بريطانيا تكتشف التطرف يترعرع في ربوعها وخطط لتغيير استراتيجيات مواجهة العنف

محمد قواص *

بات الإرهاب في بريطانيا جزءا من عاديات العيش في شوارع وأحياء البلد. وما تعرضت له البلاد خلال الأسابيع الماضية، والذي يفترض أن يكون استثناء عرضيا عابرا، تحول إلى هاجس الأجهزة الأمنية، وأصبح من أولويات الطبقة السياسية برمتها. كان واضحا أن الخروج من الاتحاد الأوروبي لم يكن المحدد الوحيد الذي حدد خيارات الناخبين البريطانيين في الانتخابات التشريعية الأخيرة في 8 حزيران / يونيو الماضي، أطل ملف مكافحة الإرهاب بقوة ليؤثر مباشرة على مزاج البريطانيين الذين اكتشفوا أن »جزيرتهم« الكبرى لا تعيش بعيدا عن مخاض الشرق الأوسط، وأن للإرهاب البعيد صدى في قلب حاضراتهم.

لم يعد الأمر يعامل بصفته أحداثا عابرة، فعندما تكثر »الذئاب المنفردة«، كما يطلق على هذا النوع من العمليات الذي ضرب لندن ومانشستر وقد يضرب مناطق أخرى، فذلك يعني أن الإرهاب أصبح جماعيا حتى لو كانت ممارسته تأتي منافية لقواعد الإرهاب التقليدية في التنظيم والتسلح والتخطيط والتنفيذ. وعندما تتكرر الاعتداءات الإرهابية في بريطانيا فإن سؤالا عاجلا يطرح نفسه: لماذا بريطانيا؟

الارهاب بات من يوميات العيش البريطاني
الارهاب بات من يوميات العيش البريطاني

على أن الحكمة تقتضي ألا يستغرق المراقب كثيرا في الحفر وفق رؤية »مؤامراتية« تروم استنتاج أغراض أخرى، من خلال المكان والزمان، تختلف عن أغراض الإرهاب الحقيقي في تقويض كل النظام المجتمعي والسياسي خارج البيئة التي ينطلق منها. فمنذ »الفرقة الناجية« يعامل الإرهابيون البشرية خارج تلك الفرقة بعقيدة لا تفرق بين عرب وعجم وبين كبير وصغير ولا بين الأعراق والجنسيات والهويات.

من نفذ اعتداءات السبت في لندن لا يختلف في عقيدته وجذوره الفكرية عن أولئك الذين نفذوا تلك في 11 سبتمبر الشهيرة كما تلك في المدن العربية والاسلامية كما تلك التي استباحت دم الأقباط في المنيا مؤخرا.

وما يختلف بين كل جريمة وأخرى يكمن في هوية المنفذين ووسائل تلك الجريمة وأدواتها. وبالتالي فإرهابيو تنظيم داعش كما أولئك التابعون لتنظيم القاعدة أو الجماعات المحلية التابعة للبغدادي والظواهري، لا يسعون لحرب بين شرق وغرب، ولا لجهاد المسلمين ضد الأمم الأخرى، بل يعملون على خلق حالة عبث وفوضى في أي مجتمع يعيشون فيه، ويسعون إلى تدميره بصفته وجودا كافرا يتناقض مع البيئة »الإيمانية« التي يروّجون لها أساسا لدولتهم »الاسلامية« الفاضلة.

على أن تلك الجماعات التي نتجت عن أورام كبُرت ونمت مترعرعة من اضطراب سياسي اقتصادي يجتاح الشرق الاوسط، والتي وجدت فضاء رحبا لها منذ الفوضى والفراغ اللذين سببهما »الربيع العربي«، تحركت في بريطانيا مستغلة خصوصية في مضمون وشكل المنظومة الملكية البريطانية وأدواتها، بحيث استفادت بحدود قصوى من روحية التشريعات المعمول بها في هذا البلد، والتي، ووفق فلسفة تعدد الثقافات ونموذج العيش وفق هذه التعددية، أتاحت تنامي شبكة من المنابر والمساجد والجمعيات ووسائل الإعلام التي كثرت داخلها ظواهر التشدد كما مظاهرها.

