المسرح حركة الحياة

نعيم تلحوق

من حق الشباب اللبناني علينا أن نقدّم له الامكانيات المتاحة في سبيل تحصيل قدراته وتحفيز مواهبه، وقد يكون الواقع الثقافي اللبناني أكثر مغايرة لأحوال الثقافة في العالم العربي، فلبنان مسرح الفكرة والصورة في آنٍ واحد، حيث يرسم المشهد الثقافي لغة التعبير الحي والحس النقدي والفكري وتتبلور اتجاهات مختلفة وعناصر متمازجة ومغايرة في آن لتشكيل نسيج لبنان الذي هو نطاق ضمان الفكر الحر…

ولأن الشباب هم نقطة الارتكاز في العمل الثقافي، يحدونا الأمل الدائم بأن نُسائل أنفسنا: هل العولمة والقرية الكونية تسعى لإبادة الفن واللغة والحياة، العفوية والبساطة؟

سؤال برسم المعنيين من المؤسسات الثقافية الناشطة ومؤسسات المجتمع المدني، التي لها وحدها حق ابتكار الأفكار والحديث عن حياتنا المعاصرة، رغم أن التكوين الطائفي الساذج لكيانٍ كلبنان يسعى أن يكون وطناً لا أفضلية فيه لطائفة على أخرى، ولمواطن على آخر إلآ بقدر ما ينتج غلالاً من فكرٍ وصناعة وثقافة، وهو ما نحرص عليه جميعاً ليكون لبنان المنتج إدارةً وصناعة ثقافية، وهذا ما يتعشّمه كل المواطنين الشرفاء أن يحصلوا عليه ودون منّة من أحد…

لا مواطنة خارج الإبداع ولا ثقافة دون تغيير وتطوّر لحياتنا… وإذا تنظّرنا أكثر في واقعنا لوجدنا أن روحاً جديدة تولد من رحم هذه الأرض، هاجسها التغيير والإصلاح والمعرفة السليمة والواضحة… لكن الاستجابة والفهم أكثر صعوبة من الإرادة في كثير من الأحيان…

وإذا كان هناك محاولات لدعم القطاع المسرحي والسينمائي والفني في لبنان من ضمن موازنة وزارة الثقافة الضئيلة التي لا تشكّل 018 من كامل الموازنة العامة، فعلينا أن نحرص على تشجيع ودعم النشاطات والمؤسسات الثقافية الفاعلة بهدف تحقيق غرض التطوير وعصرنة العقل، ونعرف جميعاً أن الثقافة دائماً بحاجة الى أموال ودعم مادي ولوجستي، بغية مساعدة العقل لتطوير نفسه… وهو مايجب أن يقوم به دائماً المجلس النيابي والحكومة، في سبيل زيادة مخصّصات الدعم التي تخصّ الأدب والمسرح والسينما والتشكيل الفني… لأن بناء الانسان أهم من بناء الحجر في سياسة الأوطان الكبيرة…

أوجّه التحية لكل الشباب اللبناني الواعد الذي نحرص معه على بقاء حبّه للثقافة والفنون الإبداعية والمتعلّق بأرضه، أن تثمّر جهوده في البقاء رغم الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان في محاولة أخيرة لبناء وطن المعرفة…

حساب

كنت أرتدي جسدي،

حين بدأتُ بتدوين الخرافة،

بين الماء والهواء،

لألحظَ سرّ الخلق…

مساحة عمري ضيقة،

ووجهي قصير على المكان،

كي أدفن جثتي الغائبة…

،،،،

أدمنني الصراخ بين كفّيك،

ولا زلت أتوق لرواية عائبة،

أتعلم فيها نهش الموعظات،

انتهاك الأسرار،

جَمْعَ الفصول،

بحفنة خائبة،

علّني أقيكَ بردَ حظي،

وحريق سمعتي التائبة…

،،،

أخذني الليل إلى يديّ،

لأتعاطف مع شهوتي،

لأقطع حبل النوم بمقصّ أحلامي،

التي انتظرت ولادة الرغبة

من صرّة عينيّ،

لكن سكوناً أوقع المئزر

من ذاكرتي،

ومضى إليّ،

يصفّي ما تبقّى من نهود،

كانت قد إستلقت عليّ…

من أجل خطة للنهوض الثقافي

من الضروري الاعتراف أن أي جهد معرفي يقدّم على مستوى الفكر والأدب، لا بدّ أن يقابله فهم موضوعي ذهني وروحي، على مستوى الطبيعة البشرية، وهذا يحتاج الى مجتمع حاضن يكون جاهزاً، لتلقف الأفكار قبل الأحداث…

