على هامش استجواب وزير الدفاع العراقي: 

كتابة د.ماجد السامرائي

انشغل الرأي العام العراقي والعربي خلال الأسابيع القليلة الماضية بقضية استجواب وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي داخل البرلمان، فبتاريخ الأول من أغسطس )آب( انعقدت جلسة الاستجواب وتفاجأ الجميع بردود فعل الوزير تجاه ما تعرض اليه من قبل المستجوبة النائبة )عالية نصيف( وهي من كتلة )المالكي دولة القانون( التي عرضت تقاريرها المدعية فيها وجود فساد في مرافق مختلفة من وزارة الدفاع من بينها »قضية انشاء المستشفى العسكري« في الصويرة والتي ابتدأ العمل بها منذ عام 2011 أي قبل استيزار خالد العبيدي بخمس سنوات،وكذلك دخول أحد أبنائه على خط العقود والشركات، واستخدام الوزير مروحيات الجيش للذهاب والعودة إلى بيته، واستغلال المنصب لغرض الإثراء غير المشروع. هذا الذي سمعناه من الطرف الذي طلب استجواب الوزير نقلا مباشرا من جلسة البرلمان على الفضائيات المحلية، لكن الرجل أمسك بطرف خيط السنارة التي كانت تحاول اصطياده، ورماها تجاه رئيس البرلمان وأعضاء آخرين محاولا اصطيادهم، وغالبيتهم من الكتلة التي رشحته للمنصب. أي الكتلة التي هو محسوب عليها طائفيا )كتلة اتحاد القوى السنية( . وقال الوزير في ادعاءاته أنه طُلب منه أن يرفع سعر عقد سيارات «همر « عسكرية من 60 مليون دولار سعرها في الشركة، إلى 340 مليون دولار، كي يذهب فرق السعر لتغطية العمل السياسي للكتلة التي منها رئيس البرلمان، كما طلبت منه الكتلة نفسها ان يحيل عقد اطعام الجيش على شركات عائدة لأشقاء وأقرباء أعضاء الكتلة، ثم يبين كيف أن أعضاء في البرلمان يطلبون منه تغطية نفقات سفرهم وسفر رئيس البرلمان، في الإجازات الاعتيادية التي يقضونها لغرض الراحة والاستجمام في دول عربية وغير عربية. كانت الإدعاءات التي رماها الوزير ضد حلفائه من العيار الثقيل،رغم إن هذه العملية لا تبرئ العبيدي نفسه فما يجري في العراق منذ العام 2003 وبعد استيزاره عام 2014 . فالبلد يحتل المرتبة 161 من 168 على مؤشر »منظمة الشفافية الدولية للفساد« كما حدث مثل ما ذكره الوزير وأكثر ومدعوما بالوثائق والشهود، لكن المفسدين كانوا إمّا يُهربّهم الأمريكان إلى خارج العراق، أو تُهربهم أحزابهم وتجعل منهم خزانة مالية في بلد آخر لدفع نفقات سفر الأمين العام للحزب وعائلته وأعضاء الحزب أيضا.،مثل تهريب وزير التجارة السابق من حزب الدعوة الى لندن رغم صدور أمر القاء قبض قضائي ضده، لكن الحكومة لم تطلب من السلطات البريطانية تسليمه حتى اليوم، وليست هنالك أي مفاجأة في الموضوع ولا يقترب من حالة الفضيحة،لأن النظام السياسي قائم على الفساد أصلا بعد أن شرعن المحاصصة، وجعل الطاقم الوزاري في عُهدة الكتل والأحزاب السياسية ترشيحا وإقالة، وبالتالي بات الوزير ووزارته مصدر تمويل للحزب والكتلة، وفق ما يقدمه المال السياسي في حفاظ الأحزاب والأفراد على المناصب والمواقع .لقد فجر الوزير العبيدي في جلسة  استجوابه قنبلة كبيرة داخل قبة البرلمان العراقي، لقد فضح وزير الدفاع بعض أعضاء مجلس النواب مثل النائب)محمد الكربولي( الذي طلب منه قبول عرض السيارات العسكرية،  كما فضح الوزير النائب السابق حيدر الملا حيث ذكر بأنه ساومه على دفع مليوني دينار للنائبة حنان الفتلاوي لكي تغلق ملف الاستجواب من قبلها والذي تمت تبرئة الوزير منه في أكتوبر عام 2015 وقال وزير الدفاع خالد العبيدي أثناء جلسة الاستجواب  أن رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري طلب منه تعيين )عدنان المكصوصي ( قائداً لعمليات دجلة، والوزير بدوره رفض هذا الطلب كون هذا الشخص فاشلاً ومطروداً من الوظيفة الحكومية ويعمل صاحباً لشركة صيرفة في دبي .وبعد هذا الاتهام انسحب الجبوري من رئاسة جلسة البرلمان ثم عاد الى الجلسة كنائب بين صفوف النواب مهدداً باللجوء إلى القضاء. ونفى اتهامات الفساد التي وجهها اليه وزير الدفاع خالد العبيدي، وبعد يومين أعلنت السلطة القضائية أن رئيس الادعاء العام حرك شكوى بالحق العام ضد من ورد اسمه في جلسة استجواب وزير الدفاع خالد العبيدي.وأمر رئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بتاريخ )2 من آب 2016(، بـ»منع السفر المؤقت« لمن وردت أسماؤهم في اتهامات وزير الدفاع خالد العبيدي خلال جلسة استجوابه،، لـ»خطورة التهم الواردة«.فيما رد رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري على قرار منع السفر بأنه من اختصاص القضاء العراقي حصراً، ليرد بعدها مكتب العبادي بأن أمر منع السفر إجراء مؤقت والقرار النهائي يعود الى القضاء.وأعلن مجلس القضاء الأعلى، يوم )4 من آب 2016(، حضور وزير الدفاع خالد العبيدي أمام الهيئة القضائية التحقيقية في مجلس القضاء لتدوين أقواله التي وردت في جلسة استجوابه في البرلمان.

