برلمان جديد لمواجهة تحديات طارئة وخرائط تلوح في المنطقة

محمد قواص

عاش الأردنيون حدث الانتخابات التي جرت في 20 أيلول سبتمبر الماضي بصفته قدراً قرره النظام السياسي في البلاد. أفاق أهل البلد على قرار حلّ البرلمان السابق )أيار / مايو 2016( بعد أن أفاقوا قبل ذلك على اصلاحات دستورية جديدة )نيسان / ابريل 2016( تعزز من صلاحيات الملك الأردني على حساب صلاحيات الحكومة والبرلمان. قيل أن خطورة المرحلة التي تمرّ بها البلاد في محيط ملتهب تحتّم الاصلاحات الدستورية، فيما يبدو أن حلّ برلمان واستحداث آخر هو من عدّة مواجهة تلك التحديات العتيدة التي تهدد الأردن دولة وبلدا ونظاما.

في المحصلة فإن النظام السياسي الأردني هو من أراد لهذه الانتخابات أن تجري، ووفق قانون انتخابات جديد يدفن نهائيا ذلك القديم الذي ران على الحياة البرلمانية للبلاد في العقود الماضية. طويت صفحة نظام »الصوت الواحد« لصالح نظام »القائمة النسبية المفتوحة«، وانخفض عدد مقاعد المجلس إلى 130 مقعداً )أقل من المجلس السابق بـ 20 مقعداً(، حتى أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أشاد بالانتخابات من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة واصفا إنجازها »في هذه الظروف« بأنه  »انتصار حقيقي« للأردن.

ما بين النظامين بون شاسع في روح العمل الديمقراطي وشروطه. فالأول جوّف العمل الحزبي وأمعن في خوائه مقابل صعود أسهم رجالات البرلمان على أسس وجاهية فئوية، فيما كان يُعوّل على القانون الجديد من أجل انتخاب قوائم على قواعد سياسية برامجية متآلفة أو متحالفة تتيح للناخب انتخاب مجموعة من الأسماء بعد أن اقتصر صوته في انتخابات المجالس السابقة على مرشح واحد.

ورغم الهمّة العالية التي مارسها المرشحون وأحزابهم وعشائرهم، إلا أن التوجّس الكبير الذي كان يقلق »الهيئة المستقلة للانتخابات« برئاسة خالد الكلالدة هو في اهمال الناخب للمشاركة في العملية الانتخابية )تقارب الكتلة الناخبة الـ 4.1 ملايين( وعدم الاقبال على التصويت بالنسب المأمولة، وهو أمر لا يعتبره الكلالدة من مسؤوليات الهيئة المشرفة، بل مسؤولية المواطن والمرشح والقوائم والحملات الانتخابية في حسن تحشيد الناخبين وتحريضهم للقيام بممارسة حقهم الديمقراطي )أدلى 1,5 مليون أردني بأصواتهم بـ 1,2 مليون مقترع في انتخابات عام 2013،  بنسبة تتجاوز 36% من تعداد من لهم حق الاقتراع(.

أمام الأردن استحقاقات إقليمية مقبلة، وكان المطلوب من تلك الانتخابات ضبط الصراع الداخلي وفق شروط المؤسسات، بحيث يبقى الجدل داخل ضوابط تحصّن شرعية الدولة ونظامها السياسي برمته. ولا ريب أن المراقب للسجال السياسي الراهن قد لاحظ انهماك كافة القوى في الاشتغال بورشة الانتخابات، سواء في الاقبال عليها أو في التعليق على شؤونها أو حتى بالدعوة لمقاطعتها، وهو أمر كان يصبّ في طاحونة ما كان يصبو إليه من قرر حلّ برلمان واستبداله بآخر.

