اقتصاد الدول المأزومة

بيروت- جاد الحاج

 ما زال العام الطالع شاهداً على استمرار النزاع الدامي في سوريا. قوات النظام وحلفاؤه مقابل عشرات الجماعات المسلحة المتناحرة في المدن والأرياف مما يولد إشكالية معقدة تفرز اقتصادات موازية للاقتصاد الوطني لا يمكن تقصي احجامها او رصد مساراتها. ويرجح عدد ملحوظ من المراقبين والمحللين أن تندلع مناوشات ذ بل ومعارك طاحنة وتصفيات دامية متكررة ومتنقلة — بين الجماعات المتناحرة وحتى المتفاهمة وشبه المتحالفة. كما يستبعدون انطلاقا من هذه المعطيات أن تتمتع القوى الخارجية بقدرة فعالة على دفع القتال نحو التوقف بصورة كاملة، في وقت قريب. بل من المتوقع أن يبادر المزيد من السوريين اليائسين إلى مغادرة وطنهم في مغامرات محفوفة بالمخاطر والمحاذير سعيا الى الأمان والإستقرار. من هنا يبدو الحديث عن ˜اقتصاد بالمعنى المتعارف عليه ضرباً في مندلٍ خرافي لا فائدة منه.

العراق

 اما في العراق فعلى الرغم من عمل حكومة حيدر العبادي على تفعيل التعاون مع قوات البشميركا،  لا سيما في محافظة نينوى وعاصمتها الموصل، لتحرير المناطق العراقية من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية )˜داعش(، فإن ذلك لا يعني التخلص من المناوشات والمساومات بين السلطة المركزية في بغداد والإدارة الذاتية الكردية في أربيل بشأن السيطرة على صادرات نفط إما يمر عبر مناطق الأكرد وإما يتم استخراجه من حقول قائمة أصلا في تلك الربوع. إلا أن الوضع الراهن يفترض أن يستمر على حاله إلى حين إجراء الانتخابات العامة المقررة هّذا

مصفاة عراقية اصيبت خلال الاشتباكات مع داعش
مصفاة عراقية اصيبت خلال الاشتباكات مع داعش

العام. ومن المنتظر أن يختبر الاقتصاد المحلي بعض التوسع بموجب تطبيق البرنامج المعتمد مع صندوق النقد الدولي.

لبنان

في لبنان تخوض حرب التوازن بين الفئات اللبنانية المتنافسة معركة التحولات في النفوذ على مستوى المنطقة، وبتأثير الصراع الناشب في سوريا وحولها وعليها منذ أعوام. ويتجلى ذلك من خلال كل ما سبق تأليف الحكومة الجديدة برئاسة سعد الدين الحريري، وفي ظل رئاسة العماد ميشال عون، الذي صار إلى انتخابه بأكثرية ثلثي مجلس النواب بتاريخ 31 تشرين الأول )أكتوبر( الماضي بعد مدة تتجاوز 29 شهرا على شغور قصر بعبدا.

من المستبعد إجراء الانتخابات العامة في أيار )مايو( المقبل وفق ما هو محدد، بعد ان جرى تأخيرها اعتبارا من 2013 مرتين بفعل التمديد لمجلس النواب الا ان المراقبين يرون استمرار حالة الشفير التي طبعت واقع الاقتصاد اللبناني منذ نهاية الحرب الاهلية مطلع تسعينات القرن المنصرم.

حتى في ظل رئيس الجمهورية الجديد وحكومة الحريري،  سوف يبقى البنك المركزي ولو طوال الفترة الانتقالية الممتدة حتى صدور نتائج الانتخابات البرلمانية هو القائد والموجه للسياسة الاقتصادية. ولا يغيب عن البال أن التدابير والإجراءات التي تتطلب موافقة البرلمان سوف تصاب بالفتور والوهن في هذه المرحلة حتى لو تمكنت الحكومة اخيراً من اقرار موازنة طال انتظارها.

ولا شك أن نجاح الجيش والأجهزة الأمنية في توجيه ضربات وقائية استباقية إلى الخلايا الإرهابية النائمة التابعة لتنظيم داعش، وحتمية التفاهم على اعتماد قانون جديد للانتخابات من الأمور التي تعزز التفاهم والتنسيق بين القوى السياسية المختلفة، وتنعكس تقوية للوحدة الوطنية. فهل ينجح الرئيس الجديد مع رئيس الحكومة ˜المعتدلŒ، وبالتنسيق مع رئيس مجلس النواب والكتل السياسية المختلفة، في تأمين الشروط الأولية الضرورية لتكريس الوحدة الوطنية اللبنانية في منطقة مضطربة تلتهمها نيران النزاعات على انواعها؟

اسرائيل

 تعتبر الحكومة الائتلافية اليمينية بقيادة رئيس مجلس الوزراء وزعيم حزب الليكود بنيامين نتانياهو، متثاقلة الخطى وغير مستقرة، ولكن ينبغي لها أن تكمل العام الطالع وهي في السلطة، وذلك بسبب تشرذم المعارضة وانقسامها على نفسها. ومن العوامل المساعدة في الحفاظ على استمرار الحكومة مخاوف الناخبين اليهود في إسرائيل من عدم جدية المعارضة في تقديم حلول وتدابير عملية تساعد في الحفاظ على أمن إسرائيل، وبخاصة مع انكشاف عجزها عن مكافحة الحرائق الواسعة التي نشبت في الثلث الأخير من الخريف المنصرم.

