الفوز المفاجي للملياردير برئاسة الولايات المتحدة يثير المخاوف

لندن: جمال الجزائري

أشاع الفوز المفاجئ و»الصادم« للملياردير دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة أجواءً من القلق والترقب حول تأثيرات سياسته الاقتصادية على الاقتصاد العالمي.

فيما حذرت مجلة »الأيكونومست« الاقتصادية الرصينة من أن »العناوين المخيفة« لمقاربته الاقتصادية، التي أعلنها خلال حملته الانتخابية كالحمائية، ورفض التجارة الحرة وفرض الرسوم الجمركية العالية، نذيرسيء للاقتصاد العالمي،  فإن صندوق النقد الدولي قد أشار إلى هذا »الخطر« الذي يمثله ترامب، إذ قال كبير الخبراء الاقتصاديين في الصندوق موريس أوبستفيلد إن انتخاب ترامب سيشكل »تغييرا جذريا في الموقف التقليدي للولايات المتحدة وخصوصا حيال السياسة التجارية«.

غير أن محللين يرون أن الخطاب الانتخابي لترامب شيئ وواقع الرئاسة واختبارها سيكون شيئا آخر. ومن بين هؤلاء ، المحللين في مؤسسة »كابيتال إيكونوميكس« الذين يقولون إن فوز ترامب »قد لا يأتي بالتغييرات الجذرية المخيفة«. ويؤكدون أنه »سيضطر ربما بعد أن يصبح في البيت الأبيض إلى تلطيف خطابه، لا سيما في مجال التجارة وسياسته على صعيد الميزانية« بسبب الكونغرس.

وخلال حملته رفع ترامب شعار »أمريكا أولا« متعهدا بأن تتخذ البلاد في عهده مسارا أكثر حمائية وتركيزا على الداخل وترحيل ملايين المهاجرين والعمال غير الشرعيين، بهدف توفير وظائف للأميركيين، غير أن  كثيرين يرون ان هذه المقاربة متهافتة لأن هذه الوظائف منخفضة الرواتب لا تجذب الأميركيين .

 كما تعهد بفرض تعريفة بنسبة 35 في المئة على الواردات. وإذا كان  ترامب قال في خطاب الفوز ان لديه خطة اقتصادية عظيمة تضم مشروعا لإعادة بناء البنية التحتية ومضاعفة النمو الاقتصادي للبلاد، فإن المحلل المالي مايكل برفس يقول  إن ترامب »بنى حملته على ثلاثة أعمدة هي الهجرة والحواجز التجارية وإنعاش القطاع الصناعي، وفي الحقيقة لم يقدم خطة واضحة، كما أنه متحدث متقلب المواقف«. وأكد المحلل أنه »ليس معلوماً إن كان سيمضي ترامب في هذا الاتجاه«.

و يخشى كثير من المحللين من تعامل ترامب رجل الاعمال خاصة في قطاع العقارات مع الاقتصاد بالنظرة النفعية الضيقة لرجل الأعمال وليس بالنظرة الشاملة لرجل الدولة بحسابات الداخل والخارج، خاصة بالنسبة لأكبر اقتصاد في العالم ، والذي يبقى برغم كل الهزات ، التي أصابته، قاطرة الاقتصاد العالمي، خاصة مع وضع الدولار كعملة الاحتياط العالمية بدون منازع. وفي هذا السياق يراهن مستثمرون على ارتفاع الدولار من منطلق أن إدارة ترامب ستقود التضخم في الولايات المتحدة إلى الارتفاع.

 في المقابل هناك من يرحب خاصة داخل امريكا بتعهد ترامب بتخفيض الضرائب للأفراد إلى 33%، مقابل 39.6% ، وعلى الشركات من 35% إلى 15%،  وإلغاء الصريبة العقارية ، غير أن كثيرين يخشون من ان هذه التخفيضات، التي تصل 4.5 ترليون دولار ستؤدي إلى تراجع كبير في عائدات الحكومة الأمريكية من الضرائب مما يضطرها اللجوء إلى مزيد من الاقتراض وزيادة الدّين الامريكي ، الذي يفوق 19 ترليون دولار.