وعلى الرغم من استغراب كثير من المسلمين القاطنين في بريطانيا أو الزائرين لهذا البلد قبول السلطات بسلوكيات ومشاهد تشي بالتشدد والتطرف، وقد باتت محظورة داخل الدول الاسلامية نفسها، فإن الحكومات البريطانية المتعاقبة تعاملت مع الامر بصفته أعراضا تتصل بحرية التعبير وحرية المعتقد طالما أنها لا تشكل تهديدا مباشرا وملموسا.

وعلى الرغم من تفاخر بريطانيا بنظامها التشريعي والسياسي المتسامح مع تعايش البريطانيين داخل فضاءات اجتماعية متعددة، فإن لندن استفاقت قبل سنوات على حقيقة أن عدد البريطانيين المقاتلين في صفوف داعش هو الأكبر مقارنة بالمقاتلين الذين صدّرتهم دول أوروبية أخرى، كما استفاقت على حقيقة أن التسامح في احترام الثقافات والخصوصيات أفضى إلى تخصيب مريح لفكر التكفير والتشدد والتطرف والارهاب الذي خّرج مئات من الجهاديين يتم تصدير جلّهم نحو »أرض الإسلام« فيما ينشط آخرون محليا وفي الوقت المناسب في »أرض الكفر«.

تكشف هويات الإرهابيين عن حقائق جديدة تتعلق بديناميات الإرهاب وآلياته وحوافزة. إرهابيو »لندن بريدج« يعيشون في بريطانيا وتعرفهم أجهزة المخابرات البريطانية، ولم يستطع العيش الأوروبي الغربي البريطاني ثنيهم عن ممارسة التطرف وارتكاب الجرائم.

الارهابيون لم يأتوا من الخارج بل عاشوا في البلدان الغربية
الارهابيون لم يأتوا من الخارج بل عاشوا في البلدان الغربية

والمعلومات المتعلقة بمنفذ عملية مانشستر الانتحارية في أيار / مايو الماضي تختصر خلاصة الاشكالية البريطانية التي تستنتجها لندن هذه الأيام وتقرّ بها رئيسه الحكومة تيريزا ماي. تروي المعلومات أن المنفذ ترعرع في بريطانيا وهو إبن ليبي كان قياديا داخل »الجماعة الاسلامية المقاتلة«، وهي تشكيل تابع لتنظيم القاعدة كان يعمل ضد نظام معمر القذافي، وأن هذا الوالد عاد إلى بلاده بعد سقوط النظام وبقي وفيا لمعتقداته كما لتنظيمه، بما يعني أن »الحقبة البريطانية« لم تغير من قناعات الرجل ولا أثّرت في الخيارات التربوية المتعلقة بأبنائه، كما أن تلك الحقبة نفسها أتاحت دون عائق قانوني كبير انتاج التشدد داخل العائلة لدرجة خروج إرهابي ينشد الجنة عن طريق قتل البشر والفرح في قاعة للعروض الموسيقية.

ولا يمكن تحميل بريطانيا مسؤولية ظاهرة عالمية عابرة للحدود. المعضلة شائكة معقدة متعددة المداخل بحيث لا يمكن اختصارها.

بيد أن هذا البلد الذي عبّر استفتاء الخروج من الاتحاد الاوروبي منذ عام عن انقسام مجتمعي داخله وتصدّع في منظومة القيم السياسية والاجتماعية التي ينتهجها، يواجه في الأسابيع الأخيرة محنة الإرهاب بصفته نتاج سياق قديم في التعامل مع ظواهر الاصولية من جهة، وبصفته يتجاوز قدرات ومواهب أجهزة الأمن الشهيرة بنجاعتها وفعاليتها وتقدمها مقارنة بكبريات الأجهزة الدولية.

