حوار غني في دمشق

معن بشور

كان اللقاء مع الرئيس بشار الأسد في قصر الروضة في دمشق مع عدد من الشخصيات العربية، التي حضرت الدورة 28 للمؤتمر القومي العربي، والمنتدى العربي الدولي الثالث من أجل العدالة لفلسطين، والذي استغرق ساعتين ونصف الساعة، فرصة ثمينة لإجراء حوار غني وصريح وعميق في مختلف الشؤون والشجون السورية والعربية والإقليمية والدولية.

ولقد تم التأكيد خلال اللقاء على ضرورة المراجعة العميقة لمجمل التجارب العربية القومية الراهنة انطلاقاً من حاجة الأمّة الى العروبة كهوية جامعة، والى الانفتاح والترفع عن الأحقاد التي عادة ما تخلفها الحروب المدمرة، والى بناء أدوات سليمة تستنهض العمل القومي العربي في أطر من التنسيق والتكامل بين كل المؤمنين بالمشروع النهضوي العربي.

فلسطين طبعا كانت حاضرة في اللقاء بمقاومة شعبها، وانتفاضة أهلها، وإضراب أسراها، حيث أكّد الرئيس الاسد أنها باقية في وجدان السوريين وأبناء الأمّة، ولا يمكن أن تتأثر بسلوك من هنا، أو ممارسة من هناك.

خرجنا من اللقاء أكثر ثقة بثبات سوريا على مبادئها، وانتصارها على ما يحاك لها، وتمسكها بوحدة أرضها، وعروبة هويتها التي لن يؤثر فيها موقف حاكم من هنا أو نظام من هناك…

وكان الاتفاق على مواصلة الحوار للمعالجة العميقة لكل ما تواجهه الأمّة من عوائق ومحن وفتن ومؤامرات…

احتفال ولقاء

اجمل ما في مبادرة المنتدى القومي العربي في جنوب لبنان بالتعاون مع الكلية الجعفرية ذات التاريخ المجيد في العمل الوطني والقومي ومنتدى الفكر والادب وجمعية التضامن الثقافية اختياره فيلما وثائقياً عن جمال عبد الناصر يعرض في ثانوية صور المختلطة ذ الشواكير. عنوانه »ارفع رأسك يا اخي« للمبدع الشمالي الراحل وعضو المؤتمر القومي العربي، المخرج سايد كعدو.

وأهمية هذه المبادرة انها تنعقد في مدينة صور قاهرة الغزاة، ومعقل اول عملية كبيرة للمقاومة تم فيها تدمير مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي في المدينة في 23/10/1982 أي بعد الغزو الصهيوني، ويجتمع فيها شمال لبنان موئل مخرج الفيلم، مع جنوبه في تأكيد على وحدة اللبنانيين في الوفاء لرمز العروبة والتحرر جمال عبد الناصر، بل انها تأتي لتستحضر ذكرى المقاوم الكبير جمال عبد الناصر في عيد انتصار المقاومة التي حررت الارض دون قيد أو شرط مجسدة بشكل عملي الشعار الخالد الذي أطلقه القائد الخالد الذكر »ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة«…

لكن الأهمية الاكبر انها تأتي لتكشف هول المفارقة بين مرحلة كان العرب فيها بقيادة جمال عبد الناصر يقودون بكرامة العالم الثالث كله في معركة التحرر من الهيمنة الاستعمارية، وبين هذه المرحلة التي يتحول فيها النظام الرسمي العربي إلى اعتماد سياسة الاذلال والخنوع والرضوخ للابتزاز المالي والسياسي امام »الغول« الامريكي الذي لا يشبع من نهب موارد الشعوب…

واذا كان ترامب »وشركاؤه« يعلنون الحرب من الرياض على المقاومة اللبنانية والفلسطينية، فان الأمة تتمسك اليوم اكثر من أي وقت مضى بالمقاومة كحق وخيار وثقافة وسلاح وبحق ابنائها الاسرى الابطال في الحرية والكرامة.

