كيف تم انتاج التسوية وكيف سمحت العواصم الكبرى بالصيغة  الحل؟

محمد قواص

انتهى الفراغ الرئاسي في لبنان. هكذا فجأة ومن خارج أي سياق تمت التسوية وانتخب الجنرال ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية. قبل الصفقة بين سعد الحريري وميشال عون اهملت الطبقة السياسية اللبنانية برمّتها نداءات رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري من أجل التفاهم على سلّة تسويات يأتي من ضمنها انتخاب رئيس للجمهورية. بدا طرح زعيم حركة أمل منطقياً في السياق اللبناني المشوّه منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، من حيث أن انتخاب الرئيس لا يحلّ المشكلات الحقيقية للبلد إذا لم يتواكب مع تفاهمات حول إسم رئيس الوزراء وتشكيلة الحكومة وتوزيع الحصص داخلها، إضافة إلى الاتفاق على قانون جديد للانتخابات لإنتاج البرلمان المقبل.

بُحّت حنجرة الرجل فلم يأبه لنداءاته لا الخصوم ولا الحلفاء. قيل حينها أن بري يحاول تمرير المؤتمر التأسيسي الذي سبق للسيّد حسن نصر الله، زعيم حزب الله، أن دعا إليه، وأن »السلّة« كما »المؤتمر« سعيٌّ للانقلاب على »الطائف«، وأن مبادرة بري تعقّد أمر انتخاب الرئيس وليست تسهيلا لذلك الاستحقاق.

كان ذلك تفسير الخصوم لسلّة بري. لكن لا أحد من الحلفاء، بمن فيهم حزب الله والتيار الوطني الحرّ، رحب بمقاربة رئيس البرلمان، ذلك أن ما يهمُّ التيار هو انتخاب زعيمه رئيساً دون فذلكات مربكة، وما يهم الحزب لا يرتبط بأي همّ لبناني محلي، بما في ذلك انتخاب رئيس في هذا الوقت للبنان.

تعليق : هل يستطيع ميشال عون أن يكون رئيس كل اللبنانيين؟
تعليق : هل يستطيع ميشال عون أن يكون رئيس كل اللبنانيين؟

والمفارقة أن رفض سلّة بري من قبل تياريّ »المستقبل« و»الوطني الحر« جاء من أجل إنجاح سلّة أخرى تمت خياطتها بين جبران باسيل ونادر الحريري، على ما يفسّر غضب بري، الممسك دائما بمفاصل الحياة السياسية اللبنانية، والذي صحا ذات فجر على صفقة كبرى تنهي الشغور القياسي لموقع الرئاسة دون أن يكون له »لا ناقة ولا جمل«.

يحاول الرئيس بري تقديم تفسير ينقذه من هذا الحرج، فيكشف أن صفقة سعد الحريري وميشال عون ليست محلية بل هي نتاج تسوية جرت خلف الكواليس بين الولايات المتحدة وإيران. لم يتقاطع كشف بري مع أي تحليل معتمد محلياً وإقليميا، وحتى دولياً، على نحو يجعل من تلك المعلومة دون سند في الوقت الراهن قد تتأكد مصداقيتها لاحقاً.

فوزير الخارجية الأميركي جون كيري، حين سُئل عن الأمر، قلل من شأنه وشكك من احتمال نجاحه وبدا جاهلاً له. وحين طرحتُ السؤال داخل وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن قبل أسبوع، كان الجواب أن »لا موقف لنا في هذا الشأن«. فيما جاء تعليق واشنطن على انتخاب عون فاتراً يشوبه تذكير بالقرارات الدولية التي تعتبر أن لا سلطة في لبنان إلا سلطة الدولة.

بالمقابل فإن مسارعة طهران إلى الجهر بأن انتخاب ميشال عون رئيسا هو انتصار لحزب الله ومحور المقاومة في المنطقة، يوحي بأن إيران تلتحق بأمر واقع وتبالغ في تبنيه وإضافته إلى سلسة انتصاراتها التي لا تنتهي، ناهيك عن غياب أي أعراض يمكنها استدراج حاجة لطهران وواشنطن لشغل قصر بعبدا الشاغر منذ عامين ونصف.