ومن ذلك التصدع تتسرب محنة تعايش بريطانيا مع الاسلام والمسلمين بنسخة القرن الواحد والعشرين. بريطانيا حريصة على اعتبار نموذجها السياسي الثقافي الاجتماعي متفوقا، بما في ذلك قدرته على »دمج« الاسلام بصفته مكونا طبيعيا تحت التاج الملكي البريطاني. وحريصة على تسويق هذا التفوق بصفته مسوغا لقرار البريطانيين »هجرة« الاتحاد الأوربي والخروج من »سطوة« بيروقراطيي المفوضية الأوربية في بروكسل. لكن سلسلة الاعتداءات الارهابية التي شهدتها البلاد مؤخرا عجّلت في تكبير شقوق هذا التصدع إلى درجة أن تيريزا ماي، التي خاضت انتخابات مفصلية، تدعو إلى كثير من »المراجعة«.

ولطالما تنافس نموذج التماثل والاندماج في العالم الغربي مع نموذج التعدد الثقافي المجتمعي المعمول به في دول كبريطانيا والولايات المتحدة. لا يبدو أن »التماثلية« قد نجحت ولا يبدو أن »التعددية« بالمعنى الانغلوساكسوني قد صمدت بعد حدثيْ ترامب رئيسا والبريكست. وعليه فإن المراجعة التي تدعو إليها ماي في عمل أجهزة الامن ستنسحب على فلسفة التعايش البريطاني نفسها.

يكفي تأمل تغريدات البريطانيين أنفسهم على موقع تويتر بعد دقائق على شيوع نبأ الاعتداءات في مانشستر أو لندن لاستنتاج الانقسام في فهم جريمة تستهدف البلد وناسه. يتراوح مزاج البريطانيين في تلك التغريدات بين تحميل المسلمين وزر الإثم وبالتالي الدعوة إلى رفع الاسوار في وجههم، وبين تبرئة الاسلام من تلك الجريمة والتذكير بأن 99 بالمئة من ضحايا هذا الارهاب هم من المسلمين. وفي هذه التغريدات أيضا سجال بريطاني بريطاني يقف إسلام اليوم مشدوها عاجزا عن المقارعة داخله.

بريطانيا تريد قطيعة مع الفكر التكفيري المتشدد
بريطانيا تريد قطيعة مع الفكر التكفيري المتشدد

نعم بريطانيا تراجع نفسها وهذا بديهي في تطور الديمقراطيات. تبدو تلك المراجعة حتمية للتعامل مع ظاهرة واردة من بيئة إسلامية يكثر فيها ضجيج المراجعات دون حجيج كثير. تقف المراجع الاسلامية موقف المدين والمستنكر لتلك الجرائم تماما كما هو موقف المراجع غير الاسلامية. تعتبر مراجع المسلمين أن الارهابيين لا يمثلون الاسلام، فيما لا يعرف العامة في العالم من يمثل هذا الاسلام. فإذا ما تقصد إرهابيو بريطانيا الضرب في الأماكن الشهيرة التي تجعل من إسلامهم أكثر شهرة في العالم، فإن ممثلي »الاسلام الصحيح« مجهولون لا يفقه العالم لشأنهم ولا يدرك صدق وقعهم. وإذا ما كان الارهابيون ينهلون ببساطة من فقه الاسلام والمسلمين، فإن المراجعة المفقودة ما زالت ترتبك أمام تراث عاث فيه الزمن تشويها، بحيث باتت »صحة« الدين وجهة نظر لا يمكن للعالم أجمع أن ينتظر قرونا أخرى قبل أن يتفق أهل الدين الحنيف على ما هو صحيح مما هو زيف دخيل على متن الدين وهوامشه.

قد يجوز الاعتقاد أن بريطانيا ومنذ اعتداءات 7 يوليو 2005 الشهيرة قد قطعت مع سياسة الاحتواء التي اعتمدتها مع »الجماعات«، فسجنت وسلّمت وأبعدت وجوه الجهاد ونجومه في ديارها. وقد يجوز الاعتقاد أن لندن تقطع مع تكتيك استخدام الدين في السياسة الخارجية باتجاه المراجعة التي تطالب بها ماي. على أنه لا عذر يحول دون قيام الاسلام بمراجعة نفسه وتعديل أداء وجوهه وتنقية هوامشه ونصوصه. والمهمة سهلة، ذلك أن تلك الجماعات لا تدعي العمل من أجل تحرير فلسطين وهي غير معنية بتصفية حساب مع الاستعمار القديم ولا شأن لها بإقامة الديمقراطيات وإطلاق الحريات على النحو الذي لطالما أقلق عتاة الحكم كما عتاة الدين.

