منى كريّم: »اسمعي« نتاج الواقع وسيناريو السينما يتحدّى الظروف والوقت

بيروت – رنا خير الدين

ينقل كل كاتب سيناريو رؤياه لحدث ما، من خلال تمرير تصوره الخاص إلى ومن خلال مجتمع، يكتب ليعبّر عن هذا المجتمع أو ذاك، يتميز السيناريست بآفاق حدوده الواسعة لكل ما يراه، فيصوره للناس على هيئة مشهد ما، وكاتب سيناريو الأفلام يكتب ليتحدّى، يتحدّى ماذا؟ يتحدّى المدة الزمنية المحددة، والضغط وطبيعة الظروف والأحوال لكل شخصية وخصائصها، أما الفرادة فهي أبرز ما يميز كاتب أي سيناريو عن آخر بالإضافة للأسلوب الخاص، وهذا ما فعلته كاتبة سيناريو فيلم »اسمعي«، منى كريّم. ترجمت منى كريمّ بفيلم »اسمعي« واقع المجتمع

كاتبة السيناريو منى كريّم
كاتبة السيناريو منى كريّم

اللبناني خلال عمل سينمائي، فـ»اسمعي« يروي قصة حب بين مهندس صوت خجول يدعى جود وممثلة شابة ثرية ومتمرّدة ونابِضَة بالحياة تدعى رنا، قصة حب دارت بينهما رغم الاختلافات البيئية والطائفية والاجتماعية، لكن هذه الاختلافات لم تشكل عائقاً. يحملها جود محبوبته إلى عالمه ويجعلها تستمتع بحفيف الأوراق وهمس الموج ونسمات الهواء واختلاج أجنحة الطيور، وضجيج بيروت بأبواق سياراتها وأصوات باعتها ومظاهراتها وليلها ونهارها، تتعرض رنا لحادث سير وتدخل في غيبوبة، ورغم الظروف بقي جود وفياً لحبيبته رنا. نجد في الفيلم عنصراً ذكياً اذا أردنا أن نشير إليه لأنه نوع جديد ليس بمألوف، وهو أن من خلال الفيلم يركز على عنصر السمع، حين يقوم جود بتسجيل كافة الأصوات لرنا رحيلها المؤقت، كنوع من الأمل والتفاؤل.

وترى كريّم أن السيناريو يكون لخدمة القصة، وأن الفيلم يبرز قربه وتصويره للمجتمع، فالشخصيات موجودة في الواقع، وهذا النوع من الأفلام يمكن المشاهد أن يجد نفسه بطريقة ما يتجسد في شخصية معينة من الشخصيات، فذلك يسمح له بالانجذاب أكثر للقصة، ويشعر أن إمكانية حصول أحداثها معه، وهذا هو القصد من القصة أن يطال الجمهور من خلال التقرب لواقعه وتجسيده بطريقة فنية، وتعتبر كريّم أن سيناريو الأفلام تُدرس، لا مكان فيها لإضافة أي فكرة غير مهمة، لا يوجد مشاهد أو جمل لا تخدم القصة، لا أهمية لجمال الجُمَل كثيراً في سيناريو الأفلام كالمسلسلات، وفي السينما يعتمد كثيراً على المشاهد بينما يتمكن كاتب سيناريو المسلسل أن يعتمد على الأشخاص والحوارات أكثر. الحوار في المسلسلات له أهمية كبيرة، بينما في الأفلام التصوير والمناظر هي منبع الأهمية.

»الحصاد«: من هي منى كريّم؟

»منى كريّم«: ولدت في لبنان ذ بيروت، درست فيه حتى الثانوية ثم انتقلت للعيش والدراسة في فرنسا حيث درست اللغات والآداب ثم تخصصت بـ»speech therapy« الذي هو حالياً مهنتي. أما علاقتي بالفن والكتابة فهي قصة منذ الطفولة، اذ جئت من بيئة عائلية تهوى الفنون والكتابة، والدي محمد كريّم كان رئيس دائرة البرامج في الإذاعة اللبنانية، وعمل بالمسرح في عهد شوشو وغيره، أي أنني باختصار، تربيت وسط بيت أجواء الفن تلوح فيه، بدأ مشواري مع الكتابة منذ الصغر، شاركت بالكثير من ورش الكتابة الإبداعية، ثم ترأست مجموعة تقوم بتشكيل الرسوم المتحركة لهذه الورش وكنت أشرف على العمل.انتقالاً إلى موضوع كتابة السيناريو، أثناء عملي في فرنسا تعرفت صدفةً على المنتج كلود بيري، اذ طلب مساعدتي في بعض الأفلام التي كان قد يعمل عليها حينها. وعدت إلى لبنان حيث كانت علاقتي بالسينما شبه منقطعة إلى أن تعرفت على فيليب عرقتنجي، حيث اتفقنا وعملنا سوياً على فيلم »اسمعي«.

