حساب

كنت أرتدي جسدي،

حين بدأتُ بتدوين الخرافة،

بين الماء والهواء،

لألحظَ سرّ الخلق…

مساحة عمري ضيقة،

ووجهي قصير على المكان،

كي أدفن جثتي الغائبة…

،،،،

أدمنني الصراخ بين كفّيك،

ولا زلت أتوق لرواية عائبة،

أتعلم فيها نهش الموعظات،

انتهاك الأسرار،

جَمْعَ الفصول،

بحفنة خائبة،

علّني أقيكَ بردَ حظي،

وحريق سمعتي التائبة…

،،،

أخذني الليل إلى يديّ،

لأتعاطف مع شهوتي،

لأقطع حبل النوم بمقصّ أحلامي،

التي انتظرت ولادة الرغبة

من صرّة عينيّ،

لكن سكوناً أوقع المئزر

من ذاكرتي،

ومضى إليّ،

يصفّي ما تبقّى من نهود،

كانت قد إستلقت عليّ…

حوار صادق مع الذات…

من أنت؟

صدقيني لا أعرف، إسألي أحداً آخر غيري، قد يعرف أكثر ممّا أعرف عني… أنا خارج الحبر والضوء لا شيء.. أحاول أن أكون أنا نفسي بلا مقابل.. والحياة مكلفة كي أكون فيها الصادق الوحيد، فالكذبة هي الحياة.. وأنا أحدُ أعيان هذه الكذبة…

غير متفائل بثقافة الحياة؟

ليست الحياة إسماً أو تمييزاً أو صفة… هي إضافة فينا ونحن جزء منها، كأنها جزء من مسلسل غامض أو رواية مستحيلة… الوهم فيها أكبر من الواقع إن لم يكن الأهم… ولا وجود لثقافة دون مثقف أو مثقفين، لأنهم موبؤون أصلاً، ويحملون فيروس الجشع والحسد والأنانية وحب الذات… وهذه كلها أدوات القتل.. لا أفهم كيف تسير حافلة الحياة، على دواليب الموت البشع… وبأمراض الحقد والطمع؟؟!

إذاً الحياة كذبة متفائلة.. والمثقف وباءُ الحرية… والثقافة هي الطبيعة نفسها دون سواها…

ما الدور الذي تلعبه غير نقد الواقع؟

أنا أربّي نفسي على الفعل لا على الصدى… أحاول أن أكون مواطناً يسمح لزوجته أن تفعل ما يجيزه لنفسه القيام به… أقف كل يوم أمام نفسي لأقول: »من أنت أيها الغبي في تغيير الفضاء«..؟ أتجه بالنقد الى نفسي أولاً، لشخصيتي، لقراءاتي، لبيئتي، لنوازعي الذاتية، ثم أعيد ترتيب الأفكار لدي على عمر اللحظات التي أعيش… أنا مرغم على العيش لكني لست مرغماً على الكتابة… لذا، كتاباتي أبعد ما تكون عن نقدي لها… فهي أكثر حرية أن يقول فيها الآخر لا أنا… أعيش وأجرّب وأحاذر السمعة البليدة، لكني أقتحم بمفكرتي وخيالي النص بكثير من الشجاعة والتمرّد في آنٍ واحد… وهذا لا يكفي بنظر البعض، لكني أجد نفسي حرّاً وخارج أسرة الاعتقاد المطلق… أنا لست مصلحاً اجتماعياً أو فيلسوفاً: أنا تابعٌ لشغف البحث عن الذات بالأدوات الموجودة…

هل يكفي ان تكون قديساً أو زنديقاً على الورق..

من المستحيل أن يكون الشاعر قديساً على الورق، بل هو من أهم زنادقة الزمن… وعليه، فإن اللحظة الشعرية تقيم عرشها وملكوتها حين تستدعي الصدق، والألم والمشهد المختلف… الشاعر أكثر من فيلسوف وأقل من روائي، والحياة مسرحية والزمن فيها الشيطان الأكبر… كونه العارف والمتحدي والجريء والصادق في تظهير صورته وأفعاله…

أما على أرض الواقع فأنا هو نفسي الشاعر المتصارع مع نفسه دوماً، والمؤسس لفكرة الانتقال من المشهد- الصورة الى المشهد- الحلم، لأنقذ نفسي من هذا الكوكب العجيب الذي اسمه الأرض.. وعليه، فأنا أكبر خطيئة أوجدها الشعر على الأرض…

هل الحركة الشعرية في طور التجريب ؟

كلنا نجرّب المساحات، الخالق لم يزل يجرّب نفسه فينا، لا يوجد شيء نهائي في العالم، لهذا، أنا من أنصار الفاصلة لا النقطة، في حركة اللغة والعبارة.. الفاصلة استراحة المحارب كي يكمل جملته في وقتٍ ما، في مكانٍ ما.. ولأنه لا يفيد أن نقتل الوقت والزمن بالنقطة.. لا يوجد شيء ينتهي إنما يوجد شيء قيد الاكتمال… فمن الكلاسيكية والعامودية الى قصيدة التفعيلة فقصيدة النثر، الى الدادائية والعبثية والفراغ…. الى محو الذاكرة والأشياء، الى العدم بذاته.. من يقول أننا أمام ضوء لكل مساحة جلد.. إنه عصر الفسابكة.. من يدري الى أين سيأخذنا الشعر والضوء والزمن…

