اقتصاد بريطانيا في سنته الاولى بعد البريكس

لندن ـ جاد الحاج

صوّت البريطانيون بملء حريتهم وإرادتهم يوم 23 حزيران )يونيو( الماضي تأييدا لخروج بلادهم من عضوية الاتحاد الأوروبي. مع ذلك، ليس واضحا حتى الساعة ما الذي يعنيه هذا التصويت، وبالتالي المسار اللاحق إلى عملية الخروج والانسحاب نفسها بالنسبة إلى اقتصاد البلاد المعتبر ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي. لذا من المفيد تسليط الضوء قدر الإمكان على آخر التطورات وانعكاساتها في العام الجديد.

الاقتصاد: توقع الكثير من خبراء الاقتصاد وعلمائه قبل يوم الاستفتاء أن تترك النتيجة تأثيرا مباشرا فوريا وهاما يتعرض له اقتصاد بريطانيا وثقة المستهلكين في حال التصويت تأييدا للخروج والانسحاب. لكن، مهما كانت اعتبارات الحذر والاحتياط الواجب أن تضعها الشركات والأعمال في حسابها عند التخطيط للمستقبل، إلا أن قسم التحرير الخاص بالاقتصاد والأعمال في الموقع الإلكتروني لهيئة الإذاعة البريطانية )بي بي سي( أكد بتاريخ 20 آب )أغسطس( الماضي أن بريطانيا كدولة تعتمد التسوق تبدو مستعدة للحفاظ على هدوئها ورباطة جأشها بينما تواصل الإنفاق. وقد أنفق المستهلكون البريطانيون المزيد من المال على بطاقات الاعتماد في موسم الاعياد الفائت بالمقارنة مع صرفهم في العام السابق مع تسجيل 190 مليون عملية شراء بواسطة هذه البطاقات، وهذا رقم أكبر بكثير من المعدل الوسطي للأشهر الاخيرة من سنة 2016، حسب بيانات جمعية المصارف البريطانية. وكان الجو الدافئ والجنيه الضعيف قد عملا معا على مساعدة مبيعات المفرق والتجزئة في بريطانيا حتى تتحسن بنسبة 59% بالمقارنة مع مبيعات العام الماضي، وقد تم تسليط الضوء على ازدياد نشاط عمليات البيع في متاجر الشارع الرئيسي من قبل كل من التجمع البريطاني لباعة المفرق والمسح الإحصائي الذي أجرته شركة »كاي بي إم جي« للاستشارات والمحاسبة.brexit-city-of-london-580x358

في حين ارتفع المعدل الوسطي للتضخم منذ تموز )يوليو( مع تصاعد مؤشر الأسعار الاستهلاكية إلى مستوى 06% خلال الشهر السابع من العام الفائت، وذلك نتيجة تصاعد أسعار مواد الوقود التي يتم تحديدها بالدولار المرتفع في مقابل الجنيه الاسترليني،فإن دائرة الإحصاءات الوطنية تعلن أن عملية التصويت في الاستفتاء »لم تترك تأثيرا مباشرا وفوريا على هذه المعطيات الرقمية«. وبينما سجل نوع من تراجع في مستوى الإنتاج الصناعي البريطاني في الأشهر الثلاثة حتى أواسط آب )أغسطس( المنصرم، فإن القطاع الصناعي لا يزال يتوسع بمزيد من السرعة بالمقارنة مع ما كان يسجل في خلال فترة الربيع من العام الماضي، حسب بيانات اتحاد الصناعات البريطانية. كما تذكر دائرة الإحصاءات الوطنية أن الإنتاج الصناعي لبريطانيا نما بأسرع وتيرة ممكنة ومسجلة في الأعوام ال17 الأخيرة بمعدل 21% مقارنة مع الربع الأول من العام الفائت.

كما تبين أن »القليل جدا« من المستبينين تأثروا بحال الشك والبلبلة الناتجة من حصيلة الاستفتاء. في هذه الأثناء لا يزال اقتصاد منطقة اليورو يواصل توسعه على الرغم من الصدمة . وكان النشاط الاقتصادي لمنطقة اليورو قد بلغ ذروته القصوى في خلال سبعة أشهر على مدى شهر آب )أغسطس( المنصرم بحسب مؤشر إداريي عمليات الشراء في الأسواق )»Purchasing Managersص Index«(.

