مصائب هبوط العملة البريطانية عند السياح العرب.. فوائد

لندن: جمال الجزائري

brexit

يتعرض الجنيه الاسترليني إلى سلسلة من الهزات والتراجعات الحادة منذ تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، فقد هوى من ما يقارب 1.50 دولارا عشية الاستفناء في 23 من يونيو )حزيران( الماضي إلى التحويم عند 1.21 دولاراً، بل وقد انهار لفترة قصيرة في 7 أكتوبر )تشرين الأول( إلى 1.18 دولاراً و1.10 يورو وسط توقعات بأن يواصل الاسترليني هبوطه مع تفعيل المادة 50 من اتفاقية لشبونة،  التي تبدأ بموجبها العملية الرسمية لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، بحلول نهاية مارس)آذار(  من العام المقبل 2017، كما صرحت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، التي نفت ما تردد سابقا من إمكانية اعطاء فرصة للبرلمان للتصويت على تفعيل المادة 50، وبالتالي امكانية حتى ابطال نتيجة التصويت الشعبي لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، مثلما كان يأمل أنصار البقاء ضمن التكتل الأوروبي.

و بحسب توقعات بنك ستاندرد تشارترد فإن الاسترليني قد ينهي العام الحالي 2016 عند 1.18 دولارا، بينما تتوقع مجموعة جوليوس باير المصرفية السويسرية، أن تكون قيمة الاسترليني  1.16 دولار بنهاية العام.

أما خبراء العملات في بنك اتش اس بي سي، فانهم يرجحون أن يهوي الاسترليني إلى نحو 1.10 دولارا، بنهاية 2017، وهو هبوط ┐دراماتيكيî بكل المقاييس، للعملة البريطانية ، التي كانت تعادل قيمته قبل سنوات قليلة الدولارين تقريباً.

أما بالنسبة لليورو، فإن خبراء أكبر بنك في بريطانيا وأوروبا، يتوقعون أن يتعادل الجنيه الاسترليني مع العملة الأوروبية الموحدة، في سقوط حر بأتم معنى الكلمة، حيث أن الاسترليني كان يعادل 1.64 يورو، عند إطلاق الأخير في الأول من يناير )كانون الثاني(  2002.

ومنذ تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي وصلت نسبة الخسائر التي تكبدها الإسترليني إلى أكثر من 19% مقابل اليورو.

و دفع أداء الاسترليني نيل ويلسون من شركة  إي تي سي كابيتالî إلى تشبيه أداء العملة البريطانية بـأداء العملات في الدول الناشئة!.

ففي ماوصف بالجمعة السوداء ليوم 7 أكتوبر )تشرين الأول( الماضي، هوى الاسترليني في أسوء أداء  له من 1985، بنسبة  بأكثر من 6% خلال دقيقتين ليسجل 1.1841 دولارو 1.10 يورو، مما دفع بنك انجلترا )المركزي البريطاني( إلى فتح تحقيق في الموضوع.وقد تم ترجيح حينها أن سبب وراء ذلك الهبوط  وقوع أخطاء بشرية وإلكترونية أثناء المعاملات.بينما أرجع البعض سبب الانهيار المفاجئ للاسترليني إلى تصريحات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند،  الذي دعا عمليا ألى معاقبة بريطانيا لمغادرتها الاتحاد الأوروبي.

وقد كان لهبوط الاسترليني انعكاس محسوس على سعر صرفه ،حينها، إلى درجة أن مكاتب الصرافة في المطارات البريطانية، والتي اتُهمت بالجشع، كانت تعرض  أقل من يورو واحد)99 سنتاً( مقابل الجنيه الإسترليني، بكل ما لذلك من تأثير على القدرة الشرائية للبريطانيين عموماً وللسياح منهم خصوصا.ً

وفيما كان هبوط الاسترليني عند السياح البريطانيين مصائب، فقد كان له فوائد على السياح الأجانب، من بينهم العرب، الذين تحسن مقابل الصرف الذين يحصلون عليه. وقد أدى ذلك إلى زيادة محسوسة ، للسياح الأجانب المتوافدين على بريطانيا، من بينهم السياح العرب، وخاصة من منطقة الخليج.

لهبوط الاسترليني أنصار !

وقد لقي هبوط الاسترليني ترحيباً من بعض قطاعات الأعمال البريطانية مثل السياحة والقطاعات التصديرية كالصناعة ، لأنه يجعل منتجاتها أرخص وبالتالي أكثر جاذبية للمشترين في الخارج.

لكن في المقابل فإن انخفاض الاسترليني يؤدي الى تراجع قيمة المداخيل المواطنين البريطانيين ، وقدراتهم الشرائية عند السفر إلى الخارج.

فبلغة الارقام مثلا فاذا كان مرتب مواطن بريطاني لنقل مثلا 1000 جنيه استرليني يعادل 1.500 دولارا، قبل التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي ، فان قيمته قد انخفضت بـ 300 دولارا على الأقل بين عشية وضحاها.

و قد بدأ تراجع الاسترليني يؤثر على أسعار السلع المستوردة المسعرة في الغالب بالدولار ، مما أدى إلى ارتفاع التضخم الى ما يقارب الواحد بالمئة خلال أكتوبر )تشرين الأول( الماضي. ويُخشى أن يكون القادم أكبر.

و قد أعلنت  شركة مايكروسوفت مثلا أنها ستزيد تسعير المشروعات البرمجية والخدمات السحابية في المملكة المتحدة في أعقاب الانخفاض الحاد في قيمة الجنيه الإسترليني.

وذكرت  أن الأسعار سترتفع بدءًا من يناير)كانون الثاني(  بنسبة 13% لمشاريع البرمجة، و22% لمشاريع الخدمات السحابية، مشيرة إلى أن تغير الأسعار لن يشمل المنتجات والخدمات الاستهلاكية.

