بسكاكين الانتفاضة نمزق الوعد المشؤوم

معن بشور

ليس الخطير والموجع في وعد بلفور، قبل قرن تقريبا ، انه وعد من لا يملك لمن لا يستحق فقط ، بل إنه ايضا يذكرنا كعرب ان كل الوعود التي أطلقتها دول الغرب الاستعماري للعرب والفلسطينيين كانت وعودا كاذبة منذ وعود مكماهون للشريف حسين عشية الحرب العالمية الأولى حتى الوعود بدولة فلسطينية وإزالة المستوطنات.

هذا الوفاء الغربي بالوعود للصهاينة والتنكر للوعود الغربية للعرب والفلسطينيين له سببان، أولهما تطابق المصالح الاستعمارية مع المصالح الصهيونية ،وثانيهما هزال الردود الرسمية العربية على تنكر الغرب لوعوده بل الامعان في الخضوع للإرادة  الاستعمارية خوفا على العروش والمناصب.

وحده الشهيد البطل محمد تركمان ومن سبقه ومن سيلحقه من الشهداء والأسرى في فلسطين والامة، اليوم وغدا ،وعلى امتداد قرن من الكفاح الثوري والمقاومة الباسلة، هو الرد على وعد بلفور وكل المخططات  الصهيونية.

انها سكاكين شباب الانتفاضة وبطولات مقاومي الامة هي التي ستمزق الوعد المشؤوم وتحمل  لفلسطين والأمة الوعد بالحرية مهما طال الزمن وتعاظمت التضحيات

ثورة الجزائر…. وقضايا الامة

حدثان هزّا امتنا العربية والإسلامية في النصف الثاني من القرن الفائت، كانت الجزائر ثورة وقيادة وشعباً، في قلبهما.

أول الحدثين هو العدوان الثلاثي )الإسرائيلي  البريطاني- الفرنسي( على مصر في 29 أكتوبر 1956، وبعد أسبوع على اختطاف جنرالات فرنسا طائرة مغربية كانت تقل قادة ثورة الجزائر من المغرب إلى تونس، لحضور مؤتمر دعت اليه الحكومة التونسية من أجل إطلاق أول عملية تفاوض بين الثورة والحكومة الفرنسية، وهي العملية الإرهابية التي رأى فيها كثيرون أنها الرصاصة الأولى في مسار ذلك العدوان على مصر بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر…

في هذا الحدث، الذي اعتبره المحللون منعطفاً تاريخياً كبيراً في حياة العالم أعلن سقوط الإمبراطوريتين الأكبر آنذاك، وهما بريطانيا وفرنسا، كانت ثورة الجزائر الحاضر الأكبر حيث تؤكد المعلومات دور حكومة غي موليه الاشتراكية في باريس في التنسيق مع تل أبيب وإقناع لندن بشن تلك الحرب على مصر، لدور جمال عبد الناصر وبلاده في دعم الثورة الجزائرية الوليدة في الفاتح من نوفمبر عام 1954، لا بل رجح بعض المحللين أن الحكومة الفرنسية كانت تريد »الاحتفال« بالذكرى الثانية لثورة الفاتح من نوفمبر في القاهرة »المهزومة« التي كانت تعتبر رأس حربة في تحدي شعوب العالم للواقع الاستعماري بعد ثورة مصر في 23 تموز )جوييه( 1952..

الحدث الثاني حصل إثر الهزيمة العربية في حزيران/يونيو 1967، ونجاح الكيان الصهيوني في احتلال سيناء المصرية، والجولان السوري، والقدس والضفة الغربية وقطاع غزة…

يومها وفي ظل الذهول العربي الشامل من وقع تلك الهزيمة التي أدّت في ما أدّت إليه، إلى تدمير الجيش المصري وارتكاب المجازر بحق المئات من جنوده، توجه الرئيس هواري بومدين إلى موسكو حاملاً معه شيكاً على بياض ليبلغ القيادة السوفياتية آنذاك أن الجزائر مستعدة لشراء كل الأسلحة التي تحتاجها مصر لإعادة بناء جيشها والتحضير لمعركة »إزالة آثار العدوان«.

