أيها العراقيون صونوا وحدتكم فأنتم سيفنا وترسنا

أياد موصللي

عندنا مثل عامي يقول: »ما متّ؟ ما شفت يلي مات؟«

هكذا أقول للعراقيين، تاريخ لبنان أمامكم »واللبننة« أصبحت وصفة عالمية توصف للساحات التي يلعب عليها المتبارون الدوليون، فلا تجعلوا من العراق ساحة من هذه الساحات، لأن نتيجة المباريات في النهاية لن تكون لصالح أي من الأفرقاء العراقيين وصفارة الحَكَمْ لن تعلن فائزاً منهم فأي فائز هو خاسر مع الوطن في النهاية.

اللعبة الدولية إياها، سبق أن جربها لبنان بنفس التواتر وبنفس »السيناريو« حتى وبالمايسترو »الموجود حالياً يدير اللعبة«، النغمة الأساسية في هذا العزف هي الطائفية وعلى وقع هذه »السمفونية« تلعب الأوركسترا على المسرح العام. وإذا كان لبنان قد وقع ضحية أطماع الدول، قبل أن يقع سواه ضحية »سايكس ذ بيكو« فلأن اللبنانيين غلّبوا منافعهم العائلية والإقطاعية على مصلحة الوطن ككل فكان هذا الحصاد المر من الطائفية والمذهبية وهو ما لم يكن يدور في خلد أي لبناني قبل التدخلات الأجنبية فلم يكن في اهتمامات الناس ما هو دين هذا الأمير الحاكم في جبل لبنان، ولعلّ الصراع إذا وجد كان ينصب على الانتماء القبلي »لا الطائفي حيث كان الانقسام هكذا«. قيسي أو يمني لا ماروني أو درزي، كما حصل بعد أن امتدت الأصابع الأجنبية ولعبت في تمزيق الوحدة الوطنية واستبدلت الخلاف العشائري بانقسام طائفي ومذهبي لا زلنا نحصد إلى اليوم ذيوله وآثاره صحيح. أنه ليس مكرساً في نص ولكنه راسب في قعر نفس مريضة يستفيق كلما خفت المسكنات وجرعات الوعي.

أياد موصللي
أياد موصللي

العراقيون تنفخ نارهم لتطهو لحومهم وتشوى وتقدم على مائدة الأجنبي الطامع في ثرواتهم كما يطمع أولاد الحرام بالمال الحلال… مرّ لبنان بعهود مماثلة، فبعد أحداث وفتنة 1859 ذ عقد في 2 آب 1860 مؤتمر باريس ضمّ النمسا ذ فرنسا ذ روسيا ذ بروسيا »ألمانيا« بريطانيا. وبعده عقد مؤتمر بيروت في 5 تشرين الثاني 1860 وعرفت المقررات التي نتجت عنه ببروتوكول 1860 وقعت هذه الدول نظاماً أساسياً لجبل لبنان كرس منذ ذلك الحين الطائفية نظاماً وتدخل الدول في شؤونه الوطنية والداخلية قانوناً. ومنذ ذلك الحين صار يحكم لبنان متصرف، ولكن لو درسنا تاريخ هؤلاء المتصرفين لعرفنا أن لبنان كان يحكم من أجانب بأسماء عربية »فرستم« باشا« كان إيطالياً، و«واصف باشا« اسبانيا و»أوهانس قيمجيان باشا« أرمنياً. هؤلاء مثل »بريمير« الذي جاءكم أيها العراقيون كما الذين عقدوا مؤتمر بيروت الذي أشرنا إليه يمثلون في ذلك الحين دول التحالف الدولي اليوم وكما أرسل ذلك التحالف قواته لدعم أميركا في العراق أرسل ذلك التحالف 12 ألف جندي لمساندة الدولة العثمانية في تثبيت الأمن وترسيخ وجودها وتدخلها، وتبع هذا كله بعثات وارساليات ومندوبيات وجواسيس وعملاء لا زلنا نحصد زرعهم حتى يومنا هذا.