نتنياهو سعيد بما يجري في المنطقة
نتنياهو سعيد بما يجري في المنطقة

مع طغيان الصراعات والنزاعات الإقليمية الأخرى على وهج النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وانحراف الانتباه على الأقل في البلدان العربية المجاورة عن المساعي الإسرائيلية المكثفة الرامية إلى تهويد مدينة القدس، والعاملة بصورة حثيثة على السيطرة على المسجد الأقصى، وأمام عدم اهتمام الجهات الرسمية في العالمين العربي والإسلامي بمحاولة فرض السلطات الإسرائيلية قانونا يحظر رفع الآذان، ليس غريبا أن تنتهز حكومة تل أبيب الفرصة من أجل إعادة بناء تحالفاتها، بما في ذلك ادعاء الوقوف إلى جانب المملكة العربية السعودية في وجه منافستهما المشتركة، إيران، على حد ما تحاول وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية الترويج له.

ويفترض بالنمو الاقتصادي المميز بمعدله الوسطي السنوي الجيد نسبيا أن يضمن إبقاء العجز المالي ولا سيما في الموازنة الحكومية العامة مقيدا.

إيران

من غير المستبعد للرئيس الشيخ حسن روحاني أن يفوز بولاية ثانية في منصبه بنتيجة الانتخابات المقرر إجراؤها في أيار )مايو( المقبل، علما أنه يحظى بالمساعدة والمعونة من قوة الدفع الاقتصادي والسياسي التي تأمنت من جراء الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع القوى الغربية بضمانة كل من روسيا والصين بعد مفاوضات الجمهورية الإسلامية مع الخمسة )الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن الدولي( زائد المانيا.

نتيجة الرفع غير المكتمل للعقوبات ولكن مع استمرار الانخفاض في أسعار النفط الخام، من المتوقع للحكومة الإيرانية أن تواصل التركيز على اجتذاب الاستثمارات والخبرة الأجنبية بهدف تعزيز وتشجيع الإنتاج بأسرع ما يمكن. ومن المؤكد أن الاقتصاد الإيراني النشيط والمتين نسبيا سوف يتجاوب مع ذلك، ومع التصاعد التدريجي في أسعار النفط المواكبة لمستوى النمو القوي. وليس مستبعدا أن نشهد ازديادا تدريجيا في مستوى صادرات إيران من النفط الخام حتى نهاية العام الطالع. لكن، هل يبلغ مستوى الزيادة ما يتجاوز 4 ملايين برميل يوميا آخر العام الجديد؟

 تركيا

Recep_Tayyip_Erdoğan_June_2015
اردوغان… قد يلجأ إلى تنظيم انتخابات برلمانية مبكرة

الواضح أن الرئيس رجب طيب إردوغان بالغ في استغلال الانقلاب الفاشل، الذي نظمه بعض القادة العسكريين ضد حكومته في منتصف تموز )يوليو( الماضي. وتمكن اردوغان من حشد التأييد الجماهيري العام وتعزيزه لمصلحة حزب العدالة والتنمية المصور على أنه ˜إخواني معتدل. كما وجد في الانقلاب فرصة مؤاتية للتخلص من خصوم النظام ومناوئيه بحجة المشاركة في الانقلاب، أو التستر على الانقلابيين أو التواطؤ معهم ومد يد العون لهم، وهم الذين يبدو كما لو أنهم سقطوا ضحية لأوهامهم الخاصة أو لخدعة قوة أجنبية نافذة.

على ضوء محاولة الانقلاب المرتبك أصلا، عمد رئيس الجمهورية المتمتع بصلاحيات رمزية بموجب أحكام الدستور إلى تجاوز تلك السلطات بغطاء حزبي وحكومي من جهة، إلى مضاعفة الجهود الرامية إلى جعل سيطرة الدولة مركزية ومحصورة في رئاسة الجمهورية خلافا لأحكام النظام المعتمد في البلاد منذ عقود طويلة. لكن في حال تعذر الاتفاق على التعديل الدستوري مع المعارضة، من الجائز للرئيس ومعاونيه من أصحاب السلطة اللجوء إلى تنظيم انتخابات برلمانية باكرة سابقة لأوانها، خصوصاً بعد التضحية بما لا يقل عن ثلث كبار قادة القوات المسلحة في إطار عملية تطهير صفوف الجيش والطيران والبحرية،  وذلك في وقت ينتظر من تركيا أن تكافح من أجل اعتماد استراتيجية عسكرية معقدة يجدر بها الالتزام بتنفيذها داخل حدودها الوطنية وخارجها.