أسعار الفائدة: منذ انتهاء عملية التصويت اتخذ البنك المركزي البريطاني عددا من الخطوات لتعزيز الاقتصاد الوطني للبلاد. علاوة على خفض قيمة سعر الفائدة، أعلن البنك عن تدابير وإجراءات إضافية لتحفيز الاقتصاد، ومنها توسيع هائل في برنامجه الخاص بالتيسير الكمي مما يمكنه من ضخ 170 مليار جنيه استرليني إضافي، وبرنامج آخر بقيمة 100 مليار جنيه لإجبار البنوك على تمرير مستوى سعر الفائدة المتدني إلى العائلات والأسر والشركات. ويتمثل أحد الآثار المترتبة على تخفيض سعر الفائدة بمفاقمة العجز المتنامي في صناديق التقاعد بسبب انخفاض مردود السندات وإيراداتها. ومع تقلص قيمة الإيرادات تنخفض قيمة الدخل الذي تحصل عليه صناديق التقاعد والتعويضات من استثماراتها.

العملة: انخفضت قيمة صرف الجنيه الاسترليني بصورة هامة منذ صدور نتيجة الاستفتاء وذلك بدافع من الحيرة والقلق بشأن اقتصاد بريطانيا وعلاقاتها المستقبلية مع بقية بلدان الاتحاد الأوروبي. وكان الانخفاض قد وجد ما يعززه في تقليص سعر الفائدة الذي اعتمده البنك المركزي أو بنك إنكلترا ضمن تدابيره وإجراءاته لتحفيز الاقتصاد وأدائه ونشاطه. يتراوح سعر صرف الجنيه الاسترليني في مقابل الدولار بين 130 و123 بعد ان كان يلامس 157 دولارا قبل » البريكس«، وهذا تدهور بنسبة 18%. أما في مقابل اليورو، فبلغ السعر في التاريخ نفسه 115، بينما كان يساوي 135 يورو قبل عام بالضبط، وهذا يعني انخفاضا بنسبة 14%. وكان القطاع السياحي البريطاني من المستفيدين بنتيجة تدهور سعر الجنيه الاسترليني، إذ جعل الجنيه الضعيف بريطانيا هدفا غير مرتفع الكلفة بالنسبة إلى السواح من مختلف أنحاء العالم. وينقل الموقع الإلكتروني للبي بي سي عن إحدى شركات السفر والسياحة الكبرى في لندن تأكيدها أن مجموع الحجوزات إلى بريطانيا ارتفع بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بنسبة 71%. كما تستند صحيفة الفايننشل تايمس إلى إحدى وكالات تنظيم أعمال السياحة الجماعية من الصين إلى أوروبا إيضاحها أنها سجلت زيادة في الاستفسار عن الوضع في بريطانيا من قبل السواح الصينيين المحتملين بنسبة 20% في النصف الأول من الصيف الحالي بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. كما لا يجوز اعتبار لندن وحدها المستفيدة. من ناحيتها، تنشر شركة ريان للطيران الأيرلندية المعروفة بعدم تقديمها إضافات أو تسهيلات مميزة في رحلاتها أنها سجلت زيادة في أعداد الزوار الأجانب من خارج أوروبا إلى كل من مانشستر وليفربول وليدس واسكتلندا وكذلك العاصمة لندن.

التجارة: توحي المعطيات الرقمية المتوافرة من دائرة الإحصاءات الوطنية بأن الانخفاض في قيمة صرف الجنيه منذ عملية التصويت زاد من كلفة الواردات بالنسبة إلى المنتجين الصناعيين. وكانت أسعار المدخلات التي يجابهها المنتجون تصاعدت بنسبة 43% في العام المنتهي في بداية تموز )يوليو( الفائت، بالمقارنة مع تراجع بنسبة 05% على مدى العام المنقضي في نهاية حزيران )يونيو( من العام الماضي. وكانت الارتفاعات الأشد إثارة قد سجلت في كلفة المواد الغذائية المستوردة التي قفزت بنسبة 102%، وكذلك المعادن المستوردة التي صعدت بنسبة 124%. وكان تدهور سعر صرف الجنيه الاسترليني قد دفع عددا من خبراء الاقتصاد إلى التحذير من تشكل وتراكم علامات الضغوط التضخمية في بريطانيا عندما تجد نفسها مضطرة إلى تحمل التصاعد في أكلاف المستوردات، ليس فقط بالنسبة إلى باعة المفرق وإنما أيضا بالنسبة إلى الكثير من المنتجين الصناعيين الذين يستوردون الأجزاء والقطع والمواد الخام من المصادر الخارجية البعيدة.