قمم…وزيارات

استكمل ترامب جولته وقممه الخليجية والعربية والإسلامية بالتوجه إلى الكيان الصهيوني ليشاركه احتفالاته بإعلان دولته على ارض فلسطين وتشريد ثلثي أهلها قبل 69 عاما، وليهنئ مجرمي الحرب من قادته بمرور 50 عاما على احتلال أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين…

أليس من حق أبناء الجزيرة العربية الأحرار، ومعهم كل العرب، أن يتساءلوا : بأي حق يتصرف الحكام في الرياض بالمليارات من ثروات شعبهم ويمنحوها لترامب ليعالج أزماته الاقتصادية المتفاقمة فيما تعاني بلادهم من أسوأ الأزمات المالية والاقتصادية؟

أليس من حق اللبنانيين، وكل العرب، وهم يستعدون للاحتفال بالعيد السابع عشر للتحرير والمقاومة أن يستهجنوا تصريحات مسؤولين في الرياض ضد مقاومة باسلة حررت الأرض، وردعت العدوان، وأقامت سد أمان بوجه المغامرات الصهيونية.

 كم هو مخطئ من يظن أن باستطاعته اليوم ضرب إرادة المقاومة في لبنان وفلسطين وسوريا واليمن والأمة من خلال قمم يعقدها في الرياض وتل أبيب، وهو الذي لم يستطع ذلك في آذار /مارس1996 خلال قمة شرم الشيخ حين حشد كلينتون ومبارك رؤساء 33 دولة، بينها الاتحاد الروسي نفسه، باسم مكافحة الإرهاب فكانت عناقيد الغضب وتفاهم نيسان الذي أدى إلى التحرير دون قيد أو شرط عام 2000، وكانت اغتيالات وحروب وحصارات في فلسطين لم تؤد إلا إلى تحرير غزة وتفكيك مستعمراتها عام 2005.

 ربما النجاح الوحيد الذي حققه ترامب المهدد بالخلع في بلاده هو في تحرير خزائن دولنا النفطية من ثرواتها وفي كشف ما كان مستورا من علاقات تطبيعية بين بعض الحكام والصهاينة.

لن يتمكن كل صخب نتنياهو واحتفالاته أن يحجب أصوات مئات الأسرى، فيما يستعد شعبهم العظيم لإعلان الإضراب الشامل والعصيان المدني ليس في وجه الاحتلال وحده، بل في وجه الصامتين على جرائمه، المتواطئين مع عدوانه المتواصل، سواء في النظام الرسمي العربي أو فيما يسمى بالمجتمع الدولي.

مواقف مشرفة

للمرجع الإسلامي الكبير الإمام السيد محسن الأمين، الذي أقام في دمشق لسنوات طويلة، قول مأثور يوم دخل الاستعمار الفرنسي إلى سوريا ولبنان بعد الحرب العالمية الأولى: »سنبقى نختلف سنة وشيعة على من هو خليفة رسول الله )ص( حتى يصبح المندوب السامي الفرنسي أمير المؤمنين«

واليوم يبدو إن هناك مشروعا مماثلا لحرب سنية -شيعية لكي يصبح ترامب أمير المؤمنين…

ويحضرني في هذا المجال أيضا قول للزعيم الوطني السوري، من أصل لبناني، فارس الخوري حين قيل له إن الفرنسيين أتوا إلى بلادنا لحماية النصارى في سوريا ولبنان فذهب إلى المسجد الأموي في دمشق خطيبا ليقول :إذا كان الفرنسيون جاءوا إلى بلادنا لحماية النصارى، فانا باسم مسيحيي سوريا ولبنان اشهد أن لا اله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله..

هذه نماذج من مواقف وطنية وقومية رفضت الاستقواء بالأجنبي ضد أبناء وطنها وأمتها فهل نستحضرها اليوم ونحن ندفع مئات المليارات من الدولارات لشراء حماية أميركية لعروش حكامنا…

وثائقي يجدد الأمل

 أن تشاهد اليوم في مدينة صور وثائقي »ارفع رأسك يا أخي«، الذي أخرجه المبدع الراحل سايد كعدو قبل عقدين من الزمن ليروي سيرة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، تشعر ما هو الفارق بين قائد يبقى خالد الذكر بين أبناء أمته وبين ملوك ورؤساء وأمراء يطويهم الزمن وهم على رأس كراسيهم وان تشاهد بأم عينيك مواقف تنضح بالعنفوان والكرامة ترسم للأمة معالم تجربة القائد الكبير، بينما تحيط بك من كل صوب مواقف العار والذل والخنوع والاستخذاء والاستجداء تدرك الفارق بين قائد يسكن في ضمير شعبه إلى الأبد وحكام يسكنون قصورا مزخرفة بالزيف والتفريط في الحقوق والإفراط في التنازلات.

