موسكو بانتظار تحوّلات الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب

محمد قواص*

ورث فلاديمير بوتين مملكة متهالكة من سلفه بوريس يلتسين. استدعى حيتان المال المحيطين بيلستين موظف المخابرات الصامت فلاديمير بوتين ليكون بديلا عن الرئيس المريض السكير. كانت هذه الأوساط تريد رجلا مطيعا لا طموحات لديه ليحافظ على مصالحها ويكون طيعا بين يديها. ظهر بوتين الذي سرعان ما فاجأ الحيتان وفاجأ الروس وها هو يفاجيء العالم.

تخلّص رجل الكرملين القوي من مافيا المال ورجاله ثم أسس لنظام سياسي طيّع يعيد تقليم الشطط الديمقراطي الذي راج بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ثم كرّس من خلال الانتخابات هيمنته على حكم البلاد. جرى كل ذلك، فيما العالم الغربي يصول ويجول في العالم فارضا خياراته متجاهلا روسيا وما تشكله من قوة في العالم على مدار التاريخ. لكن المفارقة الكبرى أن بوتين يعيد روسيا إلى مصاف الأقوياء برعاية وتسهيل غربيين، سواء قصد هذا الغرب ذلك توطوءا، أو لم يقصد ذلك من خلال مسؤوليته عن احداث فراغات سمحت لموسكو بملئها.

أعاد الغرب دون حرج إحياء روسيا من جديد بعد أن خيّل للعالم أن سباتها بات أبدياً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. بالغ الأطلسيون في إهانة موسكو وباتوا يتباهون بالتجوال في الانحاء المطلّة على روسيا يتدخلون في شأن جورجيا واوكرانيا بعد أن انتزعوا من »أملاك« المعسكر الشرقي السابق دولاً ضمّوها إلى »أوروبا« والـ »ناتو«، وبعد أن نشروا درعهم الصاروخي مهددين ذلك الدبّ الهامد ومحاصرين لنزقه المحتمل.

لم يكن يخطر ببال سيّد الكرملين الذي ذاق مرارة الإهانات الغربية أن يطل على العالم من بوابة سوريا. لم تكن موسكو تعتبر هذا البلد من ضمن عدّتها الاستراتيجية ولم تكن العلاقة التي جمعت دمشق بالاتحاد السوفياتي ترقى إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية، حتى أن في كواليس الكرملين آنذاك من كان يعتبر أن تودد حافظ الأسد للقيادة السوفياتية هدفه خطب ود واشنطن وإدارتها. لم تخطئ تلك الآراء ذلك أن رجل سوريا آنذاك حظي بضوء أخضر أميركي لدفع قواته إلى لبنان في سبعينيات القرن الماضي، ثم هرول للالتحاق بالتحالف الغربي بقيادة واشنطن لتحرير للكويت ما منحه رعاية أميركية أخرى باركت سطوته على لبنان في تسعينيات ذلك القرن.

بوتين يسعى لسحب تركيا من علاقاتها التاريخية الاطلسية
بوتين يسعى لسحب تركيا من علاقاتها التاريخية الاطلسية

تجمع الولايات المتحدة وإسرائيل علاقات استراتيجية حقيقية تفسّر ذلك الجسر الجوي المباشر الذي انتصب دعماً للقوات العسكرية الإسرائيلية في حرب اكتوبر 1973. ولا يجمع موسكو ودمشق أية علاقة من هذا النوع ما يفسّر غياب جسر مباشر مضاد لدعم القوات السورية في تلك الحرب، وبالتالي فإن لا شيء في التجربة والذاكرة الروسيتين يدفع فلاديمير بوتين للدفاع عن نظام دمشق لأسباب عقائدية أولها علاقة بقواعد التحالف وأصول الدفاع عن أمن مشترك.

