“أوبك +” تغازل الغرب وأميركا ولا تزعل روسيا

فاجأت سوق النفط بزيادة الإنتاج 50 في المئة في يوليو وأغسطس

هلا صغبيني

شهد العام 2022 تباطؤ نمو أداء الاقتصاد العالمي الذي لم يكن تعافى بعد نهائياً من جائحة كورونا، متأثراً بالحرب الروسية – الاوكرانية المتصاعدة والإجراءات العقابية التي فرضتها الدول على روسيا، وتدابير الإغلاق التي اعتمدتها الصين في عدد من المراكز الصناعية الرئيسية، وهو ما تسبب في حدوث انقطاعات جديدة في سلاسل الإمدادات العالية واضطراب في حركة التجارة الدولية. توازياً، واصلت معدلات التضخم ارتفاعها بشكل ملحوظ عن المستويات المستهدفة من قبل المصارف المركزية العالمية نتيجة الزيادة المتسارعة في أسعار السلع الأولية، بحيث

موظف في عملاقة النفط السعودية “أرامكو”

باتت المفاضلة على مستوى السياسات الحكومية أكثر تعقيداً، بين التصدي للتضخم وحماية التعافي العالمي.

وسط هذه المشهدية، ارتفعت أسعار النفط الى مستويات عالية تخطت الـ130 دولاراً في بعض الاوقات، مع أنه تم احتواء الزيادات إلى حد كبير بفضل الطاقة الإنتاجية الفائضة في بعض البلدان واحتياطيات النفط الاستراتيجية في بلدان أخرى.

بالنسبة للبعض، قد يعكس ارتفاع أسعار الطاقة صدى السبعينات، حين واجهت البلدان الصناعية الكبرى في العالم، ولا سيما الولايات المتحدة وكندا وأوروبا الغربية واليابان وأستراليا ونيوزيلندا، نقصاً كبيراً في النفط، مصحوباً بارتفاع في أسعاره. لكن البعض الآخر يرى أن الزمن قد تغير وأن الاعتماد الأقل على النفط قادر على حماية العالم عن الصدمات على غرار السبعينات.

ارتفاع أسعار النفط خلق كباشاً حاداً بين منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفائها العشر في إطار “أوبك +” (وبينها روسيا ثاني أكبر دولة منتجة في المجموعة وواحدة من أكبر الدول المصدرة للمنتجات النفطية في العالم)، من جهة، وتلك المستوردة له والمستهلكة من جهة أخرى. إذ تلقي الدول الغربية اللوم على “أوبك +” بأنها لا تساعد في خفض الأسعار عبر تسريع الإنتاج. فيما “أوبك +” ترفض تحميل المنتجين مسؤولية ما يحصل بين روسيا وأوكرانيا وتداعيات عمليات الإغلاق في الصين والتي تهدد آفاق الطلب على النفط. وقاومت بشدة الضغوط التي مورست عليها وأصرّت على الالتزام بخطتها إلغاء قيود الإنتاج التي فُرضت عام 2020 عندما أدت جائحة كورونا إلى كبح الطلب، وإضافة 432 ألف برميل يومياً في الشهر على مدى ثلاثة أشهر حتى سبتمبر (أيلول).

وكانت “أوبك +” خفضت الإنتاج بشكل كبير في عام 2020 فيما أثّر الوباء سلباً على الطلب. ولكن بموجب اتفاق تم التوصل إليه في يوليو (تموز) من العام الماضي، قررت أن تزيد أهداف الإنتاج بمقدار 432 ألف برميل يوميًا كل شهر حتى نهاية سبتمبر (أيلول)، لإلغاء تخفيضات الإنتاج المتبقية

لكن اجتماع المنظمة في الثاني من يونيو (حزيران) شكّل مفاجأة حين وافقت “أوبك +” على فتح صنابير النفط بشكل أسرع في أشهر الصيف وتقديم موعد الزيادات بإقرارها زيادة في الإنتاج بنسبة حوالي 50 في المئة وبمقدار 648

“أوبك” تقرر زيادة الانتاج بمقدار 648 ألف برميل يومياً في يوليو  وأغسطس

ألف برميل يوميا في يوليو (تموز)- تمثل ما نسبته فقط 0.4 في المئة من الطلب العالمي  – وكمية مماثلة في أغسطس (آب).

