قراءة في كتاب البنية الأسلوبيّة في شعر أنسي الحاج ويوسف الخال وعبد الوهّاب البيّاتي

بيروت – ليندا نصّار

 كتاب البنية الأسلوبيّة في شعر أنسي الحاج ويوسف الخال وعبد الوهاب البيّاتي«، الصّادر عن دار سائر المشرق هو بحث للدكتورة مهى الخوري نصّار، الأستاذة في الجامعة اللبنانيّة، كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، الفرع الثاني.

   يكشف هذا الكتاب عن القوّة التّعبيريّة الّتي تحملها اللّغة أو الأسلوب، والّتي تبدو جليّة في نصوص كلّ من أنسي الحاج وعبد الوهاب البيّاتي ويوسف الخال.

   قسّمت الكاتبة بحثها إلى بابين تفرّع من كلّ منهما ثلاثة فصول. ورد الباب الأوّل تحت عنوان »البنية الإيقاعيّة والتّركيبيّة والمعجميّة الدّلاليّة في شعر أنسي الحاج ويوسف الخال وعبد الوهّاب البيّاتي«. أمّا الباب الثّاني، فعنوانه »الصّورة الشّعريّة والتّناص وصولا إلى البنية الدّلاليّة الكبرى في نصّ أنسي الحاج ويوسف الخال وعبد الوهّاب البيّاتي«.

اعتمدت في منهجيّتها البنية الأسلوبيّة كمادّة لها، وعملت على عنصرين أساسيّين كوّنا مادّة الدّراسة: اللّغة والجمال. فللدّخول إلى النّصّ الشّعريّ يتمّ الولوج إلى اللّغة وصياغة النّصوص، للكشف عن جمال المشاعر الّتي تكمن في الإيحاءات والرّموز الّتي وظّفها كلّ من الشّعراء موضوع الدّراسة في الكتاب. فتأويل الكلام يحتاج إلى المنهج الأسلوبيّ للكشف عن الانزياحات في القصائد. كذلك تظهر مهى الخوري موقف الكاتب من خلال طريقته في اختيار العبارات والمفردات. وقد عنيت النّاقدة بدراسة شعريّة القصائد لدى الشّعراء المذكورين وبحثت في كيفيّة تشكّل القصيدة لديهم. ومن المعروف أنّ هذه الشّعريّة شغلت العديد من الباحثين، وكان قد عزّزها جاكوبسون، ودرس مدى تحقّق الجماليّة في النّصوص وما يميّز الكلام الفنّيّ عن بقيّة مستويات الخطاب والفنون الإنسانيّة الأخرى.maha-cover

قدّمت النّاقدة رؤية متفرّدة وموضوعيّة، وعملت على كلّ ما هو لافت في البناء الإيقاعيّ كذلك على صعيد التّركيب سواء في القصيدة الكلاسيكيّة أو غير الكلاسيكيّة. فقامت بدراسة أسس التّغيير ثمّ عالجت المستوى المعجميّ ودلالات المفردات، للكشف عن أبعاد القصائد وتصويب البحث نحو رصد التّطوّر الّذي تمّ عبر زمان كتابتها.

انطلقت النّاقدة في دراستها النّحويّة من الجملة إلى النّصّ، محاولة إثبات تحّقق التّكامل بين اللّغة والمعنى لدى الشّعراء موضوع الدّراسة. وفي استنتاجها توصّلت إلى اكتشاف سهولة لغة الشّعراء وكيف طوّع كلّ منهم هذه اللّغة ليأتينا بتركيب جديد، وتأثّر هذه اللّغة بالعالم وتطوّره وتجدّده.

هذه اللّغة الّتي اعتمدها كلّ من الشّعراء الثّلاثة أكّدت أنّ هدف الشّاعر الأساسيّ هو البحث عن الذّات الحقيقيّة،  وقد درست النّاقدة التّناص لديهم، وكشفت عن عالمهم الدّاخليّ إذ تضمّن طاقات شعورية وتأثيرات غربيّة، بعضها جاء نتيجة تأثّرهم بالرّموز القديمة…

في هذا البحث الأسلوبيّ، تمّ التّركيز على الصّورة الشّعريّة الّتي نقلت كتابات هؤلاء الشّعراء إلى ما هو فوق العادي، ما جعل قصيدتهم مميّزة بابتعادها عن النّثريّة والأسلوب التّقريريّ.