لم تملك روسيا في سوريا إلا تسهيلات بدائية لا ترقى إلى مستوى القواعد التي تنشرها الولايات المتحدة في العالم، وحتى الكلام عن قواعد اللاذقية وطرطوس، فلم يكن لها أن تؤهل الأسطول الروسي إلا المرور لا الاستقرار، ذلك أن موسكو لطالما اعتبرت الشرق الأوسط منطقة ساقطة بيد الولايات المتحدة، حتى في عزّ رواج »الأنظمة التقدمية« العروبية واليسارية، وأن لا طائل بالنسبة لها للاستثمار الكبير داخل بيئة لا تعتبر ودودة.

بدا أن إدارة الرئيس باراك أوباما قدمت سوريا للرئيس الروسي على طبق من فضة. ليس في الأمر أي مؤامرة أميركية هدفها توريط روسيا في الوحول السورية على غرار ما حصل للاتحاد السوفياتي في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، على ما تذهب مخيّلة البعض. فجلّ ما ترومه واشنطن هو عدم التورط المباشر في هذا البلد، ذلك أن لا »مصالح لنا في سوريا«، على حد تعبير نائب الرئيس جو بايدن، ولا خطر مباشر على البلاد مصدره سوريا، على حد الرئيس أوباما نفسه. ناهيك عن أن سوريا ليست مصدّرا للنفط على النحو الذي يثير شهية العواصم كما حصل في العراق وليبيا مثلاً، ولا تملك مخزونا من اليورانيوم أو تطل عليه كما حصل في مالي مثلاً آخر. كل ما يهمّ واشنطن في سوريا ينحصر بأمن إسرائيل، وهي لم تتحرك بجدّية مهدِّدة إلا حين استخدم النظام السوري الأسلحة الكيماوية التي اعتبرت، بغضّ النظر عن مآسيها المحلية، مساً بأمن إسرائيل.

54daed6761684
واشنطن أوكلت الوضع السوري لروسيا

قدمت واشنطن سوريا للحاكم الروسي بعد أن أحسن إخراج الصفقة التي أخرجت الترسانة الكيماوية السورية من سوريا. تولّدت قناعة في واشنطن أن أهل موسكو يحسنون مقاربة »الحالة« السورية بأدوات وأساليب لا تقوى العواصم الغربية على إنتاجها. كان في ذهن واشنطن أن »غروزني ستايل« قد يكون ترياقاً يريح الغربيين من تلك الجلبة السورية التي تؤرقهم والتي يريدون أن يكونوا عنها غافلين. لم ينجح فلاديمير بوتين في »إغلاق« الملف السوري، إلا أنه نجح بمهارة في »فتح« ملف روسيا.

رعت موسكو بلؤم عملية نقل المأساة السورية إلى الحضن الغربي. باتت مآسي المدن السورية التي تفاقمت حدّتها التدخل العسكري الروسي المباشر منذ أكثر من عام، تفرّخ أزمة لاجئين غير مسبوقة في أوروبا على نحو يهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي لدول الاتحاد الأوروبي، كما يهدد وحدة ووجود الإتحاد نفسه. بات الترياق الروسي الذي بشّر به الغربيون ضمناً، ينتج علّة داخل دولهم، وباتت روسيا، من خلال أدائها السوري، رقماً صعباً في خريطة العلاقات الدولية تطالب من خلال الورشة السورية بحلّ كافة نزاعاتها مع العالم الغربي، بما في ذلك الاعتراف بها زعيمة وشريكة، وبما في ذلك وضع »العلاقة الودودة« مع موسكو بندا رئيسيا في البرامج الانتخابية للطامحين إلى زعامة بلادهم في العالم الغربي.

هكذا بثّ مزاج دونالد ترامب في الولايات المتحدة رياح الودّ مع فلاديمير بوتين. أصبح رأس السلطة في الولايات المتحدة مبشّراً بما يشبه التحالف مع قيصر روسيا الراهن. تحدّثت مارين لوبن ونيقولا ساركوزي اليمينيان عن ذلك في فرنسا قبل أن يقلب طموحاتهما فرانسوا فيون ويذهب أكثر من ذلك إلى درجة أن موسكو تتحدث عنه بصفته »صديق روسيا« في باريس، فيما يأخذ عليه منافسه في الانتخابات آلان جوبييه مجاملته »المفرطة« لبوتين.

