجلس بداية ضعيفة وغيرموفقة للنواب الجدد، بينما اظهرت انتخابات اللجان النيابية “سؤ إدارة” قوى التغيير للمعركة بحيث دخلت في مواجهة انتخابية مع قوى كبيرة مؤتلفة برغم خلافاتها، فخسروا اعضاء في لجان مهمة اساسية كالمال والموازنة، والاشغال العامة والطاقة، والاقتصاد والتجارة. ولم يحصلوا مثلاً على أي عضو في لجنة الادارة والعدل وهي “ام اللجان والمطبخ التشريعي” التي بقيت رئاستها لنائب القوات جورد عدوان، ولا في  لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات. بينما سيطرت القوى التقليدية على كل اللجان رئاسة وعضوية. فإضطرت قوى التغيير الى الدخول متأخرة في مفاوضات مع القوى الكبرى وتوصلت معها الى توافق وتزكية على تعيين أعضاء باقي اللجان غير الاساسية.

 هكذا، خلطت جلسة انتخاب هيئة مكتب المجلس واللجان الاوراق مجدداً. وخسرت قوى التغيير والمستقلين مواقع مهمة في ادارة المجلس وخسرت معها القوات اللبنانية رهانها على التحالف معهم والتنسيق في كل كبيرة وصغيرة

لقاءات السفيرة الفرنسية وحزب الله الى اين؟

للسيطرة على المجلس، فغرّد الكثير من النواب في دورة الاقتراع الاولى لانتخاب نائب رئيس المجلس خارج سرب الاكثرية الجديدة، واصطف بعضهم الى جانب القوى التقليدية نتيجة تشابك مصالح سياسية واقتصادية ومالية، كما قالت مصادر متابعة لـ “الحصاد”.

 وفي هذا المجال، قال النائب الان عون:  ان انتخاب هيئة مكتب المجلس اثبت ان هناك “اكثرية متحركة وليست ثابتة”، ومَن يتعاطى بمنطق رفضي لن يكون لديه قدرة على الانجاز!

كما قال عضو كتلة القوات اللبنانية النائب جورج عقيص: اننا كقوى سياسية وتغييريين ومستقلين، اصبحنا قادرين على تكوين “أكثريات ظرفية” لنحاسب اي وزير في لحظة سياسية ما وهذه طبيعة العمل البرلماني… وهذا الكلام يؤكد مقولة ان “الشغل في المجلس سيتم حسب الموضوع”، ما يعني توافقاً هنا حول موضوع مُعيّن واختلافاً وافتراقاً هناك حول موضوع آخر.

اولويات “قوى التغيير”

  ومع ذلك، يقول اكثر النواب الجدد الذين تواصلت معهم “الحصاد” ان الكتلة التي شكلوها من 13نائباً، مع كتلة النواب المستقلين من 13نائباً او اقل، يمكن ان تُشكلا عامل تغيير وضغط بالغ التأثير لاحقاً في اداء المجلس الجديد، وهي بدأت معركتها التغييرية بعدم انتخاب نبيه بري رئيساً للمجلس، وبفرض ايقاعها على المجلس بحيث الغت التوافقات المسبقة والمحاصصات التي كانت تتم، واخضعت انتخاب رئيس و نائب رئيس المجلس للتصويت بدل الإجماع او شبه الاجماع الذي كان سائداً. كما انها فرضت رؤيتها في إنتخاب اللجان النيابية حيث أمكنها فرض

من سيسكن السرايا واي حكومة؟

التصويت بدل التوافقات المسبقة بين القوى التقليدية التي كانت مسيطرة على المجلس، عبر ترشيح  اكثرمن عضو منها لرئاسة وعضوية عدد من اللجان المهمة… لكن “حساب الحقل لم يؤاتِ حساب البيدر” فخسرت مجدداً.

  وقال النائب المنتخب من قوى التغيير الدكتور الياس جرادة لـ “الحصاد”: انه برغم كل ماحصل، فالتنسيق قائم بين اعضاء المجموعة او الكتلة حول كيفية التعاطي مع كل الامور في المرحلة المقبلة، لا سيما تحديد اولويات العمل التي ستطال كل ما يصيب المواطن في حياته اليومية في القطاعات الاقتصادية والمعيشية والصحية والتربوية والمصرفية والامنية، وسيتم العمل عليها في “ورشة” كبيرة يتم وضع عناوينها وخططها في اجتماعات مفتوحة. عدا عن تحديد معايير لتسمية رئيس للحكومة وتشكيل الحكومة.

   لكن هل كل القوى الجديدة في المجلس متفقة على مسار واحد؟

   بدا من الاسابيع الاولى لعمل المجلس الجديد ان النواب الجدد ليسوا على قلب واحد، فثمة اختلافات في بعض الاراء حول قضايا سياسية واقتصادية وفي طريقة ادارة الامور والتعاطي مع القوى السياسية والكتل النيابية الاخرى. عدا عن أن العديد من النواب “المستقلين السياديين” (كما يسمون انفسهم) ابلغ “الحصاد” انه لن يدخل في خصومة مع رئيس المجلس والقوى السياسية الاساسية في بداية ولاية المجلس، لمنع اي مشكلات تعيق التشريع وتعرقل عمل هؤلاء النواب، وهذا ما ظهر فعلا في انتخاب عدد من هؤلاء النواب المستقلين للرئيس بري ونائبه الياس بو صعب.

