إستشراف المستقبل في عالم الجنوب

أ.د مازن الرمضاني*

يحتضن عالم الجنوب، الذي كان يسمى يوما بالعالم الثالث، قارات أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، ومن ثّم جل الدول الاعضاء في منظمة الامم المتحدة. وعلى الرغم من انّ معظم هذه الدول تلتقي في قواسم مشتركة جراء تماثل واقعها الموضوعي، بيد أنها، في الوقت ذاته على قدر عال من التباين، ولاسيما من حيث النمو الاقتصادي والتطور الحضاري.لذا، عمدعبد الشفيع عيسى إلى توزيع هذه الدول إلى ثلاثة مجاميع أساسية، هي: الدول المتقدمة وتلك السائرة في طريق النمو، والدول المتأخرة، والدول المتخلفة.

وبالقدر الذي يتعلق بدراسات المستقبلات في عموم دول عالم الجنوب، تجدر الإشارة إلى أن المعرفة بواقع هذه الدراسات تتميز بمحدوديتها خارج قارات و/أو أقاليم هذا العالم. لذا يبقى الحديث عن هذا الواقع محدودا بالضرورة.

إن تباين النمو الاقتصادي والتطور الحضاري بين دول عالم الجنوب أفضى إلى تباين واقع إهتمامها، الرسمي والمجتمعي، بإستشراف المستقبل. فبينما يعد هذا الاهتمام في بعض هذه الدول، عاليا، ولاسيما في الدول المتقدمة وكذلك السائرة في طريق النمو، يقترن في جل بعضها الاخر أما بمحدوديته، كما في الدول المتأخرة، وأما بندرته، كما في الدول المتخلفة.

وفي إدناه سنتناول عموم واقع الإستشراف العلمي للمستقبل في الدول الاسيوية، والأفريقية، والأمريكية اللاتينية بالتتابع.

  1. إستشراف المستقبل في الدول الاسيوية
    تعود البدايات التاريخية لإستشراف المستقبل في هذه الدول إلى العقود الأخيرة من القرن الماضي وإن بأزمنة متباينة. ويكاد ينحصر في مجموعتين أساسيتين منها: أولها هي، الدول الاسيوية الكبرى كالصين واليابان، والهند. وثانيها هي، الدول الاسيوية السائرة في طريق النمو كتايوان وباكستان وماليزيا.

وفي هاتين المجموعتين من الدول، تشهد دراسات المستقبلات إنطلاقة واعدة تدعمها إستجابة رسمية ومجتمعية واسعة، وإن كانت بمستويات مختلفة لمضامينها. وقد دفعت هذه الإنطلاقة بالمستقبلي، سهيل آية الله )Sohial Inayatullah( إلى الإفتراض أن نوعية تطور الدراسات الآسيوية للمستقبلات سيجعل من عموم دراسات المستقبلات تقترن بنكهة أسيوية خلال العقود القادمة. ويتفق مع هذا الرأي أخرون.

1.1. إستشراف المستقبل في الدول الآسيوية الكبرى

أولا الصين

يعود الإهتمام الصيني بدراسات المستقبلات إلى ماقبل وفاة ماوتسي تونغ في عام 1976. فتبني الصين للأيدولوجية الماركسية-اللينينية، وإن بخصائص قومية، أدى إلى أن يكون إستشرافها للمستقبل إمتدادا للمنطلقات النظرية لهذه الأيديولوجية وعلى نحوٍ تماهى مع واقع هذه الدراسات في عموم المعسكر الإشتراكي أنذاك.

بيد أن هذا الإهتمام بدأ يشهد نقلة نوعية أثر إنعقاد المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي الصيني في عام 1982 خصوصا. فقراراته، التي تُعد تطويرا لقرارات المؤتمرين العاشر والحادي عشر لهذا الحزب في عامي 1976 و1977 بالتتابع، جعلت التحديث الداخلي على صعد الزراعة، والصناعة، والبحث والتطوير، والدفاع، بمثابة المهمة القومية الأولى للصين، وإتخذت من الإنفتاح السياسي الخارجي سبيلا أساسيا لتحقيق هذه المهمة. كّل ذلك من أجل أن تكون الصين قوة دولية مؤثرة عالميا.