لم يعد فلاديمير بوتين مخلوقاً معزولاً يتجاهله العالم الغربي منذ أزمة أوكرانيا، بل بات »مالئ الدنيا وشاغل الناس« تحجّ إليه العواصم مرجعاً في شؤون السياسة والأمن والطاقة. لا تجد فيه تركيا إلا حليفاً يَعِدُ بسوْق الغاز الروسي عبر »السيل التركي«، ولا تجد فيه عواصم الخليج إلا بديلا كامناً يعوّضها عن »عقيدة« الرئيس الأميركي المنصرف وعن »عبثية« ذلك المترجل القادم، ووجهة أصيلة للسيطرة على سوق النفط.

يعيد فلاديمير بوتين بلاده إلى الشرق الأوسط على نحو لم يعرفه الاتحاد السوفياتي نفسه. ينفذ أجندته الخاصة في سوريا متحالفا مع الحليف الإيراني القديم، لكنه لا يحظى بمعارضة علنية من تركيا أو الدول الخليجية التي لديها موقف وأجندة في سوريا يفترض أنهما متعارضان مع الخيارات الروسية في هذا البلد. يحمل مواهبه السورية ويطلّ بها على شؤون العراق وليبيا واليمن، ويباشر في نسج تحالفات لا تبتعد مصر والجزائر وربما إسرائيل عنها. كل ذلك يتمّ في ظل مناخ يوحي، حتى إشعار آخر، أن الولايات المتحدة وحلفاءها باتوا مستسلمين للحقيقة الروسية في الشرق الأوسط، وباتوا يقرون أن سوريا، على الأقل، هي شأن روسي يجوز فيها ما يجوز في نظرة موسكو لدول لصيقة كجورجيا واوكرانيا.

يخطئ من يعتبر أن روسيا تتورط في سوريا كما تورّط الاتحاد السوفياتي في أفغانستان. فموسكو لا تزجّ، حتى الآن، بقوات برية في عمليات قتال ميداني، وهي تعتمد في ذلك على قوات الجيش السوري وعلى كافة الميليشيات الرديفة التابعة لإيران والتي يتصدّر حزب الله واجهتها وشهرتها، وبالتالي فإن الاستثمار الروسي غير مكلف بشريا، لا بل إن ما تجرّبه موسكو من أسلحة داخل الميادين السورية يروّج بخبث للصناعة العسكرية الروسية التي باتت مزدهرة وينتظرها مسقبل واعد. وأنه طالما أن روسيا لم تذق مرارة تدخلها في سوريا، وطالما أن لا قدرة محلية ولا إرادة إقليمية ودولية على إيذاء روسيا في سوريا، فإن ما يبذره بوتين في الحقول السورية لا ينتج إلا ثماراً يستعد قيصر موسكو لحصدها حقلا بعد آخر.

يعرف العالم أن الهمّة الروسية في سوريا ليس المقصود بها مصير سوريا ونظامها السياسي. كل ما يريده بوتين هو حصد الاستثمار السوري في أسواق العالم الأخرى. في مقاربة بوتين السورية تأمل للعواصم الأوروبية والعاصمة الأميركية. يضع الرجل نفسه في مصاف الكبار الذين يقتسمون الثروة والنفوذ في العالم. يراقب بوتين اطلالات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتحوّلات واشنطن الموعودة تجاهه. وحين يأمن شرور الخصوم الكبار سيسهل عليه التعامل مع القوى المتوسطة والصغيرة والتي قد يصطدم معها أو يهملها لصالح صفقاته الكبرى على رأس هذا العالم.