و اللافت هنا  أن  ترامب كان قد صرح لـقناة »سي إن إن«  بعد اختياره كمرشح  جمهوري للرئاسيات الأميركية، أن الدين العام لبلاده لا يمثل مشكلة بالنسبة له، إذا أصبح رئيساً للولايات المتحدة، حيث أن حكومته ستساوم الدائنين على التخلي عن جزء من مستحقاتهم، وإذا رفضوا فستقوم حكومته بطبع الدولارات وتسديد هذه الديون!. وقد أثار هذا الكلام حينها تعليقات مندهشة من الكلام الذي كان يقوله ترامب، أما الآن وقد أحدث ترامب المفاجآة وفاز بالرئاسة الأمريكية فان نلك الدهشة تأخذ شكل الخوف الفعلي اذا ما مضى ترامب فعلا في تنفيذ ما يؤمن به بكل تبعات ذلك »الكارثية« على استقرار النظام النقدي العالمي ومكانة الدولار كـ »عملة احتياط« عالمية. وتعتمد أمريكا في ماليتها العامة على الاقتراض الخارجي عبر إصدار سندات الخزانة الامريكية، ويشكل الدين الخارجي نحو ثلث الدين العام الأمريكي، الذي يفوق 19 ترليون دولار، حيث يتجاوز الدين الخارجي لأمريكا 6.2 ترليون دولار. وتعتبر الصين أكبر دائن للولايات المتحدة بحيازتها لما قيمته 1.19 ترليون دولار من سندات الخزانة الأمريكية، تليها اليابان 1.14 ترليون دولار.

وتخشى الصين على وجه الخصوص من تداعيات فوز ترامب الذي دعا إلى فرض رسوم جمركية على السلع المستوردة من الصين بنسبة 45%، في إطار خططه لتشجيع الأميركيين على شراء المنتجات الأميركية.

وينتقد ترامب مبدأ التجارة الحرة واتفاقاتها، وتوعد بعدم اعترافه باتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، وبتمزيق اتفاق التبادل الحر لشمال أميركا ) نافطا(، التي تضم كندا والمكسيك. وأصبحت المكسيك أول ضحية اقتصادية لترامب ، حيث سجل سعر الصرف في المكسيك أدنى مستوى في تاريخ البلاد بعد إعلان فوزه. وكان ترامب  هدد أثناء حملته الانتخابية بتمزيق اتفاقية للتجارة الحرة مع المكسيك، وفرض رسوم جمركية بنسبة 35% على السلع المستوردة منها. وتعهد ترامب أيضا بطرد مهاجرين مكسيكيين غير نظاميين، وفرض ضرائب على الأموال التي يحولها المهاجرون المكسيكيون إلى بلادهم، بهدف تمويل بناء جدار على الحدود الجنوبية لوقف الهجرات غير النظامية من المكسيك.

ومن القضايا الغامضة ، التي تلقي بظلالها في أميركا والعالم  كذلك أيضا الرغبة، التي أعلنها  ترامب في تخفيف اللوائح التنظيمية المتشددة التي تحكم عمل المؤسسات المالية والاقتصادية وأسواق المال، التي كانت وُضعت في السنوات الأخيرة لمراقبة المصارف والمؤسسات المالية ومنع تكرار سيناريو  أزمة الرهن العقاري في 2008 وممارسات الجشع والمضاربة ، التي كانت تقوم بها المصارف والمؤسسات المالية وخاصة في أمريكا، والتي أدت في النهاية إلى تلك الأزمة المالية العالمية، التي مازال يعاني الاقتصاد الأميركي والعالمي من تبعاتها. ويخشى  كثير من المحللين أن أسواق المال خارج الولايات المتحدة لا سيما في الاقتصادات الناشئة هي التي ستدفع الثمن الأكبر.

التداعيات على النفط والمنطقة العربية

يرى بعض المحللين أن التأثير الاقتصادي على المنطقة العربية ربما يكون أقل حدة عن ذلك الواقع على أسواق ناشئة أخرى حيث إن اقتصادات منطقة الخليج بشكل خاص الأكثر ارتباطا ليس لديها اتفاقات تجارية مباشرة مع الولايات المتحدة. وربما تفيد التوقعات ببقاء أسعار الفائدة في عهد ترامب عند المستويات المنخفضة الحالية.