أعادت الانتخابات المنجزة لإنتاج مجلس النواب الـ 18 في تاريخ الأردن حيوية محلية هدفها التخفيف من الاستقطاب الداخلي صوب البراكين المجاورة. يتنفس البلد بصعوبة الحرب الداخلية في سوريا وتلك التي تندلع ضد داعش في العراق المجاور، ناهيك عن عبق المشاريع الملتبسة التي ينفخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بها على يوميات البلد وطبيعة نسيجه الاجتماعي. لحظ المراقب بسهولة انشغالا أردنيا – أردنيا ذا طبيعة أردنية يدور حول الترحيب بما يحمله قانون الانتخابات الجديد )أقر في 31 آب / أغسطس الماضي( من احتمالات لتطوير المشهد البرلماني )وبالتالي الحكومي( المقبل، وحول التشكيك في جدوى الانتخابات ونزاهتها وقدرتها على تبديل الوجوه التي قلّما تتغير تحت قبّة البرلمان وداخل النخبة السياسية مند عقود.

وكان اللافت في تلك الانتخابات هو مشاركة جماعة الاخوان المسلمين من خلال ذراعها السياسية »حزب جبهة العمل الإسلامي« رغم أن البعض اعتبر الأمر غير قانوني بالنظر إلى التدابير القانونية التي اتخذتها السلطات الأردنية بحقها. واللافت في الأمر له جانبان، الأول، أن الجماعة شاركت في الانتخابات تصحيحاً لما يصفه المقربون منها بـ »خطيئة« مقاطعة الانتخابات السابقة )2010 و 2013(. الثاني، أن السلطات الأردنية أتاحت لواجهة الإخوان السياسية الانخراط في العملية الانتخابية بعد نزاع سياسي قانوني معها أدى إلى حظر الجماعة ومصادرة مقارها، ما عكس رغبة مشتركة في تعليق المواجهة والسعي إلى التعايش وفق قواعد تفرضها الدولة.

ورغم أن القانون الانتخابي الجديد ينشّط اللوائح الحزبية والترشح وفق برامج سياسية ما فوق وجاهية ومناطقية وعشائرية، إلا أن ما فعله القانون القديم، من فتك بالتجربة الجماعية الحزبية، قلل من خبرة المجتمع السياسي في العمل الجماعي والتكتلي وبناء التحالفات. وحدها جماعة الاخوان المسلمين تقدمت بـ 19 لائحة و 111 مرشحاً من بينهم مسيحيون وشركس، في سعيّ واضح لاحتلال حصّة وازنة داخل البرلمان العتيد، فيما عجزت بقية الأحزاب عن تقديم مجموعة لوائح على مستوى البلد )المنشقون عن الجماعة ترشحوا على 7 قوائم(.

ومع ذلك فإن المراقبين رأوا أن جهد الاخوان لم يتح لهم إلا ثقلاً محدوداً جعلهم في أحسن الأحوال أقلية وازنة، فيما لاحظ خبراء في شؤون الأحزاب الأردنية أن الإخوان أنفسهم وضعوا سقفا منخفضا لطموحاتهم، ذلك أنهم اكتووا بنار أزماتهم الداخلية وتصدّعهم وانشقاقاتهم، كما تضرروا من تصادمهم مع الدولة والذي جعلهم كياناً غير شرعي وخارجا على القانون، ناهيك عن أزمة الإخوان في المنطقة عامة منذ انهيار احلامهم في تبوء صدارة الحكم  بعد »الربيع العربي«.

تشي اللعبة الانتخابية الحالية أن النظام السياسي الأردني أصبح يفضّل أن تطفو المعارضة على المسرح السياسي العام مغادرة للزواريب الخلفية والتحتية، وأنه بات يفضل إدارة العملية السياسية مع كافة المشارب الاسلامية واليسارية والقومية والشبابية داخل منظومة العمل السياسي البرلماني والقانوني على النحو الذي يحتاجه البلد في معركته لصون وحدته وحدوده وبقائه في زمن المشاريع الكبرى في المنطقة.