ربما أن مبادرة سعد الحريري )طالما أنها الوحيدة التي أدخلت ميشال عون إلى القصر الرئاسي( تزامنت مع إنشغال العالم بأولويات أخرى في المنطقة، بحيث أن العواصم لم تكن معنية في هذا الوقت بنسج قماشة لإنتاج رئيس لبناني. وربما أن الأدهى أن هذه القوى الإقليمية الدولية غير المهتمة بتسمية رئيس للبنان، غير مهتمة أيضاً بأن يتربع على مقعد الرئاسة أي رئيس. ولا بد أن سعد الحريري الذي تقصّد إشاعة الفكرة دون الإقدام عليها، قد أدرك أن العالم يدير ظهره للبنان بما يتيح له اللعب خلسة أو بغض طرف إقليمي دولي، ربما مقصود.

المعادلة الإقليمية الدولية بسيطة: أما وأن القوى المقررة في المنطقة غير مستعدة أو قادرة على الاتفاق على ملف واحد – بما يواكب ذلك من مد وجذر وإقدام وتنازل- فحري بالمعنيين المحليين انتاج تلك التسوية التي لا تحرج الكبار ولا تدخل في رصيد أحد على طاولة البزاز الإقليمي الكبير.

المعادلة اللبنانية المحلية بسيطة أيضاً: كل الفرقاء يسعون لفرض مرشّحهم في بعبدا مهما طال زمن الفراغ الرئاسي، بما فيهم حزب الله وتيار المستقبل. الفرق أن السيّد حسن نصر الله لم يكن مستعجلاً، فيما أن سعد الحريري، لأسباب تتعلق بـ »مصلحة لبنان«، وربما لأسباب تتعلق بمستقبله السياسي، قبل بلع علقم ميشال عون رئيساً.

تعليق: لماذا خضع سعد الحريري وقبل بعون رئيسا؟
تعليق: لماذا خضع سعد الحريري وقبل بعون رئيسا؟

نضجت الطبخة، تنازل سعد الحريري، ولا حنكة من إدعاء العكس، وبدا أن أسبابه، لا سيما الشخصية، طوّعت الرجل للقبول بخصمه ميشال عون رئيساً للبلاد. وحين صعدت روائح الوجبة في مطابخها أرسلت الرياض موفدها )الوزير ثامر السبهان المعادي لإيران( لرعاية الأمر قبل وقوعه، وصعدت من مطابخ طهران صيحات النصر المبين بعد وقوعه.

من حقّ الرئيس بري أن لا يفهم الأمر إلا بصفته صفقة خارجية. هذه القاعدة هي التي رافقت انتخاب كل رؤساء الجمهورية في لبنان تاريخياً، وهذا منطقها حالياً داخل إقليم يشهد جراحات كبرى لا يمكن وفقها السماح بتمرد على القاعدة في هذا الظرف التاريخي الدقيق. لكن الأمر، وحتى ظهور معطيّات أخرى محليّ جداً، قد جرى إبلاغ العواصم به، إلى درجة أحرجت حزب الله الذي لم يعد يجد ذريعة لتعطيل انتخاب رئيس، طالما أن الصفقة تأتي بمرشح الحزب »الوحيد« رئيساً للجمهورية. فإذا ما تردد أن إيران لم تكن تود أن تفرج عن »بعبدا« إلا لكي تربح في مكان ما وفي ملف ما، فإن انتخاب الحليف، بهذه الطريقة، بدا أنه إفراج إجباري لا ثمن له.

لكن العهد الجديد يبدأ منذ اللحظات الاولى مفخخا، ذلك أنه يسير على خطّين متناقضين. الأول يمثّله الحريري ذو المزاج السيادي المعادي للنظام السوري المتحالف مع الرياض، والثاني يمثّله عون المتحالف مع حزب الله وإيران ودمشق والذي لم يوفّر هجماته في السابق ضد السعودية وتيار المستقبل »الداعشي« في لبنان. سيكون عسيراً على ميشال عون رئيساً أن يتخلّص من »جميل« حزب الله في إيصاله إلى مبتغاه في بعبدا، وبالتالي سيكون صعباً على الرئيس اتخاذ مواقف تتّسق مع خطاب القسم الذي ألقاه بعد انتخابه للنأي بالبلد عن البركان السوري على نحو معاكس لواقع قتال الحزب إلى جانب النظام في هذا البلد.