وان تشاهد هذا الوثائقي عن قائد أمضى كل حياته مقاوما لكل أشكال الظلم والاستعمار والاستعباد ومن مدينة صور بالذات، وفي العيد السابع عشر للمقاومة والتحرير، وهي المدينة المجبول ترابها وشاطئها بحكايات من المقاومة عبر التاريخ، تدرك كم هي المقاومة متجذرة في هذه الأمة التي كانت وستبقى مقبرة للغزاة رغم كل ما تواجهه من مخططات ومؤامرات ومشاريع وأحلاف لوأد مقاومتها العصية على التصفية.

اليوم أكثر من أي وقت مضى بتنا ندرك سر هذا الحقد الدفين على جمال عبد الناصر ونهجه المقاوم وفكره القومي العربي ومشروعه النهضوي، بل هذا العداء المستحكم لكل مقاومة تنبع من قلب هذه الأمة.

بل بتنا ندرك سر الحب العميق الذي يحمله غالبية أبناء الأمة لقائد خرج من قلب معاناته، لينشر العدالة بين الناس، وليقيم التنمية من اجلهم، وليقودهم في معارك الاستقلال الوطني والقومي، وليرفع معهم رايات العزة والكرامة والحرية والمقاومة لكل مستعمر أو دخيل.

صباح النصر…صباح التحرير والمقاومة

قبل 17 عاما، وفيما كان جنود الاحتلال وعملاؤه يفرون من ارضنا المحتلة، قلت في حديث تلفزيوني لفضائية »المنار« : »ان العدو من هذه اللحظة يفكر بالانتقام من هذا النصر المبين للبنان المقاوم«. ولم تمض ست سنوات حتى كانت حرب تموز -اب 2006.

وفي يوم بدء الحرب على المقاومة والجيش والشعب في 12 تموز يوليو 2006، قلت في ندوة تلفزيونية على فضائية الجزيرة ادارها الاعلامي الكبير غسان بن جدو وشارك فيها الرئيس امين الجميل قلت: »ان العدو سيفشل في تحقيق اهدافه من هذه الحرب لانه عاجز عن سحق المقاومة، و تغيير المعادلة السياسية في لبنان.فهو قادر على التدمير والقتل، لكنه عاجز عن الاحتلال واذا نجح في احتلال بعض الارض فهو عاجز عن البقاء فيها«.

وفي ليلة 13 اب / اغسطس 2006، اي عشية الموعد الذي حدده قرار 1701 الصادر عن مجلس الامن لوقف العمليات القتالية، قلت في ندوة تلفزيونية على LBC مع الاعلامية القديرة شذا عمرو: »ان العدو سيوقف اطلاق النار في الموعد المحدد )اي الثامنة صباح الاثنين في 14 اب /اغسطس(وان مئات الالاف من اللبنانيين النازحين من قراهم في الجنوب والبقاع سيكونون في طريقهم الى بيوتهم حتى المهدمة منه.«

لم تكن تلك التوقعات ضربا في الغيب، أو قراءة في فنجان، بل كانت وليدة معرفة بطبيعة العدو من جهة، وبقدرات المقاومة المحتضنة من الشعب والمتكاملة مع الجيش.

واليوم، ومع الهجمة الجديدة على المقاومة اللبنانية والفلسطينية من الرياض بقيادة ترامب والملك سلمان، نقول: ان مصير قمة ال50 ملكا ورئيسا واميرا لن يكون بافضل من مصير قمة شرم الشيخ في اذار/مارس2006، والتي انعقدت بقيادة كلينتون ومبارك تحت اسم »مكافحة الارهاب«،  لتصفية حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين…

بعد قمة شرم الشيخ تلك، والتي شاركت فيها روسيا، اندحر الاحتلال عن لبنان، وتم تحرير غزة وتفكيك المستعمرات فيها، وتحول القطاع المجاهد المحاصر الى قلعة للمقاومة وشوكة في عين العدو.

اما من يراهن اليوم انه، بمئات المليارات من الدولارات يدفعها اتاوة لترامب، قادر على وقف عجلة التاريخ فهو مخطئ بحق نفسه قبل غيره..