ورغم أن المشككين كانوا كثراً في امكانية اجراء انتخابات نزيهة شفافة لا تدخّل للدولة بها كما فعلت في ما يطلق عليه بـ »فضيحة« انتخابات عام 2007، ورغم أن المتفائلين لم يعدوا انفسهم بانتخابات نظيفة على منوال تلك التي جرت عام 1989، فإن استطلاعات الرأي غير المنشورة لم تكن تقلق الدولة ولا الأجهزة، بما جعلها غير مضطرة للتدخل والتأثير على مجريات تلك الانتخابات.

وكان من الصعب التكهن علمياً بنتائج الانتخابات، ذلك أن قانون القوائم النسبية المفتوحة يُجرّب لأول مرة ويغيب عنه أي تراكم معرفي، وبالتالي من الصعب استشراف مخارجه. ومع ذلك، ورغم ما عبّرت عنه السلطات الأردنية من حرص على سلامة العملية الانتخابية، إلا أنها كانت حريصة أيضا على ضبط نتائجها داخل هامش لا يسمح بالفوضى أو بالمآلات المجهولة.

ولا يبدو أن الانتخابات الحالية قد قلبت المشهد السياسي على ما هو مُتأملٌ داخل ثنايا قانون الانتخابات الجديد. بدت الحملات الانتخابية في فردية مرشحيها أقرب إلى السلوك الذي كان مُعتمداً في عهود قانون الصوت الواحد.لم تنتج الانتخابات أغلبية برلمانية بإمكانها تشكيل حكومة برلمانية على منوال التجربة المغربية الراهنة. فالأحزاب التي  تصدّعت بفعل قانون الصوت الواحد ضعيفة وتجاربها متواضعة، وعلى البلد برمته التعوّد على مفاعيل نظام القوائم الجديد لإعادة تموضع الحراكات السياسية وفق قواعده، ما يستلزم وقتاً وتجربة وخبرة. ففيما كان يروم القانون إطلاق القوائم على مستوى البلد، نشطت الحملات على مستوى العشائر والمناطق.

لكن الأمر لا يتعلق فقط بصحة الأحزاب وسلامة العمل الحزبي، ذلك أن القانون الانتخابي نفسه قد صمم لمنع تشكّل الكتل وخروج حكومات برلمانية، بما يعني أن اللعبة السياسية بقيت داخل المتاح والمحسوب، وأن القانون الجديد اعاد تدوير نفس الوجوه التي تمثّل سلطة المال والأمن والعشائر ومؤسسات الضغط الكبرى في البلاد، وأن القوانين الراهنة لم تردع المال السياسي وسلوكيات شراء الأصوات من الرواج والازدهار في موسم هذه الانتخابات.

يُراد للمجلس النيابي الجديد أن يرمم وعاء سياسيا عاماً قد صدّعته رياح الخارج وأن يرفع أسواراً تقي الأردن شرورا محتملة. ويراد لهذه الورشة أن تضبط عقارب الأردن وفق مواقيت وأجندات أردنية، ذلك أن البلد الذي  نشأ يوماً وفق أجندات دولية قلقٌ من تدافع أجندات جديدة تطلّ بارتجال سوقيّ قد يطرق باب المملكة الهامشية. وربما في تمتين البيت الداخلي تمرين لتصليب مناعة ضد أوبئة تنفخها الرياح المندفعة من وراء الحدود.

فيما انشغل الأردنيون بما أسفرت عنه الانتخابات التشريعية، تهتم الأوساط السياسية المحلية بمحاولة استشراف مستقبل البلاد على ضوء انجاز الاستحقاق الانتخابي وما يترتب عنه في شكل وطبيعة وبرنامج الحكومة المقبلة.