هؤلاء الارهابيون حانقون ببساطة على »الاسلام الصحيح« الذي تدّعيه المراجع الرسمية للمسلمين، وبالتالي فإن حقيقة الصراع هي داخل هذا الدين. وإذا ما كان الأمر حربا، فحري للمدافعين عن الدين في سماحته ووسطيته واعتداله أن يشهروا أسلحة الحرب وخوض تلك الحرب بالفعل، لا بالقول وكثرة بيانات التنديد.

المهمة صعبة رغم أنها باتت من ضرورات الوجود. لم يعد مقبولا أن يترعرع الإرهاب في بيوتنا وأحيائنا ينهل من ثقافة وتراث وسلوكيات تقتات من كسلنا وخمولنا وعجزنا عن تطوير الفكر المتوارث منذ قرون. أما وقد أجرى الغرب مراجعاته الدينية والتزمت الأديان والمذاهب بشروط وقواعد الدولة في عقدها الاجتماعي الحديث، فحري على مراجع الدين والفقه في ديارنا أن تقدم على هدم البدع التي تفتك بجوهر الدين وهدم الفكر الذي ران على روح الدين والحنيف وخصاله.

على الرغم من تفاخر بريطانيا بنظامها التشريعي والسياسي المتسامح مع تعايش البريطانيين داخل فضاءات اجتماعية متعددة، فإن لندن استفاقت قبل سنوات على حقيقة أن عدد البريطانيين المقاتلين في صفوف داعش هو الأكبر مقارنة بالمقاتلين الذي صدّرتهم دول أوروبية أخرى، كما استفاقت على حقيقة أن التسامح في احترام الثقافات والخصوصيات أفضى إلى تخصيب مريح لفكر التكفير والتشدد والتطرف والارهاب الذي خّرج مئات من الجهاديين يتم تصدير جلّهم نحو »أرض الإسلام« فيما ينشط آخرون محليا وفي الوقت المناسب في »أرض الكفر«.

إذا ما تقصد إرهابيو بريطانيا الضرب في الأماكن الشهيرة التي تجعل من إسلامهم أكثر شهرة في العالم، فإن ممثلي »الاسلام الصحيح« مجهوليون لا يفقه العالم لشأنهم ولا يدرك صدق وقعهم. وإذا ما كان الارهابيون ينهلون ببساطة من فقه الاسلام والمسلمين، فإن المراجعة المفقودة ما زالت ترتبك أمام تراث عاث فيه الزمن تشويها، بحيث باتت »صحة« الدين وجهة نظر لا يمكن للعالم أجمع أن ينتظر قرونا أخرى قبل أن يتفق أهل الدين الحنيف على ما هو صحيح مما هو زيف دخيل على متن الدين وهوامشه.

الدكتور أحمد الطيب:  هل مؤتمرات الازهر للاعتدال والوسطية كافية
الدكتور أحمد الطيب: هل مؤتمرات الازهر للاعتدال والوسطية كافية

هؤلاء الارهابيون حانقون ببساطة على »الاسلام الصحيح« الذي تدّعيه المراجع الرسمية للمسلمين، وبالتالي فإن حقيقة الصراع هي داخل هذا الدين. وإذا ما كان الأمر حربا، فحري للمدافعين عن الدين في سماحته ووسطيته واعتداله أن يشهروا أسلحة الحرب وخوض تلك الحرب بالفعل، لا بالقول وكثرة بيانات التنديد.

كادرات

مراجعات تيريزا ماي

خرجت تيريزا ماي عن ثوابت بريطانية حين خرجت غاضبة بعد العملية الإرهابية في »لندن بريدج« تعد بانقلاب قيمي كامل لا يتسق مع التراث في كون بريطانيا ديمقراطية عريقة. تحدثت ماي آنذاك بصفتها رئيسة للوزراء وبصفتها زعيم حزب المحافظين الذي كان يخوض الانتخابات التشريعية الأخيرة. كلمتها عقب حادث لندن عن إحباط الشرطة البريطانية لخمس هجمات إرهابية منذ مارس 2017.

