امين الريحاني… اكثر من اديب

معن بشور

الذين شاركوا في الأمسية الثقافية الراقية والحميمة في »دار الندوة« وبدعوة منها، ومن الحركة الثقافية في انطلياس ودار نلسن حول المبدع اللبناني الكبير، أدباً وصحافة وتأريخاً وشعراً وفناً، امين الريحاني، شدتهم المداخلات القيمة للمتحدثين المميّزين إلى سيرة رجل ولد في مثل هذه الايام قبل 140 عاماً وتوفي قبل 76 عاماً، وكأنه ما يزال حياً بيننا، في كتاباته وترجماته ومدوناته.

قد يكون للبعض مآخذهم على هذا الفيلسوف المتمرد، لا سيما بعض رجال الاكليروس، لكن أحداً لا يستطيع ان ينكر على »ابن بطوطة« القرن العشرين عبقريته في اكثر من مجال، وحركته العابرة للقارات، ورحلاته المتنقلة بين صحاري الجزيرة العربية ومرتفعات الاطلس الكبير في المغرب الأقصى مرورا بالعراق وكل بلاد الشام، بل ان ينكر عليه انه كان سابقاً لعصره في التحذير من الخطر الصهيوني، كما في الدعوة للوحدة العربية بين اقطار الأمة.

امين الريحاني ابن جبل لبنان، كغيره من رواد النهضة العربية، حمل رسالة لبنان إلى اشقائه العرب والى قارات العالم يؤكد انه إذا كان لبنان »اكثر من وطن انه رسالة«، فان امين الريحاني »اكثر من اديب ومبدع انه دعوة تضج في كل اركان الوطن والامة«.

تحية لشعب اليمن….في عيد الجلاء

      في 26 ايلول/ سبتمبر 1962 جاءت الثورة في شمال اليمن ثأراً للجمهورية العربية المتحدة بعد الانفصال المشؤوم في 28 ايلول/سبتمبر 1961، أي بعد عام…

امين الريحاني
امين الريحاني

      وفي 30 تشرين الثاني / نوفمبر1967، جاء جلاء أخر جندي بريطاني من جنوب اليمن ثأراً للأمة العربية من هزيمة حزيران / يونيو 1967، أي بعد أشهر من تلك الهزيمة.

      وكأنه قدر اليمن بشعبه العظيم ومناضليه البواسل ان يشق لأمته كوة من النور فيما يظن الكثيرون انها وقعت في ظلام دامس… بل وكأن قدر اليمنيين ان لا يكافحوا من اجل قضيتهم الوطنية فقط، بل من اجل القضية القومية بأسرها…

      واليوم إذ يعيش اليمنيون في محنة دامية فرضها عليهم العدوان المستمر منذ 26 آذار /مارس الفائت، وفي ظل احتراب اهلي يسعى إلى تفتيت هذه القلعة العربية المسلمة العصية على كل الغزاة، فاننا نأمل ان يكون يوم جلاء المستعمر البريطاني عن اليمن مقدمة لجلاء كل اشكال العدوان والاحتراب عن بلد لم يعرف شعبه الركوع إلا لله العلي العزيز، وعن وطن موحد كان دائماً شوكة في عيون كل غازٍ وطامع أو معتدٍ..

مبادرة وفاء وفعل إيمان

تحية كبيرة للنادي الثقافي العربي على نجاحه للعام الستين في تنظيم معرض بيروت للكتاب العربي والدولي وما يواكبه من انشطة ثقافية وحضور عربي مميز.

 وتحية خاصة للنادي لتنظيمه بالتعاون مع المنتدى القومي العربي ندوة تكريمية لرائدين في الفكر والعمل القومي العربي هما الراحلان الدكتور محمد المجذوب والدكتور كلوفيس مقصود اللذان تركا بصماتهما المشرقة في الحياة اللبنانية والعربية والدولية.