زيادة الإنتاج هذه سوف تتأمّن بشكل أساسي من العراق (بمقدار 71 ألف برميل)، والإمارات (52 ألفاً)، والكويت (44 ألفاً). في حين تمت المحافظة على مستوى زيادة الإنتاج لكل من المملكة العربية السعودية وروسيا عند 170 ألف برميل لكل منهما إلى 10.833 ملايين برميل يومياً.

عن “أوبك”

قبل عرض تفاصيل هذا القرار، نشير إلى أن “أوبك” هي نادٍ لمصدّري النفط، مهمّته تنسيق وتوحيد السياسات النفطية للدول الأعضاء (13 دولة)، وضمان استقرار أسواق النفط عن طريق تأمين إمدادات فعالة واقتصادية ومنتظمة من النفط للمستهلكين، ودخل ثابت للمنتجين وعائد عادل على رأس المال لأولئك الذين يستثمرون في صناعة النفط.

في العام 2016، انضمت عشر دول أخرى من خارج “أوبك” في إطار مجموعة “أوبك +” بهدف خفض إنتاج النفط لتحسين الأسعار في الأسواق.

راهناً، تنتج دول “أوبك” 29 في المئة من النفط الخام في العالم، أو ما يصل إلى حوالي 28 مليون برميل يومياً، فيما تنتج كل الدول المجتمعة ضمن “أوبك +” معاً حوالي 40 في المئة من إجمالي النفط الخام في العالم.

وكانت “أوبك”خفضت توقعاتها لنمو الطلب على النفط في 2022، إلى 3.36 ملايين برميل يومياً (من 3.67 مليون برميل في توقعات سابقة)، بسبب التباطؤ المحتمل لنمو الاقتصاد العالمي، وسط تسارع التضخم على خلفية تداعيات الحرب الروسية -الأوكرانية، إلى جانب عودة ظهور متحور أوميكرون في الصين. لكنها توقعت على رغم ذلك، أن يصل الطلب الإجمالي إلى 100.29 مليون برميل يومياً في نهاية العام 2022.

وكالة الطاقة الدولية توقعت من جهتها تباطؤ نمو الطلب العالمي على النفط خلال الربع الثاني من العام الجاري، بنسبة 56.8 في المئة، ليصل إلى 1.9 مليون برميل يوميًا، مقابل 4.4 مليون برميل يوميًا خلال الربع الأول من 2022.

إذابة الصقيع

تكمن أهمية قرار “أوبك +”  في إشارتها السياسية، كونها تمثل بادرة ايجابية في إطار العلاقة الفاترة بين المجموعة، لاسيما المملكة العربية السعودية، وبين الولايات المتحدة التي أطلقت في الأشهر الأخيرة انتقادات عنيفة ضدها، وفي الوقت نفسه من دون أن تكسر تحالفها المستمر مع روسيا.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أعلن عن جولة له إلى دول الخليج ومنها السعودية عقب قرار “اوبك” زيادة الانتاج، مارس ضغوطاً كبيرة على المنظمة وشركائها من أجل أن تزيد الانتاج ملوّحاً بإقرار مشروع قانون “نوبك” (أو “لا لتكتلات إنتاج وتصدير النفط”) والذي من شأنه أن يعرّض الدول الأعضاء في “أوبك” وشركاءها للمساءلة بموجب قوانين مكافحة الاحتكار.

 هل ستهدأ الأسعار؟

قد لا تؤدي خطوة “أوبك +” المفاجئة الى تحقيق الهدف منها في خفض الأسعار في المرحلة المقبلة، بحيث تتوقع “غولدمان ساكس” أن يصل سعر خام برنت إلى 125 دولاراً للبرميل في النصف الثاني، فيما يتوقع “جي بي مورغان” 114 دولاراً للبرميل في الربع الثاني.

بعض الأسباب في ذلك:

