الـ »لا« القاتلة

بحبر امرأة

ريما كركي

البارحة أحرقت الرسائل.. رميت هداياك من على الشرفة.. قصصت كل قطعة حميمة لبستها لأغريك بها يوما… مزقت خرائط استدراجك لابتلاع سمومي المقدسة…

البارحة كسرت المزهرية وبعثرت ورودك في كل اتجاه… اشعلت النيران في كل الكتب والاشرطة والصور التي تذكرني بحبنا الخائب..

البارحة قاطعت كل صديقاتي اللواتي شهدن على أن غرامنا كان مختلفا.. أعلنت عدائي لهن، فلا أريد أن أرى أي وجه يقتحمني بالأسئلة أو المؤاساة..

البارحة سجنت غضبي في ابتسامة ساخرة، وقحة، شامتة… شامتة بي، بغبائي الصارخ.. وبإيماني بالمستحيل.. البارحة خاصمت الموسيقى والاغاني إلى الابد… فالمشاهد التي يحيكها خيالي مع كل نغمة، مع كل كلمة، تسرق الحياة مني… تأخذني الى العتمة وحدي.. تسجنني في »الانفرادي« لعصور كاملة..

البارحة ملأت الحقائب بثيابي كلها ورميت بها في البحر، فعلى كل قطعة قماش أثر ليديك أو لفمك أو لرائحتك…

البارحة أعلنت الحرب على شوارع المدينة، على الزمن، على الوقت، ففي كل زاوية وفي كل توقيت لي ذكرى معك.. هنا كنت تراقبني… هناك لحقت بي في عز النهار أمام أعين الناس كلها، ضحكنا، تنافسنا في من منا اكثر مخاطرة، أكثر جنونا، أكثر حبا للآخر.. وهناك، وفي زاويتنا الصغيرة، كنا نحترق، نحترق من شدة ما نحيا، من كثرة ما نعشق، من كثرة ما نموت حياة..

أجل على مساحة الكون، لا هروب ممكن، فانت معي دائما… أحمل ثقل حب قاتل في كل خلية مني.. أنا امرأة منتفخة، عملاقة، ماردة لو قاسوا حجمي بما احتويه من امتداد لك… بما أحتويه بك ومنك…

البارحة وعلى المقصلة أعدمت قلبي، أنكرت شغفي، قاطعت ذاكرتي.. وأعلنت معاهدة أبدية مع النسيان.. مع نسياني لي.. لنفسي.. فالمعاهدات لنسيانك انت تموت قبل أن تولد.. سأجربها هذه المرة علي.. سأنسى أنا، ولن اسمعها، ولن أسمح لها بأن تذكرني بي… فلا شيء أنا بقدر ما أنت أنا…

البارحة ارتكبت كل هذه المجازر… البارحة نمت على دماء حب نحرته بنفسي.. البارحة كنت إلهة القتل البارد.. البارحة انتحرت بثقة مخيفة…

واستفقت اليوم عند باب بيتك… عند مدخل قلبك.. في قلب نظرتك التي تستمتع دائما بهزيمتي.. التي تحيا وتضيىء ساعة أنسى أن أقول لا…

ريما كركي