طبعاً لم تكن مبادرة الزعيم الجزائري الراحل وحيدة فقد سبقتها وتلتها مشاركات متطوعين وعسكريين جزائريين في التوجه إلى مصر وسوريا للقتال على الجبهتين، حتى أن أحد القادة المتطوعين في تلك الحرب )الرائد لخضر بو رقعة( أطلق على ابنتيه إسمي سيناء والجولان في تأكيد على عمق ترابط شعب الجزائر مع أشقائه في مصر وسوريا…

أطلقت المبادرة الجزائرية يومها الحماس في نفوس أبناء الأمّة، وشكّلت مع مظاهرات الملايين من المصريين والعرب )9 و 10 يونيو 1967( الرافضة لتنحي الرئيس جمال عبد الناصر، بعد أعلانه تحمله شخصياً مسؤولية الهزيمة، كما مع معركة الكرامة )22 مارس 1968( التي خاضتها قوات )فتح( والجيش الأردني ضد الجيش الاسرائيلي وهزمته، ثالوث الصمود العربي بوجه الهزيمة والاستعداد الكبير لإزالة آثارها.

بالطبع، لم يكن هذان الحدثان وحيدين في التعبير عن دور الجزائر في قضايا أمّتها، ولا عن موقع ثورتها في حياة العرب والمسلمين، بل كانت هناك وقفات عدّة في أكثر من مرحلة، وأكثر من ملف، وأكثر من قضية، منها وقفة الجزائر الشجاعة بوجه محاولات إقرار التطبيع في قمة الجزائر العربية عام 2005، حيث كانت الكلمة الشهيرة »ليست الجزائر الأرض التي يخرج منها قرار عربي بالتطبيع مع العدو«، ومنها وقفتها الشجاعة أيضاً في السنوات الأخيرة برفض احتضان فتن التدمير الكبرى، التي خطط البعض لها لإسقاط دول وكيانات ومجتمعات وجيوش في المنطقة، لاسيّما في سوريا التي ما بخل شعبها وجيشها وقادتها يوماً في دعم ثورة الجزائر.

هذه المحطات الهامة التي تداخلت فيها أدوار للثورة الجزائرية مع لحظات تاريخية في حياة الأمّة هي محطات يعتز بها كل جزائري مؤمن بدينه وعروبته، كما كل عربي رأى منذ انطلاقة ثورة الفاتح من نوفمبر، أن »ثورة الجزائر مفاجأة العروبة لنفسها«، كما قال في أواسط خمسينات القرن الفائت مؤسس البعث الراحل ميشيل عفلق، فيما كان شباب البعث في كل أقطار المشرق العربي يقودون مع رفاقهم في الأحزاب والحركات الوطنية والقومية، حملات التضامن مع ثورة الجزائر ومدها بما تحتاجه من مال وسلاح.

إن استدعاء هذه المحطات الهامة في الذكرى 62 لانطلاق ثورة الاستقلال الجزائري المعاصرة، ليس مجرد حنين إلى ماض يعتز به كل أبناء الأمّة فحسب، بل هو نداء الحاضر والمستقبل من أجل أن يتعاظم دور الجزائر في نصرة قضايا أمّتها القديمة منها والمتجددة، وأن تستخدم ثورتها المجيدة رصيدها الكبير في قلوب أبناء الأمّة وعقولهم من أجل دعم المقاومة بكل تجلياتها في وجه المحتلين والغزاة والمعتدين، وفي العمل لطيّ صفحات الانقسام الفلسطيني والاحتراب العربي وفي وأد الحروب التي تشن على أقطار الأمّة وفيها، والتي يسعى مشعلوها إلى أن تمتد حرائقها لتشمل كل الدول والمجتمعات العربية والإسلامية إذا لم يتم اخمادها في بلاد المنشأ…

ولم يكن من قبيل الصدف أن تكون الجزائر، بعد لبنان، هي من أول الدول العربية والإسلامية التي اكتوت بنار الفتنة في »العشرية الدامية« والتي يسعى أعداء الأمّة إلى تكرارها في هذا القطر أو ذاك.

فالعشرية الدامية في الجزائر كانت في أحد أهدافها انتقاماً من الشعب الجزائري وثورته ودورها العربي والإسلامي والإفريقي، ومقدمة لنقل الحروب والفتن إلى أقطار الأمّة، القريب منها أو البعيد….

إن الجزائر، بشعبها وجيشها وأحزابها وقواها، مؤهلة للعب دور تاريخي في اللحظة التاريخية الراهنة عبر إطفاء الحرائق المشتعلة، وإقامة جسور التصالح والتفاهم بين أمم العروبة والإسلام، والسعي الجاد لإزالة آثار هذه الغمة الدامية التي تغمر أمّتنا وتحول بينها وبين نهضتها ووحدتها وتحررها، وإقامة العدل الاجتماعي والحرية السياسية في ربوعها.