وردّدت ماي، التي كانت تخوض غمار الانتخابات البرلمانية المبكرة التي دعت إليها بحثا عن المزيد من الأصوات لحزب المحافظين، عبارات من قبيل أنه حان الوقت لنقول إن زكل الهجمات يجمعها فكر خبيث هو تحريف للإسلام وتحريف للحقيقةس. وكشفت عن حزمة جديدة من الإجراءات سيتم اتخاذها لتتبع المشتبه بهم من الإرهابيين. ونقلت صحيفة الغادريان نقاطا رئيسية في خطة ماي لمواجهة التحديات الإرهابية، منها:

قوانين حقوق الإنسان: أي محاولة لتعديل قانون حقوق الإنسان قبل التعديلات التي ستقع عليها في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستحتاج إلى التقيد بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. ويتمثل هذا التقيّد في فرض حالة الطوارئ كما حدث في السابق في ظل نظام بلمارش للاحتجاز لأجل غير مسمّى غير المشروط بوجود تهمة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر. لكن، ماي صرّحت في خطابها قائلة زإذا وقفت اتفاقية حقوق الإنسان عائقا في طريقنا، فإننا سنغيّر هذه القوانين للتأكد من أننا نستطيع تنفيذ خطة الطوارئس.

تدابير أكثر صرامة لمنع الإرهاب والتحقيق بشأنه: أشارت ماي إلى ضرورة عمل المزيد من أجل تقييد حرية وحركة الإرهابيين المشتبه بهم في عدم وجود الأدلة الكافية لمحاكمتهم. ويشمل ذلك فرض قانون حظر التجوال، وفرض قيود إضافية على تحركاتهم، وعلى الذين يمكن للمشتبه به أن يلتقي أو يتصل بهم. ويقال أيضا إن الوزراء ينظرون في تعزيز سلطة الشرطة لاحتجاز المشتبه به دون تهمة لمدة 28 يوما بدلا من 14 يوما الحالية، مثلما حدث في عام 2011.

ترحيل المشتبه بهم من الإرهابيين: قالت ماي إنها تريد تسهيل عملية ترحيل المشتبه بهم من الإرهابيين الأجانب إلى دولهم. ولم تعط في كلمتها المزيد من التفاصيل، لكنها قد تكون إشارة ضمنية إلى إطلاق حملة جديدة لضمان تأمين عمليات الترحيل التي من شأنها أن تُحيي ذكرى أحد إنجازاتها الكبرى كوزيرة للداخلية عندما قامت بترحيل رجل الدين المتشدد أبوقتادة من بريطانيا بعد اتفاق بين بريطانيا والأردن يقضي بأن الأدلة المنزوعة عبر التعذيب لا يعوّل عليها ولا يمكن استخدامها في المحاكمة بمجرد رجوعه إلى بلاده. تم بذلك وضعه على متن طائرة إلى الأردن دون انتهاك الحماية الأوروبية لحقوق الإنسان. وهي تأمل الآن في محاكاة هذا النجاح بشأن إنجاز عمليات ترحيل جديدة مع دول أخرى.

فترات أطول للأحكام القضائية: عقوبات مشددة إزاء الاعتداءات البسيطة ذات الصلة بالعمل الإرهابي. وينطوي الخطاب في مجمله على احتمال صدور أحكام زأطول مدةس بحق المدانين بارتكاب جرائم إرهابية. وباستثناء ربع عدد الإرهابيين المحكوم عليهم لمدة 10 سنوات على الأقل في كل عام، يصدر الحكم على خُمس عددهم كل عام بالسجن لمدة أقل من عامين.