iraq

وكانت هيئة النزاهة أعلنت عن استكمال بعض الإجراءات التحقيقية الخاصة بقضية استجواب وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي مطلع شهر آب، وفيما أشارت الى تدوين إفادة العبيدي وعدد ممن وردت أسماؤهم في الجلسة، أكدت عزمها تقديم ما يتوفر لديها إلى القضاء.

وأكد وزير الدفاع خالد العبيدي بتاريخ  )7 من آب 2016(، أن الأسماء التي ذكرت في جلسة الاستجواب هي من حاولت الحصول على »صفقات مشبوهة« في المؤسسة العسكرية، وفيما أشار إلى أن القضاء العراقي سيكشف جميع الحقائق أمام الرأي العام، دعا من يملك معلومة تخص شبهات فساد لها علاقة بعقود التسليح أو التجهيز تسليمها إلى هيئة النزاهة.

أما السلطة القضائية فقد أعلنت بتاريخ )3 من آب 2016(، أن رئيس الادعاء العام حرك شكوى بالحق العام ضد من ورد اسمه في جلسة استجواب وزير الدفاع خالد العبيدي.فيما رد رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري على قرار منع السفر بأنه من اختصاص القضاء العراقي حصراً، ليرد بعدها مكتب العبادي بأن أمر منع السفر إجراء مؤقت والقرار النهائي يعود الى القضاء، وكان وزير الدفاع خالد العبيدي أكد، الأحد )7 من آب 2016(، أن الأسماء التي ذكرت في جلسة الاستجواب هي من حاولت الحصول على »صفقات مشبوهة« في المؤسسة العسكرية، وفيما أشار إلى أن القضاء العراقي سيكشف جميع الحقائق أمام الرأي العام ودعا من يملك معلومة تخص شبهات فساد لها علاقة بعقود التسليح أو التجهيز تسليمها إلى هيئة النزاهة.