  بالمقابل، يعمل بعض النواب من خصوم حزب الله وحلفائه على تشكيل كتلة مستقلة معارضة، حيث اكد  النائب اشرف ريفي لـ “الحصاد”، انه بدأ مع النائب فؤاد مخزومي اتصالات مع مجموعة من النواب المستقلين والسياديين والتغييريين من كل المناطق، بهدف تشكيل كتلة او تكتل نيابي مستقل وسيادي. وانه حتى الآن هناك تواصل مع خمسة او ستة نواب وستتوسع الاتصالات اكثر. وان الكتلة او التكتل سيكون من نواب مسلمين سنّة ومسيحيين.

الحكومة المعلقة

  يبقى الاهم بعد استقرار تركيبة المجلس النيابي الجديد، وبعد تسمية رئيس للحكومة، تشكيل الحكومة، وسط اكثر من رأي وتوجه يحكم المسألة، بين داعٍ لتعويم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مع بعض التعديلات في الوزراء، وبين من يريد اعادة تكليف ميقاتي مع حكومة من سياسيين او مُطعّمة بسياسيين واختصاصيين، او رافض لميقاتي ولطريقة تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم معظم الاطراف كما كان يحصل في السابق، وبين من يريد حكومة اكثرية تحكم واقلية تعارض.

  لذلك تقاطعت معلومات بعض الاطراف حول وجود نوع من التريّث لتشكيل الحكومة بعناية، وخصوصاً أن الحكومة العتيدة ستكون محط اشتباك كبير لجهة تركيبتها وهويّتها وتوازناتها. فهي لن تكون حكومة عادية يجري تقاسم الحصص فيها، بل حكومة توازن قوى يريد كل طرف من خلاله فرض ما يريد في مرحلة لاحقة، بخاصة في حال تاخر انتخاب رئيس جديد للجمهورية نتيجة الصراعات القائمة، ما يعني أن هذه الحكومة ستكون هي الحاكم

نواب قوى التغيير بداية غير موفقة

الفعلي في ظل الفراغ الرئاسي لو حصل، ما لم تتدخل القوى الدولية المعنية بالوضع اللبناني لفرض خيار معين في انتخاب رئيس الجمهورية.

  لكن هناك قوى أساسية ترى أن المدة المتبقية لانتهاء العهد (نهاية اكتوبر المقبل) لا تسـتأهل تأليف حكومة جديدة، ويُمكن الإبقاء على الحكومة الحالية لتصريف الأعمال، وأن هذا هو الخيار هو الانسب في مرحلة الاشتباك السياسي الكبير الداخلي والاقليمي والدولي.

اين العالم من لبنان؟

  ولكن هل العالم المنشغل بحرب اوروبا ومشكلة ازمة الغذاء العالمية وارتفاع اسعار السلع الغذائية والنفط والغاز سيتفرغ للبنان؟

  ثمة كلام عن توجّه فرنسي لعقد مؤتمردولي جديد تأسيسي حول لبنان ينتظر تشكيل الحكومة الجديدة. لكن تردد ان ان الحراك الديبلوماسي الفرنسي المستمر في الساحة اللبنانية لن يدفع بإتجاه طاولة مفاوضات خارج لبنان كما كان مقرراً خلال مرحلة سابقة. وبحسب المصادر فإن الفرنسيين يرغبون بمعرفة المسار الذي سيتخذه الواقع السياسي اللبناني في المرحلة المقبلة الى حين انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون مع القيام بتدخلات موضعية.

 وحسب معلومات “الحصاد” فإن السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو، كانت خلال الفترة الماضية بعد الانتخابات النيابية، على تواصل دائم مع حزب الله، وعقدت اكثر من لقاء مع مسؤول العلاقات الخارجية عمار الموسوي، للتفاهم على إدارة المرحلة المقبلة بهدؤ ومن دون تشنجات.

 وحسب المصادر المتابعة للقاءات، فإن البحث تناول تقييم الانتخابات النيابية التي جرت في ايار الماضي ونتائجها وانعكاسها على الوضع اللبناني العام. ونقلت السفيرة غريو اهتمام فرنسا بسرعة تشكيل الحكومة، لكنها لم تتدخل في تسمية او اقتراح اي شخصية معينة لترؤسها او حول شكل الحكومة. وتناول البحث ايضاً أستكمال الاصلاحات في الاقتصاد في كل القطاعات لتسريع إنهاء التفاوض مع صندوق النقد الدولي حول دعم لبنان، كما نقلت تأكيداً على استمرار الدعم الفرنسي للبنان وحفظ الاستقرار فيه.

   لكن البحث لم يتطرق إلى موضوع ترسيم الحدود البحرية وزيارة الوسيط الاميركي في المفاوضات آموس هوكشتاين إلى بيروت منتصف الشهر الماضي.

 وترى المصادر ان مرحلة ما بعد الفراغ الرئاسي ستشهد الاندفاعة الفرنسية الكبرى، والتي قد تهيء الظروف لتسوية تشمل قضايا عدة منها اسم رئيس الجمهورية وكيفية إدارة المرحلة المقبلة، لا سيما مع اعادة تحريك ملف المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والكيان الاسرائيلي بوساطة اميركية حول ترسيم الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة.

 وعلى خط آخر، مازال الفاتيكان  يعمل بصمت لعدم ترك لبنان في ازمته، وزيارة البابا فرانسيس المقررة الى بيروت خلال الصيف مؤشر على اهتمام الكرسي الرسولي بتهدئة الاوضاع اللبنانية، وهويقوم بإتصالات مع الدول الكبرى المعنية من اجل تمهيد الاجواء المؤاتية لإستقرار الوضع.

العدد 130 / تموز 2022