فنلندا والبيئة الناجحة في التربية

قضايا بيئية

الدكتور هيثم الشيباني
خبير في البيئة

وجدنا حاجة ملحة لنتصفح تجارب بعض الدول المتقدمة في النظام التربوي وتأملنا طويلا التجربة الفنلندية، كي نستفيد منها ونأخذ العبر.

  1. تطورات جديدة في التعليم في فنلندا.

يعتبر نظام التعليم في فنلندا واحد من أفضل أنظمة التعليم في العالم وأكثرها تقدما، فقد أعلنت فنلندا خبرا مهما للغاية، ولا نكاد نسمعه عند غيرها من الدول الأخرى في العالم.

فالجديد هو أن فنلنده قد خططت واتخذت قرارا في نظامها التعليمي، وهوإلغاء نظام الكورسات )المقررات( من مناهجها التعليمية للأعمار ما فوق 16 سنة واستبدالها مثلا بدارسة أحداث وظواهر بعينها من كافة الجوانب، وهذا يعني تعدد مجالات المعرفة في كل حدث وظاهرة

اطفال مع معلمتهم في فنلندا
اطفال مع معلمتهم في فنلندا

تُدْرس، ومثلا يُدرس موضوع )الحرب العالمية الثانية( تاريخياً وجغرافياً وحسابياً..الخ، ويدرس موضوع )العمل في مقهى( )المقصود أحد المقاهي العالمية المعروفة( من النواحي اللغوية )مثل اللغة الانجليزية( والاقتصادية وقدرات التواصل والاتصال..الخ، ويدرس موضوع )التغيرات المناخية( فيزيائياً وكيميائياً ورياضياً وبايولوجيا ….الخ  وهكذا، حيث يختار التلاميذ المواضيع التي يودون دراستها مأخوذة في الاعتبار طموحاتهم المستقبلية اللاحقة وقدراتهم الشخصية، مع العلم أن التلميذ الفنلندي ذو 16 ربيعاً يكون قد درس مقررات أساسية كثيرة وعنده خلفية مناسبة أساساً.

فلا حاجة أن يتكبد التلميذ ما فوق 16 سنة كورسات كاملة في الفيزياء أو الكيمياء أو أي مادة أخرى، تثقل عليه ما يسأله عادة في مدى فائدة هذا لحياته ومستقبله ؟ .

تتوقع فنلنده أن يكون هذا التغيير جاهزا في العام 2020.

ان هذه التجربة مهمة للغاية و تتطلب المتابعة، لكن بعض التساؤلات تبرز مثل المعرفة، وحب المعرفة بغض النظر عن فائدتها المباشرة لحياة ومستقبل التلميذ، و ربما يترك الجواب الى موعد التطبيق ورغبات الطالب نفسه.

 أما عن التلميذ الذي يحب مواضيع أكثر تخصصا في الفيزياء أو الرياضيات أو الكيمياء أو أي علم آخر؟ وما هو أثر هذا النظام على كم ونوع العلماء المتخصصين الذين تحتاجهم البلاد، فهذا ما سيتوضح بالتجربة ؟

  1. الأسباب التي تجعل فنلندا في المقدمة.

ان فنلندا غير مشهورة عالميا في ساحات السياسة العالمية، وخصوصا منطقة الشرق الأوسط، ولكنها رغم صغرها في المساحة فقد ركزت اهتماماتها بشكل أساسي على تطوير نظامها التعليمي، حتى أضحت في عام 2015 أ فضل دولة في التعليم وفقا لتقرير التنافسية العالميه، وفي هذا التقرير نسلط الضوء على 7 من أهم الأسباب التي جعلت فنلندا في مقدمة دول العالم في مجال التعليم:

 أ. احترام التعليم جزء من الهوية.

 يحتاج 150 سنة من ترسيخ احترام التعليم ومهنة التدريس، لأن الفخر والاحترام للتعلم والتعليم، هما من الجوانب الأساسيه للثقافة الفنلندية، وقد بنت فنلندا هويتها القومية منذ القرن التاسع عشر، من خلال استثمار التعليم. وبعد استقلالها كان هدفها الرئيسي هو تطوير التعليم بشكل أكبر. كانت هذه اجابة )بار ستنباك( وزير التعليم السابق في فنلندا الى احدى وسائل الاعلام عن سر نجاح التعليم في فنلندا.