للتذكير فقط، فقد وصف الرئيس باراك اوباما روسيا بأنها قوة إقليمية، قبل أن يستدرك بعد أشهر ويعترف بروسيا دولة عظمى في العالم. وما بين التصنيفين قصة بوتين في روسيا.

بدا أن إدارة الرئيس باراك أوباما قدمت سوريا للرئيس الروسي على طبق من فضة. ليس في الأمر أي مؤامرة أميركية هدفها توريط روسيا في الوحول السورية على غرار ما حصل للاتحاد السوفياتي في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، على ما تذهب مخيّلة البعض. فجلّ ما ترومه واشنطن هو عدم التورط المباشر في هذا البلد، ذلك أن لا »مصالح لنا في سوريا«، على حد تعبير نائب الرئيس جو بايدن، ولا خطر مباشر على البلاد مصدره سوريا، على حد الرئيس أوباما نفسه.

رعت موسكو بلؤم عملية نقل المأساة السورية إلى الحضن الغربي. باتت مآسي المدن السورية التي تفاقمت حدّتها التدخل العسكري الروسي المباشر منذ أكثر من عام، تفرّخ أزمة لاجئين غير مسبوقة في أوروبا على نحو يهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي لدول الاتحاد الأوروبي، كما يهدد وحدة ووجود الإتحاد نفسه. بات الترياق الروسي الذي بشّر به الغربيون ضمناً، ينتج علّة داخل دولهم، وباتت روسيا، من خلال أدائها السوري، رقماً صعباً في خريطة العلاقات الدولية تطالب من خلال الورشة السورية بحلّ كافة نزاعاتها مع العالم الغربي، بما في ذلك الاعتراف بها زعيمة وشريكة، وبما في ذلك وضع »العلاقة الودودة« مع موسكو بندا رئيسيا في البرامج الانتخابية للطامحين إلى زعامة بلادهم في العالم الغربي.

رسائل الهاكرز

يُعتقد أن مجموعة من الهاكرز )مخترقو أنظمة الكمبيوتر ومواقع الإنترنت(، ترى الولايات المتحدة أنها تعمل لصالح الدولة الروسية أو بالنيابة عنها، هي مصدر نشر موقع ويكيليكس لعدد كبير من رسائل البريد الإلكتروني التابعة للجنة الوطنية الديمقراطية والتي كشفت عن دعم قادة اللجنة لهيلاري كلينتون خلال الانتخابات التمهيدية. ويُعتقد أيضا أن هاكرز تابعين لروسيا دخلوا عنوة إلى خوادم حملة هيلاري كلينتون.

وقد رفض السيناتور بيرني ساندرز، منافس هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي، الجلبة التي أثيرت حول الخادم الخاص في وقت مبكر من الحملة. ولكن خصم كلينتون المرشح الجمهوري دونالد ترامب، تقبل بسرور محاولة الهاكرز تشويه سمعة هيلاري كلينتون، تماما كما احتضن في ما يبدو الدولة المسؤولة عن الاختراقات. والسؤال هو ما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما يُظن، عمل حقا لإفشال حملة هيلاري كلينتون ودعم انتخاب ترامب.

الواقع أن علاقة الود الدولية بين الرجلين معروفة؛ فقد أثنى ترامب على زعامة بوتين مرارا وتكرارا، وأثنى عليه بوتين في المقابل. كما أعرب ترامب عن المصلحة في بناء علاقات أعمق مع الكرملين، وقال إنه قد يفكر في قبول ضم روسيا لشبه جزيرة القرم ورفع العقوبات التي فُرضت عليها في الرد على هذه الخطوة، وكل هذا من دون مطالبة بوتين بأي شيء في المقابل.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للانزعاج أن ترامب شكك في دفاع أميركا التلقائي عن حلفاء منظمة حلف شمال الأطلسي مثل دول البلطيق السوفييتية السابقة، التي شكك بوتين في استقلالها. فعندما وصف نيوت جينجريتش أحد معلمي ترامب في السياسة الخارجية إستونيا بأنها »ضاحيةسانت بطرسبورغ«، كان يعني ضمنا أن بوتين مطلق العنان في الدول المجاورة لروسيا.

