رسالة إِلى داناي

يكتبها: هنري زغيب

»دَانَـاي… مَـطَـرُ الـحُبّ« هو كتابُ حُـبّـي الوحيدِ، الحاملُ شِعري ونَـثـري في حالات هذا الـحُبّ الحقيقيّ الوحيد. قبله كان شِعري غَزَلًا افتراضيًّا في حالات »حُبٍّ« افتراضيّ. بعد شقيقِه السابق »ربيع الصيف الهندي« )سنة 2010( يُكمِلُ هذا الكتابُ الجديدُ مسيرتي فيَشهدُ على هذا الـحُـبّ العاصف في حياتي، والذي لا يـحِلُّ إِلَّا مرَّةً وحيدةً في العُمر. كنتُ أَنتظرُهُ منذ فجر حياتي، وها هو حَــلَّ في خريف عُمري ليُذيقَني ربيعًا رائِعًا لـم أَعرفْه في ربيعي، فأَذوقَ جَـــنَّـــتَــهُ منذ يومه الأَول حتى يوميَ الأَخير.

هوذا كتابي إِليها، إِلى حبيبتي »دَانَـاي«. وهي ذي قصّةُ حبّنا التي يُشْبِهُها أَن تكونَ قنديلًا هادِيًا في ليالي العاشقين!

داناي، يا حبيبتي إِلى الأَبد

من هذا البعيد الذي يفصلني عنكِ، وأَنتِ مُحاصَرةٌ بذويكِ، مُسَوَّرةٌ بالحراس، مسيَّجَةٌ بعيون الآخرين،

من هذا البعيد أَكتبُ إِليكِ، فالكلمات رسُولاتٌ بـيـنـنا في انتظار زماننا الآتي!

إِليك أَكتب يا حبيبتي لأَقول لكِ حبَّنا الذي بات مصيري وقدَري وكلَّ حياتي لأَنه ثمرةُ ما جاءَني به حُبُّكِ.

حُبُّكِ غَيَّرَني وكنتُ أُغَيِّر.

حُبُّكِ عَلَّمَني وكنتُ أُعَلِّم.

حُبُّكِ حَرَّرني وكنتُ سجينَ القيود تُـجَـمِّـلُ أَوهامي.

حُبُّكِ أَبْكاني وكنت أُبْكي السوى.

حُبُّكِ عَذَّبَني )كلَّما أَخافُ أَن أَخْسَركِ( وكنتُ أُعَذِّبُ السِّوى )ولم أَكن مرةً أَخافُ أَن أَخسَر هذا السوى(.

حُبُّكِ أَلْغى مني كلَّ سوى وكنت مَلْغيًّا بالسوى.

حُبُّكِ أَنْضَجَني وكنتُ أَحسَــبُـني ناضجًا.

حُبُّكِ عَوَّدني أَنَّ وقتًا ضئيلًا معكِ يعوِّضُ لي عن كثيرِ عُمْرٍ، ولم يكن العمرُ كلُّه يكفيني لأُعَوِّض عن صحرائي.

القليلُ معكِ ومنكِ، أَكثرُ من كثيرٍ بدونكِ.

حُبُّكِ جاء فزَلزَلَني. هَزَّ كياني. خَضَّني. غَيَّرَني. نَفَضَني. انتفَضَني. نفضَ عني أَمسي فغاب إِلى غروب نهائي، ومنحَني غدي فأَشرقَ ولن يغيب أَبدًا إِلى غروب.

مهما ستصعُبُ أَمامَنا الأَيام المقْبلة سوف يتخَلَّدُ حبُّنا في الزمان.

هذا هو حبُّنا. وهذا ما فعلَهُ حُبُّكِ بي.

حُبُّكِ جاء فضيحتي. كَشَفَني. أَراني حقيقتي. فضَحَني: فضَحَ أَوهامي وأَحلامي وأُمنياتي.

حُبُّكِ رَجَّني بصفعةٍ قويةٍ في أَعماق كياني. نفضَت كياني فتساقطَت عنه أَيامُ الزّيْف وأَحلامُ الوهم.

حُبُّكِ أَراني كم كنتُ واهمًا، موهومًا، استيهاميًا.

كنتُ أَكذِب في أَحاسيسي ومشاعري وأَوهامي أَنني أُحِب، ولم أَكن أُحِب.

كنتُ أُوهِمُ الناسَ بأَنني أُحِبُّ كي أَظهر بمظهر الشاعر العاشق، ولم أَكن أُحِب.

كنتُ واهمًا، وكنتُ أَعرف – تَمامًا كنتُ أَعرف – أَنني أَكذِب.

وحدَهُ الشِعر كان يعرف أَنني أَكذِب، لأَنني كنتُ أَستعيرُه لأَكذِب.

كنتُ أَتَواطأُ معه كي يُساعدَني على الإِيهام والكذِب، وكان يَــتواطأُ معي فيُساعدُني على أَن أَكذِبَ عليَّ وأُوهِمَ الناس. كان حافظَ سِرّي. كان صديقي الوفِيّ. ولم يَخُنِّي يومًا.

إِلى أَن… أَتيتِ أَنتِ. وحملتِ معكِ فضيحتي.

حُبُّكِ فضَحَني، فجاءني الشِعر يقولُ لي:

انتهى زمنُ الوَهْم والكَذِب، زمنُ أَن تَتَوَهَّمَ وتُوهِم. جاءَت داناي زَمنَكَ الحقيقيَّ وسِرَّكَ الحقيقيّ، وحملَت إِليكَ الحُبّ الحقيقيّ.

هكذا يـا داناي، بدأَ الشِعر الحقيقيّ بي. حُبُّكِ كان فضيحتي فأَنقذَني من أَوهامي وجعَلَني في حقيقتي.

حقيقتي هي حُبُّكِ. هي أَنتِ. ولن تستطيعَ قوّةٌ في الدنيا أَن تَسلُبَ مني هذه الحقيقة.

لذا يتعالى حـبُّنا عن اليوميات، عن الآنيّات، عن العَوَابر، عن تفاصيل الحياة اليومية.

حبُّنا هو القدَر الـجامعُنا معًا في شرنقتنا السرّيّة الرائعة.

حبُّنا الذي يَدين لكِ أَنتِ بولادة هذا القدَر.

ولذا تَـجِدينَني في حالة ابتهالٍ دائم، انخطافٍ دائم، تَعَبُّدٍ دائم.

يـا داناي، هذي رسالتي إِليكِ تَنوبُ عني لديكِ.

حنانُك يـا داناي !!! حنانُكِ عِصْمتي في مواجهة هذه الحياة.

تَعَلُّقي بكِ ليس أَقلّ من عبادة، مهما صعُبَت الأَيام المقبلة وباعدَتْنا أَو عَذَّبَتْنا.

أَنتِ الـمُحاصَرةُ بِذَويكِ، الـمُسَوَّرةُ بالحراس، الـمُسَــيَّـجَةُ بعُيون الآخرين، لنا المستقبَل معًا، وإِنّـي أَنتَظِر.

الانتظارُ فريضةُ العبادة.

قَدَرُ العبادة أَن تَشتَدَّ في الصعوبات وتقوى، ولو أَدّت بِـها الصعوباتُ إِلى أَقصى الانتظار وأَقسى العذاب في سبيل المعبود.

وأَنتِ يا داناي معبودَتي حتى أَقاصي العبادة.

*( من كتابه الجديد »داناي… مطرُ الـحُبّ« )ابـتـهـالاتٌ عاشِقةٌ شِعـرًا ونـثـرًا( – الصادر حديثًا في بيروت لدى منشورات »سائر المشرق«.