فشكرا للنادى والمنتدى على مبادرة الوفاء هذه وشكرا لكل من حضر الندوة مجتازا العواصف والرعود ليتلو فعل محبة للراحلين الكبير وفعل إيمان بلبنان العروبة

بن بلة ولبنان والعروبة

في كل لقاءاتي مع الرئيس احمد بن بلة في الجزائر أو بيروت او جنيف كانت تلمسان بجمال طبيعتها وعراقة حضارتها وطيبة أهلها حاضرة في أحاديثه حتى جاء اليوم الذي بات فيه بن بلة بقامته الوطنية والعربية والإسلامية والأفريقية والإنسانية حاضرا في ملتقى تلمسان الدولي حول الرجل.

كان »الحاج«،وهو أحب الأسماء إليه حين زار لبنان 1997حريصا على ان يلتقي بكل مكوناته السياسية والفكرية والدينية والاجتماعية وان يزور كل مناطقه وان يتلو الفاتحة على أضرحة شهدائه، قادة ومواطنين، لبنانيين وفلسطينيين،لانه كان مؤمنا ان العروبة التي أمن بها هوية ثقافية جامعة ليست فقط تلك التي تركز على عوامل التماثل ببن أبناء الأمة بل أيضا هي التي تدرك بدقة التضاريس الاثنية والاجتماعية التي تكون خريطة الامة، فلا تجتمع مع العروبة اي نزعة اقصائية او الغائية او استئصالية وكأنه كان يستشرف منذ 20 عاما مخاطر مخططات التقسيم والتفتيت والاحتراب التي تعدها الدوائر الاستعمارية والصهيونية للعروبة والإسلام باعتبار ان في تكاملهما، كهوية وعقيدة، قوة لأبناء الامة من المحيط إلى الخليج.

وحين سألني المجاهد الكبير عن سر هذه الحفاوة العارمة التي استقبله بها لبنان الرسمي والشعبي،وهو أكبر استقبال شهده منذ استقباله في الجزائر بعد الاستقلال،قلت له انها اسباب ثلاثة اولها رمزية شخصه بالنسبة لثورة المليون ونصف شهيد وبحركة التحرر العربي والعالمي وثانيها لمتانة العلاقة اللبنانية الجزائرية من أيام الامير عبد القادر ودوره في مواجهة فتنة لبنان الطائفية عام 1860 إلى الدور الجزائري في إخراج لبنان من حرب لعينة استمرت 15 عاما وثالثها علاقته الكفاحية الرائعة بجمال عبد الناصر والتي دفع بن بلة ثمنا باهظا لها.

)من مداخلتي في ملتقى تلمسان الدولي حول الرئيس احمد بن بلة في 4 و5 تموز /يوليو 2016(

شباب الجزائر

لم يكن اللافت لي في ملتقى تلمسان الدولي حول »احمد بن بلة في بعديه الوطني والدولي« حجم الوفاء الشعبي والرسمي للزعيم الكبير، فالوفاء قيمة أساسية من قيم الجزائريين.

كما لم يكن لافتا لي غزارة المعلومات والتحليلات التي امتلأ بها الملتقى حول تاريخ رجل كبير وثورة عظيمة، لان المتحدثين، وجلهم من رفاق بن بلة، او من أبرز المؤرخين الجزائريين والعرب والأجانب، قادرون على الاطلالة على كل جوانب التجربة الثورية الجزائرية ودور بن بلة فيها.

ولم يكن لافتا كذلك حضور هذا الحشد من المجاهدين من كل أرجاء القارة الجزائرية من مسقط رأس الزعيم في »مغنية« على الحدود مع المغرب، حتى »تبسة«على الحدود مع تونس، فمحبة المجاهدين لبن بلة تفوق كل الحسابات العابرة.

اللافت لي كان هو هذا الحضور الشبابي والطلابي الكبير وعلى مدى يومين في الملتقى كتعبير عن تعطش شباب الجزائر للتعرف على تاريخ بلادهم من خلال سير رموزها وقادتها وابطالها.

وكان اللافت أيضا هو النسبة العالية من الشابات اللواتي حضرن الملتقى وحصدن أغلب الجوائز التي قدمتها ولاية تلمسان وجامعتها لأفضل أعمال إبداعية وأكاديمية عن بن بلة.

