المقدم المقدام

معن بشور

رحل المقدم المقدام محمد سليم بعد عمر مديد امضاه بصمت في خدمة شعبه ووطنه وجيشه….

فقلة من اللبنانيين يعرفون كيف توجه هذا الفارس القادم من عكار في شمال لبنان إلى قلعة الشقيف في جنوب لبنان ليعيد مع ثلة من رفاقه البواسل تشكيل جيش لبنان العربي بعد اعتقال قائده الراحل احمد الخطيب مطلع عام 1977 وعدد من زملائه في واحدة من لحظات سوء التفاهم الصعبة بين القيادة السورية وقوى وطنية لبنانية وفلسطينية….

يومها قال لنا المقدم سليم )رحمه الله( ومعه المناضل المغدور محمد الختيار )طارق اسعد(رحمه الله:س لا يجوز ان تقتصر مواجهة سعد الحداد في دويلته في الشريط الحدودي بقوات الثورة الفلسطينية أو الاحزاب اللبنانية… لا بد من مواجهته بجيش لبناني ما دام هو يستغل صفته العسكرية لخدمة اعداء الوطن…س.

ذهب المقدم سليم إلى ثكنة النبطية ليعيد اطلاق جيش لبنان العربي بعقيدته الوطنية التي تعتبر ان للبنان عدوا واحدا هو العدو الصهيوني، وهي العقيدة التي تم اعتمادها بعد اتفاق الطائف )1989( وسهر على تنفيذها اول قائد للجيش بعد ذلك الاتفاق هو العماد اميل لحود….

كان محمد سليم ورفاقه حريصين على كرامتهم كأفراد، وعلى استقلاليتهم كمؤسسة، وعلى مشاركتهم في مواجهة كل عدوان صهيوني على لبنان، فاستحق احترام وتقدير كل من واكب مسيرته وأمتحن اخلاقه وخبر طيبته ورجولته….وحين عادت الدولة الى الانتظام كان المقدم اول من وضع نفسه بتصرف الجيش والدولة مؤكدا انه ما كان يوما بعيدا عنهما عاملا من اجل قيامهما ورفعتهما….

رحل محمد سليم بصمت وهدوء… لكنه باقٍ دائماً في ضمير كل لبناني حر، وكل عربي شريف، وكل مقاوم يرى فيه رائدا من رواد المقاومة…

على طريق القدس

    خلال اجتماعنا في مجلس ادارةمؤسسة القدس الدولية التي تضم عاملين ومقاومين من اجل القدس وفلسطين، عادت بي الذاكرة الى يوم تأسيس هذه المؤسسة الدولية لتسهم في دعم صمود المقدسيين بعد انتفاضة الاقصى المبارك قبل اكثر من 16 عاما، ولتضم شخصيات وقوى من كل اقطار الوطن العربي والعالم الاسلامي وممثلين عن تيارات الامة ومكوناتها.

   شعرت فعلا بأهمية الشعار الذي التقينا في ظله: »القدس تجمعنا…نحميها معا ونستعيدها معا«والذي صمدنا به ومعه رغم كل الزلازل والعواصف الدموية التي المت بنا، وما تزال، لنشكل نواة مصالحة تاريخية بين اقطار الامة وداخلها تسقط تلك »المصالحة التاريخية« مع العدوالتي دعت اليها قمة البحر الميت…

طبعا كانت انتفاضة الاسرى، حاضرة في الاجتماع، لتتكامل مع انتفاضة المسرى )القدس(المستمرة منذ 17 شهرا…..

اتبعوا الحق الفلسطيني فهو يحرركم ويوحدكم ويخرجكم من المحن المفروضة عليكم…

كرامتان

    بين معركة الكرامة التي خاضها ثوار )فتح( بقيادة الرئيس الشهيد ابو عمار في 22/3/1968، وانتفاضة الكرامة التي يخوضها اليوم اكثر من 1500 اسير ومعتقل في سجون الاحتلال بقيادة القيادي الفتحاوي المناضل مروان البرغوثي اكثر من شبه….