إن إنطلاق الصين من رؤية لكيفية صنع مستقبلها، تأسست على ركائز التحديث الداخلي والإنفتاح السياسي الخارجي، أفضى وبالضرورة إلى إيلاء دراسات المستقبلات أهمية تكاد تكون خاصة.فصناع القرار الصيني أدركوا جدواها. ومن هنا عمدوا إلى توظيفها خدمة للمشروع المستقبلي الصيني.

 وتُعد المؤسسة الصينية للدراسات المستقبلية )Chines Futures Studies Association( التي تأسست عام 1979، من أهم المؤسسات الصينية التي تحظى هذه الدراسات برعايتها. ولا يقتصر دور هذه المؤسسة على تشجيع نشر التفكير العلمي في المستقبل داخل الصين فحسب، وإنما يمتد كذلك إلى دفع النخب الصينية إلى الإنشغال العلمي في المستقبل وتطبيقاته. ويعد مثلا كتاب: الصين في عام 2000 أحد أبرز إصدارات هذه المؤسسة في وقته.

وفضلاعن ما تقدم، يتجسد الإهتمام الصيني على صعيد إستشراف المستقبل أيضا في الحرص على المشاركة الواسعة في اللقاءات والمؤتمرات القارية والعالمية ذات العلاقة بالموضوع. ونرى أن هذا الحرص ليس بمعزل عن نزوع صيني موروث يفيد بالسعي الجاد إلى إكتساب المعارف والإستفادة من التجارب خدمة لاهداف منشودة. وقد تعاظم هذا النزوع أثر بدء الصين بعملية إعادة هيكلة سياستها العليا الداخلية والخارجية.

وعلى الرغم من توافر مؤشرات تفيد بنوعية الإهتمام الصيني في المستقبل إلا أن مدخلات مهمة إفضت إلى الحد من إنتشارالمعرفة خارج الصين بالإتجاهات العامة للدراسات المستقبلية الصينية ومضامينها. ولعل من بين أبرزهذه المدخلات هي اللغة الصينية. فصعوبتها، وضألة المؤلفات الصينية ذات العلاقة والمترجمة إلى اللغات الاخرى، أدت مخرجاتها إلى تعطيل الانتشار الثقافي الصيني، هذا فضلا عن أن المؤلفات و/أو الدراسات غير الصينية عن مشاهد مستقبل الصين لازالت محدودة. ويرى ماركوس انتوني)Marcus Anthony( أن السبب يكمن في أن جل المستقبليين المعاصرين عمدوا إلى بلورة رؤى عن مستقبل العالم في وقت لم تكن الصين قوة دولية بازغة.

ثانيا، اليابان

يعود تاريخ الإهتمام الياباني بدراسات المستقبلات إلى عقد الستينيات من القرن الماضي، ويرتبط بتسارع وتيرة نهوضه الاقتصادي أنذاك. وإبتداء« تماهى هذاالإهتمام مع مضامين دراسات المستقبلات الامريكية. بيد أنه إتجه لاحقا إلى التعبير عن الخصوصية الثقافية اليابانية. فمن المعروف أن الحرص الياباني على التفاعل الحضاري مع الاخر تزامن دائما مع الإحتفاض مع الخصوصية الثقافية.

إن تسارع معدل النمو الاقتصادي الياباني بعد الستينيات أفضى إلى أن يضحى الإهتمام بدراسات المستقبلات أوسع إنتشارا وأعمق كثافة. وعديدة هي المؤسسات العلمية التي تتولى رعاية هذه الدراسات وإبرزها المؤسسة اليابانية لدراسات المستقبلات علما ان إهتماماتها تكاد تنحصر بالصعيدين الاقتصادي والتكنولوجي. كما أن العديد من الجامعات اليابانية تقدم برامج دراســـية لطلبتها. ومنها جامعة المستقبل وكذلك جامعة A AICHI.

وقد أفرزت دراسات المستقبلات اليابانية أسماء لامعة. وتشير ماسيني أن المستقبلي الياباني، كاتو، يعد بمثابة الاب الروحي لهذه الدراسات. وكذلك المستقبلي الياباني )ماسودو(، الذي تتمتع دراساته عن مجتمعات المعرفة بإنتشار واسع.

