وزير المالية الفرنسي: الرئيس الأمريكي خطر على التجارة الدولية ويجب التصدي له

لندن: جمال الجزائري

أبدت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد تفاؤلها حيال النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب، إلا أنها حذرت من تداعيات ذلك على اقتصادات العالم.

وقالت لاغارد خلال القمة العالمية للحكومات في دبي، الشهر الماضي، »من خلال القليل الذي نعرفه، وأصر على قول القليل الذي نعرفه، لدينا مبررات لنشعر بالتفاؤل حيال النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة«.

إلا أن مديرة صندوق النقد حذرت من تداعيات التحسن في أكبر اقتصاد في العالم على باقي الدول. وقالت »الأخبار المقلقة هي أنه سيكون لذلك عواقب على باقي أنحاء العالم«.

وفي كانون الثاني/يناير الماضي، زاد صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 0.1 بالمئة لهذا العام )2.3 بالمئة( و0.4 بالمئة لعام 2018 )2.5 بالمئة(.

ترامب: الاصلاح الضريبي سيحدث بسرعة معقولة
ترامب: الاصلاح الضريبي سيحدث بسرعة معقولة

وعكس تفاؤل صندوق النقد، حذر البنك الدولي الذي لم يغير توقعاته بالنسبة للنمو في الولايات المتحدة بسبب ما يعتبره »شكوكاً« تثيرها سياسات ترامب.

من جهة أخرى وفي تصريح يحمل الكثير من الأبعاد والدلالات قال وزير المال الفرنسي ميشال سابان أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تشكل خطراً كبيراً على التجارة العالمية، وأنه سيتعين على أوروبا التصدي لها كي تمنع انهيار المؤسسات الاقتصادية العالمية.

وأضاف سابان في كلمة أمام لفيف من خبراء الاقتصاد الدوليين الذين اجتمعوا في مقر وزارة المال الفرنسية في نهاسة الشهر الماضي: »يبدو أن شريكنا الأميركي يريد أن يتخذ قرارات حماية في شكل منفرد وهو ما قد يزعزع استقرار اقتصاد العالم بأكمله«.

وتابع: »قرارات الإدارة الأميركية الجديدة تشكل خطراً كبيراً على نظام التجارة العالمي )…( لا فرنسا ولا أوروبا )…( في إمكانهما أن تشاهدا )ذلك( من دون تحريك ساكن، بينما تواجه مؤسساتنا الاقتصادية خطر زعزعة استقرارها«.

حزب ميركل: إذا فرض ترامب رسوماً على وارداتنا فسنرد بالمثل على الأرجح

وفي برلين  قال حليف للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مقابلة صحيفة إنه إذا فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوما على السلع المستوردة من دول أخرى فإن أوروبا سترد بالمثل على الأرجح.

وانسحب ترامب من اتفاقية تجارية متعددة الأطراف مع دول منطقة آسيا والمحيط الهادي وتعهد بإعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة الأمريكية مع كندا والمكسيك ويريد حماية الصناعات الأمريكية من المنافسة الأجنبية بفرض رسوم جديدة على السلع.

وفي يناير/ كانون الثاني الماضي حذر ترامب من أن الولايات المتحدة ستفرض ضريبة حدودية نسبتها 35 بالمئة على السيارات المستوردة.

وقال فولكر كاودر زعيم الكتلة البرلمانية للحزب المحافظ الذي تنتمي إليه ميركل لمجلة »فوكس« إنه لا يريد سباقا على رفع الرسوم.

لكنه أضاف »إذا بادر ترامب باتخاذ الخطوة الأولى فسنضطر على الأرجح لاتخاذ الخطوة التالية. ينبغي أن تحتفظ أوروبا بحق الرد بنفس الأسلوب.«

وأشار كودر إلى إنه قلق جدا من السياسة الاقتصادية العالمية التي يتبناها ترامب قائلا »نحتاج للتحدث مع ترامب وفريقه بخصوص السياسات الانعزالية التي لا تفيد أمريكا ولا تفيدنا.«

ترودو : على كندا والاتحاد الأوروبي قيادة الاقتصاد العالمي

من جانبه وفي تصريح لافت أمام البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية في الشهر الماضي،  قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إن العالم بأكمله يستفيد من اتحاد أوروبي قوي وإن على الاتحاد وبلاده أن يقودا الاقتصاد العالمي في مواجهة التحديات.