»الحصاد«: كيف بدأت مشوارك مع الكتابة؟

»منى كريّم«: علاقتي مع الكتابة قديمة، كتبت النثر مذ الصغر، وتأثرت بجو العائلة الممزوج من روح المسرح والفنون. لم أنشر كتاباتي قط، فكان فيلم »اسمعي« أول عمل ينشر.

»الحصاد«: تخطّى فيلم »اسمعي« كل التوقعات بتحقيقه رقماً قياسياً للأفلام اللبنانية اذ وصل عدد المشاهدين إلى 22 ألف مشاهد، ما سره؟

»منى كريّم«: الفيلم عبارة عن قصّة حب بين شابين، شاب يصرّ على أن يبقى وفيّاً لحبيبته رغم الظروف الصعبة التي يتعرض لها بعد ان تعرضت لحادث أفقدها وعيها. يركّز الفيلم على إيصال الرسائل من خلال مزيج الحياة والأمل والتفاؤل بكادر ملفت وبسيط يعرض الواقع كما هو، ميزة هذا الفيلم أنه استخدم فيه حاسة السمع كثيراً، اذ لم نشهد هذه الميزة بأفلام أخرى. ابتعدنا عن الحروب والمشاكل، فقد اعتدنا في السينما اللبنانية أن تدور احداثها حول المشاكل الاجتماعية أم آثار الحرب على اللبنانيين. أصرّ المخرج فيليب عرقتنجي أن يصور الأحداث في مدينة بيروت، لم يكن هناك أي تشويه فكل شاب وصبية يمكن أن يجدوا أنفسهم في قصة كهذه.

»الحصاد«: من جانب آخر، تعرض هذا العمل للكثير من الانتقادات لاحتوائه على مشاهد إباحية، كيف تردين على هذه الانتقادات؟

»منى كريّم«: لا بد من الإشارة إلى أن كل ما يظهر في أي فيلم يكون هو خيار المخرج، والرد الوحيد على هذه الانتقادات أننا في فيلم »اسمعي« عرضنا ما يحدث في الواقع كما هو، ومشاهد من هذا النوع توجد في الكثير من الأفلام الأجنبية ونتقبلّها فقط لأنها مقبولة من الغرب، لكن اذا كان المجتمع اللبناني غير مستعد لهذا النوع من الأفلام، فلا يعني أن هذا النوع من العلاقات هو غير موجود. رغم انفتاح اللبناني لكن ما زال المجتمع يعاني من عدم تقبل الحب والمشاعر كما هي لكنه يتقبل مشاهد العنف والحرب. وبرأيي أن الفيديو كليبات والأغاني المصورة تعاني من هبوط أخلاقي وإباحي بطريقة مبتذلة. أما في ما يخص فيلم »اسمعي« فكل المشاهد الحميمة هي عبارة عن تفاعل أحداث الفيلم بطريقة بعيداً عن الانحطاط الأخلاقي أو الابتذال بل على العكس طريقتها كانت شاعرية فنية.

مشهد من الفيلم
مشهد من الفيلم

»الحصاد«: إلى أي مدى إضافة المشاهد الحميمة ترفع نسبة المشاهدة؟

»منى كريّم«: تختلف الآراء حول هذا الموضوع فالبعض يرى ان لا حاجة للمشاهد الحميمة فيه والبعض الآخر رأى انها جاءت بسلاسة مع تسلسل أحداث قصة الحب ولا ضرر فيها أبداً، كما وليست هي الفكرة الأساس من الفيلم.