ثالثا، الهند

تعود بداية الإهتمام الهندي بدراسات المستقبلات إلى بداية العقد السابع من القرن الماضي. ويتميز بإنتشار واسع وتوظيف مكثف. ويرد ذلك إلى إدراك صناع القرار الهندي للعلاقة الطردية الموجبة بين الإرتقاء الداخلي والفاعلية الخارجية، وأثره في الدفع إلى أن يحظى إستشراف المستقبل، سواء على المستوى الكلي أو الجزئي، برعاية رسمية خاصة. وقد تجسدت هذه الرعاية بإناطة الإشراف عليه، منذ سبعينيات القرن الماضي، بوزارة العلوم والتكنولوجيا الهندية. ولعل مشروع الهند في عام 2020 يفيد بنوعية الإنحياز الرسمي الهندي إلى المستقبل.

إن الإهتمام الهندي في المستقبل لا يقتصر على المؤسسات الرسمية فحسب، وإنما يشمل أيضا المؤسسات الاكاديمية والمجتمعية. فجراء تشجيع رسمي عمدت العديد من الجامعات الهندية إلى إدخال دراسات المستقبلات، كمادة علمية، ضمن برامجها الدراسية لطلبة الدراسات الاولية سبيلا لتسويق فكرة الانحياز إلى المستقبل تدريجيا داخل المجتمع الهندي. كما أن بعض هذه الجامعات صارت تمنح شهادات علمية عليا في تخصص دراسات المستقبلات. كما هو الحال مع كلية دراسات المستقبلات في جامعة كيرلا. وتؤكد أراء أن هذه الكلية تُعد من بين أبرز المؤسسات الاكاديمية في العالم إهتماما في دراسات المستقبلات.

وإضافة إلى ما تقدم، تتميز الهند بكثرة المؤسسات العلمية الخاصة، التي تجعل من إستشراف مستقبلات مواضيع داخلية وخارجية اساسا لإهتماماتها. لذا لاغرابة في أن يفرز الإستشراف الهندي للمستقبل أسماء لامعة لمستقبليين تتجاوز سمعتهم العلمية حدود الهند ويتوافرون على إعتراف بأهمية دورهم في الإرتقاء بدراسات المستقبلات سواء على الصعيد المحلي و/أو العالمي

 2.1. إستشراف المستقبل في الدول الاسيوية السائرة في طريق النمو

في ضوء المعرفة المتاحة، تتقدم تايوان، وباكستان، وماليزيا على سواها من هذا النوع من الدول الآسيوية على صعيد دراسات المستقبلات. وقد إنطلقت لاحقا على نحوٍ يثير الإعجاب، ويدفع إلى الإقتداء. ويرد ذلك إلى إناطة رعايتها بمؤسسة اكاديمية تأسست في عام 1958 وبتوجه مستقبلي اصيل، هي جامعة تام كانغ )Tam Kank(

وتُعد هذه الجامعة، كما يؤكد المستقبلي التايواني Kuo-Huo-Chen بمثابة الجامعة الوحيدة في العالم، التي تسعى إلى تأمين إنحياز طلبتها ومجتمعها إلى المستقبل. ومن هنا جعلت دراسات المستقبلات، ومنذ اكثر من إربعة عقود، أحد المتطلبات الجامعية الإلزامية، ومن ثّم مادة علمية يتعين على كافة طلبة الدراسات الاولية،27000 طالب في بداية القرن الحالي عام النجاح فيها، لان العكس يفضي إلى الرسوب وعدم الحصول على الشهادة الجامعية الاولية.

وفي هذه الجامعة يتولى مركز دراسات المستقبلات رعاية الدراسات الاولية في المستقبل، وكذلك العليا على مستوى الماجستير. وهو فضلا عن ذلك يتولى إعداد دراسات لها علاقة بمستقبل تايوان، وإصدار دورية فصلية بعنوان: مجلة دراسات المستقبلات تتركز إهتماماتها على تناول مواضيع ذات علاقة بمستقبل أسيا العالم، والإقتصاد، فضلا عن المقاربات المنهجية لدراسات المستقبلات.

وقد دفع مدخلان أساسيان إلى أن تؤدي جامعة تام كونك دورها الفاعل في نشر التفكير العلمي في المستقبل في تايوان والإستفادة من تطبيقاته العملية لصالح دعم الإرتقاء الحضاري في بلادها.

