حسن عبدلله الشاعر والرسام

بيروت ـ رنا خير الدين

تمتزج أبيات الشعر في رحابة البيوت النائية وطبيعة البلدة في حضن ريشته الخاضعة لقوانين العشق القروي والحنين الدائم لمسكنه الجنوبي والولع بهوائه العذب. فمن سخط المدينة يهرب، ومن عبء الحياه يضجر، ومن ضجيج الأحياء يتصدّع، فيرحل عن كل ذلك عائداً لمسقط رأسه بلدته الجنوبية حاملاً ريشته وقلمه. حسن عبدلله الشاعر اللبناني الجنوبي من بلدة الخيام ممسوج من نسج قروي أصيل يبدع في رسمه للحكايا الضيعاوية، من ليلةٍ هادئة إلى أيام ربيعية. عرفنا حسن عبد الله على مدى أربعين حولاً في إطلالاته الشعرية، سوّغها لمحات وتأملات بجمالية عالية بتجواله الدؤوب بين الملموس والمتخيّل. عشق انهمار اللون والصوت والرائحة على عادة الشعراء في عشقهم الطبيعة، فاستظلّ بظلّها، يحاورها وتحاوره، يأتمنها أسراره قبل أن تطفو على سفح قصيدة في أربعة دواوين 1978 2012 »أذكر أنّي أحببت«، 07»الدردارة«، »راعي الضباب«، و»في ظلّ الوردة«، وأيضاً حكايات الأطفال، ولأجمل الأمّهات أغنية. عرض العبدلله لوحاته الحكاوتية في دار الندوة، سحرت بجمالها الحاضرين وزوار المعرض.

حسن عبدالله واحد من الشعراء البارزين في لبنان والعالم العربي، علماً أنّ مساره الشعري لم يتعدّ ثلاثة دواوين »أذكر أنني أحببت«، »الدردارة«، »راعي الضباب«. مسافات زمنية طويلة فصلت بين الكتاب والآخر، أمّا صمته الطويل فلم يُكشف سببه بعد. لكنّ أجواء القصيدة الرقم 12 من فصل »مسرح الأشباح« في ديوانه الجديد »ظلّ الوردة« تنمّ عن شيء من هذا القبيل: »ليس صحيحاً أنني توقفت لسنوات عن كتابة الشعر/ لقد مرّت أيام لم أكتب فيها شعراً/ ثم مرّت أيام أخرى/ وتبعت هذه الأيام أيام وأيّام/ وإذا كانت هذه الأيام قد تجمعّت، وتحوّلت إلى سنوات/ فهذا لا يعني أنني توقفت لسنوات عن كتابة الشعر/ لا يُمكن لشاعر طبيعي أن يفعل ذلك/ لكن، في هذه الأمكنة، وبين هؤلاء الناس/ كيف يُمكن لشاعر طبيعي أن يكون شاعراً طبيعياً؟«. يُمكن هذه القصيدة أن تُجيب عن سؤال صمته، إن لم تُعقّده أكثر… لكنّ ديوانه الجديد بكلّ ما يحمله من فنّ وإبداع وتجديد يغفر لصاحبه ذنب الصوم عن الشعر عمداً. بهذا المناخ الشاعريّ أغوى اللونُ حسن، وبهذا الصبو التحق بمن سبقه من الشعراء الذين امتلكوا ناصية الشعر والرسم معاً، يسكبون الروح على الورقة والقماشة، بما يشبه تعانقاً سرمدياً في عوالم إبداعية في أدوات الخلق، وسيلتاهم يراع وريشة، كأداتين للتعبير تملكان الأغراض الجمالية ذاتها، كلمة وصورة وقد قيل قديماً: »الرسم شعر صامت والشعر تصوير ناطق«. وقيل أيضاً: »وبالريشة كانت بداية الكتابة«. في »ظلّ الوردة«، قدّم العبد الله تجربته الأولى مع اللون. فبعثر من يده قبضة زهور وظلّلها »غلافاً« لتشهد على إقامته الأولى بين الكلمة واللون.

1977

ستّ قصص للأطفال صدرت عن سلسلة »جنة الأطفال«( دار الفارابي)

1981

صدور ديوان »الدردارة« (الفارابي)

1995

كتب المسلسل التلفزيوني »طبيب الغابة« من إنتاج شركة »الذات« في بيروت

2008

قصة وسيناريو فيلم »مازن والنملة« من إخراج برهان علوية وأنتجته قناة »الجزيرة« للأطفال.

وخلال المعرض كان للشاعر المتألق أمسية شعرية فريدة ألقى من قصائده أجملها وأخفّها ظلاً والأقرب للقلب، ومن هذه القصائد اخترنا باقة جميلة، ليستمتع قراء »الحصاد« بها:

قصيدة »عازفة بيانو«

أصابعكِ

لمّا تذوب في بركة الموسيقى

عذبة ورائقة

تنحدر من عيون السماء

دموع فرح

ويستولد القمح فضة الفجر.

أصابعكِ

عِشْرة قديمة مع سواقي الماء

حيث تتحرر رعشة بقوة وإصرار

حيث لا يخشى العشاق

غدرا ولا وشاية،

فلا تتوقفي عن العزف

وليصل بخورالخلق إلى منتهى النشوة

ليبرأ الخطأة

ويعتذر الطغاة.

قصيدة »من دون معنى«

هل رأيت لوحة رامبرنت المكسورة على الحائط

قِدر الرز على الطباخ تحتها مباشرة

جثة الدجاجة المقطعة الأوصال قرب كتابي الأخير

والبخار النّتن الصاعد

في غرفة مقفلة النوافذ؟

هذه إحدى نتائج رحيلكِ

وأسلوبي في وحدتي

حين تخليت عنكِ

وندمت كسرطعون بين يدي سكّير.

في الباطن

لا يمكنك تخيل هشاشة عظامي

ألم المفاصل

الفطريات المتكاثرة في كفّي

والقعود في الكرسي

لساعات طويلة

لمراقبة تهالك ما يحيط بي

فيما كل شيء فيّ يتضاءل ويجف.

لم أعد أقص أظافري

صرت أحتاجها بإلحاح

لإلتقاط ما يتساقط من كلمات غير مفهومة

لأعادتهاإلى فمي

الذي صار مأوى لغة

بلا معنى.

قصيدة »جنّية«

ولمّا غادرت سريرها

ترقرق الليل شغوفا

مع خُطاها

فمالتْ إلى كؤوس الساهرين

تعصر حلو دالية

وتضوّعت من براري جسمها

خيالات

لينخطف الجميع

بين الثمالة والسكون.

مسكونة بالذي في سكناه جمر

ملموسة مفقودة

محرمة مباحة

تُقطِّر في إناء الليل

ماءها

وتفتح للعابرين

بابا للجنون..*