في الذكرى الأولى لانتفاضة القدس

معن بشّور
في الذكرى الأولى للانتفاضة الثالثة في فلسطين، التي سماها البعض هبّة أو حراكاً، وأطلق البعض عليها أسماء، كانتفاضة القدس أو انتفاضة الشباب أو انتفاضة التحرير، يسأل البعض ماذا حقّقت هذه الانتفاضة بعد انطلاقها في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2015؟.

  1. لقد أكّدت هذه الانتفاضة، وآخر شهدائها بالأمس نسيم أبو ميزر على حاجز قلنديا، وما جسّدته من استعداد شباب وشابات للاستشهاد مقابل طعن عسكري أو مستوطن صهيوني أو دهسه، على أن قضية فلسطين ما زالت حيّة، وأن لا العدوان ولا التسويات ولا المفاوضات ولا التنسيق الأمني ولا الانقسام الجغرافي أو السياسي قادرون على تصفيتها.
  2. لقد هزّت هذه الانتفاضة أمن الكيان الصهيوني، وما زالت، حيث يسود الهلع والذعر الصهاينة في المستوطنات والمدن من شبح شباب فلسطين وشاباتها، فيرون فيهم وفيهن خطراً يتهدّد حياتهم، وهو شعور سيضرب في الصميم فكرة الكيان الآمن الذي حرص العدو أن يعتبره ركيزة سياسية من ركائزه، فيما باتت الانتفاضة الثالثة تشكّل تهديداً في الداخل، والمقاومة في لبنان وقطاع غزّة تهديداً على الحدود.
  3. لقد أكّدت هذه الانتفاضة على قدرة شباب فلسطين على الإبداع في وسائل النضال والمقاومة ضد الاحتلال، فلكل انتفاضة أساليبها وأشكال نضالها المتناسبة مع الظروف التي تعيشها.
  4. لقد أكّدت مسيرات تشييع شهداء الانتفاضة في كل مدن فلسطين على حجم التعاطف الجماهيري معها، وهو تعاطف لو أحسن احتضانه من قبل الفصائل والقوى والنقابات لأدّى إلى إحراج كبير للمحتل، وربما إلى اضطراره للتراجع أمام المطالب الفلسطينية.
  5. لقد أعادت هذه الانتفاضة بالتكامل مع انتفاضة الأسرى المستمرة عبر الإضرابات عن الطعام، ومع اتساع حركة المقاطعة العالمية للكيان الصهيوني، ومع عودة التحرك الدولي من أجل فك الحصار عن غزّة، قضية فلسطين إلى الواجهة في اهتمام حركة التحرر العربية والعالمية، رغم تعدد الانشغالات الأخرى في أكثر من قطر عربي.

لكن هذه الانتفاضة ما زالت تعاني من سلبيتين كبيرتين، أولهما استمرار الانقسام الفلسطيني وتداعياته على احتضان الانتفاضة، وتصاعد التواطؤ الرسمي العربي مع العدو الصهيوني، والذي بدأ يأخذ شكل التطبيع العلني مع هذا العدو مما يؤكّد أن «القبة الحديدة» الحقيقية الحامية لهذا الكيان هي النظام الرسمي العربي، الذي كانت مشاركة بعض أركانه ومسؤوليه في جنازة بيريز «جنازة» أخرى لهذا النظام الذي يتلهى بالاحتراب داخل الأمّة، ويندفع نحو القبول بالعدو المغتصب للمقدسات والحقوق.

لقد قلنا بالأمس عن انتفاضة ثالثة ستنطلق في فلسطين، وقد انطلقت بالفعل قبل عام بالخناجر والسكاكين والدهس والأمعاء الخاوية والمقاطعة المتنامية، ونقول اليوم أن هذه الانتفاضة مستمرّة حتى اندحار الاحتلال وتفكيك المستوطنات وإطلاق الأسرى ورفع الحصار عن قطاع غزّة… وهي مطالب باتت في متناول اليد إذا حشدت الجهات الفلسطينية قواها، وإذا خرج النظام الرسمي العربي عن تواطؤه المشين مع العدو، وإذا نجحنا في وقف الحروب التدميرية على بلدان عربية رئيسية وفيها، لاسيّما في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر والبحرين..

قد تبدوا تلك الأفكار أقرب إلى الأماني والأحلام، ولكن من قال أن التحولات الكبرى في العالم لا تبدأ بأحلام.