كشاعر متزوج من فنانة تشكيلية، أية طبيعة للحياة ؟

المقامرة بالزمن… اللعب بالألفاظ… التداول المعرفي أو الوظيفي، الاستلهام المعنوي… أنا أكتب بالحروف، وهي تكتب بالألوان… مساحتي أضيَق لكنها أسهل، مساحتها أوسع لكنها أصعب… أدوات اللفظ منوطة بمعرفة كل واحد منّا الآخر، نحن عنصران نتكامل في الصورة، ونتجزأ في المشهد… هي أفضل منّي لأن صدرها أرحب، أنا خلقي ضيّق، فحين يضيق خلقي توسّع لي صدرها…وهذا يعطيني فهماً جديداً للمُدرك… وحين تحتدم الذاكرة نتساعد في إعادة إنتاج الفكرة… هي أصلب منّي، لأنها لا تعترف بالهزيمة، أنا أكثر جبناً، أقرُّ فوراً بهزيمتي،هي أكثر تحدياً وإستعداداً لمواجهة الوقت…

هل التكريم تتويج لمسيرتك الشعرية

قدماي على الأرض، ورأسي لمّا يزل محلقاً في علوّ الأمكنة المستريحة على أفكار جديدة، قبل التكريم والترجمة الى الألمانية والفرنسية، كنت أعدّ نفسي بأني لا أعرف شيئاً كي أحظى بنعمة المعرفة… أنا رجل تجريبي، لا أعتبر أن تكريماً يتوّج رأسي يجعله »يفقع« بل يضعني أمام اختبار تجريبي آخر يدلّني على نفسي أكثر… فكما وجدت كيف يفكر الألماني بي، حظيت بنعمة أن أعرف كيف أفكر أنا بحبيبتي وأمي وأبي وجدّتي وعالمي الذي هو الآخر بي… يجب أن نخاف حين يكرّمنا أحد… لأنه يفضحنا ويعرّي فهمنا للفكرة الأولى التي استلهمناها كمقدس دون أن نحرك فيها ساكناً… ونحن ننشد أزماتنا بكثير من البؤس والكلام المنافق… انتبهت الى أني أكثر ما أكون صادقاً حين أكتب نفسي على الورق، وأحياناً كثيرة أحتاج لأن أكون منافقاً كوني زنديقاً يلعب بالكلمات واللغة… وعليه، فهذا يرتّب مسؤولية كبرى وخوفاً من الآتي… تكريماتي علامة من علامات إبليس… لكني أنتصر بالموقف وأبقي على رأسي في مكانه وأحاول تصيدِّ الأفكار والجمالات بخيال أوسع من الحبر…

هل تحدُّ الوظيفة من رؤية الشاعر ؟

 العمل الوظيفي يخضع المبدع الى روتين قاتل، اذا كان هو يقوم بعمل غير متجانس مع طاقاته الابداعية، أمارس طقوسي الأدبية والحياتية منذ خمسة وثلاثين عاماً، ووزارة الثقافة اللبنانية أنشئت منذ ثمانية عشر عاماً، هذا يعني أنني إبن الثقافة من مطرحها الحقيقي، وليست الوزارة إلاّ إدارة رسمية تعمل على دعم المثقفين ورعاية الأفكار الثقافية، وهذا يحفّزني على المساعدة في مجالي الذي أنا منه… أنا أعمل بمجالي الحقيقي، لا في مصرف لبنان ولا في الدوائر العقارية، أو الميكانيكية أو شركة الكهرباء.. هنا تصيب الوظيفة مقتلاً في المُبدع إذا كانت علاقته بالشيء الذي يعمل فيه غير متجانس مع رغبته وموهبته الابداعية…

ما تأثير الأيديولوجيا على إنتاجك الأدبي والشعري؟

 كل أيديولوجيا هي عمل جماعي لاستنطاق الرغبة في الاشياء لرؤية أوسع، دون أن يعني ذلك أن الجماعة تختزل ضمير الفرد في أحقيته أن يعبّر عن مكنوناته بصراحة… الحقيقة، أن جميع المثقفين نشأوا نشأة أيديولوجية وتأثروا بالحركات الفكرية في العالم العربي والعالم ككل، لكن قليلين من أجادوا التعبير عن أنفسهم بأفكار أبعد من الايديولوجيا التي يحملون… أنا واحد من الذين اختاروا طريقاً موضوعياً في التعامل مع النص… فلم أخن نصّي، وكنت على تصالح تام بين ما أفكر وما أكتب وما أقول… دون أن أقع في انفصام الشخصية… لأن الحدث فعل ابتداعي لقوة المشهد، وقد آليت على نفسي أن أكون متراكماً، بقدر ما أحببت أن أنظر كل ساعة وكل يوم نظرة جديدة الى الحياة والكون والفن… المأزوم هو الذي يتشرنق في أفكاره دون الآخرين… والخائن هو الذي يتنازل عن أفكاره لصالح الآخرين…