سيكون عسيراً على عون الرئيس تفكيك »دولة حزب الله« لصالح الدولة التي يترأسها، كما سيكون عسيراً أن يلتفت إلى تقوية الجيش اللبناني كقوة دفاع وحيدة في لبنان، بما يصطدم مع واقع سلاح حزب الله وفائض القوة الذي يمتلكه في البلد. فإذا ما تم الحديث عن صفقة عون – الحريري، فإن لا أحد تحدث عن صفقة عون – نصر الله المعمول بها منذ »ورقة التفاهم« والتي لا شك أنه تمّ تحديثها وتحصينها في الاجتماع الذي جمعهما عشية إعلان زعيم حزب الله أنه سيرسل نوابه إلى البرلمان لانتخاب عون رئيساً.

لا يخفى أمر ذلك على سعد الحريري العائد إلى السراي. في قناعة الرجل أنه عائد لتولي رئاسة الحكومة في »دولة حزب الله«. وأن تسمية الكتل النيابية له ليست مهمة إذا لم يوافق الحزب على تقديم هذه »التضحية« )حسب نصر الله( والقبول بالحريري لشغل هذا المنصب. يتقدم الحريري هذه المرة مثقلاً بخبرة المنفى ومتحصّناً بواقعية مفرطة تبعده عن المستحيل وتقربه من الممكن. لن يقارب الرجل مشكلة »سلاح المقاومة«، فمعالجة الأمر لم تعد، ولا يجب أن تكون، شأنا لبنانيا، بل هي بالمحصلة شأن إقليمي دولي تتولاه التسويات الكبرى. ولن يقارب الرجل الشأن السوري، إلا من بوابة أن بيروت ستتعامل مع نظام دمشق الذي »سيقرره السوريون« يوما ما، مع تأكيده على القطيعة الشخصية مع »مجرم الحرب« بشار الأسد، حسب تصريحاته.

57da709af2e3e
تعليق : كيف سقطت »سلّة« بري ومرت صفقة عون من ورائه

سيسعى حزب الله، بعد أن فرض مرشحه في بعبدا و»سمح« لعبور الحريري إلى السراي، أن يقطف من العهد الجديد الشرعية الضرورية الكاملة داخل المشهد العربي والدولي. سيعمل الحزب على الحصول داخل البيان الوزاري على ما يحمي سلاحه في لبنان ويغض الطرف عن أدائه في سوريا. وسيشارك الحزب داخل حكومة الحريري لكي تقيه مظلة الحكومة اللبنانية شرور الضغوط الخارجية التي تصنّفه إرهابياً وتفرض عليه عقوبات مالية قاسية. لكن الحزب، وبغضّ النظر عن مدى إمساكه بخيوط اللعبة الداخلية، سيعيد التعايش مع منطق الدولة بعد انتخاب الرئيس بما قد يسبب احتكاكا مع منطق اللادولة في سلوكه وأدائه. صحيح أن ميشال عون حليف وفيّ لم يخلف وعداً مع حزب الله، لكن »النيران الصديقة« واردة بين ثقافة الرابية وثقافة الضاحية.

المفارقة أن رفض سلّة بري من قبل تياريّ »المستقبل« و»الوطني الحر« جاء من أجل إنجاح سلّة أخرى تمت خياطتها بين جبران باسيل ونادر الحريري، على ما يفسّر غضب بري، الممسك دائما بمفاصل الحياة السياسية اللبنانية، والذي صحا ذات فجر على صفقة كبرى تنهي الشغور القياسي لموقع الرئاسة دون أن يكون له »لا ناقة ولا جمل«.

ربما أن مبادرة سعد الحريري تزامنت مع إنشغال العالم بأولويات أخرى في المنطقة، بحيث أن العواصم لم تكن معنية في هذا الوقت بنسج قماشة لإنتاج رئيس لبناني. وربما أن الأدهى أن هذه القوى الإقليمية الدولية غير المهتمة بتسمية رئيس للبنان، غير مهتمة أيضاً بأن يتربع على مقعد الرئاسة أي رئيس.

كادر

ما هي حوافز الحريري؟

ترى أوساط سياسية لبنانية أن تحرك الرئيس سعد الحريري لانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية انطلق من ديناميات ذاتية لا تستند إلا على مقوّمات محلية خاصة باللعبة السياسية اللبنانية دون التسلّح بأي غطاء إقليمي أو دولي. إلا أن دبلوماسيين غربيين في بيروت يرون أنه من الخطأ تصوّر أن الحريري تحرّك وفق ديناميات داخلية فقط دون تلك الخارجية. وترى هذه الأوساط أن عدم وجود »فيتو» إقليمي دولي على مبدأ انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية هو بحدّ ذاته موقف إيجابي. وتلاحظ هذه الاوساط إلى أن توجه المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ  إلى طهران بموازاة حراك الحريري، على ما قيل أنه حثّ للقيادة الإيرنية على تسهيل انتخاب رئيس لبنان، مثّل إشارة أممية على الجهوزية للدفع باتجاه انجاح هذا الاستحقاق إذا ما شعر المجتمع الدولي بأن هناك عزماً لبنانيا جديّا لاشغال قصر بعبدا بساكن جديد.

