لبنان وديع الصافي

إذا أردنا أن نحتفل بعيد ميلاد وديع الصافي، فنحن لا نقيسه فسنوات عمره التي عاشها، بل بامتداده الروحي في الزمن الذي لا يغلبه وقت ولا تضيّعه السنون والأيام… نحتفل بعيد وديع الصافي الآن، لأنَّ وديع الصافي من عمر لبنان…

نتكرِّم وأصحاب الدعوة حين نذكر وديع الصافي… هو صخرة الفن، وسيّد اللحن، وهو من عمالقة الطرب في لبنان والعالم العربي، هو مدرسة في الغناء والموسيقى، اقترن اسم لبنان بإسم وديع الصافي، وجباله راحت تردِّد صرخة العزّ، في شموخٍ وعنفوان، لتؤكّد أنَّ لبنان عصيٌّ على الزوال… مهما جرّحته المِحَن وانتابته الويلات…

وديع فرنسيس، صار وديع الصافي لصفاء صوته، هكذا قرّرت اللجنة الفاحصة المؤلفة من ميشال خياط وسليم الحلو وألبير ديب ومحي الدين سلام، في إذاعة الشرق الأدنى التي كان لها الأثر الكبير في تكوين شخصية وديع الصافي الفنية، فشقّ معها وبعدها طريق الفن مع الأغنية اللبنانية، فكان الرائد في ترسيخ قواعد الغناء اللبناني وفنّه…

قال محمد عبد الوهاب »من غير المعقول أن يملك أحد هكذا صوت« حين سمع وديع الصافي يغنّي أوائل الخمسينات إحدى أغنياته »ولو« المأخوذة من أحد أفلامه السينمائية، فلُقِّب بصاحب الحنجرة الذهبية، فابتكر »المدرسة الصافيّة« في الأغنية الشرقية…

 إنَّ الدعوة الى تكريم الصافي، دعوة لتكريم لبنان الإبداع والفن الأصيل، سيّما وأننا عشنا مرحلة العصر الذهبي للبنان مع عمالقة الفن، كفيلمون وهبي والأخوين رحباني، وزكي ناصيف، ووليد غلمية وتوفيق الباشا، وسامي الصيداوي، وعفيف رضوان… هؤلاء الكبار الذين يأتي غيابهم تجسيداً لوحدة الحياة التي نؤمن، وحضوراً فاعلاً للحياة الجديدة، ولأنَّ الرحلة لا تنتهي مع عملاق كـ وديع الصافي ولأنّ لبنان بمواهب وقدرات أبنائه لن يخشى برد التعصّب والجهل والتقوقع، فإنَّ شارعاً يجب أن يحتضِن اسم وديع الصافي وعمالقة آخرين وتتحوّل منازلهم إلى متحفٍ للفنِّ والإبداع والجمال…

لن أُكثر الكلام.. سأقول لكم نحن في حضرة لبنان، ولا أعرف إذا كان مسموحاً لي القول كما قال أحدهم : » لبنان بلد لا بيعيش ولا بيموت »… لا يعيش لأنه مليء بالطائفية ولا يموت لأن فيه من أمثال وديع الصافي…