في هذا الإطار يروي المؤرخ والديبلوماسى العريق الدكتور عثمان سعدي كيف ان طلابا من الجامعة »اختطفوه« من الملتقى ليحاوروه في مدرجها، وعددهم بالمئات وأكثرهم من الطالبات، وهو أبن الثمانينات، في كتبه حول عروبة الجزائر ومعركة التعريب فيها وهو »الشاوي« ذو الأصول الأمازيغية ورئيس جمعية الدفاع عن اللغة العربية في الجزائر.

وفي حوار شيق مع ديبلوسيين عريقين مرا على سفارة بيروت هما المجاهد مصطفى هشماوي والدكتور علي لعور اكد الرجلان الكبيران ان ثورة الجزائر التحريرية ما زالت حاضرة بقوة في سياسة الجزائر العربية وهي التي تفسر الكثير من مواقف بلاد المليون ونصف المليون شهيد.

الجزائر العطشى الى تاريخها تتجدد اليوم بشبابها وشاباتها الذين كانوا دائما متميزين في دورات مخيمات الشباب القومي العربي ال26، وندوات التواصل الفكري الشبابي العربي ال6، بل كان حضورهم كميا ونوعيا في ان واحد.

اصدقاء لا ننساهم

لا يسعني وانا أغادر أرض الوفاء والشهداء الا ان أحيي روح ثلة من أعز الاصدقاء الذين نفتقدهم في كل مرة نزور الجزائر.

اول هؤلاء بالتأكيد هو الرئيس احمد بن بلة الذي كان تكريمه الرائع في تلمسان سبب هذه الزيارة.

 وثانيهما أستاذنا الكبير عبد الحميد مهري أمين عام جبهة التحرير الوطني السابق وامين عام المؤتمر القومي العربي الذي بفضله وإخوانه انعقدت دورتان للمؤتمر القومي العربي في الجزائر )2000و2005( والذي كان شخصية راقية في أدائها، مستقيمة في سلوكها، جامعة في علاقاتها، أصيلة في مبادرتها، والتي يجري التحضير لمؤتمر علمي عنه في شرق الجزائر بعد تكريم بن بلة في غربها.

ثالث هؤلاء الاصدقاء الكبار هو الشيخ محفوظ نحناح الذي جمعنا به مشروع التلاقي والتكامل بين تيارات الامة والذي جاءت أحداث ما يسمى بالربيع العربي لتضربه في الصميم فيما هي تدمر اقطارا عزيزة على كل عربي، والذي يسعى أبناؤه الروحيون الى إحياء ذكراه مع رفيقه الشهيد يو سليماني شهيد التصدي للإرهاب والفتنة اللذين ضربا الجزائر كما يضربان اليوم سوريا والعراق وليبيا واليمن وصولا إلى مصر وتونس.

رابع هؤلاء الكبار هو المحامي العروبي الشجاع يوسف فتح الله الذي اغتالته يد غادرة أحرجتها جرأته وشجاعته في التصدي للملفات الساخنة.

اما الخامس بينهم فهو مورخ الجزائر الراحل الدكتور محمد الطاهر العدواني الذي كان مع تلميذه الشاب في اوخر الثمانينات، المؤرخ البارز اليوم مصطفى نويصر، أول من تعرفت إليهما من الجزائريين ابان التحضير لانطلاق المؤتمر القومي العربي في أوائل التسعينات من القرن الفائت. لقد كان العدواني طاهرا في روحه، صادقا في علاقاته، مسكونا بالعروبة التي كان يقول:لقد حملنا السلاح من أجل هوية الجزائر العربية الاسلامية فكيف نقبل بالتخلي عنها اليوم.

كان هؤلاء الراحلون الاحبة حاضرين مع كل أبطال الجزائر في كل جلساتنا مع أصدقاء ينتظرون وما بدلوا تبديلا.

الجزائر قد تعني الكثير لأبناء الامة لكنها تعني بالنسبة لي أيضا هذه الكوكبة من الأصدقاء الذين لا يغيبون عنا مهما طالت الايام