وأبلغ ترودو البرلمان الأوروبي أن الاتحاد نموذج غير مسبوق للتعاون السلمي وذلك في كلمة نأى فيها بنفسه عن الولايات المتحدة تحت رئيسها الجديد دونالد ترامب الذي شكك في قيمة الاتحاد ومستقبله وبريطانيا التي صوتت لصالح الانسحاب منه.

الرئيس الصيني شي جينينغ انتقد توجهات ترامب
الرئيس الصيني شي جينينغ انتقد توجهات ترامب

وقال ترودو إن صوتا أوروبيا فعالا في الساحة العالمية ليس مفضلا فحسب بل هو ضروري.

وقال لمشرعي الاتحاد الأوروبي بعد مصادقتهم على اتفاق التجارة الحرة بين الاتحاد وكندا »أنتم لاعب أساسي في معالجة التحديات التي نواجهها جميعا كمجتمع دولي.. إن العالم بأسره يستفيد من اتحاد أوروبي قوي.«

وقال ترودو الذي كان في جولة أوروبية قادته إلى ألمانيا أيضا إن كندا والاتحاد الأوروبي يشتركان في الإيمان بالديمقراطية والشفافية وحكم القانون وبحقوق الإنسان والإدماج والتنوع.

وقال رئيس الوزراء الكندي »نعلم أنه في هذه الأوقات يتعين علينا أن نختار قيادة الاقتصاد العالمي لا أن نخضع فحسب لنزواته«، مضيفا » أن كلا الجانبين أبديا تقديرا للتجارة وإيمانا بقدرتها على جلب الرخاء للمواطنين«.

وبإقرارهما اتفاق التجارة تسير كندا والاتحاد الأوروبي على عكس اتجاه ترامب الذي انسحب من اتفاق الشراكة عبر الهادي ويريد تعديل اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية.

وبالنسبة لكندا فإن اتفاق الاقتصاد والتجارة الشامل ضروري للحد من اعتمادها على جارتها الولايات المتحدة كسوق تصدير.

أما الاتحاد الأوروبي فهو أول اتفاق تجاري له مع إحدى دول مجموعة السبع وقصة نجاح بعد أشهر من الاحتجاجات في وقت تأثرت فيه مصداقية الاتحاد جراء تصويت بريطانيا في يونيو حزيران الماضي لصالح الانسحاب.

الاتحاد الأوروبي يعد لقمة مبكرة مع الصين في رسالة إلى ترامب

وفي تطور أخر لافت  قال ثلاثة مسؤولين في الاتحاد الأوروبي، الشهر الماضي، إن الاتحاد يجهز لعقد قمة مبكرة مع الصين في ابريل / نيسان أو مايو/ أيار في بروكسل لتشجيع التجارة الحرة والتعاون الدولي وذلك في مواجهة تنامي تيار الحماية التجارية والانغلاق في واشنطن.

تعقد الصين والاتحاد الأوروبي قمة سنوية عادة في يوليو تموز لكن الموعد الرسمي لقمة 2017 لم يتحدد بعد. وقال أحد المسؤولين إن بكين طلبت التبكير بها قدر الإمكان.

يعتقد الاتحاد الأوروبي أن الصين تريد استغلال القمة لإبراز الدفاع القوي الذي قدمه الرئيس شي جين بينغ عن التجارة الحرة والروابط العالمية خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في يناير كانون الثاني وذلك ردا على الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب.