 اقتصادات الخليج المرتبطة بالدولار.

لكن في المقابل فإن رئاسة ترامب قد تجعل الآفاق قاتمة للاقتصاد العالمي، وتضعف الطلب على النفط، مصدر الدخل الرئيسي لدول الخليج ودول عربية أخرى، التي تواجه مشكلة أخرى تتمثل في احتمال زيادة إنتاج النفط في الولايات المتحدة، بعد أن تعهد ترامب بفتح جميع الأراضي والمياه التابعة للحكومة الفدرالية أمام أنشطة التنقيب عن النفط والغاز بما يدرإيرادت بـ 14 مليار دولار سنويا.

من جهة أخرى تواجه العلاقات الاقتصادية العربية الأمريكية  بأبعادها السياسية امتحانات صعبة على خلفية التصريحات السابقة التي أطلقها ترامب بشأن السعودية مثلا أو تعهده أثناء الحملة الانتخابية بمنع المسلمين من دخول أمريكا، وهو التعهد الذي اختفى من موقع ترامب مباشرة بعد إعلان فوزه بالرئاسة.

و كان رجال أعمال عرب بارزون، من بينهم من له شراكة مع ترامب، عبروا عن غضبهم  من دعوات الحملة الانتخابية لترامب المطالبة بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة.

ووصف الأمير السعودي الوليد بن طلال رئيس مجلس إدارة شركة المملكة القابضة التي تمتلك حصصا في شركات أمريكية من بينها سيتي جروب وتويتر ترامب بأنه »عار على أمريكا.«

غير أن الملياردير السعودي كان من بين من تمنوا له التوفيق بعد فوزه وقال في تغريدة على تويتر »الرئيس المنتخب … دونالد ترامب أيا كانت خلافات الماضي فقد قالت أمريكا كلمتها. تهانينا وأطيب التمنيات لرئاستكم.«

وهناك أيضا رجل الأعمال والملياردير خلف الحبتور – الذي عمل مع ترامب في مشروع إنشاء توقف في 2008 – والذي كتب في افتتاحية صحيفة محلية في أغسطس )آب(  العام الماضي يؤيد ترشح ترامب للرئاسة.

لكن، الحبتور تراجع عن ذلك التأييد بعد تعليقات ترامب بشأن المسلمين وقال إن أموال الخليج ستخرج من الولايات المتحدة إذا فاز ترامب بالرئاسة.

غير أنه وبعد انتخاب ترامب أكد الحبتور  لمجلة »أرابيان بيزنس« على أن تصريحات ترامب بشأن المسلمين كانت لأغراض انتخابية فقط وأنه سيخفف من حدة نبرته من الآن فصاعدًا وهو أمر سيفتح الباب أمام إعادة بناء علاقات طيبة مع الخليج.

والروابط التجارية الخليجية مع ترامب وشركات أمريكية أخرى قوية. فقد استوردت الولايات المتحدة بضائع وسلعا من بينها النفط بقيمة 32.4 مليار دولار من الدول الخليجية الست في 2015 كما أن المنطقة تعد أهم قاعدة عملاء لشركة بوينغ وعدد من شركات الدفاع الأمريكية.

كما أن الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة بمئات المليارات من الدولارات.

وبحسب »رويترز« يتمتع جهاز أبوظبي للاستثمار بالثقل الجغرافي الأكبر بمحفظة يقدر حجمها بنحو 792 مليار دولار في أمريكا الشمالية أي ما يتراوح بين 35 و50 بالمئة. وعلى سبيل المثال فإن الجهاز يمتلك قدرا كبيرا من الأصول العقارية من بينها فنادق فخمة في مدن أمريكية كبرى.

وقال جهاز قطر للاستثمار في سبتمبر )أيلول( 2015 إنه سيساعد الدولة الخليجية على استثمار 35 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدار خمس سنوات.