أي مستقبل للجاليات المسلمة في الغرب؟
أي مستقبل للجاليات المسلمة في الغرب؟

مؤتمر الأزهر لمواجهة الارهاب

أصدر المشاركون بمؤتمر الأزهر لمواجهة التطرف والإرهاب، الذي انعقد في القاهرة في ديسمبر الماضي بمشاركة ممثلي 120 دولة وممثلين عن جميع المذاهب الإسلامية والطوائف المسيحية، بيانا رسميا في نهاية الجلسة الختامية انتهى الى التوصيات التالية:

أوَّلا: إنَّ كلَّ الفِرَقِ والجماعاتِ المُسلَّحةِ و»المليشيات« الطائفيَّةِ التي استعملت العنفَ والإرهابَ في وجه أبناء الأمةِ رافعة ذ زورا وبهتانا ذ راياتٍ دينية، هي جماعاتٌ آثمةٌ فكرا وعاصيةٌ سلوكا، وليست من الإسلامِ الصحيحِ في شيءٍ، إنَّ ترويعَ الآمِنين، وقتلَ الأبرياءِ، والاعتداءَ على الأعراضِ والأموالِ، وانتهاكَ المقدَّساتِ الدينيةِ – هي جرائمُ ضد الإنسانيَّةِ يُدِينها الإسلامُ شكلا وموضوعا، وكذلك فإنَّ استهدافَ الأوطانِ بالتقسيمِ والدولِ الوطنيةِ بالتفتيتِ، يُقدِّم للعالم صورة مشوهة كريهة من الإسلام.

ثانيا: التأكيدُ على أنَّ المسلمين والمسيحيين في الشرقِ هم إخوةٌ، ينتمون معا إلى حضارةٍ واحدةٍ وأمةٍ واحدةٍ، عاشوا معا على مدى قُرون عديدة، وهم عازِمون على مُواصلةِ العيشِ معا في دولٍ وطنيةٍ سيِّدةٍ حُرةٍ، تُحقِّقُ المساواةَ بين المواطنين جميعا، وتحترمُ الحريَّات.

إنَّ تعدُّدَ الأديانِ والمذاهب ليس ظاهرة طارئة في تاريخنا المشترك؛ فقد كان هذا التعدد وسيبقى مصدرَ غنى لهم وللعالم، يَشهدُ على ذلك التاريخ.

إنَّ علاقاتِ المسلمين مع المسيحيين هي علاقاتٌ تاريخيَّةٌ، وتجربةُ عيشٍ مُشتَرك ومُثمِر، ولدينا تجاربُ يُحتَذى بها في مصرَ وفي العديد من الدول العربية الأخرى جرَى تطويرُها باتجاه المواطنة الكاملة حقوقا وواجبات، ومن هنا فإنَّ التعرُّضَ للمسيحيين ولأهل الأديان والعقائد الأخرى باصطناع أسبابٍ دِينيَّةٍ هو خُروجٌ على صحيحِ الدِّينِ وتوجيهاتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتنكرٌ لحقوقِ الوطنِ والمواطنِ.

ثالثا: إنَّ تهجيرَ المسيحيين وغيرِهم من الجماعاتِ الدِّينيَّةِ والعِرقيَّةِ الأخرى جريمةٌ مُستَنكرةٌ، نُجمِع على إدانتِها؛ لذلك نُناشد أهلَنا المسيحيين التجذُّرَ في أوطانهم، حتى تزولَ موجةُ التطرُّفِ التي نُعاني منها جميعا، كما نُناشِدُ دولَ العالم استبعادَ تسهيلِ الهجرةِ من جدولِ المُساعداتِ التي تُقدِّمُها إليهم؛ فالهجرةُ تُحقِّقُ أهدافَ قُوَى التهجيرِ العُدوانيَّةِ التي تستهدفُ ضربَ دولِنا الوطنيَّة وتمزيق مجتمعاتِنا الأهليَّة.

رابعا: إنَّ بعضَ المسؤولين في الغرب وبعض مُفكِّريه وإعلاميِّيه يَستثمِرونَ هذه الجماعاتِ المُخالفةَ لصحيحِ الدِّينِ لتَقديمِ صُوَرٍ نمطيةٍ يَفتُرون فيها على الإسلامِ شِرعة ومِنهاجا. ولمُواجهة هذه الظاهرةِ السلبيةِ يُطالب المؤتمرُ المنصِفين من مُفكِّري الغربِ ومُسؤولِيه تصحيحَ هذه الصُّوَرِ الشريرةِ وإعادة النظَرِ في المواقف السلبيَّة؛ حتى لا يُتَّهم الإسلامُ بما هو بَراء منه، وحتى لا يُحاكَم بأفعالِ جماعاتٍ يَرفُضها الدِّين رفضا قاطعا.

