اغتصاب الزوجة

سهير آل ابراهيم

خلال دراستي للحصول على شهادة الترجمة، صادفت عبارة وجدتها مُحيرة، لم تكن كلماتها غريبة أو جديدة علي، ولكن الحيرة كانت في نقل معناها ومفهومها الى اللغة العربية. تلك العبارة كانت Marital rape أو الاغتصاب الزوجي!

تشير هذه العبارة الى وقوع المجامعة بين الزوجين بدون موافقة أحدهما، أو بتعبير أدق؛ إجبار وإكراه أحدهما على ذلك من قبل الطرف الآخر، وفي معظم الحالات تكون المرأة هي الطرف الأضعف وهي التي تتعرض للاغتصاب.

كيف يمكن نقل مفهوم هذه العبارة الى لغتنا العربية؟ لغة مجتمع يُعتَبر فيه الجماع حقا للزوج وواجبا على الزوجة؟ ولا أريد بهذا الصدد أن أستخدم عبارة )العلاقة الحميمة(، فالإكراه يجرد تلك العلاقة من حميميتها، بل ويجردها من إنسانيتها!

يصنف اغتصاب الزوجة في الغرب ضمن قضايا العنف المنزلي والإيذاء الجسدي، وقد حددت القوانين الغربية عقوبات خاصة لتلك القضايا. قد تصل عقوبة الاغتصاب الى السجن مدى الحياة.

لم تأخذ القوانين الغربية في السابق فعل اغتصاب الزوجة بنظر الاعتبار، ولم يبرز هذا المفهوم الا بعد تزايد نشاط الحركات المطالبة بحقوق الانسان عموما، وحقوق المرأة بشكل خاص. كانت المرأة الغربية، ولقرون طويلة، تُعتبر جزءا من ممتلكات الزوج؛ ففي كتاب صدر عام 1736م، تضمن تاريخ القضايا التي عُرِضت على المحاكم البريطانية عبر فترة زمنية طويلة، كتب مؤلفه القاضي الانكليزي ماثيو هَيل ان الزوجة تسلم نفسها للزوج بموجب عقد الزواج الذي لا يمكنها التراجع عنه! معنى ذلك ان عقد الزواج كان أشبه بعقد الملكية!

ظل القانون الانكليزي وكذلك الامريكي، حتى بداية القرن العشرين، ينظم الزواج وفقا لمبدأ العصمة؛ والذي بموجبه يتم احتواء الحقوق القانونية للزوجة ضمن حقوق الزوج، بمعنى آخر تصبح الزوجة تابعة للزوج ولا حقوق لها الا من خلال حقوقه! كانت تلك القوانين تجعل الزوجة مملوكة للزوج؛ هي وكل ما تمتلك!

في عام 1707 وصف رئيس القضاة الانكليزي اللورد جون هولت اغتصاب اي رجل لزوجة رجل آخر بأنه »أقصى أشكال الاعتداء على ملكية الغير«، وكلمة الغير هنا تشير الى زوج المرأة! ولذلك فقد كان القانون يعتبر اغتصاب اي إمرأة إعتداء على ملكية زوجها او ابيها، بينما لم يأخذ ذلك القانون المرأة ذاتها بنظر الاعتبار، وهذا يوضح غياب مفهوم اغتصاب الزوجة آنذاك.

في القرن التاسع عشر، بدأت الحركات النسوية تطالب بحق المرأة في التحكم بجسدها، من حيث العلاقة مع الزوج وكذلك الحق في تنظيم الإنجاب وتحديد النسل. وباستمرار السعي نحو تلك الاهداف وجدية المطالبة بها، ظهر في ستينات القرن العشرين مفهوم اغتصاب الزوجة. حيث تم اعتبار إكراه الزوجة على ممارسة الجنس اغتصابا، وأدرج ذلك ضمن جرائم الاغتصاب التي تضع فاعلها تحت طائلة القانون.

رغم إن المطالبة بإنصاف المرأة في الغرب استغرقت زمنا طويلا، ولكنها في نهاية الأمر حققت الأهداف المرجوة، حيث تم تثبيت حقوق المرأة ضمن لوائح حقوق الانسان، ووُضعت القوانين اللازمة لضمان تلك الحقوق وحمايتها. ولكن الحال ليس كذلك في كل أرجاء العالم. فلا تزال معاناة الكثير من النساء كبيرة، ولا يزال الطريق أمامهن طويلا.