على أن مراقبين لشؤون تيار المستقبل يلفتون إلى جانب مستجد في حركة سعد الحريري الرئاسية. تعترف هذه الأوساط بأن زعيم التيار الأزرق كان يعاني من أزمة مالية قاسية لا تخفيها أنباء المداولات حول أمر شركة »سعودي أوجيه« في السعودية والتي يمتلكها سعد الحريري، ولا تواريها حالة التوقف عن دفع رواتب العاملين في مؤسسات تيار المستقبل. وتعترف هذه الأوساط أيضاً، أن فقدان »المستقبل« للوعاء المالي الذي لطالما تمتع به وكان أساس ديناميته ليس عرضيا مؤقتاً، بل بات وضعا دائما يجب على التيار الاعتياد عليه. وتستنج تلك المراجع المقربة من »المستقبل« بأن التيار بات حزباً يعمل بعدّة مالية بيتية شأنه في ذلك شأن بقية الأحزاب التي لا تحظى بالرعاية المالية الإيرانية.

ورغم وجود ارتباك داخل تيار المستقبل من ذهاب زعيمه نحو خيار الجنرال عون رئيسا للبنان، إلا أن تلك الأصوات المستاءة من هذا الخيار اعتبرت، مع ذلك، أن الأمر قد يوقف الشلل الذي تعاني منه المؤسسات اللبنانية، ويعيد »المستقبل« للعب دوره كاملاً داخل منظومة الحكم في لبنان بصفته ضرورة وشريكاً كاملاً، وهو أمر يعود حزب الله والتيار الوطني الحرّ للإقرار به، بعد سنوات على الانقلاب الذي جمعهمها ضد حكومة الحريري في ديسمبر 2011 والذي أدى في ما بعد إلى خروجه من البلد لمدة خمس سنوات.

وترى هذه الأوساط أن اللافت في الأمر أيضاً أن التسليم بالحريري وزعامته من قبل الخصوم يأتي هذه المرة ممنوحاً له على الرغم من أن سعيه لم يكن يحظى وقتها بخيمة سعودية حاسمة واضحة، ولا يحظى برعاية دولية جلية، وفوق ذلك كله، لا يمتلك القاعدة المالية الوفيرة التي لطالما كان وهجها يواكبه كما واكب والده في أي مبادرة أو تحرك قاما به أو أي منصب تولياه.

ورغم نفي المستقبليين لأي رابط يصل جهد الحريري لانتخاب رئيس للجمهورية بطموحات مفترضة لعودته إلى رئاسة الحكومة، ورغم تكرارهم أن الحريري يترأس أكبر كتلة نيابية برلمانية تمنحه وحلفاءه حق رئاسة الحكومة دون أي جميل أو منّة من أحد، إلا أن أمر العودة إلى رئاسة الحكومة بات ضرورة لشخص الحريري للإطلالة على شؤون الحكم في لبنان من الباب السياسي المتخلّص من دور الثروة المالية ووفرتها في ذلك، والمتخلّص أيضا، ربما، من أي حسابات سعودية كانت يومية ومباشرة داخل لبنان.

وذهبت مصادر سعودية غير رسمية إلى تأييد حركة الحريري الراهنة وتعتبر أنها بمثابة إعادة اكتشاف لمواهب الرجل السياسية، ذلك أن الموقف السعودي الرسمي تشوبه خيية من أداء »إبن رفيق الحريري« المالي من جهة، في ما آلت إليه أحوال شركة »سعودي أوجيه« التي أسسها ورفع من شأنها الوالد الراحل، كما من الأداء السياسي لـ »إبننا« في لبنان، في ما آلت إليه أحوال المملكة في شأن هذا البلد، والتي تمثّلت في ما يشبه استقالة الرياض وانسحابها من رعاية شؤون لبنان. وترى هذه المصادر أن تراجع الأولوية اللبنانية على الأجندة السعودية، بما في ذلك اعتماد وكيل لبناني حصري يتمثّل منذ اتفاق الطائف بالحريرية السياسية، يحرر سعد الحريري نفسه ويمنحه هامشاً واسعاً للتحرّك والمناورة، وربما تجاوز محرّمات كان عاجزاً عن المغامرة بها بسبب التصاقه بحسابات الرياض ومواقفها الإقليمية والدولية.