 ب. التنافس الشديد من أجل الحصول على وظيفة مدرس.

يتم اختيار المدرسين بعناية شديدة، فلا بد أن يكونوا ذوي كفاءة عالية وحماس شديد وشغف ملحوظ بالمهنة وبالرغبة في مساعدة الآخر، فلا يكفي أن يكون المدرس حاصلا على شهادة البكالوريوس أو الليسانس حتى  يتمكن من شغل وظيفة )مدرس(، فلا بد أن يكون حاصلا على درجة الماجستير، ويتم قبول 11% فقط من المتقدمين لشغل وظيفة المعلم، وهذا يضمن أن الموهوب فقط والأكثر حماسة هو الذي يستحق شغل تلك الوظيفة.

 ج. ساعات عمل أقل وراحة أكثر.

ان أحد أهم مميزات التعليم في فنلندا هو التركيز على عمق المواد الدراسية، وعدم تناولها بشكل سطحي، فالمعلم يعمل في الفصل لمدة 4 ساعات يوميا و 20 ساعة اسبوعيا، وأن نصف هذه الساعات يقضيها في اعداد المناهج الدراسية وتقييم الطلاب، وكلما تقلصت ساعات الدراسة، ازدادت فترات الراحة نسبيا، لغاية 75 دقيقة موزعة على اليوم الدراسي الواحد.

 د. لا فصل بين الطلاب على أساس مستواهم التعليمي.

ان العوامل المذكورة أدناه جعلت فنلندا تمتلك أصغر فجوة بين الطلاب الأقوى والأضعف في مستوياتهم التعليمية، على مستوى العالم وفقا لدراسة أجرتها مؤسسة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وكان هذا الشعار معتمدا في المدارس الفنلندية قبل فترة طويلة، ثم اقتبسته الولايات المتحدة بشكل واسع، ويعتمد على تصعيد المستوى التعليمي للأطفال المتأخرين دراسيا )وعدم عزل الطلاب وفقا لمستواهم التعليمي(، حتى يصلوا إلى المستوى التعليمي المتوسط والسائد بين زملائهم، من خلال مساعدة المعلمين لهم وإعطائهم اهتماما أكبر بكل صبر الدعم اللازم لتخطي الصعوبات واللحاق بزملائهم، وهناك %30 من الطلاب الفنلنديين يتلقون مساعدة إضافية خلال أول 9 سنوات في التعليم الأساسي.

 هاء. العلاقة الوثيقة بين المعلم والطالب

 يستمر المدرسون مع الطلاب فترة خمس سنوات دون تغيير مما يؤدي الى توثيق العلاقة بين المعلمين والطلاب، الذين يبلغ عددهم 20 طالبا فقط، في الفصل الواحد، وذلك ما يكسر جبل الجليد والتقرب بينهم على المستوى الشخصي، ويدرك المعلم بشكل عميق المستويات المختلفة لطلابه للتعامل مع كل طالب بالاسلوب الذي يناسبه.

 و. المساواة بين الطلاب

 المساواة هي المبدأ الأكثر أهمية في التعليم الفنلندي.

هذا ما يؤكده )أولي لوكنين( رئيس الاتحاد الفنلندي للمعلمين، وهذا التصريح أساسه تكافؤ الفرص والعدالة والمساواة المترسخة في نظام التعليم في فنلندا، الذي جعل من الطلاب الفنلنديين متسا وين سواء كانوا في مناطق ريفية أو حضارية، فقيرة كانت أو غنية وعلى جودة تعليم متساوية. ان هذا النظام يمنع المدارس في فنلندا من أن تتحول إلى عمل تجاري، كما أنها تبتعد أيضا عن الأدلجة السياسية أو الطبقية، لأن كل المدارس في فنلندا تُمول شعبيا، ويتم توزيع المال بالتساوي على المدارس إلى حد كبير، كما أنه لا يوجد تصنيفات وترتيبات ومنافسة بين المدارس، فجميعها تعمل وفقا لأهداف قومية واحدة.