وقال مسؤول يشارك في صياغة سياسة الاتحاد »تريد الصين قمة مبكرة لتوجيه رسالة إلى الولايات المتحدة بأن لها أصدقاء في أوروبا.«

في المقابل يريد الاتحاد الأوروبي تسخير الدعم الصيني العلني للمؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة التي سبق أن انتقدها ترامب وتجاوزتها روسيا في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في سوريا عبر محادثات مباشرة مع إيران وتركيا.

وقال مسؤول أوروبي ثان »في ظل هذا السعي من جانب بعض الدول لتقويض المؤسسات الدولية أو إضعافها فإننا نريد أن نرى الصين تدعم الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية وتؤمن بهما.«

وقال قنغ شوانغ المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إن الصين تجري اتصالات مع الاتحاد الأوروبي بشأن ترتيبات قمة العام الحالي وإن التفاصيل ستعلن في الوقت المناسب.

ومازال الاتحاد الأوروبي يتوخى الحذر بشأن توجهات ثاني أكبر شريك تجاري له في ظل بواعث قلق بشأن صادرات الصلب الصينية الضخمة وعسكرتها لجزر بحر الصين الجنوبي وتنامي السلطوية تحت حكم شي.

لكن في حين أشاد ترامب بقرار بريطانيا مغادرة الاتحاد الأوروبي – في انتكاسة غير مسبوقة للاتحاد المؤلف من 28 دولة – فقد قالت الصين مرارا إنها تريد أوروبا قوية ومستقرة وموحدة وقد أبدت قلقها منذ استفتاء الانسحاب البريطاني.

وقال مصدر في بكين مطلع على التفكير الصيني تجاه الاتحاد الأوروبي »نريد عالما متعدد الأقطاب وللاتحاد الأوروبي دور بالغ الأهمية في ذلك.«

ووسط انشغالها بمغادرة بريطانيا ترحب أكبر كتلة تجارية في العالم برغبة الصين الوقوف في وجه سياسات ترامب الذي انتقد الممارسات التجارية لبكين وهدد بفرض رسوم عقابية على الواردات القادمة منها.

كريستين لاغارد متفائلة بالنمو الاقتصادي للولايات المتحدة الاميركية
كريستين لاغارد متفائلة بالنمو الاقتصادي للولايات المتحدة الاميركية

وانسحب ترامب من اتفاق تجارة متعدد الأطراف مع دول آسيا والمحيط الهادي وتعهد بإعادة التفاوض على اتفاق التجارة الحرة المبرم مع كندا والمكسيك ويرغب في حماية الصناعات الأمريكية من المنافسة الأجنبية عن طريق فرض رسوم جديدة على السلع.

وقال جين كان رونغ من كلية الدراسات الدولية بجامعة رينمين في الصين لوكالة »رويترز«:  »أوروبا لا تريد نكوصا عن العولمة.. إذا كان العالم الأنغلوساكسوني ينسحب من العولمة فإننا نأمل أن تمضي الصين وأوروبا قدما فيها«.

وعلى مستوى علاقات واشنطن ببكين دعا وزير الخزانة الأميركي الجديد ستيفن منوتشين إلى علاقات اقتصادية »أكثر توازنا« مع الصين في اتصالات أجراها مع نائب رئيس الوزراء الصيني وانغ يانغ ومسؤولين آخرين.

وذكر بيان لوزارة الخزانة  خلال الشهر الماضي أن منوتشين تحدث كذلك إلى حاكم بنك الصين الشعبي ووزيري المال والشؤون الاقتصادية.

وفي كل من هذه الاتصالات، أكد منوتشين بحسب »رويترز«: »أنه يتطلع إلى تعزيز الروابط الأميركية-الصينية خلال عهده« مع »أهمية الوصول إلى علاقة ثنائية اقتصادية أكثر توازنا«.

وخلال حملته الانتخابية، اتهم الرئيس دونالد ترامب الصين باتباع سلوك تجاري غير عادل والتلاعب بعملتها. وفور وصوله إلى البيت الأبيض، هدد باتخاذ إجراءات عقابية تتضمن فرض ضرائب باهظة على الواردات الصينية.