لكي تنشط الفكرة الابداعية وتتمثل، عليها أن تجد مكاناً صالحاً، للترويج، وهو السوق الثقافي، حيث البنى التحتية تكون مساعدة وحاضرة، والنشاط الذهني يكون جاهزاً لتلقف المنتج الابداعي، على صعيد وعي الذات، وتثمير الأدوات في خدمة العقل البشري…

الابداع يأتي من الغنى، لا الثراء، الغنى المعنوي والفكري والمادي وعدم التهميش… فمن العذاب بمكان أن تكتب لمن لا يقرأ، وأن تنتظر من لا يأتي، وأن تحب من لا يشعر بوجودك، وأن تحتاج من لا يحتاجك، فكما العين التي لا تبكي لا تبصر شيئاً، كذلك الفكر الذي لا يُبدع لا يعني شيئاً…

أن ترسم خارطة طريق ثقافية تبدأ بالكتاب، حيث هو حصة الثقافة الأول، ثم المناقشات أو الحوار، فالتواصل الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي هو ما يحدد هويتك ورؤيتك…

إن من يقوم بالعمل الثقافي، المجتمع المدني بالتأكيد، لا ثقافة خارج وحدة الحياة.. ووزارة الثقافة جهة ترعى وتساهم وتشارك، مثلها كسائر المؤسسات الثقافية الانتاجية، لكنها تمتاز عن غيرها من المؤسسات بالتالي:

تشتري الكتاب من المؤلف، وتوزّعه على المكتبات العامة الشريكة والخاصة والمدارس والجامعات بطلب من الجهات المعنية… وتحثّ الكاتب على المشاركة المحلية والدولية، عبر اتصالات بين الادارات والجهات الدولية ذات الصفة، الخاصة منها والرسمية…

تجري الوزارة كل سنة مسابقة الشعر والقصة القصيرة، التي تحفّز الشباب اللبناني ذ الثانوي والجامعي- وتمنحهم الجوائز التشجيعية وهي عبارة عن جوائز معنوية ذ الشهادة ذ الدرع ذ مجموعات الكتب – لتحفيزهم على الانتاج، وتحويل أنظارهم الى مكامن الابداع لديهم والتعبير الذي يرتقي الى مستوى أدب الحياة…

إصدار كتاب سنوي في الأعمال العشرة الأولى الفائزة في المسابقة وتوزيعها على المدارس والجامعات…

إصدار مجلة فكرية تسعى الى تشجيع الشباب اللبناني في نشر مشاركات ناضجة لمعالجة مواضيع وأفكار قديمة وحديثة وجريئة، واستثمارها في ترشيد الخامات الثقافية الابداعية، وتنمية القدرات التوعوية لدى العامة من الناس…

المشاركة في المعارض المحلية والدولية، وليس آخرها معرض الكتاب الدولي الذي سيقام في تونس وقبله الشارقة والجزائر حيث لبنان ضيف شرف في مثل هذه المعارض التي تتحول إلى تظاهرة ثقافية وأدبية…

العمل على:

إقامة الندوات والمؤتمرات وورش العمل، والسعي الى تأسيس ذاكرة وطنية عبر خارطة ثقافية، وبالتعاون مع البلديات والاماكن الثقافية لبيوتات ومناطق ومحطات عمالقة الأدب والفكر في القرن العشرين ذ أدباء روائيون صحافيون رسامون وموسيقيون- إلخ…

تسمية الشوارع بأسماء مبدعين لبنانيين والساحات العامة في البلدات التي نشأوا فيها، بدل أسماء مستعمرينا في المدن اللبنانية…