كل عام ومقاومتنا اللبنانية والفلسطينية والعربية وداعميها بألف خير..وليكن جهدنا منصبا على لم شمل كل مقاوم في هذه الامة على طريق ردع العدوان والفتنة وتحرير الارض والانسان…

في ربوع الكورة

في بشمزين الكورانية الوادعة العابقة بروح الانفتاح، والحاضنة لكنوز العلم والاشعاع والرقي، جمعتنا صبحية جميلة في منزل المناضل العروبي المخضرم جمال جمال الدين مع ثلة من ابناء طرابلس والشمال يتقدمهم المناضل الثابت على ايمانه وعروبته فيصل درنيقة، جرى فيها تداول في اوضاعنا الراهنة فاجمع الحاضرون على ابداء الاعجاب العالي بالصمود الرائع الذي يبديه ابطال الحرية والكرامة في اضرابهم المستمر منذ 38 يوما، وعلى ضرورة تصعيد المساندة لمطالبهم العادلة، وان يكون شهر رمضان المبارك شهر دعم ودعاء من اجل انتصارهم على الجلادين.

كان اللقاء ايضا فرصة للتداول في زيارة ترامب للرياض وتل ابيب التي لا تنحصر مخاطرها بسطوه على خزائن العرب فقط، بل في رغبة الزائر الاميركي ومستقبليه في صب الزيت على نار الفتنة بين ابناء الامة الواحدة والدين الواحد وقد بدأت ملامح الخطة في دراز البحرينية.

وقد ابدى المجتمعون خشيتهم من وقوع بعض الجهات في لبنان مرة جديدة في اسر اوهام وافخاخ تعيدنا الى اجواء من التوتر والفوضى الدموية خدمة للمشاريع المشبوهة.

لقد اضفت اجواء الكورة الخضراء، المزدانة بالزيتون الذي يذكر بزيتون فلسطين، على الصبحية الحوارية اجواء من الصفاء والنقاء والرقي والوضوح يحتاجه كل حوار في بلادنا

الجنرال رمضان مرة أخرى

مع إطلالة الشهر الفضيل بكل ما يحمله من قيم ومعان سامية، وتجربة إنسانية راقية، نتذكر أربعين يوما من صيام أسرانا الأبطال، حيث لا إفطار ولا سحور، بل ماء وملح فقط، فيتلاقى صيام السماء بكل بهائه وقدسيته، مع صيام الأرض بكل روعته وتألقه، فننحني إجلالا أمام رهبة الإيمان الذي يجمع مئات الملايين من الناس على موعد واحد يمسكون فيه عن الطعام معا عند الشروق، ويفطرون معا عند الغروب كما ننحني احتراما أمام روعة الصمود الذي يبديه جنرالات الصبر والإيمان بعدالة القضية، علهم يحركون في امتنا والعالم ما يجبر العدو على تلبية مطالب إنسانية بسيطة لأسرانا الأبطال.

وإذا كان »إعلان الرياض« قد اغفل الأسرى والأقصى والمقدسات وفلسطين المغتصبة، بل دعا إلى التطبيع مع مغتصبيها، فقد جاء رمضان المبارك بصيامه، ليذكر العرب والمسلمين وأحرار العالم بصيام لم يعرف تاريخنا مثيلا له، وبضرورة أن يبقى هذا الصيام ماثلا أمامنا طيلة أيام الشهر الفضيل، فنملأه بكل صيغ الإسناد لأبطالنا القابعين خلف قضبان العدو، فنصوم عن الاحتراب والاقتتال والانقسام والفتن والتخاذل والاستخذاء.

حين جاءنا الشهر الفضيل أثناء حصار الثمانين يوما لبيروت، إبان الغزو الصهيوني للبنان صيف 1982، قلنا يومها إن »الجنرال رمضان« أمدنا يومها بقدرات استثنائية على الصمود والمقاومة، وأدركنا انه ستولد من قلب معاناتنا آنذاك واحدة من أعظم مقاومات العصر التي ستهزم المحتل وتدحره عن عاصمتنا الرائعة وبلدنا الجميل.

واليوم نقول لقد جاء »جنرال« رمضاني أخر ينصر أسرانا  ليخرجوا من معركتهم، مهما بلغت التضحيات، منتصرين بإذن الله في قضيتهم الإنسانية، ومنتصرين لقضيتهم الكبرى وهي تحرير فلسطين…

رمضان مبارك، والحرية للأسرى، والمجد للشهداء، والشفاء للجرحى، والنصر للمقاومة، والتحرير للأرض – الوطن وللإرادة معا…..