ثم هناك فريق مستشاري ترامب الذي يؤيد روسيا بلا خجل؛ فقد كان مدير حملته بول مانافورت شخصية رئيسية في إعادة تشكيل فيكتور يانوكوفيتش، وكيل بوتين في أوكرانيا، في هيئة ديمقراطي مزيف لخوض انتخابات 2010 الرئاسية. ومنذ الإطاحة به في عام 2014، ساعد مانافورت في إحياء فرص حزب عميله الفاسد حزب المناطق، وتقديمه باعتباره المعارضة الرئيسية للحكومة الحالية في أوكرانيا. وعلى نحو مماثل، عمل مستشار ترامب الرئيسي في السياسة الخارجية، المصرفي الاستثماري كارتر بيغ، بشكل وثيق مع شركة غازبروم، عملاقة الموارد الطبيعية والتي تعد الذراع الفعلية للحكومة الروسية.

جمع كل من بيغ ومانافورت ثروة ضخمة في روسيا -أدار مانافورت صندوقا استثماريا تخصص في استثمار أموال القلة الروسية في أوكرانيا- ويحلمان بلا أدنى شك باحتمالات أكبر بعد ان انتُخب ترامب. بل وهناك حتى تكهنات )برغم غياب أي أدلة دامغة( بأن ترامب ذاته يدير صفقات تجارية مع روسيا، بعيدا عن مغازلته الموثقة للساسة في موسكو لكي يسمحوا له بإقامة برج ترامب قرب الساحة الحمراء.

يعيد فلاديمير بوتين بلاده إلى الشرق الأوسط على نحو لم يعرفه الاتحاد السوفياتي نفسه. ينفذ أجندته الخاصة في سوريا متحالفا مع الحليف الإيراني القديم، لكنه لا يحظى بمعارضة علنية من تركيا أو الدول الخليجية التي لديها موقف وأجندة في سوريا يفترض أنهما متعارضان مع الخيارات الروسية في هذا البلد. يحمل مواهبه السورية ويطلّ بها على شؤون العراق وليبيا واليمن، ويباشر في نسج تحالفات لا تبتعد مصر والجزائر وربما إسرائيل عنها. كل ذلك يتمّ في ظل مناخ يوحي، حتى إشعار آخر، أن الولايات المتحدة وحلفاءها باتوا مستسلمين للحقيقة الروسية في الشرق الأوسط، وباتوا يقرون أن سوريا، على الأقل، هي شأن روسي يجوز فيها ما يجوز في نظرة موسكو لدول لصيقة كجورجيا واوكرانيا.

صديق لبوتين وزيراً لخارجية الولايات المتحدة

بتعيين رئيس مجلس ادارة عملاق النفط »اكسون موبيل« ريكس تيلرسون وزيراً للخارجية، تبدو اميركا التي تريد العودة الى عظمتها من المنظور »الترامبي«، أشبه بشركة عملاقة هي نفسها، عازمةٌ على عقد صفقات مُربحة، أو التخلص من أخرى خاسرة، وسط انكفاءٍ متزايد في نهاية عهد اميركي شهد اقوى تصعيد »بارد« مع روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

وفي هذا الإطار، سلّطت الأضواء على علاقة تيلرسون القوية بموسكو، هو الذي حاز من زعيم الكرملين فلاديمير بوتين على وسام الصداقة منذ أعوام قليلة، ما يمهّد لجلسة حامية داخل الكونغرس لتثبيت تعيينه. كما سلّطت الأضواء على تسريبات تثبت ضلوع »اكسون« التي لم يعرف وزير الخارجية الأميركي الجديد مكان عمل غيرها منذ العام 1975، والتي أدت إلى تراكم ثروته، في تمويل جميع حملات المعارضين لنظرية التغير المناخي.