خامسا: يَدعو المؤتمرُ إلى لقاءٍ حواريٍّ عالميٍّ للتعاون على صِناعةِ السلامِ وإشاعةِ العدلِ في إطارِ احترامِ التعدُّدِ العقديِّ والمذهبيِّ والاختلافِ العُنصري، والعملِ بجدٍّ وإخلاصٍ على إطفاء الحرائقِ المُتعمَّدةِ بدلا من إذكائِها.

سادسا: لقد تعرَّض عددٌ من شباب الأُمَّةِ ولا يَزالُ يَتعرَّضُ إلى عمليَّةِ »غسل الأدمغة« من خِلال الترويجِ لأفهامٍ مغلوطةٍ لنصوصِ القُرآن والسُّنَّة واجتهادات العُلمَاء أفضت إلى الإرهاب، ممَّا يُوجِبُ على العلماء وأهلِ الفكر مسؤوليَّة الأخذ بأيدي هؤلاء المُغرَّرِ بهم من خِلال برامجِ توجيهٍ، ودوراتِ تثقيفٍ، تكشفُ عن الفَهمِ الصحيحِ للنصوصِ والمفاهيمِ؛ حتى لا يَبقوا نهبا لدُعاة العُنفِ، ومُروِّجي التكفير.

ومن هذه المفاهيمِ مفهومُ الخِلافة الراشدةِ في عصر صحابةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. فقد كانت تنظيما لمصلحةِ الناسِ غايتُه حِراسةُ الدِّين وسِياسة الدُّنيا، وتحقيقُ العدلِ والمُساواة بين الناسِ، فالحكمُ في الإسلام يَتأسَّسُ على قِيَمِ العَدلِ والمُساواةِ وحِمايةِ حُقوق المُواطنة لكلِّ أبناءِ الوطن بلا تمييزٍ بسببِ اللونِ أو الجنسِ أو المعتقدِ، وكلُّ نظامٍ يُحقِّقُ هذه القيمَ الإنسانيةَ الرئيسةَ هو نظامٌ يكتسبُ الشرعيَّةَ من مصادر الإسلام.

ومن المفاهيمِ المحرفة أيضا مفهوم الجهاد، ومعناه الصحيح في الإسلام هو أنه ما كان دفاعا عن النفس وردّا للعدوان، وإعلانُه لا يكون إلا من ولي الأمر وليس متروكا لأي فرد أو جماعة مهما كان شأنها.

سابعا: دعوة دول العالم العربي إلى تنظيم تعاونها وإلى تطوير آليات هذا التعاون بما يحقق الاستقرار والأمن والازدهار.

ولو أن هذه الدول أقامت سوقا اقتصاديّة وتجارة واتحادا جمركيّا، ودفاعا مشتركا لَـتَحقَّقت مُقوِّمات التضامُن والتكامل في إطار دائرة واحدة تجمع الدول الوطنية المتعددة في استراتيجية موحدة تحميها وتحتمي بها.

ثامنا: يطالب المؤتمر بقوة العلماء والمراجع الدينية في العالم العربي والإسلامي أن يتحملوا مسؤولياتهم أمام الله والتاريخ في إطفاء كل الحرائق المذهبية والعرقية وبخاصة في البحرين والعراق واليمن وسوريا.

تاسعا: إدانة الاعتداءات الإرهابية التي تقوم بها القوات الصهيونيَّة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة في القدس الشريف، والتي تستهدف الإنسان الفلسطيني المسلم والمسيحي على حد سواء، كما تستهدف المساجد والكنائس وبخاصة المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، ويناشد المجتمعون المجتمع الدولي التدخل بفاعلية ومسؤولية لوضع حد لهذه الاعتداءات الآثمة وإحالة مرتكبيها إلى محكمتي العدل والجنايات الدوليتين.

عاشرا: إن المؤتمر يؤكد على أن الشرق بمسلميه ومسيحييه يرى أن مواجهة التطرف والغلو وأن التصدي للإرهاب أيا كان مصدره وأيا كانت أهدافه هو مسؤوليتُهم جميعا.

* صحافي وكاتب سياسي لبناني