تبرئة خلال أربع وعشرين ساعة

عقد مجلس النواب العراقي، الثلاثاء 9-8-2016، جلسته التاسعة من الفصل التشريعي الأول للسنة التشريعية الثالثة برئاسة النائب الثاني لرئيس البرلمان آرام شيخ محمد وحضور 237 نائباً، وفيما حضر رئيسه سليم الجبوري كنائب و تقدم بطلب إلى البرلمان لرفع الحصانة عنه لإتمام التحقيقات القضائية المتعلقة بالتهم التي وجهها له وزير الدفاع خالد العبيدي خلال جلسة استجوابه في الأول من شهر آب الحالي. وقال سليم الجبوري  إنه »بالنظر إلى ما أثاره وزير الدفاع في جلسة استجوابه في جلسة مجلس النواب الثامنة في الأول من شهر آب، ورغبة منا في إتمام التحقيقات القضائية المتعلقة بجملة من الاتهامات بحق رئيس مجلس النواب وعدد من السادة النواب، ولما كان رفع الحصانة من حق المجلس فإني أتقدم تطوعياً إلى مجلسكم برفع الحصانة عني«.وأضاف الجبوري، أن »الطلب يأتي وفق المادة 63/ ثانياً/ ب من الدستور والمادة 20 /ثانياً من النظام الداخلي«.

وفي نفس اليوم وبعد ساعات من طلبه تعلن المحكمة الاتحادية العليا براءة رئيس البرلمان سليم الجبوري من التهم الموجهة اليه، مما جعل العراقيين يتندرون على مواقع التواصل الاجتماعي ويذكرون كيف إن عشرات الآلاف من المعتقلين العراقيين ما زالوا في السجون منذ ست أو سبع سنوات دون أن توجه اليهم تهمة ما، ولديهم عوائل أكلها الفقر والتشريد تحت أنظار الحكومة القائمة ، وهناك من فسّر قرار المحكمة برئاسة )مدحت المحمود( بأنه جاء بتأثير نوري المالكي الذي أتى بسليم الجبوري الى رئاسة البرلمان بعد ان أسقط جميع تهم الإرهاب ومادة أربعة عنه عام 2013

قصص متشابكة

لقد تمكن الوزير العبيدي من نقل قضية استجوابه الى فضح شبكة من شبكات الفساد في العراق، ولا شك إن خلف ذلك جهات وكتلاً سياسية داخل البرلمان وخارجه و لسبب بسيط إنه منذ نشوء البرلمان عام 2005 أوجدت الكتل والأحزاب لجاناً اقتصادية داخلها غرضها جبي الأموال من الوزارات والمؤسسات الحكومية،  ولهذا أصبح ترشيح الوزير وفق المحاصصة الطائفية يعني إنه يتوجب عليه أن يقدم لحزبه أو كتلته مالاً يقولون في الظاهر إنه للنشاط الحزبي والدعاية الانتخابية لكنه في حقيقة الأمر يذهب الى إمبراطورية الفساد التي دمرت العراق . ولهذا فإن اعلان مشهد من مسلسل الفساد يزعج الأحزاب الكبيرة والصغيرة، وهناك عمليات تسقيط سياسي داخل جميع الكتل . صحيح إنه وفق الوصف « الطائفي « إن المستهدفين من الكتلة السنية )سنة الحكومة والبرلمان( إلا أن الباب قد انفتح حتى وإن تم لملمته من قبل القوى المتحكمة بالعراق، ولهذا فإن التقارير الخبرية تشير الى أن طهران تمسكت برئيس البرلمان سليم الجبوري حين تعرض عرشه للاهتزاز والانهيار قبل ثلاثة أشهر في ما سمي « بانتفاضة البرلمان « وكذلك اجتياح المتظاهرين من اتباع رجل الدين مقتدى الصدر لقبة البرلمان وأبواب مجلس الوزراء، فجاء قرار طهران بابقائه يشكل فضيحة سياسية أضعفت وهزت مكانة المؤسسة التشريعية بعد أن انهارت مكانة المؤسسة التنفيذية . فالفساد قاتل لأصحابه، وهناك مثل شعبي يقول « إذا تخاصم لصان فذلك يظهر المسروق«.