وترى هذه الأوساط أن لجوء مؤسسة الحكم في الأردن إلى حلّ البرلمان السابق والدعوة إلى انتخابات جديدة كان ضرورة من ضمن خريطة طريق بدأت منذ الاصلاحات الدستورية التي عززت صلاحيات الملك على حساب صلاحيات السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وتعتبر هذه الأوساط أن معطيات متعددة المصادر تناهت لمؤسسة الحكم واجتمعت مع أجواء دولية استنتجها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني من خلال زياراته لعواصم الخارج ومن خلال اتصالاته الإقليمية، فرضت على ملك البلاد اتخاذ التدابير والاجراءات الضروية التي تقي المملكة أخطارا تحاصر البلاد مصدرها البراكين المتفجرة في المنطقة.

ويكشف دبلوماسيون غربيون في عمّان أن تقارير سفاراتهم كانت تحذّر عواصمها في الأشهر الأخيرة كما تحذر العاصمة الأردنية نفسها من مغبّة تصاعد الضغوط على الأردن مما قد تشهده التطوّرات العراقية والسورية من مآلات، إضافة إلى الضغوط التي تترتب على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يطالب عمّان بمواقف وإجراءات تتراوح ما بين صدّ فكرة »الترانسفير« أو التعامل مع فكرة دور معين في العلاقة مع الضفة الغربية.

وتكشف مراجع سياسية مخضرمة في العاصمة الأردنية أن تقارير أمنية تكاثرت في الأشهر الأخيرة حول مشاركة أردنيين في القتال في صفوف الجماعات الجهادية في العراق وسوريا، ناهيك عن حاضنة جماهيرية يحظى بها تنظيم داعش في بعض المناطق الأردنية. وتحذر التقارير من امكانية تحوّل البلد إلى هدف بديل لتنظيم داعش في حال أسفر الجهد المحلي الدولي والإقليمي في سوريا والعراق إلى طرد التنظيم الإرهابي في البلدين، بما يتطلّب استعدادا أردنياً عسكريا وسياسيا لصدّ هذا الاحتمال وردعه.

وتتحدث هذه المراجع عن قلق يطال النخبة السياسية والحاكمة مما قد يطال الأردن داخل المشاريع التي تحضّر للمنطقة. وتتخوّف هذه المراجع من تدافع خرائط جديدة تأخذ بالاعتبار البعد المذهبي السنّي الشيعي كما بعد التدخل الميداني المباشر لتركيا وإيران، كما ضبابية مستقبل النظامين السياسيين في سوريا والعراق. وترى هذه المراجع أن اجراء الانتخابات البرلمانية يأتي من ضمن تصوّر لتدعيم الوعاء السياسي الداخلي من خلال توسيع المشاركة لتطال كافة الأطياف السياسية دون استثناء.

وتجزم مصادر مطّلعة أن إجراء انتخابات الشهر الماضي وفق نظام انتخابي جديد يعتمد القوائم النسبية بدل نظام الصوت الواحد يهدف إلى بناء برلمان سياسي تشارك به الأحزاب وفق رؤى وبرامج سياسية تتجاوز الوجاهية والمناطقية والعشائرية التي كرّسها النظام الانتخابي السابق، وأن غضّ طرف الدولة عن مشاركة الاخوان المسلمين من خلال واجهتهم السياسية حزب »جبهة العمل الإسلامي« رغم التدابير القانونية التي سبق للدولة اتخاذها ضد الجماعة، هدفه اشراك الجميع، بما فيهم التيارات الإسلامية، داخل اللعبة السياسية والبرلمانية، والقضاء على أية أنشطة سياسية خلفية غير شفافة.

ورغم عدم وضوح المشهدالبرلماني بشكل رسمي، إلا أن خبراء في شؤون الأردن يؤكدون أن الحكمة التي جنّبت المملكة الوقوع في أفخاخ »الربيع« العربي ستنسحب على خيارات إدارة البلاد وفق نتائج انتخابات الشهر الماضي . ويرى هؤلاء أن مشاركة الإخوان الكثيفة في الانتخابات لن تتيح لهم إلا حصّة معيّنة داخل البرلمان لا تتيح لهم فرض رؤاهم على الحكم، ناهيك عن أن الأردن نظاماً وحكومة ونخباً سياسية وشعبية تدرك أهمية منع أي تيارات دينية من اللعب بمصير البلاد في جانبه الداخلي المتعلّق بالوحدة المجتمعية أو في جانبه الخارجي المتعلّق بدور الاردن وعلاقاته الإقليمية والدولية.