وتتجاوز استثمارات السعودية في سندات الخزانة الامريكية 90 مليار دولار.

و من القضايا التي ستكون على المحك خلاف شركات الخطوط الجوية الخليجية مع شركات الطيران الأمريكية.

وتقول مجموعة من شركات الطيران الأمريكية تضم »أمريكان ايرلاينز« و»يونايتد ايرلاينز« إن شركتي طيران الإمارات والاتحاد والخطوط الجوية القطرية استفادتا على نحو غير عادل من دعم حكومي ودعت المجموعة لمراجعة اتفاقية السماوات المفتوحة التجارية مع البلدين.

وكان بعض المسؤولين التنفيذيين في شركات طيران خليجية عبروا من قبل عن تخوفهم من أن ترامب قد يقدم المصالح الأمريكية على حساب بقية قطاع الطيران العالمي.

من جهة أخرى وفي اقتصاد معولم ومتشابك فإن حديث ترامب عن الحماية التجارية ربما يؤدي إلى هبوط في تدفقات الأموال حيث من المرجح أن يعاني شركاء الخليج التجاريون في آسيا من تراجع التجارة مع الولايات المتحدة.

نذر حرب تجارية  مع الصين »مغتصبة« أمريكا

وتبرز الصين هنا بشكل خاص، التي تعتبرثاني أكبر اقتصاد في العالم ، من أكبر الشركاء التجاريين مع المنطقة العربية وأي هزة يتعرض لها الاقتصاد الصيني ستكون لها ارتدادات محسوسة.

و كان ترامب تعهد  بالتشدد مع الصين فرض رسوم جمركية على السلع المستوردة من الصين بنسبة 45%.

و ذهب إلى مهاجمة الصين واتهامها بـ »اغتصاب« الولايات المتحدة، والمسؤولية عن »أكبر عملية سطو في التاريخ«.

و اتهم ترامب الصين بالتلاعب بعملتها لتجعل صادراتها أكثر قدرة على المنافسة عالميا، وذلك يلحق ضررًا كبيرا بالشركات والموظفين في الولايات المتحدة. وأكد ترامب أن الولايات المتحدة لديها »الكثير من النفوذ لتمارسه إزاء الصين«.

وتظهر أحدث الأرقام الصادرة من الحكومة الأمريكية أن عجز الميزان التجاري مع الصين بلغ مستوى غير مسبوق ليصل إلى 365.7 مليار دولار  العام الماضي.

من جهة أخر يضعف فوز ترامب احتمالات إبرام الاتفاقية المزمعة للتجارة الحرة عبر الأطلسي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

ويقول ترامب إن اتفاقيات التجارة الدولية تضر العمال الأمريكيين وتؤثر سلبا على قدراتها التنافسية . وقال ثيلو برودتمان رئيس اتحاد الصناعات الهندسية في ألمانيا »إذا اتبع أكبر اقتصاد في العالم سياسة حمائية فإن ذلك سيؤثر على بقية العالم. نأمل بألا تتحول أقواله إلى أفعال.«

وبحسب برنامج ترامب فإنه يرى أن خطته الاقتصادية سينتج عنها نمو اقتصادي سنوي يبلغ 3.5%، وستخلق 25 مليون وظيفة خلال 10 سنوات،  وذلك بأجراءات من قبيل انعاش القطاع الصناعي من خلال منع شركات مثل »آبل« من تصنيع منتجاتها بالخارج. وتشكك مراكز أبحات في إمكانية تحقيق هذه المعدلات.

وفي هذا السياق توقعت دراسة مؤسسة »أكسفورد إيكونوميكس« البريطانية  انكماش الاقتصاد الأميركي بتريليون دولار اذا طبق ترامب سياساته الاقتصادية.

لكنها تقول إنه في حالة فوز ترامب بالانتخابات فقد يتباطأ معدل النمو عام 2019 إلى ما يقرب من الصفر، ليتقلص الناتج الإجمالي إلى 17.5 تريليون دولار بدلاً من نمو يقارب 2% يحقق ناتجاً أجماليا بـ 18.5 تريليون دولار.

ـ ترامب… فوزه اثار القلق اقتصاديا