إصدار كتاب الجَيب Pocket Book وهو عبارة عن خمسة آلاف كلمة يعالج موضوعاً واحداً، يمكن أن يقرأه اللبناني من خلال ركوب الباص أو السرفيس من الحمرا الى البربير في عجقة السير، أو الطائرة ويكون محلاً لذيذاً لإعادة الاعتبار للقراءة من خلال كتاب الجَيب…

إقامة مهرجان سنوي باسم مهرجان الربيع الثقافي، يشارك فيه مفكرون وأدباء وسينمائيون وباحثون على مستوى العالم العربي، ويخرج بتوصيات من خلال كتاب يصدر كل عام عن نشاطات المهرجان ويكون لمدة أسبوع كامل…

الى ذلك، دور الوزارة في دعم ومتابعة المنتديات والنشاطات الثقافية في المناطق والأماكن العامة. طبعاً كل ذلك يتطلب موازنة تليق ببلد الحرف وقدموس كما تقول الأسطورة، وأول جامعة حقوقية في التاريخ، وأن تعيد الدولة اعتبار وزارة الثقافة وزارة سيادية، لا حقيبة شاغرة لسدّ نقص في المنظومة السياسية للدولة… فالحيوية يصنعها توفير الإمكانيات اللازمة لبلورة مشروع ثقافي يليق بالقدرات الكثيرة التي يحتويها لبنان… والنظام السياسي في لبنان بحاجة الى تشريعات جديدة لمواكبة العصر، كي لا نقع في فلك الروتين الإداري الذي أسسته الدولة العثمانية.. ولم تزل أذياله تجرّ علينا حتى يومنا هذا…

دعم المتاحف الثقافية الخاصة )أدب ذ تشكيلي ذ مسرح( واعتبارها جزءاً من الانتاج الوطني.. الذي يستوجب دعماً ولو بُني بمجهود فردي خاص…

زيادة المساعدات المالية المقدمة الى الفنانين والكتّاب، من خلال توفير المنح والاعفاءات الضريبية، ودعم العمل الابداعي عبر مسابقات تقدم فيها جوائز مالية لتفعيل العمل الانتاجي على صعيد الادب والفكر والفن…

   هذه هي بعض النقاط التي يمكن أن تعزز وتفيد من أجل التنمية الثقافية في لبنان…

المقاومة والتحرير

للتحرير عيدٌ اسمه الشعر، وهو أبهى مشتقّات الحريّة.. لأن الشعر إبداع وحركة، نهضة وإرادة، توجُّس وفَهم، انعتاق وذروة، ثورة وعنفوان.. نعم إنه ثروة حضارية لشعوبٍ ترفض الذُلَّ والهوان والاستسلام، ولأمّةٍ ترفض أن يكون القبرُ مكاناً لها تحت الشمس..

وللمقاومة عرسٌ اسمه الكلمة، ليصول بيرقها ويجول لتحمل مشعل الحق والحرية راية عزٍّ في وجه الظلام والتخلّف والأنانية…

وللعيد فرحة الحاضر حيث يتحرّر المعنى من ماضيه ليضعنا أمام حقيقةٍ واحدة وهي العيد الذي نشهد فرحته ونحن أحياء، سيّما وأننا اعتدنا على أن نعيِّد في أوقاتٍ لم نعرفها ولم نشهدها ولم نكن وُلدنا فيها… لكننا اليوم ولأول مرّة في تاريخنا نحتفل بعيدٍ شهدنا ووقفنا عليه لنعرف حقيقة الفرح، بعد تعبٍ وقهرٍ وتضحيات في سبيل أرضنا ووطننا…

وربما يأتي الشعر ليكوّن الخلاصة معكم في الجمعية اللبنانية للفنون ذ نادي أدب المقاومة، بأن لكل أرضٍ سماء تهزج بأغاني الحياة والحب والإنسانية… وقد اجتمع شعراء قلبٍ من لبنان ودولٍ عربية شقيقة ليضيفوا على هذا اللقاء فرحة المشاركة الصادقة في تألقٍ ساطع لمعنى حقيقي يتجسَّد…

كل عام ولبنان منبر الشعر والأدب والحياة، بلا أمراض مذهبية وطائفية…