إنه نداء ثورة الفاتح في عيدها الثاني والستين، نداء لاستعادة العافية داخل الجزائر، واستعادة مشروع النهوض على مستوى الأمّة.

ثورة لا تشيخ

في كل مرة ازور فيها الجزائر أشعر  أن فيها ثورة لا تشيخ وحيوية لا تهدأ.

فرغم كل ما مر به شعب الجزائر  من أهوال ومحن وانقسامات وحروب، فما زلت ترى الجزائري قابضا على جمر إيمانه بمبادئ ثورته ، ملتزما بمتطلبات انتمائه العربي والإسلامي والأفريقي، تحركه كل قضية عادلة لا سيما قضية فلسطين التي لا يتعب الجزائري من حمل لوائها.

بعد 62 عاما على انطلاق ثورتهم ضد الاستعمار الفرنسي، ما زال جزائريون ولدوا بعد ثورة الفاتح من نوفمبر1954،وحتى بعد الاستقلال 1962 ، يتحدثون عن ثورتهم باعتزاز وكأنها تفجرت قبل أسابيع أو أشهر.

يتصرف الجزائريون اليوم وكأن كل ما واجهوه من مصاعب ومتاعب وآلام بعد انتصار ثورتهم إنما هو عقاب مؤجل لثورتهم التي كانت مفاجأة العروبة لنفسها كما قال يوما مؤسس البعث ميشيل عفلق، وكما احتضنها فور انطلاقتها جمال عبد الناصر فواجهت بلاده عدوانا ثلاثيا، كانت فرنسا  غي موليه أحد أركانه، انتقاما من مصر المساندة لثورة الجزائر.

واليوم ونحن نشارك إخوتنا الجزائريين احتفالهم بأعياد الثورة في تجمع شعبي كبير ،ومؤتمر فكري، حول »المشاركة »دعت إليه حركة البناء الوطني فلكي نؤكد على هذه المبادئ والقيم

» لقاء قومي عربي في الجزائر«

لقائي انا والأخ فيصل درنيقة مع عدد من الاخوة من أعضاء المؤتمر القومي العربي في الجزائر وعدد من خريجي مخيمات الشباب القومي العربي  بحضور عضوي الأمانة العامة للمؤتمر الدكتور مصطفى نويصر والمناضل كريم رزقي وفي أجواء العيد الثاني والستين للثورة الجزائرية، وبمشاركة  مناضلين ومثقفين واعلاميين ينتمون إلى مشارب فكرية وسياسية وحزبية متنوعة ،كان فرصة لحوار شامل وجريء حول مختلف الأوضاع  الجزائرية والعربية والدولية واجماع على ضرورة التصدي لما تواجهه الامة عموما من مخططات تفتيت للمجتمعات، ومشاريع تمزيق وتقسيم للاوطان، تتسلل الى واقعنا من خلال ثغرات في بنانا السياسية والاجتماعية  والاقتصادية والثقافية والتربوية لا بد من العمل الجماعي والتعاون العقلاني لاغلاقها.

عبر المشاركون في الاجتماع، وهم من أجيال متعددة ،عن سعادتهم البالغة لخروج لبنان من ازمة الشغور الرئاسي وهم الذين يحملون للبنان كل حب واعتزاز بشعبه وديمقراطيته ومقاومته وقد عرفوا لبنان من خلال مؤتمرات حضروها ،او مخيمات وندوات شبابية شاركوا فيها ،او مواجهات بطولية للعدو الصهيوني اعتزوا بها.

المجتمعون  اتفقوا على أن العروبة والإسلام مستهدفان باعتبارهما  الهوية الجامعة لكل مكونات الوطن الكبير ،العربي منها وغير العربي، والمسلم منها وغير المسلم، وادركوا ان استهداف الامة وهويتها الجامعة لا ينفصل عن استهداف الأطر الجامعة كالمؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الإسلامي والمؤتمر العام للأحزاب العربية.والتناوب على النيل منها ، باتهامات متناقضة، فيما تحمل هي لواء الدفاع عن قضايا الامة الساخنة في العراق وسوريا ومصر واليمن وليبيا والسودان والبحرين ،وفي مقدمها قضية فلسطين التي اجمع الحاضرون على الاعتزاز بشبابها وشاباتها الأبطال وأخرهم الشهيد الضابط محمد بركان