 »الحصاد«: برأيك، أين تكمن أهمية السيناريو، بقربه من الواقع أم كلما أضيف عليه عنصر التشويق؟ولماذا؟

»منى كريّم«: السيناريو يكون لخدمة القصة، حاولنا أن نحكي بكل مشهد تفاصيل للفيلم، وعناصر المساعدة لكل مشهد، بالإضافة لخصائص كل شخصية في الفيلم، ووضعنا كلاً منها في مكانها. وبرز الفيلم في قربه وتصويره للمجتمع، فالشخصيات موجودة في الواقع، وهذا النوع من الأفلام يمكن المشاهد أن يجد نفسه بطريقة ما يتجسد في شخصية معينة من الشخصيات، فذلك يسمح له بالانجذاب أكثر للقصة، ويشعر بامكانية حصول أحداثها معه. وهذا هو القصد من القصة أن نطال الجمهور لذا اقتربنا من الواقع وجسّدناه بطريقة فنية.

»الحصاد«: هل تختلف أنواع الأفلام من مجتمع إلى آخر؟

»منى كريّم: بالتأكيد، كما أن الانتاج والماديات تختلف بين مجتمع وآخر، مثلاً فيلم حميم كاسمعي ميزانيته تختلف عن ميزانية فيلم خيال علمي مثلا، بالإضافة للإمكانيات والبيئة، ومجتمعاتنا بحاجة أن تعبّر عن نفسها، وتُسمع الآخرين صوتها، لا تقوم على الأعمال السطحية.

»الحصاد«: بماذا يختلف سيناريو الأفلام السينمائية عن سيناريو المسلسلات؟ وكم من الوقت تستغرق الكتابة؟

»منى كريّم«:سيناريو الأفلام تدرس لا مكان فيها لإضافة أي فكرة غير مهمة، لا يوجد مشاهد أو جمل لا تخدم القصة، لا أهمية لجمال الجمل كثيراً في سيناريو الأفلام كالمسلسلات، وفي السينما يعتمد كثيراً على المشاهد بينما يتمكن كاتب سيناريو المسلسل ان يعتمد على الأشخاص والحوارات أكثر. الحوار في المسلسلات له أهمية كبيرة، بينما في الأفلام التصوير والمناظر هي منبع الأهمية. سيناريو فيلم »اسمعي« استغرق عمل ستة أشهر.

»الحصاد«: بمن تأثرت عالمياً؟

»منى كريّم«: تأثرت بمدرسة فرنسية وهي oulipo، اختصار Ouvroir de littérature potentielle، هي مجموعة تعمل على التحدي، أي يمكن وضع قواعد محددة لهم ويقومون بالكتابة ضمن هذه القوانين أو القواعد، ويخلقون أجمل الإبداعات ضمنها ليس فقط تطبيقها. وأنا بفيلم »اسمعي« استخدمت هذا النوع من الكتابة، فقد حدد المخرج طريقة المشاهد، وأنا كتبت السيناريو على هذا الأساس.

»الحصاد«: ما هو نوع الأفلام المفضلة لديك؟

»منى كريّم«: الأفلام الكوميدية ذ درامية التي فيها خفة وواقع في آن معاً.

»الحصاد«: هل تقوم كتابة السيناريو على الممارسة وتراكم الخبرة بالأكثر أم الخيال؟

»منى كريّم«: هذا الأمر يختلف بين مؤلف وآخر، ولا أعلم كيف يمكن لأحد أن يعطي شيئا لا ينبع من داخله، أي لا يمكن التعبير عن شيء لم يعيشه الكاتب أو ليس بالضرورة بل على الأقل أحداث قد تأثر بها شخصياً. بطبيعة عملي اضطررت لمصادفة أشخاص عانوا من خلل أو مشاكل في الدماغ ما أثر عندي، وترك حيزاً عندي، لذا قمت بكتابة قصص قصيرة عن هؤلاء المرضى، وكان الهدف من ذلك بما أنهم هدفهم هو التعبير عن أنفسهم والتكلم، لذا قمت بالكتابة بلسان حالهم بعد ما حصلت معهم مشكلة ما وحُرموا من التعبير عن ذواتهم.

»الحصاد«: اذا طلب منك أن تصفي الشباب اللبناني بكلمة، بماذا تصفينه؟

»منى كريّم«: متصارع بين ذاته والوضع في لبنان.

»الحصاد«: هل من أعمال مستقبلية؟

»منى كريّم«: هناك عمل جديد على فيلم مع المخرج فيليب عرقتنجي مختلف عن السابق، على أمل أن يلاقي جذب ومحبة الجمهور. كما هناك مشروع في نشر مؤلفاتي حياة مرضاي، أرجو التمكن من ذلك.