ان العملية هدفها اسقاط الوزير لأنه رفض السقوط في وحل الفساد المالي والاداري  الذي غرقوا فيه كما ان النائبة الفتلاوي ارادت من عملية الاستجواب تبرئة او ابعاد الحديث عن الفساد في وزارة الدفاع خلال رئاسة نوري المالكي لمدة ثماني سنوات اذ يبدو إن الفتلاوي تورطت بدون ان تشعر ووقعت في البئر الذي حفرته للعبيدي الذي أكد اكثر من مرة ان العقود جرت عام 2009  و2010 وقبله أي في عهد المالكي مما جعل النائبة تحول الموضوع ولم تركزعلى تلك الفترة بل وأكدت أكثر من مرة على ان العبيدي لم يتخذ الاجراءات لاصلاح ما أفسده المالكي دون الاشارة اليه . أما رئيس المجلس سليم الجبوري فقد كان منحازا بل وضعيفا أمام الفتلاوي واعتراضاته على عباراتها الجارحة للوزير العبيدي كانت تمر بسلام حين قالت ان الوزير غير كفوء مما دفع الوزير ان يرد عليها بشدة حين قال »ليس أنت من يقيم وزير الدفاع« وكان المتوقع من الجبوري ان يحذف عبارتها هذه من محضر الجلسة بل رد على العبيدي قائلا: »ان النائبة لها الحق في توجيه الاتهام « علما ان الجبوري دكتور في القانون والمفروض فيه ان يميز بين اتهام الوزير بالتقصير بحالة او حالات معينة وفق مستمسكات وبين عبارة «غير كفوء.وهنا لا الفتلاوي ولا الجبوري يستطيع ان يقيم كفاءة الوزير الا العسكريين ومن القادة بالذات ..

موقف الجبوري والفتلاوي هذا يدل على حقد شخصي ضد الوزير .بينما لم يجرؤ الجبوري و الفتلاوي ولا عالية نصيف ان يفكروا باستجواب الماكي الذي سلم الموصل الى داعش وهروب القادة العسكريون بل ولم يستجوبوا وزير الدفاع سعدون الدليمي آنذاك الذي سقطت الموصل في عهده .أسئلة لأحداث وتصرفات هؤلاء النواب ورئيسهم تثير اكثر من تساؤل . لقد أعلن رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان )حاكم الزاملي( من التيار الصدري بأن لجنته كانت قد أوصت بالاجماع بتأجيل موعد الاستجواب لوزير الدفاع الى ما بعد تحرير الموصل، لكن رئيس مجلس النواب سليم الجبوري أصر على ذلك وحرض )عالية نصيف( على تقديم تقريرها الاستجوابي، كما أشار الزاملي بأن الوزير العبيدي حضر الى لجنة الأمن والدفاع قبل يوم من جلسة الاستجواب وأخبر أعضاء اللجنة بأنه يتعرض الى الابتزاز من قبل جهات نيابية كما أشار رئيس اللجنة . وأعلن الزاملي الى أن موازنة « التسليح والتجهيز « بعد حرب داعش اقل بكثير عما قبلها حين كان المالكي رئيساً للوزراء كانت التخصيصات المرصودة للتسليح وصرفت فعلا عام 2014 )ملياري دولار و338 مليون دولار( ولم تكن هناك حرب مع داعش، فيما أصبحت عام 2015 )850 مليون دولار( ووزعت الأسلحة الى الحشد الشعبي والعشائر وقطعات الجيش . إذن وحسب تصريحات الزاملي : أين يكمن الفساد ؟ هذا الى جانب عملية تسريب وإعلان جلسة الاستجواب الأولى مع وزير الدفاع في القناة المملوكة لجمال الكربولي رئيس كتلة الحل التي ينتمي اليها المتهم شقيقه )محمد الكربولي( جاء مخالفاً لقرار مجلس النواب الذي صوّت ب)211( صوتا( من أصل 228 بابقائها سرية لما تتخلله من أمور عسكرية قد تخدم العدو الداعشي.