  • إن نجاح الهدف من وراء هذه الزيادة هو رهن أصلاً بالتطورات في روسيا التي تراجع إنتاجها أصلاً نتيجة العقوبات الغربية عليها، فأنتجت في أبريل (نيسان) بأقل من هدفها المحدد والبالغ 10.44 ملايين برميل يومياً، ليبلغ إنتاجها حوالي 9.3 ملايين برميل يومياً. وبالتأكيد، لن تكون روسيا قادرة على إنتاج حصتها في يوليو (10.8 ملايين برميل يومياً)، حيث تدخل جهود الاتحاد الأوروبي لوقف معظم مشتريات النفط الروسية حيز التنفيذ.
  • بروز طلب متزايد على النفط في حالة إعادة فتح الاقتصاد في الصين.
  • عدم قدرة دول عدة في “أوبك”، باستثناء السعودية والإمارات، على إنتاج الكمية التي تم اتخاذ قرار في شأنها عندما يحين الوقت، لأنها تضخ أصلاً بكامل طاقتها الإنتاجية (مثل ليبيا وفنزويلا ونيجيريا). كما يواجه عضوان في “أوبك” (إيران وفنزويلا) انخفاض مستوى إنتاجهما بسبب العقوبات، علماً أن إدارة الرئيس الاميركي المأزومة بسبب الوضع الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم تعتزم تخفيف العقوبات عن فنزويلا من أجل السماح لها في زيادة انتاجها من النفط وبيعه في السوق العالمية.

هناك دولتان أخريان (ليبيا ونيجيريا) تعانيان من مستوى إنتاجي منخفض بسبب عدم الاستقرار السياسي فيهما. كما أن إنتاج أنغولا انخفض بنسبة 50 في المئة منذ العام 2015.

  • واستتباعاً للنقطة السابقة، نشير إلى معطى مهم جداً له بعد طويل المدى، وهو تراجع الاستثمارات العالمية في زيادة الطاقة الانتاجية وذلك تلبية لنداءات وكالة الطاقة الدولية لتصفير الانبعاثات. فبحسب بيانات مارس (آذار)، تقف نيجيريا وأنغولا وراء ما يقرب من نصف نقص الإنتاج النفطي الذي استهدفته مجموعة “أوبك+”، نتيحة عدة عوامل منها ابتعاد شركات النفط الغربية الكبرى عن المشاريع الافريقية. كما تنسحب شركات النفط العالمية تدريجياً من ساحة إنتاج النفط البري في نيجيريا، لأن الشركات الاجنبية ترى أن استثماراتها تحمل مخاطرة كبيرة جداً مع تجاوز التكاليف التوقعات.

وترى “أوبك” أن انخفاض الاستثمارات بعد انهيار أسعار النفط في عامي 2015 و2016 بسبب زيادة المعروض، إلى جانب تركيز المستثمرين المتزايد على القضايا الاقتصادية والاجتماعية والحوكمة، كل ذلك أدى إلى نقص الإنفاق اللازم لتلبية الطلب.

  • في مقابل العجز في زيادة الإنتاج في دول منتجة أخرى، يحقق منتجو “أوبك”، وعلى رأسهم السعودية، مستويات إنتاجهم المستهدفة في “أوبك+” إلى حد كبير. وفي هذا الاطار، يأتي تصريح وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان الذي كشف أن المملكة في طريقها لزيادة طاقة إنتاج النفط بأكثر من مليون برميل يوميا إلى أكثر من 13 مليون برميل يوميا ًبنهاية العام 2026 أو بداية 2027.

لماذا رفضت “أوبك” سابقاً زيادة كبيرة في الانتاج؟

ترى “أوبك” أن طلب الدول الغربية ولاسيما الاوروبية منها التي تستحوذ على ثلثي الصادرات النفطية الروسية، زيادة إنتاجها لتغطية نقص الإمدادات الروسية وتفادي زيادة عالية في أسعار النفط مما سيؤدي إلى تفاقم التضخم، هو أمر غير منطقي، لأن الأسعار المرتفعة حالياً مردها الى “عوامل غير أساسية” وخارج إمكانية المنظمة في التحكم بها.

فالطاقة الإنتاجية الإضافية لدى أقطار “أوبك” هي بنحو 1.62 مليون برميل يومياً، 820 ألف من السعودية و800 ألف من الإمارات بحسب تحليلات “بلاتس”. علماً أن معظم الدول النفطية بادرت إلى الإنتاج بأعلى طاقاتها لتلبية ازدياد الطلب الحالي وللاستفادة من الأسعار العالية.

على أي حال، كل الأنظار ستتجه الى تطور الحرب الروسية – الأوكرانية والتي ستحدد ما اذا كانت “أوبك” ستمدد اتفاقية إدارة السوق (والتي مددتها أصلاً الى نهاية ديسمبر/كانون الاول) وكيفية تمديدها، في الوقت الذي تواصل  الدول الكبرى صراعها في محاولة للانتصار على تضخم يغرس عميقاً في اقتصاداتها.

العدد 130 / تموز 2022