محمد البعلبكي

معن بشور

سمعت للمرة الأولى باسم »الأمين« محمد البعلبكي في خمسينات القرن الفائت، حيث كان شقيقي المرحوم أديب يأتي كل صباح بجريدة »صدى لبنان« متحدثا عن شجاعة رئيس تحريرها وبلاغته والتزامه الصادق، وقد كان قياديا في الحزب السوري القومي الاجتماعي بعد أن كان خريج أزهر معروفا بثقافته القرآنية وفصاحته اللغوية، وبعد أن مارس التدريس في الجامعة الأمريكية فدرس على يديه أعلام كبار.

رغم انني كنت في مرحلة الدراسة الابتدائية، بقي هذا الاسم يرن في أذني، رغم الافتراق السياسي آنذاك بين البيئة التي انتمي إليها وبين الانتماء الحزبي للنقيب الراحل، لكنني شعرت بالأسى والحزن حين علمت باعتقاله في مطلع عام 1962، مع رفاق بارزين في الحزب السوري القومي الاجتماعي كأسد الأشقر، وعبد الله سعادة، وإنعام رعد، ومصطفى عز الدين وبشير عبيد وفؤاد عوض، وشوقي خير الله وغيرهم….

وبعد سنوات أمضاها المناضل محمد البعلبكي في السجون خرج ليستأنف رسالته الصحفية، حتى انتخب نقيبا للصحافة في أوائل عام 1982 خلفاُ للنقيب الشهيد رياض طه….

نجح محمد بعلبكي في السنوات الثلاث والثلاثين التي رعى فيها احد ابرز منابر الحرية والرأي في لبنان في أن يجعل من نقابة الصحافة منبرا للوحدة الوطنية بكل تعدديتها السياسية والحزبية والنقابية والاجتماعية والثقافية، ومنصة لإطلاق العديد من المبادرات العربية والدولية ذات الصلة بقضايا الأمة والإنسان في كل مكان.

وكنا حين نلبي دعوة إلى نقابة الصحافة لإعلان موقف، أو إطلاق مبادرة، كان ما يحفزنا دائما للحضور هو كلمات النقيب البليغة الممتلئة حكمة وخبرة وحرصا وطنيا وقوميا كبيرا التي يفتتح بها المؤتمر، فنخرج منها إما بفكرة جديدة، أو حكمة عميقة، أو دعوة كريمة، مستمتعين بصياغة راقية فيها فقه الأزهري، وعربية العروبي، والتزام القومي….

بل هي كنا نراه في كل فعالية ثقافية أو وطنية أو قومية أو اجتماعية، وحتى الأسبوع الأخير من رحيله، وكأنه كان يعتبر نقابة الصحافة رسالة يحملها من منبر إلى آخر، وليست مجرد منبر يشهر من خلالها الجميع رسائلهم.

واليوم ونحن نودع النقيب الأستاذ الأمين محمد بعلبكي عن 96 عاما من العطاء الفكري والنضالي والصحافي المتواصل، ندرك إن الأوفياء له يعلمون إن أفضل ما يعاهدون به الراحل الكبير هو حمل الرسالة التي أمضى في خدمتها عمره الطويل، رسالة الانتماء القومي، والصلابة الوطنية، والدفاع عن حقوق الإنسان والأمة، والتواصل مع كل أبناء الوطن حتى ولو تباعدت الآراء والمواقف.