وبالنسبة للعلاقة مع الروس، يعرف تيلرسون )64 عاما( موسكو جيداً بوصفه رئيس مجلس ادارة اول مجموعة نفطية في العالم. لكنه طوّر ايضا علاقة شخصية مع الرئيس الروسي الذي رحّب الكرملين باسمه بـ »شخص مهني«، وذلك في وقت حساس اتهمت فيه الـ زسي آي ايهس موسكو بأنها تدخلت في الاقتراع الرئاسي في الثامن من تشرين الثاني لفوز ترامب.

ولكن باختيار رجل الأعمال النافذ الذي ندد في السابق بالعقوبات على روسيا، وزيراً للخارجية، يؤكد ترامب أنه يرغب في تهدئة التوتر مع موسكو.

وأفاد بيان من مكتب ترامب أن تيلرسون »سيكون مدافعاً قويا عن مصالح أميركا الحيوية، وسيساهم في تغيير سنوات من السياسة الخارجية السيئة، والأعمال التي أضعفت أمننا ومكانة أميركا في العالم«.

وقال ترامب في البيان »لا يسعني التفكير بشخص اكثر استعداداً ومكرّساً بهذا الشكل لأداء الخدمة كوزير للخارجية في هذه الأوقات الحساسة في تاريخنا«، مضيفاً أن تيلرسون يعرف كيف يدير منظمة ذات بعدٍ عالمي، وهو ما يعتبر امراً مهماً لإدارة وزارة خارجية ناجحة«، ومشدداً على أهمية »علاقاته مع قادة في مختلف انحاء العالم«.

ورحّب ترامب باختيار احد »اكبر رؤساء المؤسسات في العالم« لخلافة الديموقراطي جون كيري الذي تولى حقيبة الخارجية منذ شباط 2013، كما رحّبت وزيرة الخارجية السابقة في عهد جورج بوش الابن كوندليزا رايس بهذا التعيين، وكذلك وزير الدفاع السابق روبرت غيتس الذي خدم في عهدي بوش وأوباما، مؤكدين أن تيلرسون سيمثّل »خياراً ممتازاً«.

من جهته، قال تيلرسون في بيان »يجب أن نركّز على تقوية تحالفاتنا وتدعيم قوتنا وسيادتنا وأمننا«.

وتيلرسون الذي لا يحظى بأي خبرة في السياسة الخارجية، سيواجه بالتأكيد اسئلة صعبة خلال جلسات الاستماع امام مجلس الشيوخ لتثبيته في منصبه.

وأكد السناتور الجمهوري مارك روبيو أن »الصداقة مع بوتين ليست صفة اتطلع الى توفّرها لدى وزير للخارجية«، مضيفاً أن »على وزير للخارجية ان يرى العالم بأخلاقية عالية بعيداً عن تضارب المصالح ومع حس كبير لخدمة المصالح الأميركية«.

وبحسب كلام مراسل الـ »نيويوركر« ستيفن كول، الذي اصدر كتاباً حول سياسة »اكسون« الخارجية، فإن تعيين تيلرسون »سوف يثبت اعتقاد الكثيرين حول العالم بأن أفضل فهمٍ للقوة الاميركية هو انها تمرينٌ استعماري جديد لتأمين الموارد«.

رغم ذلك، يبقى تيلرسون بحسب الـ »نيو ريبابليك« افضل الخيارات المتاحة من بين صقور رشّحت اسماؤهم الشهر الماضي، مثل جون بولتون وديفيد بترايوس ورودي جولياني وميت رومني، الذين يعارضون بدرجات متفاوتة الاتفاق النووي كما يدعمون تدخلاً عسكرياً اقوى في العالم او تعزيزاً لوجود عسكري اميركي في الهادئ لمواجهة الصين.