الفساد سبب رئيسي لكل الخراب

أن كل من يُقتل في العراق سبب مقتله هو الفساد، وكل من لا يحصل على قوت يومه ويضطر لجمعه من القمامة سببه الفساد، وأن ملايين النازحين إلى المخيمات، وسيطرة الميليشيات السنية والشيعية على مقدرات الناس سببه الفساد أيضا، وأن غالبية التفجيرات التي تحصل يوميا في العراق، سببها إغلاق العيون التي يجب أن تكون ساهرة بدولارات الفساد، كما ان كل الاغتيالات التي تجري سببها توصّل المقتول إلى قضية فساد، أو اختلاف على صفقة فساد، إلى الحد الذي سمعنا من أطراف في السلطة تتحدث عن أن القضاء بات يُراد له قضاء، وأن هيئة النزاهة يُراد لها هيئة نزاهة تبحث في نزاهتها. واليوم وبعد ادعاءات وزير الدفاع، انطلقت الكثير من التصريحات تطالب بحل البرلمان ورفع الحصانة عن كل من وردت أسماؤهم، لكن ما فائدة ذلك كله أن كان الوسط والبرنامج السياسي يعتمدان الفساد قانونا في عملهما، ويعتمدان المُفسد زعيما سياسيا؟ وما جدوى محاربة الفساد بوسائل الفساد نفسه، الذي تغوّل وبات له دولة وبرلمان وجيش ومؤسسات؟ وما فائدة ما يعلن عن استعداد الأمم المتحدة للمساعدة في مكافحة الفساد في العراق، ويتبين بعد قراءة ما تضمنه هذا المانشيت الكبير بأن المساعدة ستكون في تدريب محاسبين عراقيين على أصول المحاسبة الدقيقة، وكأن الأمور ذات طابع فني حول كيفية ضبط الحسابات، فهل تهريب وزير سارق الملايين وعدم استرداد الأموال المسروقة بحاجة الى محاسبين مدققين ؟

كانت إدعاءات وزير الدفاع والطرف الذي كان يقابله تمس كل الدولة، صفقات تسليح فاسدة، وابتزاز مالي بمقدار 2 مليون دولار لسحب الاستجواب، ونقل وتنسيب وترفيع ضباط وقادة، وتزوير عقارات عامة وخاصة. لكن لمَ سكت هذا الفارس عن كل هذه الأفعال منذ زمن؟ وفي المقابل ما الذي جعل رئيس البرلمان يستعجل في تصريحه وهو رجل قانون ليصف الذي حدث بأنه مسرحية، وهو الوصف نفسه الذي قاله بحق المعتصمين في البرلمان الذين طالبوا بخلعه؟

أن كل الذي جرى في جلسة الاستجواب، وإنقلاب وزير الدفاع السُني على سُنة العملية السياسية، كان وفق صراعات وحسابات سياسية لا دخل لها لا من بعيد ولا من قريب بموضوع الشرف والنزاهة والعفة والحرص على المال العام. لقد أفرغ التحالف الشيعي منصب وزير الدفاع من جوهره ولم يعد سوى هيكل بصلاحيات محدودة،بعد تشكيل قيادة العمليات وجعل وزير الدفاع عضواً فيها، وكأنه مدير »للإدارة والميرة« لكن بقي شخص من يشغله أحد وسائل الابتزاز ضد حاضنته. أيقن الوزير أن جلوسه للاستجواب في البرلمان يعني فقدانه المنصب، فحاضنته السُنية من أعضاء البرلمان يريدون منه الدعم بالأموال ولا يقدمون له الدعم ضد الاستجواب ويرفضون مثوله، والطرف الآخر لا يعني لهم شيئا ومن مصلحتهم اسقاطه بتوجيه تهم الفساد إليه في ساحة البرلمان، مناكفة للطرف الآخر كي يظهروا أنهم أكثر نزاهة. قرأ الوزير الموقف جيدا فقرر فضح حاضنته تقرُبا للطرف الأقوى في السلطة والبرلمان، وهو المسار نفسه الذي سلكه وزراء الدفاع السابقون من كتلة سُنة العملية السياسية، وانتهت الفعالية بشهادة شاهد من الطائفة نفسها

