يونان في سيدني

جاد الحاج

الموسيقى الشعبية اليونانية المعروفة باسم« بوزوكي« رحّلت نقراتها الحادة ذات الرنين المتوسطي، من أزقة بلاكا – اثينا التاريخية – ومن المقاصف الليلية في جزر مشتتة كالنمش على خاصرة المتوسط، والقت مراسيها ومراثيها، فوق شاطىء المحيط الهادىء، إلى الشمال من سيدني، استراليا. وفيما الحشود متراكمة حول جسر مرفأ المدينة بانتظار الالعاب النارية ليلة رأس السنة، نسيت حالي في مطعم يوناني خصص السهرة لأقدم اغاني البوزوكي. ذاكرة السنوات الثلاث التي عشتها في اليونان فاضت عليّ كنهر على جدول.

في بداية انحسار الاحتلال العثماني وسجون اليونان مليئة بافراد من الأوساط الشعبية والمثقفين، صنع بعضهم آلات صغيرة تشبه العود التركي، مستعملين جوزة هند فارغة، وقطعة خشب وبما تيسرمن وتار: هكذا ولدت نسخة البوزوكي الأولى. وكان لا بد للموسيقى ان تتأثر في شكل مباشر بالتقاسيم التركية والعربية، لكن محتوى الأغاني جاء بوهيمياً يونانياً مئة في المئة. وكان أولئك السجناء، عندما يخرجون إلى الحرية من جديد، يلتقون في المقاهي والمقاصف السرية خلايا الرفض والاحتجاج. . ويقول كثر ان مثل هذه الأغاني لا يمكن أن تموت.

»لا يمكنك ان تتنبأ بما سيأتي

 انها طبيعة الدنيا الحياة

 يمكنك ان تستطلع الماضي فقط

لكن لا ينشغل بالك على المستقبل

 القدر سيمنحك فرحا تحبه

 وسيعطيك أيضاً ضربة على الرأس

 لذلك يا صديقي لا تشغل بالك الآن

 دع حياتك تسير في هدوء

ومن وقت إلى آخر قل: اللعنة!

 فالحياة مهزلة تهزأ بنا

 انها حياة مرة احياناً

 والقدر عندئذ يفرك يديه سعيدا

لذلك يا صديقي، كاسك! ولا تذكر كلمة غداً«

 تلك واحدة من اغاني خمسينات القرن الفائت لثيناسيس ثيناسيو الذي عاش في جزيرة إيغينا القريبة من مرفأ بيريوس. يحلو رقصها دائرياً او على انفرا د شرط الا نفرّط في الدبك على الارض الخشبية اللماعة. من الفترة نفسها وتأليف تاكيس لافيدا، نسمع مناجاة آسرة بعنوان »من اعماق الليل«:

 في اعماق منتصف الليل

 دقة على بابي

 لكن لا أرى أحداً

 من يمكن ان يكون؟ ماذا يريدون؟

 في بيت العنكبوت حيث انا

 ماذا انتظر على كل حال

 بلا أم ولا اخوة

 ولا شقيقات في انتظاري

 اذوب في سريري

 انتظر الموت

 وساعة الجدران تقود الجنازة

 خلصيني ايتها العذراء

 إرأفي بشبابي

 أبعدي الموت عن جواري

لا أريد أن أراه

 وساعة الحائط تقود طليعة الجنازة«

للفرح كآبته وللكآبة افراحها في الطقس الاغريقي القديم، كما في الاغاني الشعبية، ولا ابالغ إن قلت انني لم اندم على تفويت الالعاب النارية المبهرة فوق جسر سيدني، مستسلماً لموسيقى قريبة من شاطئي البعيد!

01

غياب منتصف الليل في غرينلاند

02

لارس يوهانسن رئيس الحكومة

03

نوءوك عاصمة غرينلاند