بالمحصلة يكاد المحللون يجمعون أن سعد الحريري تحرى تجاوز الأزمة المالية من خلال تعويض سياسي يعيد تعويمه داخلياً، على ما يخفف من تصاعد ظواهر الاعتراض داخل المحسوبين على معسكره، وخصوصا الوزير أشرف ريفي الذي سبق وأن استشرف »انتهاء الحريري«. وترى هذه الأوساط أن هذا التعويم يعيد الاعتبار إليه كاملاً، بصفته رئيساً للحكومة اللبنانية لدى المملكة العربية السعودية، على ما قد يعيده العنوان الوحيد للسياسة السعودية في لبنان. ثم أن عودة الحريري رئيساً للحكومة يعيد تعويم الرجل دولياً بحيث يتناسب حضوره مع المزاج الدولي الذي يربكه التعامل مع البلد بين ما يمثله حزب الله من نفوذ داخل النظام السياسي اللبناني وما يمثله ميشال عون من ضبابية وتذبذب لا يمكن للمراجع الدولية اعتماده مرجعا ثابتاً واضح الخطط للتعامل معه.

الرياض تعود بقوة إلى بيروت

الرياض ذ تتوقف مصادر سياسية لبنانية عند إعادة الروح إلى الحركة السعودية في لبنان من خلال التحضير لزيارة سيقوم بها الرئيس عون إلى الرياض )ثم إلى طهران(. واعتبرت هذه المصادر أن الأمر يضاف إلى تطوّر لافت سجل في الأسابيع الأخيرة لجهة ارتفاع لبنان في سلم الأولويات السعودية.

ولفتت هذه المصادر إلى تطوّر أخر يؤشّر إلى نهاية أزمة شركة »سعودي أوجيه« المالية من خلال ما أعلنه وزير المال السعودي الجديد محمد الجدعان الخميس عن قرار الحكومة السعودية لتسديد مليارات الدولارات المستحقة لشركات خاصة. وذكرت المصادر أن وزارة المال السعودية باشرت في إصدار أوامر سداد بلغت قيمتها الإجمالية حوالي 26 مليار دولار أميركي، بعد إعلان مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أن الرياض ستدفع قبل نهاية ديسمبر المقبل متأخرات شركات المقاولات الخاصة. ورأت هذه المصادر أن »سعودي أوجيه« المملوكة من قبل الرئيس سعد الحريري ستكون مشمولة بالقرار السعودي، ما سيتداعى إيجابيا على زعيم المستقبل وتياره.

وكانت مراجع دبلوماسية قد لفتت إلى عزم السعودية العودة بقوة للعب دور نشط في لبنان، واعتبرت أن الاتصال الهاتفي الذي أجراه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بالرئيس اللبناني المنتخب ميشال عون يعبّر عن لفتة خاصة تتجاوز الشكل البروتوكولي. وأوضحت هذه المراجع أن الرياض كان بإمكانها الاكتفاء بإرسال برقية بروتوكولية من مثيل تلك التي ترسل عادة من قبل العاهل السعودي وولي عهده وولي ولي عهده، إلا أن الاتصال الهاتفي الذي بادر الملك سلمان لإجرائه مع الرئيس اللبناني يعبّر عن رعاية خاصة للعهد برئيسه، كما يمثّل دعما سعوديا كاملا للرئيس سعد الحريري في مداولاته الحالية مع كل الأطراف المحليين كما مداولاته اللاحقة مع الأطراف الإقليميين والدوليين.

وتكشف مصادر سعودية أن عودة اهتمام الرياض بالشأن اللبناني تعود إلى نجاح الحريري في تسويق التسوية التي قادت إلى انتخاب عون رئيسا، كما تعود إلى الصورة التي نقلها وزير الدولة السعودي للشؤون الخليجية ثامر السبهان )حديث عن أنه سيتولى الملف اللبناني( بعد زيارة مفاجئة قام بها إلى لبنان عشية جلسة الانتخاب والتي مثّلت اهتماما سعوديا بإعادة استكشاف الأجواء اللبنانية ومستقبل الحضور السعودي في لبنان.

