بولا يعقوبيان : أنا ابنة لاجئ وحملة »دفى« لفقراء لبنان من دون تمييز

بيروت ـ لارا ملاك

قبل عامين وفي يوم شديد البرودة  كانت الإعلامية المعروفة بولا يعقوبيان تمر في مجمع الأوزاعي في بيروت، فرأت مشاهد فقر وحرمان هزت مشاعرها. عادت إلى خاطرها صور والدها الذي لجأ فقيرا إلى لبنان، قادما من أرمينيا المنهكة بالمذابح وقوافل المشردين وموجات الصقيع، وقالت بينها وبين نفسها: »هذه صورة أخرى لا يمكن أن تستقيم إنسانيا«. شعرت أن عليها أن تفعل شيئا لإحداث تغيير ولو بسيط في  تلك الصورة. عرفت أن يدا واحدة لا تصفق، فلجأت إلى الناس. قررت أن تستغل صورتها المتلفزة الشائعة بينهم، وبدأت حملة إنسانية عنوانها »دفى«، لمساعدة الفقراء والمحتاجين في لبنان. حقّقت هذه الحملة نجاحا عظيما لعامين متتاليين، وقد وصلت مساعداتها في العام الثاني إلى ثلاثين ألف عائلة تقريبا. »الحصاد« قابلتها وكان هذا الحوار.

»الحصاد«:  »دفى« تستمرّ في حملتها للسّنة الثانية، ما المعايير التي تحكم أداءها؟

بولا يعقوبيان: »نحن مجموعة من الأصدقاء اتّفقوا على مساعدة الناس الأكثر فقرا في لبنان، والأكثر حاجة إلى العون. هدفنا المساعدة، من دون تمييز بين فقيرٍ وآخر، لجهة الجنسيّة أو الطائفة أو الانتماء المناطقيّ. ننظر إلى كلّ فقيرٍ يحتاج إلى المواد الأساسيّة للعيش، كالغذاء والملابس الّتي تقيه برد الشتاء. لا نقبل المساعدات الماليّة حرصا على شفافيّة العمل. قبلنا 12000 دولار من «بنك مصر ولبنان» لتغطية تكاليف التوزيع، ووقود الشاحنات، وكلفة الحاويات، وهذه كان لا بد منها لإتمام العمل ودعم يوم الحملة«.

»الحصاد«: ما  الدافع الأساسيّ الّذي حثّكِ على القيام بهذا النشاط الإنسانيّ؟

بولا يعقوبيان: »الدافع هو مشاهد الفقر القاسية هنا وهناك. لا يمكن أن نجد طفلا لا يملك ما ينتعله في قدميه ليقيه البرد، ولا يتحرك ضميرنا الإنسانيّ، أو أن نرى أمّهاتٍ يطالبنَ بدواءٍ مخفض للحرارة، وهو من أرخص الأدوية، ولا يستطعن تأمينه. قررت أن أتحرّك للقيام بخطوةٍ لمساعدة هؤلاء،  وكانت فكرة »دفى« التي أطلقتها مع أصدقاء كثر، منهم الفنان، ومنهم الإعلامي. في هذا السياق، لم نقبل الدعم من أيّ جهةٍ سياسيّة ومن أيّ سياسيّ. أردناها حملة من الناس للناس«.

»الحصاد«: حقّقت حملتكم نجاحا مهمّا العام الفائت، كيف كانت توقّعاتكم لهذا العام؟

بولا يعقوبيان:» الناس يتجاوبون معنا بشكلٍ كبير. في البدء كان الهدف مساعدة 5000 عائلة، لكننا ساعدنا 14000 عائلة تقريبا، وفاق الواقع توقّعاتنا بكثير. الوضع كان أفضل هذا العام، فقد استطعنا أن نساعد حوالي 30000 عائلة من مختلف المناطق. الظروف الاقتصاديّة صعبةٌ علينا جميعا، بيد أننا نستطيع أن نعطي ولو عطاء بسيطا، وهذا العطاء على بساطته، مهمٌّ جدّا لكل فقير. بعض الأشخاص يتبرّعون بأجهزةٍ إلكترونيّة، نقدّمها للفقراء ونزرع الفرح في قلوبهم. هكذا لا تبقى هذه من دون استخدام، أو تتحول في ما بعد إلى نفاياتٍ إلكترونيّةٍ مضرّة بالبيئة».