من ناحيته، انتقد الرئيس الصيني شي جينبينغ علنا في منتدى دافوس الاقتصادي التوجهات الحمائية للرئيس الأميركي الجديد.

أما منوتشين، فأكد في اتصالاته مع المسؤولين الصينيين أهمية التعاون بين واشنطن وبكين في المنتديات العالمية.

وأضاف البيان أنه أشار إلى أن الدور القيادي »لبلدينا في المسائل الحساسة لن يكون مفيدا لكل بلد على حدة فقط، بل للاقتصاد العالمي«.

واكد التزامه العمل مع الصين »على مجموعة من المسائل الاقتصادية والمالية والتجارية والاستثمارية«.

ترامب: صعود الأسهم الأمريكية القياسي يؤكد مستوى الثقة العالية في خططي الاقتصادية

وفيما ينشغل العالم بتداعيات سياسة ترامب على الاقتصاد العالمي ، احتفل الرئيس الأمريكي في المقابل بارتفاع أسعار الأسهم الأمريكية في بورصة وول ستريت، منذ انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، وتعهد بالكشف عن إصلاحات في نظام ضريبة الشركات الأمريكية.

كان مؤشر »داو جونز« الصناعي القياسي في بورصة وول ستريت قد ارتفع إلى أعلى مستوى له على الإطلاق مسجلا 45ر20620 نقطة، وذلك للمرة الأولى في تاريخه.

وقال ترامب في تغريدة له ي إن »سوق الأسهم قد سجلت مستويات قياسية في أطول فترة صعود متصلة منذ عقود. في مستوى مرتفع من الثقة والتفاؤل حتى قبل إقرار خطة الضرائب«.

وقد سجلت الأسهم الأمريكية ارتفاعا متزايدا منذ الفوز المفاجئ لترامب في انتخابات الرئاسة التي أجريت يوم 8 تشرين ثاني/نوفمبر الماضي، حيث ارتفع مؤشر »داو جونز« بحوالي 2000 نقطة ليسجل مستويات قياسية عدة مرات.

ورغم حالة الغموض التي أثارها وصول الرئيس الشعبوي المفتقد لخبرات الحكم إلى السلطة في الولايات المتحدة، وصف محللو السوق حالة المستثمرين بأنهم سعداء باحتمالات إطلاق إجراءات تحفيز مالي في ظل تعهدات ترامب بخفض الضرائب، وزيادة الإنفاق على مشروعات البنية التحتية.

يذكر أن إصلاحات النظام الضريبي التي تعهد بها ترامب يمكن أن تؤدي إلى خفض معدل الضريبة بمقدار النصف تقريبا، في حين سيتم تغيير طريقة التعامل مع الصادرات والواردات إلى نظام مشابه لنظام ضريبة القيمة المضافة المنتشر في أوروبا.

وكان ترامب صرح بأن البيت الأبيض ينخرط في مفاوضات »عميقة« مع الكونغرس من أجل إقرار إجراءات ضريبية »تاريخية«. وقال »الإصلاح الضريبي سيحدث بسرعة معقولة«.

كان ترامب قد أصدر أمرا تنفيذيا الشهر الماضي بضرورة تحديد قاعدتين تنظيميتين على المستوى الاتحادي لإلغائهما مقابل تبني كل قاعدة تنظيمية جديدة.

وقال »ترامب« خلال اجتماع في البيت الأبيض مع مسؤولي تجارة التجزئة في الولايات المتحدة أن »إدارتي مازالت تركز بشدة على الموضوعات التي ستشجع النمو الاقتصادي. هذا كل ما يعنينا«.

وأضاف »نحن نقلص القواعد الكثيرة. نحن بالفعل نقلصها بقدر كبير.. نحن نقلص القواعد في كل صناعة تقريبا«.

مع التخوفات العالمية من سياسة ترامب و»الثقة الزائدة« التي يبديها الرئيس الأمريكي، الاقتصاد العالمي مقبل كما يبدو على تحديات إن لم تكن هزات قد تخلط الكثير من الأوراق.