زمنكم يذكرنا بيومنا ذاك دون أن ينسينا أمسنا فتذكروا أنتم أيها العراقيون فدستوركم يجب أن يصون وحدتكم ويحصنها لا أن يكون كما كان »بروتوكول« الدول الأجنبية عام 1860 في لبنان حيث وزع الإدارة على الطوائف »موارنة، دروز، أرثوذكس، سنة، شيعة، كاثوليك« وكان الإسفين الذي مزق وحدة الشعب.

كان شعب لبنان مثلكم لا يعرف الطائفية ولا المذهبية ولا يهمه دين الحاكم بل عدله. كان الدين شأناً بين الإنسان وربه »كل مين على دينه الله يعينه« وأنتم ما عرفتم الطائفية والمذهبية بقدر ما عرفتم العشائرية وكلها أمراض اجتماعية ولكن أضرارها تختلف ومساوئها تخف وتبقى العشائرية أرحم على أبنائها من الطائفية والمذهبية. لقد أدى التدخل الأجنبي في لبنان إلى تغيير جذري في مفهومه الوطني بعد أن كان لبنان إمارة مستقلة نسبياً يحكمها أمير لبناني. قسمها الأجنبي إلى »قائمقاميتين« واحدة مارونية وواحدة درزية ويحكم كل قسم قائمقام من الطائفة ذاتها. وكذلك في نظام المتصرفية حددت كفاءة المتصرف بطائفيته.. حاذروا يا أهل العراق »أحابيل الطائفية« وشرورها ولا تخدعكم عبارات منمقة ولا وعود مغرية فميناء السلامة لكم هو وحدتكم وتذكروا أنه »ما فائدتكم إن ربحتم العالم كله وخسرتم أنفسكم« تذكروا دائماً أنه في الوحدة الوطنية والقومية تضمحل العصبيات المتنافرة وتنشأ الوحدة الوطنية الصحيحة التي تتكفّل بإنهاض الأمة، وتذكروا دائماً أنه ليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا ووطننا إلاّ اليهود وحلفاؤهم وتذكروا أننا كلنا مسلمون، منا من أسلم لله بالقرآن ومنا من أسلم لله بالإنجيل من من أسلم لله بالحكمة… وتذكروا أن عُمر اقرب لعلي ديناً وانتماءً من اوباما وترامب، وأن بطرس أقرب للحسين من أي مسلم غير عربي وأي مسيحي غير عربي، تذكروا »أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي عالغريب«، تذكروا أن أزمنة مليئة بالصعاب تمر على الأمم الحية فلا يكون لها خلاص منها إلاّ بالبطولة المؤيدة بصحة العقيدة.

أيها العراقيون عوا مهمتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل، فتتفرقون وتذهب ريحكم وتتشتت جموعكم وتصبحون أمثولة سيئة بعد أن كنتم عنوان الحضارة والوحدة والتقدم وبعد أن كنتم راية العز وأصحاب وقفتها لا تجعلوا شريعة المعتدي قبلتكم بعد أن كنتم مصدر الشرائع الإنسانية، لا تجعلوا تربتكم تضم رفاة الحزانى والمغدورين وضحايا العدوان والقتل والسحل بعد أن كانت تربتكم مرقد الطهر والتقوى والصلاح. فإن شريعة الأجنبية دائماً تجعل أعزّة القوم أذلة. أيها العراقيون، كونوا لأهلكم ووحدتكم كما كنتم دائماً السيف والترس.

فيكم يا أيها العراق صح القول:

يا عروس المجد، تيهي واسحبي

في مغانينا ذيول الشهــــــب

لن تري حفنة رمـــــل فوقهـــــا

لم تعطر بدمـــــا حرابــــي

درج البغـــــي عليهــــا حقبــــة

وهـــوى دون بلـــوغ الأرب

لا يموت الحق، مهـــما لطــمت

عارضيه، قبضة المغتصب

من هنا شقّ الهــــدى أكمامــــه

وتهادى موكباً في موكــــب

وأتــى الدنيا فرفّــــــت طربــــا

وانتشت من عبقه المنسكــب

تغنت بالمــــــروءات التــــــي

عرفتها في فتاها العربـــــي

هـــــبّ للفتح، فأدمــــى تحتـه

حافر المهر جبين الكوكـب

إياد موصللي