»الحصاد«: ما العوائق الّتي قد تقف في وجه هذا العمل الإنسانيّ؟

بولا يعقوبيان: »الضائقة الاقتصاديّة التي تمر بها البلاد هي العائق الأول. لو كان الناس ميسورين لأعطوا أكثر. اللبنانيّ كريم في طبعه، وطيّب ومعطاء. لكنّنا نقول للناس »من الموجود جود؟. قدّموا ما لا يؤثّر في حياتكم، وما تستطيعون الاستغناءعنه، وهذا يصنع فرقا في حياة المحتاجين. العامل الآخر هو التعصّب. بعض المتبرّعين يسألوننا عن هويّة الناس الّذين ستصلهم المعونة. كيف يمكن أن يكون العطاء مشروطا؟ ما من دينٍ يحدّد شروطا للعطاء. العنصريّة عندنا تزداد، والحرب دائرةٌ في لعبة أمم، وبعضنا ما زال يطرح الشروط ليساعد طفلا! إنها فعلا مأساة. أنا ابنة لاجىء أرمني أتى إلى لبنان، ولا شيء في جيبه، وهذا البلد قدّم الكثير لي ولعائلتي، وأبسط ما أستطيع فعله هو أن أستفيد من موقعي الإعلاميّ وأوصل صوتي وأساعد الناس«.

»الحصاد«: ما هي المعايير الّتي على أساسها تختارون العائلات المحتاجة؟

بولا يعقوبيان: »نستعين بلوائح من وزارة الشّؤون الاجتماعيّة، تحدّد المناطق الأكثر فقرا في لبنان. والمناطق الأكثر فقرا هي أماكن وجود النّازحين، والبيئة اللبنانيّة الحاضنة، آخذين بعين الاعتبار أنّ الفقر بين اللبنانيّين إلى ازدياد«.

»الحصاد«: ماذا يقدّم لكِ العمل الإنسانيّ؟

بولا يعقوبيان: »لا شيء أجمل من العطاء، وأن نحسّ بقيمتنا كبشر، ونشعر بأنّنا فاعلون اجتماعيّا وإنسانيّا، ومسهمون في التغيير. هذا الشعور لا يُقدّر بثمن، والعمل الإنسانيّ أجمل صلاة. ليست الصّلاة أن نكرّر كلاما تعلّمناه بطريقةٍ ببغائيّة من دون أن نقوم بواجبنا الإنسانيّ في المقابل. أشير هنا إلى صورة الطّفل الّذي تجمّد وتوفّي بسبب البرد السنة الماضية. هل هناك ضمير لا تحرّكه تلك الصورة؟ لا يمكن أن نفكّر مرّتين قبل أن نمدّ يد العون. العطاء صوته أعلى، ويصل إلى الله بطريقةٍ أفضل من صلاة نتلوها في المعابد«.

»الحصاد«: هل يتفاعل الشبان والصبايا معكم؟

بولا يعقوبيان: »نعم وبشدّة، خاصّة من ينتمي منهم إلى الطبقة الوسطى وما دون. يعود ذلك ربّما لكونهم يتعاطفون مع الفقراء ويحسّون بمعاناتهم. هنالك الكثير من الميسورين يساعدون أيضا. السنة الماضية بعض النّجمات عمِلنَ بتواضعٍ شديدٍ ومحبّةٍ كبيرة، والعديد من الصحافيّين والنجوم ساعدونا، منهم راغب وجيهان علامة. أشكر بالمناسبة جيهان علامة الّتي ساعدتنا كثيرا ووقفت إلى جانبنا«.

»الحصاد«: سمعنا حديثك في برنامج »نهاركم سعيد« مع الإعلاميّة ديما صادق، عن الفضائح في رعاية الحملات الدعائيّة الّتي تورّطت فيها أسماء مهمّة من الطبقة السياسيّة، هل كان لهذه المعلومات وقعها؟ هل أثارت ردّات فعل؟

بولا يعقوبيان: »لم يعد أحد يهتمّ بفضائح الفساد. كلّ موارد المال يتمّ استخدامها بطريقةٍ سيّئة جدّا. حتّى كشف الفساد في الإعلام لم يعد يثير الرأي العام، أو يخيف الفاسدين. لم يكترث الوزراء الذين ذكرتُ أسماءهم، ولم يحاولوا تقديم أيّ توضيح أو بيان للناس. السياسيّون لا يهتمون بالرأي العام، والرأي العام لم يعد مهتمّا، ولا أحد يحرّك أيّ ساكن«.

»الحصاد«: أقيمت حملة »دفى« في ساحة الشّهداء الأحد 4 كانون الأوّل، كيف تكون خطوات العمل يوم الحملة؟

بولا يعقوبيان: »نجمع العطايا في نقاطٍ جمع في مختلف المناطق اللبنانيّة، تتحرك شاحناتنا لتوزيعها يوم الحملة. كما نستقبل المساعدات يوم الحملة في ساحة الشهداء حيث يتجمّع المتطوّعون للتوضيب والفرز. أودّ أن أشكر هنا محافظ بيروت الّذي قدّم لنا مستودعا في العاصمة لنستقبل فيه المساعدات، كما أخصّ بالشكر أيضا بلديّة بيروت الّتي ساعدتنا كثيرا«.