ولفتت هذه المصادر إلى الرسائل المطمئنة التي تسرّبت من تصريحات وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الأخيرة والتي تحفّظ فيها على انخراط حزب الله في الشأن السوري ووصفه بأنه »وضع شائك يتطلب انسحابا كاملا لجميع الأفرقاء وترك سوريا للسوريين«.

دمشق وطهران في بعبدا

بيروت – رغم ان توافد الزوار الأجانب سيكون بروتوكولياً عادياً من قبل الموفدين الأجانب للقاء الرئيس اللبناني الجديد ميشال عون، إلا أن الأنظار ستتركز على الكيفية التي سيدير بها الرئيس موقع لبنان الإقليمي في ظل المواجهة الإيرانية السعودية الراهنة.

وقد رأت اوساط سياسية في إرسال دمشق وزير شؤون الرئاسة السورية منصور عزام موفدا خاصا من قبل الرئيس بشار الأسد ولقائه الرئيس عون برفقة السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، مسارعة سورية إلى  إظهار الدعم للرئيس الذي تعتبره دمشق حليفاً وصديقاً شخصيا للأسد.

وتوقفت الأوساط السياسية عند الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تحت عنوان نقل رسالة تهنئة من الرئيس حسن روحاني للرئيس اللبناني، كما توقفت عند تزامن زيارتي موفدي دمشق وطهران في نفس اليوم، واعتبرته إنزالاً دبلوماسيا هدفه تثبيت مسلّمة وقوع لبنان داخل منطقة نفوذ حلف طهران ودمشق في المنطقة.

ويعتبر بعض المراقبين أن من المنطقي أن يسعى النظامان السوري والايراني لوضع لبنان تحت جناحهما أو التذكير أن انتخاب عون رئيساً يصبّ في هذا السياق، إلا أن الأمر ليس بتلك السهولة، فطهران لم تستطع فرض مرشحها )إذا ثبت فعلاً أن عون كان مرشحها( إلا بعد قبول الرئيس سعد الحريري بذلك بما يملكه من امتداد إقليمي لا سيما لدى السعودية.

ولاحظ دبلوماسيون غربيون في بيروت أن مسألة المحافظة على توازن في علاقات لبنان الإقليمية هي مسألة تضغط على رئيس الجمهورية الجديد أكثر من أي طرف آخر، ذلك أن التيار العوني، بشخص رئيسه وزير الخارجية جبران باسيل، هو المسؤول عن اختلال هذا التوازن لصالح إيران من خلال المواقف التي اتخذها والتي أحرجت لبنان وأدت إلى سحب الرياض لمنحة الثلاثة مليارات دولار للجيش اللبناني وإلى برودة الاهتمام السعودي بالشأن اللبناني.

وتقول مراجع سياسية وازنة في لبنان إن الرئيس عون يمتلك أوراقاً تتيح له مقاومة الضغوط الإيرانية السورية، ذلك أنه الشخصية المسيحية القوية الوحيدة التي تحالفت مع هذا المحور، وأن دمشق وطهران لا يمتلكان بديلاً مماثلاً داخل الطبقة السياسية المسيحية، كما أن الحشد الجماهيري الذي سار نحو قصر بعبدا لتهنئته يمنح الرئيس حصانة مضافة ضد تلك الضغوط، ثم أن خطط عون لإقلاع عهده والإيفاء بوعوده يتطلب أخذ هواجس كافة الفرقاء الداخليين وحسن إدارة التناقضات وامتداداتها الخارجية لا سيما تلك المتعلقة بالأزمة السورية.

ويرى خبراء السياسة في لبنان أن الرئيس الحريري سيتعاطى، من موقعه المتحالف مع الرياض، بشكل بروتوكولي في أي مناسبة لديها شأن بالتواصل مع شخصيات إيرانية أو سورية تابعة للنظام، وأن تأييد الحريري لعون في بعبدا منح الرئيس دعماً سعودياً سابقا على انتخابه )كما عكست زيارة الوزير السعودي ثامر السبهان(، فيما المطلوب من الرئيس عون ضبط السلوك الإيراني السوري لصالح العهد الجديد ولصالح حكومة الحريري المقبلة لما فيه مصلحة لبنان بكامل فرقائه، بما في ذلك المتحالفين مع المحور الإيراني السوري.