وتذكّر مراجع اقتصادية أردنية بأن اقتصاد البلد هو رهن الدعم المالي الخارجي، لا سيما ذلك الوارد من دول الخليج، والذي تمّ مؤخراً تطويره وترقيته إلى مستويات استراتيجية في علاقة دول مجلس التعاون بالمملكة الهاشمية.

وتعتبر هذه المراجع أن على الحكومة التي تعكسها نتائج الانتخابات أن تعكس تصوراً يحافظ على المكتسب المنجز في الدفاع عن مصالح الأردن، سواء في الحفاظ على التدفقات المالية الواردة من الدعم الخليجي الرسمي المباشر أو ذلك الوارد من تحويلات الأردنيين العاملين داخل دول مجلس التعاون.

ورغم القلق الذي يعتري بعض الأوساط الأردنية، إلا أن مراقبين غربيين يؤكدون أن إجراء انتخابات الشهر الماضي  يعكس استمرار الأردن في اجتياز مناطق الخطر وتجاوز المحن والتحديات التي تعترضه، كما يعبر عن قدرة البلد ومرونته في اجتراح خيارات يواجه بها الأخطار التي تحدق بمصيره. ويجزم هؤلاء بأن نموذج انتخابات الشهر الماضي  قدّم نموذجاً عن حيوية الحياة السياسية الأردنية، وقدّم أيضاً مشهداً يعكس وحدة وطنية حقيقية تجمع المؤسسة الملكية بالمؤسسات الحزبية والاقتصادية والاجتماعية والعشائرية والشعبية تلتف متوحدة في كل مرة يشعر الأردنيون بأن مصيرهم المشترك بات على المحك.

)*( صحافي وكاتب سياسي لبناني

صور من الانتخابات

تعليق : نسبة المشاركة في الانتخابات كانت أقل مما كان مأمولا

صور مرشح من الاخوان المسلمين او صور من حملاتهم

تعليق: لن يلعب الاخوان المسلمون إلا دورا محدودا داخل البرلمان

صور شارع من الأردن

تعليق: الأردن قلق من البراكين المتفجرة بالقرب من حدوده

صورة للملك عبد الله الثاني

تعليق : الملك عبد الله الثاني : إنجاز الانتخابات انتصار للأردن.

-صور لمهرجان عشائري

تعليق: العشيرة ركن أساسي من أركان النظام السياسي في الأردن

جمل بارزة

تشي اللعبة الانتخابية الحالية أن النظام السياسي الأردني أصبح يفضّل أن تطفو المعارضة على المسرح السياسي العام مغادرة للزواريب الخلفية والتحتية، وأنه بات يفضل إدارة العملية السياسية مع كافة المشارب الاسلامية واليسارية والقومية والشبابية داخل منظومة العمل السياسي البرلماني والقانوني على النحو الذي يحتاجه البلد في معركته لصون وحدته وحدوده وبقائه في زمن المشاريع الكبرى في المنطقة.

يُراد للمجلس النيابي الجديد أن يرمم وعاء سياسيا عاماً قد صدّعته رياح الخارج وأن يرفع أسواراً تقي الأردن شرورا محتملة. ويراد لهذه الورشة أن تضبط عقارب الأردن وفق مواقيت وأجندات أردنية، ذلك أن البلد الذي  نشأ يوماً وفق أجندات دولية قلقٌ من تدافع أجندات جديدة تطلّ بارتجال سوقيّ قد يطرق باب المملكة الهاشمية. وربما في تمتين البيت الداخلي تمرين لتصليب مناعة ضد أوبئة تنفخها الرياح المندفعة من وراء الحدود.