عش الدبابير

في الوضع السياسي العراقي الحالي لا تتحكم النظريات السياسية الشائعة في ما يحصل، فالذي يعلن أخطاء الآخرين لا يعني أنه هو الصواب، فالسلطة السياسية الحاكمة في العراق ليست وفية حتى لأيديولوجيات الأحزاب الدينية المذهبية، بل هي وفيه لمقدرات زعش الدبابيرس، الذي لا يفرق بين شيعي وسني طالما هناك مشترك واحد هو النهب، وقد يتساوى الداعشي مع غيره في هذا العالم السادي. البشر العاديون يتلقون زيفا وأوهاما لا حدود لها، وطقوسا لمهرجانات سيركية لا نهاية لها، هذا بالضبط ما حصل في سنوات ما بعد عام 2011 حيث خرج المحتل العسكري الأميركي، وخلف من بعده مجموعات متشابكة مع بعضها داخل منظومة من التمويه والتزوير.مسموح إطلاق مسرحيات زالسيركس إن كانت تلهي الجمهور المخدوع، لكن حذار أن تخرج عن قواعد هذا زالعشس وحتى إن تحرك أحدهم بمفرده، فالمطلوب مراقبته إن كان قد خرج عن القانون الداخلي السري في لعبة التمويه، لأنه قد يقلب موازينها. حصل هذا مع مقتدى الصدر الذي حاول الاقتراب من الحدود زالمحرّمةس لدوافع ذاتية، ففي عرفهم زلا مانع من التهريجس لأنه سيكون ضمن حدود القانون السري، وحين اقترب الصدر من حدود المخاطرة والتهديد، رفعت الرايات الحمر بوجهه، وفتحت معركة حامية ضده.

ما قام به أخيرا خالد العبيدي وزير الدفاع وفي ظل ظروف حربية معقدة يفترض أن تؤجل فيها قضايا اللعب للإزاحة، لم يعد متناغما مع تقاليد زعش الدبابيرس فهم لا يفهمون تلك الظروف، قتال داعش لا يفهمون منه سوى تأهيل لبعض من أنصارهم في خدمة زالعشس فطلبوا استدعاءه في البرلمان وحضر ببدلة القتال وفي حقيبته الكثير من الفضائح بوجوههم، لم يفرق بين سني وشيعي، وارتاح السياسيون الشيعة لأن مصطبة النحر ابتعدت عنهم قليلا لتنال من الصغار ممن يدعون تمثيل السنة، مع أنه شعار احترق منذ وقت طويل. اللعبة الآن أكبر ومخاطر زعش الدبابيرس بدأت تخرج للرأي العام، وأخذ البناء بالتفكك من قاعدة الهرم، بين سماسرة النهب الصغار، والكبار يعتقدون أن المسافة مازالت بعيدة لتنال من زعصمتهمس. الفرص بدأت تضيق أمام الاختباء واللف والدوران والاختباء، وهناك الكثير من الأغطية مازالت تشتغل، وغطاء داعش واحد منها، لكن هذا الغطاء أصبح وقت نفاد صلاحيته قريبا بعد تحرير الموصل.