تقول المؤرخة البريطانية/ الأميركية أماندا فورمن أن الزمن الحاضر هو زمن ازدهار المرأة في الدول المتحضرة، اذ وصلت المرأة الى اعلى المراتب السياسية، ولها دور يضاهي دور الرجل في كافة المجالات الاجتماعية والفنية والثقافية والرياضية وغيرها. ولكن لا تزال المرأة في الكثير من بقاع العالم تعاني الاضطهاد والحرمان من حقوقها المشروعة التي اقرتها اتفاقيات حقوق الانسان. وتقول كذلك اننا اذا اردنا تقييم اي حضارة، فعلينا ان ننظر الى وضع المرأة فيها.

ترى ما هي الصورة التي يعكسها وضع المرأة العراقية الآن؟ وأي تقييم يستحقه المجتمع العراقي اذا كان وضع المرأة فيه هو المقياس لذلك؟

رغم اعتقادي أن الحرية لا تتجزأ، مثلها في ذلك مثل الحقوق، فلا توجد حرية إمرأة وحرية رجل، وانما هنالك حرية انسان. وكذلك الحقوق؛ فهي واحدة في الاساس ولكنها قد تختلف من حيث التفاصيل. إِلا أني أود أن أتحدث هنا عن المرأة في بلدي بالتحديد.

إن التردي المتسارع في حال المرأة العراقية في الوقت الحاضر مؤسفٌ ومُحبطٌ جدا، ولا يوجد ما يبشر بحصول تغيير يرفع الغبن عن المرأة، ويجعلها في وضعٍ يتناسب مع روح العصر. لا تزال المرأة تخضع لوصاية الرجل، سواء أكان أبا أم أخا أم زوجا. ولا بد من القول ان تمتع المرأة بحقها في تقرير مصيرها واختيار طريقها في هذه الحياة يتطلب أن تكون على درجة كافية من الوعي. واعتقد أن هذا أمر لا تستطيع تحقيقه بمفردها، فالدولة هي المسؤولة الاولى عن إقامة نظام تعليم قويم يعمل على بناء شخصية الانسان وتعليمه وتوعيته.

يتعامل النظام في العراق مع المرأة على انها مسؤولية الرجل؛ فبدلا من تسليحها بالعلم والوعي، وتهيئة فرص عمل تساعدها على الاستقلال بذاتها، وتمنحها حق الاختيار والقبول والرفض، تعاملت الدولة مع المرأة على انها مشكلة تحتاج الى حل سريع! رغم ان تحسين حال المرأة العراقية يتطلب دراسة عميقة لتشخيص سلبياته، يتبعها وضع برامج دقيقة للقضاء على تلك السلبيات، لخلق الوضع الإنساني السليم الذي تستحقه المرأة العراقية المضحية الصابرة.

اعتقد أن زواج القاصرات يمثل حلا سريعا للتخلص من مسؤولية الفتاة، وربما التخلص من كلفة معيشتها. يتم تزويج الفتاة بعمر الرابعة عشر، بموافقة ولي امرها، وهذا هو العمر الذي حدده القانون العراقي كحد أدنى لزواج المرأة )الطفلة(! ولكن خارج اروقة المحاكم الشرعية، يتم تزويج الصغيرات بعمر اصغر من ذلك بعدة سنوات! ولا أشك في جهل أولئك الصغيرات بحقوقهن الإنسانية، بل لا أشك إطلاقا بجهلهن بالمفهوم الصحيح للزواج والعلاقة الزوجية!

و من الحلول السريعة الاخرى المقترحة للتخلص )مشكلة المرأة(، تشجيع الرجل على الزواج بأكثر من واحدة. ولا أود هنا مناقشة مسألة تعدد الزوجات، فهذا أمر أقره الشرع، ضمن ضوابط لا يلتفت اليها الكثيرون!

المشكلة في قانون التعدد المقترح برأيي هي تجريد الفرد من حق وحرية الاختيار. فتقديم المغريات للرجل لتشجيعه على اتخاذ اكثر من زوجة، قد يكون شكلا من اشكال الاجبار. فقد يلجأ الرجل للزواج مرة اخرى بهدف حل مشاكله المادية، ودفع شبح العوز والحاجة عن أسرته، ولكن ذلك الحل قد يضاعف من حجم مشاكله المادية على المدى البعيد، عندما يبدأ حجم أسرته بالتزايد! ومن ناحية اخرى اعتقد أن تعدد الزوجات يقهر المرأة ويدفعها الى التنازل عن الكثير من حقوقها، ان كانت لها حقوق!

لا أستبعد تعرض الكثير من الزوجات في بلدي الى الاغتصاب، فذلك فعل يصاحب وضع المرأة المتدني. ولكني لا اعتقد اننا نستطيع محاربته قبل القضاء على كل الممارسات الاخرى التي تبخس حقوق المرأة وحريتها وقيمتها الانسانية.