في معركة الكرامة كان ظلام الهزيمة والاحباط بعد حرب 1967 يخيم على الأمة العربية ويطلق العنان لكل مشاريع الاستسلام والخنوع على المستويين الرسمي والشعبي، حتى جاءت معركة الكرامة التي خاضها الفدائيون الفلسطينيون مع الجيش العربي الاردني لتضيء الروح القومية العربية بأشعة من امل وثقة بالنصر، بل لتجعل القائد الخالد الذكر جمال عبد الناصر، وهو الجريح بعد حزيران 1967، يقول »المقاومة الفلسطينية وجدت لتبقى وستبقى«….

وانتفاضة الكرامة اليوم المتكاملة مع انتفاضة القدس الشبابية المستمرة منذ 17 شهراً، تأتي في اجواء ظلام الفتنة الدامية المخيم على أكثر من قطر عربي، لا سيّما في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر، لتشعل شمعة الكرامة ولتعيد تصويب البوصلة بالاتجاه الصحيح وتقول زان المعركة الحقيقية كانت وستبقى على ارض فلسطين وبمواجهة عدو احتل الارض بالدعم الاستعماري ويسعى لاحتلال الارادة باثارة الفتن والنعرات على انواعها واشاعة الاحتراب داخل اقطار امتنا وبينها….س.

وكما نجحت معركة الكرامة، التي استطاعت فيها زفئة قليلة زان تهزم بإذن الله عدواً مدججاً بكل انواع السلاح، ان تدخل الأمة كلها في عصر المقاومة الذي نعيش فصوله المتلاحقة حيثما هناك احتلال، فان انتفاضة الكرامة بأسراها الابطال ستنجح في التأكيد على ان في فلسطين شعبا يأبى الخنوع والاستسلام، ويواصل مقاومته منذ اكثر من قرن دون توقف…

انها الكرامة Dignity التي لا يفهم معناها الحقيقي لا العدو الصهيوني ولا المستعمر الغربي، ولا ادواتهما المنتشرة في ربوع وطننا العربي.

كلمة مؤثرة

كم تأثرت بكلمة سمعتها من الرئيس العماد اميل لحود خلال لقائنا الشهري معه، الاخ بشارة مرهج وانا، حين قال: ايعقل ان يجد لبنان نفسه بعد ان هزم الصهاينة بالتحرير وردع العدوان وافشل الهيمنة الاميركية امام قانون انتخاب يعزز المذهبية فيه بعد ان فعلت الطائفية ما فعلته فيه…

أربعينية نقيب التواصل

نلتقي في دارة النقيب الراحل محمد البعلبكي لنحيي ذكرى مرور أربعين يوماً على رحيله راضياً مرضياً إلى دار الحق… ولنؤكد كم هو كبير إحساسنا بفقدان الرجل الكبير الحاضر، على مدى عقود في قلب كل مبادرة وطنية أو قومية أو إنسانية، ثقافية أو إعلامية أو اجتماعية… بل إحساسنا بفقدانه في هذه اللحظات التي يتخبط فيه وطننا في ظل ثنائية »التقاسم أو الانقسام« التي يفرضها علينا المتحكمون بأمور بلادنا.

ويزداد إحساسنا بهذ الفقدان مع دخول انتفاضة الأسرى وإضرابهم عن الطعام يومها الثالث عشر، يوم كان النقيب صوتاً هادراً من أجل الحرية وفلسطين في كل محفل أو منبر أو وقفة تضامنية.

كان النقيب ملحنا وماءنا في كل يوم… رحمه الله.

تلازم القضيتين

كما تضامنت طرابلس مع أسرى الحرية في انتفاضة الأمعاء الخاوية وهي تدخل يومها 13، عبر لقاء حاشد في دارة المناضل الكبير د. عبد المجيد الرافعي، فهي تكرم في الندوة الشمالية بمناسبة )الأول من أيار( ثلة من العمال الذين أمضوا العمر في العطاء لبلدهم ومجتمعهم واقتصادهم، مؤكدة بذلك تلازم النضال الوطني والقومي مع النضال النقابي والاجتماعي…

وإذا كان المعتقلون في سجون الاحتلال أسرى النضال من أجل الحرية والكرامة… فعمالنا وسائر الطبقات الشعبية هم أسرى الفقر والجوع والاحتكار والاستغلال والفساد، بل قادة النضال من أجل العدالة والكرامة الإنسانية.

وكما أن الحرية لا تتجزأ، فالعدالة أيضاً لا تتجزأ… فالحرية هي عدالة سياسية، والعدالة حرية اجتماعية…