تتوصّل النّاقدة في نهاية بحثها إلى عدّة استنتاجات تختصر فيها دراستها عن الشّعراء موضوع الدّراسة. فبعد رصد القصائد لديهم بما فيها من تحوّلات، اعتبرت الكاتبة أنّ دراستها اتّخذت النّقد الألسنيّ المصحوب بنظام التّفسير الّذي لم تقصد الشّرح من خلاله، إنّما أرادت الكشف عن طريقة الشّعراء في توليد دلالاتهم، وخلق عالم شعريّ متمرّد جامح في الظّاهر، يتّحد في أعماقه المحتوى المعرفيّ للشّعر بالحدس والانخطاف. وتتابع النّاقدة استنتاجها معتبرة أنّ الإيقاع، والقراءة النّحويّة، والصّورة الشّعريّة، ومجاز الصّورة، والأسطورة، والرّمز، اشتملت كلّها على مفهوم إنتاج الدّلالة، الّتي تتلاءم مع شعريّة الحاج والبيّاتي والخال، والّتي تتميّز من ضمن ما تتميّز به، بنظام نحويّ خاصّ جعل الدّلالة متحرّكة، مفتوحة، فحجبت القصائد سحرها وراء علاقات النّحو والتّركيب. كذلك اتّضح من خلال الدّراسة أنّ أنسي الحاج، ويوسف الخال، وعبد الوهّاب البيّاتي، لم يأتوا بالقصيدة الحرّة، أو بالقصيدة الخالية من الوزن، من باب الثّورة، والتّحدّي، والرّفض للحسّ التّاريخيّ الطّاغي وحسب، بل كتبوها لأنّها تعبير صادق حرّ تفرضه التّجربة المتجدّدة من نصّ إلى آخر. وبهذا كانت المرجعيّات في قصائدهم، تنتقل بسهولة ويسر، من غير توظيف ذهنيّ أو إيديولوجيّ.

   نتيجة لما تقدّم، يبدو لنا أنّ لكلّ شاعر تعبيراً خاصاً خلق به عالمه. وقد وظّف المنهج الأسلوبيّ في خدمة الصّورة الشّعريّة لإنتاج دلالات ملائمة مع الشّعريّة. وهذا ما حصل مع الحاج والخال والبيّاتي. وتظهر الرّؤية النّقديّة للكاتبة من خلال التّحليل والتّعليل والقدرة على تطبيق الدّراسة على شعراء الحداثة موضوع البحث.

  وتوصّلت النّاقدة إلى أنّ هؤلاء الشّعراء لم يكتبوا تمرّدا فقط على القديم بل عبّروا بصدق عن تجربتهم الجديدة، كما سبق أن ذكرنا، وقد سمّت الدكتورة شعريّتهم ب »سحر الشّعريّة«.

   يعتبر هذا الكتاب مرجعا مساعدا في الدّراسات الجامعيّة خصوصا للمتخصّصين في النّقد منهم، وذلك لما خصّصته النّاقدة من طرق في البحث، فجاء التّطبيق فيه على نصوص الشّعراء: أنسي الحاج ويوسف الخال وعبد الوهّاب البيّاتي. فهذا الكتاب مهمّ في النّقد الحديث الّذي تمّ التّأسيس له في الجامعات أيضا.

   كذلك كشف هذا الكتاب عن نظرة الذات إلى الإنسان ورؤيته للعالم، وتشكّل هذه الذّات في إطار فيه الكثير من التّأثير والتّأثّر. كما عني بالبحث في معاناة الإنسان وصراعه وتمرّده المستمرّ عبر الزّمان. على أنّ معاناة الشّاعر ما زالت مستمرّة لما طرأ على الأوطان العربيّة من حروب زادت من صور الشّقاء، في ظلّ التّحكّم بقدرات وطاقات الإنسان، وقتل الحرّيّات الّتي كانت تسمح للمثقّف بطرح رأيه وأخذه بعين الاعتبار.

غلاف كتاب الدكتورة مهى الخوري نصار