فأما عن الاول، فهو الدعم الرسمي الذي تحظى به دراسات المستقبلات من قبل صناع القرار في تايوان. وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن لرئيس جمهورية تايوان مستشاراً خاصاً لشؤون المستقبل وهي حالة تكاد تكون نادرة على مستوى العالم. وأما عن المدخل الثاني، فهو تاثير مؤسس جامعة تام كونك، والذي يُعد أحد أبرز المستقبليين في تايوان. ولعل رؤيته: أن التعليم يشكل المفتاح الاساس لصناعة المستقبل يفسر حرصه على تأمين إنحياز هذه الجامعة إلى المستقبل. ومن إجل ذلك دعا إلى الاخذ بفلسفة ثلاثية الاضلاع هي : تلمس المستقبل، التماهي واياه، ومن ثم صناعته.

ثانيا، باكستان

تكاد التجربة الباكستانية مع دراسات المستقبلات تتماهى والتجربة التايوانية. ففي باكستان بدأت هذه الدراسات منذ اوائل عقد السبعينيات من القرن الماضي بإنشاء مركز الدراسات الإستراتيجية في مدينة إسلام إباد عام 1972 وبقيادة المستقبلي الباكستاني، راجي إكرام عزام الذي يُعد أول باكستاني يحمل شهادة الدكتوراه بتخصص دراسات المستقبلات. وقد تم دمج هذا المركز في عام 1986 مع مؤسسة بحثية خاصة، هي مركز باكستان لدراسات المستقبل. وقد اصبح هذا المركز هو الراعي لدراسات المستقبلات في باكستان وتطورها.

فإضافة إلى أن هذا المركز يتولى تدريس التفكير في المستقبل، كمادة علمية، على طلبته، ويمنح شهادات أولية، وعليا : ماجستير ودكتوراه في تخصصه، ومن ثّم يعمد إلى تأهيل نخب باكستانية تنحاز إلى المستقبل، فأنه يقوم أيضا بإعداد دراسات لها علاقة بمستقبل باكستان، والعالم وبضمنه العالم الإسلامي وكذلك عالم الجنوب، هذا فضلاعن تقديم الإستشارة المستقبلية لمؤسسات باكستانية، رسمية وخاصة.

وقد أفرز الإهتمام الباكستاني في المستقبل أسماء مهمة. فإضافة إلى أن راجي إكرام عزام. الذي يُعد بمثابة الاب الروحي لدراسات المستقبلات في باكستان، تؤكد اراء عدة على أن الباكستاني الاصل، سهيل أية الله هو أحدأبرز المستقبليين العالميين المجددين للمقاربات المنهجية لدراسات المستقبلات.

ثالثا، ماليزيا

تتميز دراسات المستقبلات في ماليزيا، هي الاخرى، بتطورها، والذي يرى سهيل آية الله إنه »… غير مسبوق أسيويا«. ووراء هذا التطور يقف الدعم الرسمي الممتد منذ عهد رئيس الوزراء الاسبق مهاتير محمد. ولعل أبرز تجليات هذا الدعم يكمن مثلا في تبني ماليزيا لمشروع: ماليزيا عام 2020 الذي يستهدف رفد إدامة إرتقائها الحضاري بعناصر مهمة مضافة.

وبجانب الدعم الرسمي، تحظى هذه الدراسات بإستجابة مجتمعية مهمة تتجسد في إنشاء مؤسسات علمية خاصة بها. ولعل ابرزها هو المركز الماليزي للبحوث الإستراتيجية. ويُعد مؤلفه: أسيا والقرن الحادي والعشرين، من أهم إصداراته. كما أن العديد من الجامعات الماليزية، الرسمية والخاصة، أضحت تقدم لطلبتها مقررات دراسية في المستقبل. وتعتبر جامعة Sains Malaysia أبرزها ريادة. ويُعد المستقبلي الماليزي، راملي محمد ramili Mohammed، الاكثر شهرة بين أقرانه.

2.إستشراف المستقبل في أمريكا اللاتينية

تنتشر دراسات المستقبل في العديد من دول أمريكا اللاتينية، وإن بكثافة تتباين من دولة إلى أجرى. ومما ساعد على هذا الإنتشار تأثر نخب أمريكية لاتينية بمضمون الإستشراف الفرنسي للمستقبل، وذهابها، منذ العقد السابع من القرن الماضي، إلى تكوين مؤسسات و/أو مراكز علمية تضطلع بالإستشراف العلمي للمستقبل.