 ز. ارتفاع نسبة الاقبال على الجامعة

ترتفع نسبة الفنلنديين المتخرجين الى 93% في المدارس العليا،مما جعل فنلندا تتخطى الولايات المتحده الأميركية في هذا المجال ب 17.5% وان 66% من خريجي فنلندا يقبلون في الجامعات، بالرغم من كون المتخرج غير ملزم بالدخول الى الجامعهوهذه النسبة هي الأكبر فيأوروباكما وأن فنلندا تنفق على الطلاب المقبولين في الجامعة أقل من نظرائهم في أمريكا بنسبة 30%.

  1. أنماط وأساليب التعليم في القرن الواحد والعشرين

تم نشر كتاب

 )Student-Driven Learning Strategies for the 21st Century Classroom( من قبل شركة IGI Global: international publisher of progressive academic .research

 ويقدم هذا الكتاب موضوعات مهمة  مثل، مشكلة بطالة الخريجين الجامعيين بعد انفاق الأفراد والحكومات مليارات الدولارات عالمياً في التعليم، أو عمل الخريجين في مجالات لا تمت لتخصصهم بصلة. وهي مشكلات عالمية نجمت وتفرعت عنها مشكلات اقتصادية واجتماعية أخرى وأفرزت ظواهر غريبة عن الإنسانية مثل تغير أنماط الجريمة، والإرهاب، والعنف وغيرها. إذ يرى مختصون، أن السبب في ذلك يعود الى قصور المناهج التربوية والدراسية واعتماد أساليب التعليم التقليدية في الدول المتقدمة والنامية  على حد سواء.

*4. تقرير عن الوضع الثقافي في الدول

العربية.. صادر عن مركز فيريل للدراسات برلين:*

ـ ان الدول العربية مجتمعة هي من أقل دول العالم قراءة واقتناءً للكتب، مثلا ان عدد الكتب المطبوعة في إسبانيا سنوياً، رغم ضائقتها الاقتصادية، يساوي ما طبعه العرب منذ عهد الخليفة المأمون الذي توفي في عام 218 هجريه، وحتى يومنا هذا، أي قرابة 100 ألف كتاب جديد، وهذا يعني أن الحاجةماسة لوقفة جاده أمام هذه الاحصائية.

ـ ان ما تستهلكه دار نشر فرنسية واحدة من الورق هي )غاليمار(، يفوق ما تستهلكه مطابعُ الدول العربية مجتمعة من المحيط إلى الخليج في صناعة الكتب.

ـ تطبع بلجيكا من الكتب سنوياً، والتي تعداد سكانها 9 ملايين، أكثر مما يطبعه 350 مليون عربي.

ـ يمثل سوق الكتاب في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 30 مليار دولار، وحوالي 10 مليارات دولار في اليابان و9 مليارات دولار في بريطانيا، وتبلغ مبيعات الكتب إجمالًا في كل أنحاء العالم 88 مليار دولار.

بينما مداولات سوق الكتاب العربي بيعًا وشراء لا تتجاوز 400 مليون دولار أمريكي سنويًا فقـط، أي أن الولايات المتحدة تنفق 75 مرة ما تنفقه الدول العربية على الكتاب.

ـ بلغت مطبوعات الكتب في بريطانيا 208 آلاف عنوان جديد، أما الولايات المتحدة الأمريكية  فقد طبعت 179 ألف عنوان جديد لعام 2011، وفي ألمانيا 110 آلاف عنوان جديد.

*أمّــا مطبوعات الدول العربية من العناوين الجديدة:*

عـُمان 7 عناوين جديدة. الأردن 478 ومصر 1671، أفضــل الدول العربية هي السـعودية، فقد أصدرت 3900 كتاب جديد، لكن 70% منها كتب دينية، 10% عن انجازات الأسرة الحاكمة.

ـ أكثر الشعوب العربية ثقافة بالترتيب: لبنان، سوريا فلسطين، مصر العراق.

ـ  عدد الكتب المخصصة للطفل العربي 400 كتاب في العام، مقابل 13260 كتابًا في السنة للطفل الأمريكي و3838 للطفل البريطاني و2118 للطفل الفرنسي و1485 للطفل الروسي.

– نصيب الطفل الأمريكي هو 33 ضعف نصيب الطفل العربي من الكتاب.

 – كل 20 عربياً يقرأون كتاباً واحداً في السنة،بينما كل بريطاني يقرأ 7 كتب )أي 140 ضعفًا( والأمريكي 11 كتاباً والألماني 13 كتاباً أي يقرأ الألماني 260 أضعاف ما يقرأه العربي.