تتحدث المراجع عن قلق يطال النخبة السياسية والحاكمة مما قد يطال الأردن داخل المشاريع التي تحضّر للمنطقة. وتتخوّف هذه المراجع من تدافع خرائط جديدة تأخذ بالاعتبار البعد المذهبي السنّي الشيعي كما بعد التدخل الميداني المباشر لتركيا وإيران، كما ضبابية مستقبل النظامين السياسيين في سوريا والعراق. وترى هذه المراجع أن اجراء الانتخابات البرلمانية يأتي من ضمن تصوّر لتدعيم الوعاء السياسي الداخلي من خلال توسيع المشاركة لتطال كافة الأطياف السياسية دون استثناء.

وتذكّر مراجع اقتصادية أردنية بأن اقتصاد البلد هو رهن الدعم المالي الخارجي، لا سيما ذلك الوارد من دول الخليج، والذي تمّ مؤخراً تطويره وترقيته إلى مستويات استراتيجية في علاقة دول مجلس التعاون بالمملكة الهاشمية.

وتعتبر هذه المراجع أن على الحكومة التي تعكسها نتائج الانتخابات أن تعكس تصوراً يحافظ على المكتسب المنجز في الدفاع عن مصالح الأردن، سواء في الحفاظ على التدفقات المالية الواردة من الدعم الخليجي الرسمي المباشر أو ذلك الوارد من تحويلات الأردنيين العاملين داخل دول مجلس التعاون.

الاسلاميون في البرلمان

كان لافتا في هذه الانتخابات مشاركة الحركة الاسلامية المعارضة . وقال القيادي في جماعة الاخوان المسلمين زكي بني ارشيد »هدفنا كان الحصول على 15 مقعدا وهذا معقول )…( توقعاتنا ان نصل لغاية 20 مقعدا«.

وقد خاض »التحالف الوطني للإصلاح« الذي يقوده حزب جبهة العمل الاسلامي، الذراع السياسية للاخوان المسلمين الانتخابات بـ 20 قائمة و120 مرشحا بينهم شخصيات عشائرية وسياسية ومرشحون مسيحيون وشركس.

ورأى بني ارشيد انه »رغم بعض الملاحظات والخروقات البسيطة التي سجلت، تبدو الأمور جيدة ومعقولة جدا«.

وأضاف »نحن راضون بمستوى الاقبال على الاقتراع من ناخبي مرشحي التحالف الوطني للاصلاح«.

وكانت وسائل الاعلام المحلية توقعت عشية الانتخابات فوز التحالف الوطني للاصلاح الذي يضم اسلاميين بـ 20 من 130 مقعدا هو عدد اعضاء البرلمان، ليصبح اكبر كتلة معارضة، وأن تذهب باقي المقاعد الى غالبية من أبناء العشائر ورجال الاعمال الموالين للدولة.

وكان حزب جبهة العمل الاسلامي قاطع انتخابات عامي 2010 و2013 احتجاجا على نظام »الصوت الواحد« بشكل رئيسي و«التزوير« في الانتخابات، بحسب قوله. وكان يعمل بنظام »الصوت الواحد« المثير للجدل منذ التسعينات، وهو ينص على صوت واحد للناخب لاختيار مرشح واحد.

وكان الحزب حصل في انتخابات عام 1989 على 22 مقعدا من أصل 80 في مجلس النواب.

وتشكل مشاركة حزب جبهة العمل الاسلامي تحديا للدولة التي تحاول استعادة ثقة الشارع بالانتخابات، واختبارا لجماعة الاخوان التي قاطعت الانتخابات لنحو تسعة أعوام وتحاول إعادة بناء شرعيتها عبر البرلمان، حسبما يرى محللون.

وبدأ التوتر بين جماعة الاخوان المسلمين والسلطات الاردنية مع بداية الانتفاضات في دول عربية عدة في ربيع 2011. وتأزمت العلاقة أكثر بعد منح الحكومة ترخيصا لجمعية تحمل اسم »جمعية الاخوان المسلمين« في آذار/مارس 2015 وتضم عشرات المفصولين من الجماعة الام.