 ويتمتع بعض هذه المؤسسات و/أو المراكز بشهرة واسعة داخل أمريكا اللاتينية. ولعل من بين أهمها، مؤسسة في المكسيك وفروعها المنتشرة في جل دول أمريكا اللاتينية، ولعل أهمها مؤسسة Siara Barrios في المكسيك وفروعها التي تنصرف إلى نشر الوعي المستقبلي في هذه الدول، وكذلك مؤسسة بارليوتشي في الارجنتين. فهذه المؤسسة، التي يُعد إنموذجها لمستقبل العالم، والصادر في عام 1975، من أشهر إنجازات أمريكا اللاتينية على صعيد دراسات المستقبلات، سيما وأنه طرح رؤية لمستقبل العالم لا تعبر عن إهتمامات عالم الجنوب فحسب، وأنما أيضا تتناقض مع الرؤية التشاؤمية لنادي روما عن مستقبل العالم، والتي عبر عنها في دراسته الموسومة بحدود النمو التي سبقت الإشارة اليها في أعلاه.

ولا يقتصرإهتمام هذه المؤسسات و/أو المراكز على تقديم دراسات نظرية ترمي إلى تعميق المعرفة المستقبلية واخرى عملية تتناول مستقبلات مواضيع محلية وقارية وعالمية فحسب، وإنما يمتد أيضا إلى تقديم الإستشارة المستقبلية لمؤسسات رسمية وخاصة. أقرانه.

وبالإضافة إلى ما تقدم، تتولى جامعات أمريكية لاتينية تهيئ نخباً تنحاز إلى المستقبل عبر تدريسه على طلبتها. ففي كوستريكا، مثلا تضطلع الجامعة الرسمية، وجامعة الامم المتحدة للسلام بدور مهم على هذا الصعيد.

ولعل من بين أهم ما تتميز به دراسات المستقبلات في أمريكا اللاتينية هو مشاركة أعداد متزايدة من النساء المستقبليات فيه.

  1. إستشراف المستقبل في أفريقيا

    لقد أفضى تباين الواقع الموضوعي للدول الافريقية إلى أن يتباين إهتمامها بدراسات المستقبلات. فبينما يتميز بإنتشاره النسبي على صعيد النخب المثقفة في شمال أفريقيا يتسم في جل جنوبها بندرته. فالفقر والجهل والمرض وعدم الإستقرار  هي متغيرات لا تسمح مخرجاتها لعموم المجتمعات التي تعاني منها، بنمط من التفكير غيرالذي ينحصر في كيفية تدبر شؤون حياتها اليومية، ومن ثّم تركيز إهتمامها على حاضرها.

ومع ذلك، أدى إدراك ثمة نخب أفريقية، سواء في الدول الناطقة باللغة الفرنسية أو اللغة الانكليزية، بجدوى التفكير في المستقبل، أدى إلى الاخذ برؤى عمدت أما إلى تبني المفهوم الفرنسي للمستقبل، أو دعت إلى صناعة مستقبل بلدانها على وفق خصائص الحضارة الافريقية.

وقد كان لبعض المستقبليين الافريقيين تأثير على صناع القرار في دولهم، وجراء ذلك عمدت تنزانيا، مثلا، إلى تبني مشروع مستقبلي للإرتقاء بواقعها الداخلي إلى حالة أفضل هومشروع: تنزانيا عام 2025.

وتّعد دولة جنوب أفريقيا من بين أكثر الدول الافريقية جنوب الصحراء إهتماما بدراسات المستقبلات. ففيها تنتشرالمراكز العلمية المتخصصة في هذه الدراسات، ومثالها مركزبحوث المستقبل، فضلا عن تبني عدد من جامعاتها تدريس المستقبل ضمن برامجها الدراسية ومنح درجات علمية عليا: ماجستير ودكتوراه متخصصة به.

سنتناول دراسات المستقبلات في الوطن العربي في مقال لاحق. وكجزء من عالم الجنوب

استاذ العلوم السياسية ودراسات المستقبلات