ـ عدد النسخ المطبوعة من كل كتاب في الدول العربية يتراوح بين1000 ـ 5000 نسخة مقابل ما متوسطه 95 ألف نسخة في ألمانيا.

ـ أن المشكلة ليست فقط بعدد الكتب بل بنوعية الكتب المطبوعة في البلدان العربية، يأتي الكتـاب الديني في المرتبة الأولى، يليه الكتاب المنزلي /الطبخ والديكور.

 أما الكتب الثقافية، فتشكل أقل من 1%.

  1. أفضل 9 دول عربيه في مستوى التحصيل الدراسي

تتفاوت المؤسسات في طرق وأساليب الوصول الى احصائيات رصينة تمكنها أن تبني قناعاتها، حسب معايير منطقية.

وعليه فقد أعلنت منظمة الاقتصاد والتعاون والتنمية الدولية، أن التسلسل العالمي لمستوى التحصيل الدراسي كما يلي:

الدول الآسيويه، سنغافوره المركز الأول، تليها هونك، وكوريا الجنوبيه، واليابان، وتايوان.

ومن الدول المتقدمه جاءت أمريكا بشكل مفاجئ في التسلسل28 عالميا من أصل 76 والسويد في التسلسل 35.

أما غانا فقد جاءت في التسلسل الأخير.

ويعتمد التقييم على المقارنة بين جودة التعليم ونسبة النمو الاقتصادي، وتقوم العملية على دراسة نتائج التلاميذ ومستوى التحصيل الدراسي حتى سن 15 في مادتي العلوم والرياضيات.

وقد اتضح ان بلدان الصف الأول في عملية التقييم هذه، تجذب أفضل الأساتذة للتدريس اذ أنها تعلم أن الأستاذ الممتاز يحقق النتائج المرجوة.

أما على مستوى الدول العربية ففد جاء تسلسلها عالميا كما يلي:

دولة الامارات العربيه المتحده 45.

مملكة البحرين 57.

لبنان 58.

الاردن 61.

تونس 64.

المملكه العربية السعوديه 66.

قطر 68.

سلطنة عمان 72.

مملكة المغرب 73.

  1. الاستنتاجات

ان ما شاهدناه في المقال هو تطور كبير جدا، وافكار مهمة مع أنها ليست جديدة ولكن اعتمادها على مستوى فن

 لا وظيفة مدرسية في فنلندا
لا وظيفة مدرسية في فنلندا

لندا هو الجديد، ويهمنا متابعة هذه التجربة الفريدة ونتائجها مع العلم أن التعليم الفنلندي، كما هو الآن في قمة أنظمة التعليم في العالم اساساً.

لقد نجحت فنلندا في خلق البيئة المدرسية الصحية، من حيث تساوي الفرص، وتوفير العدالة دون تمييز واختيار المدرس التربوي المقتدر على حمل الرسالة بجد واخلاص.

اضافة الى كون فنلنده تتبوأ مركزا متقدما في نظامها التربوي والتعليمي الا أن رؤيتها نحو الأفضل لم تتوقف واليوم قررت أن تنفذ برنامجا محسوبا ومدروسا نحو الغاء المقررات الدراسية، والتعويض عنها بصيغة أكثر تقدما.

من أجل ذلك حرصت فنلندا على تطبيق نظام متطور في اختيار المدرسين، بحيث تنطبق عليهم مواصفات استثنائية تتسق مع الخطة المرجوة.

تناولنا بشكل سريع الوضع الثقافي في الدول العربية وأفضل الدول العربية حسب التصنيف العالمي.

ان المعروض في المقال يحفزنا نحن أبناء الوطن العربي، أن نركض بدلا من السكون أوالمشي أوالهرولة، بخطى ثابتة، كي نلحق بالركب العالمي.

وهذا هو السباق الحقيقي، ولا ننسى حضاراتنا القديمه التي لا زالت بصماتها موجودة في سفر البشرية، وكذلك حضارات دولنا التي جاءت منذ الاسلام، معروفة وتناولناها في دراساتنا ومتيسرة لكل قارئ مهتم.

ـ اطفال مع معلمتهم في فنلندا