وكانت سلسلة متاجر تيسكوî ، أكبر سلسلة متاجر في بريطانيا، أعلنت مؤخراً أنها ستحظر عشرات المنتجات التابعة لشركة ┐يونيليفرî عبر موقعها الإلكتروني نظراً لرغبة الأخيرة في رفع أسعار السلع عقب تراجع قيمة الجنيه الإسترليني، قبل أن يتوصل الطرفان لاتفاق مشترك.

مخاوف اقتصادية وسياسية

وبرغم خطاب الطمأنة من الحكومة البريطانية حول قدرة اقتصاد البلاد على امتصاص، وحتة تجاوز صدمة الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإن الحكومة تخشى ظهور الارتدادات الفعلية لـîتسوناميî الخروج من الاتحاد الأوروبي خلال العام المقبل  خاصة مع تفعيل ┐المادة 50î من اتفاقية لشبونة،  التي تبدأ بموجبها الإجراءات الرسمية لـîالطلاقî بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

و كشفت وثيقة مسربة من الحكومة البريطانية  تحذر من أن الخروج من السوق الأوروبية الموحدة يمكن أن يكلف الخزينة البريطانية أكثر من 66 مليار جنيه إسترليني سنويا.

و تخشى الحكومة من تدهور مالية البلاد وارتفاع الدين العام، مع اتجاه حكومة تيزيزا ماي إلى الاستغناء عن سياسة التقشف، التي تنتهجها الحكومة السابقة لدايفيد كاميرون، والتوجه نحو تعزيز الانفاق العمومي لتحفيز الاقتصاد وتجنيبه التباطؤ، وحتى الركود بفعل تداعيات الخروج من التكتل الأوروبي.

و كانت بيانات رسمية أظهرت ارتفاع الدين العام لبريطانيا بين سبتمبر )أيلول( 2015 وسبتمبر 2016  بحوالي 5ر39 مليار جنيه استرليني ليصل مجموع ديون الدولة الى 627ر1 تريليون جنيه او ما يعادل نسبة 3ر83 بالمئة من اجمالي الدخل السنوي للبلاد.

واكدت البيانات التي وردت ضمن تقرير لمكتب الاحصاء الوطني ان الاقتراض الحكومي بلغ خلال  شهر سبتمبر الماضي وحده 6ر10 مليار جنيه بزيادة وصلت الى 3ر1 مليار جنيه مقارنة بسبتمبر 2015.

واوضحت ان الاقتراض زاد برغم ارتفاع التحصيل الضريبي خلال الشهر الماضي بنسبة 6ر2 بالمئة او ما يعادل 2ر1 مليار جنيه ليصل اجمالي الضرائب المحصلة في سبتمبر الماضي الى 49 مليار جنيه.

وتحسباً لـمفاوضات صعبة للخروج من الاتحاد الأوروبي ، ذكرت صحيفة ┐صنداي تايمزî أن بريطانيا قد تقلص ضريبة الشركات الرئيسية لديها إلى 10 في المائة من 20 في المائة إذا رفض الاتحاد الأوروبي إبرام اتفاق تجارة حرة بعد الخروج البريطاني من الاتحاد أو أغلق سوقه في وجه الشركات المالية العاملة في بريطانيا.

وقالت الصحيفة إن مستشاري رئيسة الوزراء تيريزا ماي قدموا الفكرة وسط مخاوف متنامية من تشدد الأعضاء الآخرين بالاتحاد الأوروبي في مفاوضات الخروج البريطاني، مضيفة أن المقترح سيستخدم لمحاولة حمل الاتحاد الأوروبي على السماح لشركات الخدمات المالية بمواصلة العمل عبر دول الاتحاد.

وتأتي الخطوة الاستباقية من حكومة ماي فيما يشبه الرد على تصريح  لأنتوني براون رئيس جمعية المصرفيين البريطانيين  من إن البنوك العالمية المستقرة في المملكة المتحدة مستعدة لنقل بعض أنشطتها خارج هذا البلد مطلع 2017 ، وأن كثيرا من البنوك الأصغر حجما تنوي بدء عملية الانتقال قبل موسم الأعياد لهذا العام 2016 ، وذلك خشية مضاعفات البريكست.

وإلى جانب المخاوف الاقتصادية، فهناك المخاوف السياسية من أن يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ألى تفكك المملكة المتحدة وخروج اسكتلندا منها.

وفيما أيدت أكثرية من سكان إنجلترا وويلز الخروج من الاتحاد الأوروبي خلال الاستفتاء الذي جرى في 23 حزيران )يونيو( الماضي، صوتت أكثرية من الاسكتلنديين والأيرلنديين الشماليين لبقاء المملكة المتحدة في التكتل.

وسعت تيريزا مايإ الى طمأنة الاسكتلنديين بشكل خاص، والـتأكيد على أن ما يجمع أجزاء المملكة أكثر هو أكثر من الجغرافيا.

وصوت الاسكتلنديون في 2014 للبقاء في إطار بريطانيا لكن رئيسة الحكومة الاسكتلندية نيكولا ستورجون ذكرت أنها تؤمن أكثر من أي وقت مضى بضرورة استقلال اسكتلندا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، مؤكدة الاستعدادات لاستفتاء جديد حول الخروج من المملكة المتحدة.

وبالمعطيات الاقتصادية والسياسية يبدو الطلاق المرتقب بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي محفوفا بالمخاطر..طلاق سيأخذ فعليا على الأقل سنتين بعد تفعيل المادة 50 من اتفاقية برشلونة والمقررة في آذار )مارس( 2017.