واتهمت الحركة الاسلامية السلطات بمحاولة شق الجماعة التي تشكل عبر جبهة العمل الاسلامي، المعارضة الرئيسية في البلاد.

واعتبرت السلطات ان الجماعة الام باتت غير قانونية لعدم حصولها على ترخيص جديد بموجب قانون الاحزاب والجمعيات الذي أقر عام 2014، فأغلقت عشرات المقرات للجماعة بالشمع الاحمر.

ورصدت جريدة الدستور الاردنية مؤشرات الانتخابات التي رأت أنها أظهرت العديد من الوقائع، وخاصة من قبل المتابعين لنشاط التيارات الدينية المشاركة في الانتخابات، ومنها التحالف الوطني للإصلاح كنموذج يمكن قراءة نتائجه باعتباره قدم نفسه كلاعب رئيس على الساحة الاردنية تحت شعار »دولة مدنية« بعيدا عن شعاره السابق »الاسلام هو الحل«.

ويمكن اجمال هذه القراءة ضمن العديد من المحاور وعلى النحو التالي:  قدم التحالف نفسه كإطار وطني جامع ضم مقاعد الكوتات »الشركس والشيشان والمسيحيين« وشخصيات مختلفة واستخدم مظاهر وأدوات معلنة : اغاني وموسيقى خلال المهرجانات  وابراز سيدات دون حجاب في مقاطع الفيديو التي اصدرها التحالف باعتبار أنه يسعى إلى الدولة المدنية. ولكن اللافت وبحسب المتابعين للشأن الاخواني، هو رفض عدد كبير من القواعد الاخوانية لمثل هذا التحالف باعتباره ابتعادا عن فكرة الاخوان التي تؤكد على أن شعارها »الاسلام هو الحل« وانعكس ذلك بشكل واضح على ضعف مشاركة القواعد الاخوانية في الانتخابات النيابية في المجمل.

استخدمت قيادة الجماعة خطابين مزدوجين في عملها الانتخابي، الأول كان باتجاه القواعد الإخوانية لحثّها على المشاركة في الانتخابات والحشد لها واستثمار الفتاوى الدينية بهذا الاتجاه علاوة على التأكيد لهذه القواعد بان هذه المرحلة تكتيكية ويجب استخدام هذه الاساليب لحماية الجماعة وحسب تعبيرهم »الوصول الى الدولة الاسلامية« . أما الخطاب الثاني فكان خارج اطار الجماعة ويستهدف المجتمع المحلي الاردني بكافة اطيافه وطمأنة الداخل الاردني والخارج بأن الجماعة لا تشكل أي خطر مرحلي على الدولة الاردنية. المتابعون للشأن الانتخابي  لاحظوا بشكل واضح أن الشخصيات التي تحالفت مع الجماعة في اطار التحالف الوطني للاصلاح  برزوا قلقين من عدم وجود اسناد حقيقي وواقعي من قبل القواعد الإخوانية للمتحالفين مع الجماعة  وقدموا شكاوى بالمجمل فإن مشاركة التحالف الوطني للاصلاح في الانتخابات وفشله بتحقيق نتائج ايجابية مقارنة مع القوائم التي طرحها وأعداد المرشحين  وخطط التحالف بالحصول على اكثر من 30 مقعدا يعكس ضعف الاداء خاصة وان هذا التحالف عديد لقيادة الجماعة بخصوص عدم وجود أي دعم إخواني مع مفارقة أن نجاح المتحالفين مع الإخوان كان ارتباطا بكونهم شخصيات معروفة مجتمعيا علاوة على الجانب العشائري الذي دعمهم مرتبط بشخصية زكي بني ارشيد باعتباره التحالف المشروع الذي طرحه عقب خروجه من السجن ويستهدف بناء مثل هذا الاطار الوطني واستثمار جماعة الاخوان المسلمين غير المرخصة كركيزة رئيسة في هذا الاطار.