ما دُبر في مهرجان الاستجواب لوزير الدفاع لم يكن مصنوعا بحرفية عالية، لم يكن دهاقنة النهب متحسبين لما سيكون عليه )الضحية( المنتظرة من ردود فعل شخصية، ولم يحسبوا علاقات هذا الرجل العسكري المنتمي إلى مؤسسة الجيش التقليدية، ولم يتمكنوا من جمع ملفه الشخصي بدقة وعلاقاته بالكبار، وتفاجأوا بما صدر عنه أهمها تمرده على قانون زالمحاصصة الطائفيةس التي جاءت به، لكونه من أبناء الموصل السنة ومرشح قائمة زمتحدونس لكنه تعامل بذات القانون الخاص بهم؛ لا فرق بين شيعي وسني في عالم النهب والسرقة، عالم القوة الداخلية المريبة في عش الدبابير. ليس المهم تفاصيل الحيثيات التي تحدثت بها زالمستجوبةس وهي من القائمة الشيعية ورفيقتها الثانية في ذات السيرك، أمام وزير الدفاع زالسنيس فأخذ ينهال بسيل من الاتهامات الدامغة مستثمرا شاشات التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي ليوصل رسالة كشف المستور إلى جمهور العراقيين والرأي العام وتحدى جوقة السنة المغمورين داخل عش الدبابير، وكذلك بعض الشيعة من شلة الفساد داخل البرلمان وخارجه، وبعضهم استخدم البرلمان كوسيلة محصنة لممارسة النهب، حتى إن بعضهم ترك مقعد البرلمان منذ سنتين وراح ينشط في الابتزاز بعد أن اكتسب علاقات تتيح له الحركة، ولديه التطمينات الكثيرة والحماية المرتبة بدقة وأخذ العبيدي يقترب من عالم السياسة وهو ابن المؤسسة العسكرية التقليدية مع أن طريقه صعبة وشاقة ومحفوفة بالمخاطر، راح يشتغل على الجمهور مثلما اشتغل قبله مقتدى الصدر بوجه دهاقنة زعش الدبابيرس حيث زار الأعظمية )السنية( واستقبل بحفاوة من المقهورين وعبر الجسر إلى الكاظمية )الشيعية( ليستقبل من المخدوعين المتمردين على إمبراطورية الفساد.

هل تمرّد العبيدي على عش الدبابير وأحكامه؟ وإذا كان كذلك لماذا؟ وهل كان جزءا من منظومته ثم خرج ليصبح بطلا يبحث عنه الناس أم إنه أخطأ وعليه التراجع والتكفير عن ذنبه؟ أعمدة عش الدبابير لا ترحم وعقابهم قاس ومن السهل أن تصل إلى التصفية الجسدية.

العبيدي قد يفقد منصبه، لكنه خرج عن اللعبة الداخلية وفضحها أمام الجمهور، وقد دخل في المعادلة التي تتحرك اليوم ولو ببطء؛ قطب الشيعة والسنة السارقين من جهة، وقطب الشيعة والسنة المظلومين المحرومين، وهو القطب الأكبر. ولهذا مدحه من تمرّد قبله مقتدى الصدر، فهل سيستمر العبيدي بعد دخوله ميدان الصراع ومن سيكون ظهيره؟ جماهير الشعب والنازحون والمهجرون، أم الجنود الذين يقاتلون في معركة الموصل المقبلة؟ حتى وإن حكم عليه بالإعدام من قبل دهاقنة عش الدبابير أو تم تسريحه من منصبه من قببل رئيس البرلمان  فإن الطريق أمامه مفتوحة ما بين الاستسلام أو التحدي.

ـ خالد العبيدي وزير الدفاع العراقي… اثار ضجة لم تهدأ بعد

ـ سليم الجبوري رئيس مجلس النواب العراقي… برأته المحكمة في 24 ساعة

ـ نوري المالكي اتى بسليم الجبوري الى رئاسة البرلمان

ـ مجلس النواب العراقي خلال احد اجتماعاته

ـ مقتدى الصدر… اجتاح متظاهرون من رجاله قبة البرلمان وابواب مجلس الوزراء

ـ الفتلاوي عضو البرلمان: العبيدي لم يُصلح ما افسده المالكي