أسعار المساكن: لا يزال مشترو العقارات يمضون قدما في إتمام صفقاتهم على الرغم من حال البلبلة وعدم الاستقرار في سوق المساكن والوحدات السكنية البريطانية في أعقاب التصويت تأييدا لخروج البلاد من الاتحاد الأوروبي. ويفيد مجلس المقرضين للرهنيات أن الإقراض الإجمالي على الرهنيات ا تراجع إلى مستوى 214 مليار جنيه استرليني في تموز )يوليو( الماضي، مما يجعله أدنى بنسبة 1% عن الشهر نفسه من العام الماضي ومتطابقا مع المستوى المسجل في حزيران )يونيو( السابق. أتت هذه البيانات في أثر نشر مؤسسة إتش آر إم سي بياناتها التي توضح أن مجموع المساكن المباعة في تموز )يوليو( الماضي انخفضت بما مجموعه 16 ألفا بالمقارنة مع الشهر نفسه من العام 2016. كما ينعكس هذا الانخفاض السنوي الطفيف في المسح الإحصائي الميداني الأخير الصادر عن المؤسسة الملكية للماسحين المجازين، التي تبين لها حدوث تباطؤ هام منذ نهاية تموز )يوليو( المنصرم إلا أن الوضع يختلف في مجال العقارات التجارية، إذ عرف الطلب على المكاتب والمتاجر في لندن وثبة ملحوظة بالمقارنة مع الهبوط السابق لتاريخ الاستفتاء. في اي حال، كان بنك إنكلترا في تقريره الشهري عن التضخم الصادر في النصف الأول من آب )أغسطس( المنصرم قد ارتأى أن عدم اليقين »يرخي بظل كثيف على النشاط المسجل« مع التنبيه إلى »احتمال انخفاض أسعار المساكن قليلا في المستقبل القريب«.

الوظائف: هبط مجموع أعداد العاطلين عن العمل في بريطانيا على مدى الأشهر الفائتة، مع تراجع المجموع 52 ألفا ليصل إلى 164 مليون، مما يجعل المعدل الوسطي للبطالة اكثرمن 49%.إلا أن القليل من البيانات توفر أي معلومات واضحة ودقيقة عن مستوى البطالة الراهن، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان الخروج بأي استنتاجات عن تأثير العملية. وفي مسح إحصائي أجرته إحدى الوكالات المختصة أوحى أن سوق الوظائف وفرص العمل عانى تباطؤا مثيرا منذ الصيف الماضي، مع انخفاض مستوى الاستخدام والتشغيل إلى معدلات لم تسجل منذ العام 2009.غير أن الصورة تبدو مختلطة ومشوشة عندما يتعلق الأمر بالوظائف الفردية وبعض طلبات الشركات على العاملين. فبعض الشركات تتوقع انكماشا في سوق التشغيل والتوظيف، وقد بدأ مصرف لويدس المعتبر أكبر البنوك البريطانية تسريع عمليات تسريح موظفيه، إذ أبطل ثلاثة آلاف منصب. لكنه أكد أن قراره هذا قد اتخذ قبل الاستفتاء. لكن العديد من الشركات الأخرى أعلنت عن وظائف وفرص عمل جديدة. من ذلك أن سلسلة مكدونالد في بريطانيا تعلن عن إيجادها خمسة آلاف وظيفة جديدة، بينما تتحدث شركة توليت بريبون اللندنية للخدمات المالية عن إيجادها 300 وظيفة جديدة في مجال تكنولوجيا المعلومات.

الاستثمار: المقصود هنا بالدرجة الأولى هو الاستثمارات المجتذبة إلى داخل بريطانيا. فبريطانيا بحاجة إلى اجتذاب استثمارات أجنبية كبيرة لتغطية أكلاف مستورداتها، وربما أصبحت هذه البلاد مكانا أقل جاذبية وإغراء بالنسبة إلى المستثمرين، وذلك مع إرخاء ظلال كثيفة من الشك على مدى قدرة ارتيادها بسهولة لدول الاتحاد الأوروبي الأخرى وتعاملها معها. في جميع الحالات، يتوقع الكثير من المراقبين والمحللين تراجع مستوى الاستثمارات والتوظيفات في بريطانيا في وقت يحتمل أن يعزز ضعف الجنيه الاسترليني مستوى الصادرات من البلاد. ونظرا إلى سعي الكثير من الدول في أوروبا، وربما في خارجها، إلى الإفادة من عدم إتاحة الفرص نفسها لدخول السوق الأوروبية الواحدة بمجموع مستهلكيها ال500 مليون، تكتسب ترتيبات الاتفاق الذي تعقده لندن مع المفوضية الأوروبية أهمية خاصة بالنسبة إلى المستثمرين.لذا يعتقد الكثيرون أن من واجب بريطانيا السعي إلى البقاء جزءا من السوق الواحدة، علما أن أي دولة لم تستطع الحصول على هذا الامتياز دون الحفاظ على حرية تنقل الأشخاص، مما يعني التسامح مع حركة الهجرة.. وتلك مشكلة عويصة تنتظر السيدة ماي وحكومتها في العام الطالع!

01

الجيل الطالع في المتحف الوطني البيطاني

02

فاكهة مستوردة افي اسواق بريطانيا

03

مبنى مصرف لويدز في لندن