تغريدات الغزل بين ترامب وبوتين

في يونيو 2012، وفي وقت لقاء الرئيس أوباما مع بوتين، لم يفوت ترامب الفرصة للنيل من أوباما، فكتب على تويتر: »لا يوجد لدى بوتين أي احترام لرئيسنا… سيئة حقاً هي لغة الجسد«.

وبعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، كتب ترامب على تويتر: »أعتقد أن بوتين سيواصل إعادة بناء الإمبراطورية الروسية. إن مستوى احترامه لأوباما أو الولايات المتحدة الأمريكية صفر«. وكتب أيضاً: »أصبح بوتين بطلاً كبيراً في روسيا محققاً أكبر شعبية في تاريخه، بينما انخفض أوباما إلى أدنى أرقامه. إنني حزين«.

وفي أبريل 2014، وفي تغريدة له أعقبت إدانة حلف شمال الأطلسي للتدخل غير القانوني لروسيا في أوكرانيا، ضاعف ترامب من مدحه لبوتين وانتقاده لأوباما. فقارن بينهما قائلاً: »أمريكا في وضع سيئ للغاية. بوتين ضابط مخابرات سوفياتي سابق، بينما أوباما منظم فعاليات مجتمعية. هذا غير عادل«.

وفي يونيو 2013، وبعد فترة وجيزة من تمرير روسيا لقانون حظر الدعاية للمثليين جنسياً، كتب ترامب على تويتر مستحسناً الأمر قائلاً: »هل تعتقد أن بوتين سوف يحضر مسابقة ملكة جمال الكون في نوفمبر في موسكو؟ إذا كان الأمر كذلك فهل يصبح أفضل صديق جديد لي؟«.

وخلال مؤتمر العمل السياسي المحافظ، في مارس 2014، قال ترامب متفاخراً: »كنت في موسكو قبل بضعة أشهر، وأنا أملك مسابقة ملكة جمال الكون، وعاملوني بكثير من التعظيم، حتى أن بوتين أرسل لي هدية جميلة«.

وفي 17 ديسمبر 2015، وفي لحظة نادرة أشاد بوتين بترامب قائلاً: »إنه رجل حيوي للغاية، وموهوب بلا شك«. مضيفاً أن ترامب سيكون »الزعيم المطلق في سباق الرئاسة الأمريكية«، وقبل نهاية اليوم، رد ترامب المجاملة الرقيقة قائلاً: »إنه لشرف عظيم لي أن أنال ثناءً من رجل يحظى باحترام كبير داخل بلده وخارجها«.

في يوليو 2015، ومع صعود نجمه كالمرشح الجمهوري الأوفر حظاً لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية، أكد ترامب خلال مقابلة مع صحفيين في اسكتلندا، على ثقته في إقامة علاقات جيدة مع بوتين، حال وصوله إلى البيت الأبيض. وقال: »إنه )أي بوتين( يكره أوباما، وأوباما يكرهه، ولدينا علاقات سيئة بشكل لا يصدق. هيلاري كلينتون هي أسوأ وزيرة خارجية شهدها تاريخ بلدنا، وبعد أن انفجر العالم خلال عهدها، تريد الآن أن تكون رئيساً«.

وفي 18 ديسمبر 2015، وفي برنامج تلفزيوني دافع ترامب عن بوتين نافياً مزاعم قتله للصحفيين والمعارضين السياسيين، قائلاً: »إنه يعمل من أجل بلاده، فعلى الأقل هو قائد وزعيم على عكس ما لدينا في هذا البلد«. وأضاف: »أعتقد أن بلدنا فيها الكثير من القتل أيضاً«.

وبعد تسريبات »ويكيليكس« لرسائل البريد الإلكتروني لأعضاء اللجنة الوطنية الديمقراطية، في 25 يوليو 2016، كتب ترامب على تويتر مستغلاً الحدث: »النكتة الجديدة المنتشرة في المدينة، تقول إن روسيا وراء تسريب الرسائل الإلكترونية، لأن بوتين يحبني«.