مغامرة البرزاني الخطرة في رحلة الاستقلال الكردي

د.ماجد السامرائي

لعل أولى علامات السينوريوهات المحتملة للوضع العراقي لما بعد معركة الموصل ودحر »داعش« من الأراضي العراقية قضية خروج الأكراد من خيمة الوطن العراقي الى الدولة الكردية المستقلة، فالقيادة الكردستانية رغم كل ما تمتع به الشعب الكردي من مزايا اجتماعية واقتصادية وامنية لم ينلها بقية العراقيين في الوسط والجنوب، أصروا على تحقيق الحلم الكردي بإقامة دولتهم من الأراضي العراقية وصولا الى تقرير مصيرهم بحلم الأمة. فقد أعلنت القيادة الكردية قبل أسابيع عن إجراء الاستفتاء حول الاستقلال في الخامس والعشرين من سبتمبر هذا العام، وهو توقيت لم يلق الترحيب الداخلي من عرب العراق سنة وشيعة، وكذلك الرفض الايراني والتحذير التركي وتعليقات بريطانية سلبية وصمت أمريكي. ولعل مسعود البرزاني يجد في هذه الخطوة إنقاذاً لما يمكن أن تقود اليه التداعيات السياسية والاقتصادية والأمنية المحلية

 مسعود البرازاني... المغامرة الخطرة
مسعود البرازاني… المغامرة الخطرة

الكردية، وتهديد لقيادة البرزاني، حيث هناك لغط كثير يدور بين الأوساط السياسية الكردية )حزب الطالباني وحركة التغيير( حول مشروعية استمرار قيادة البرزاني للإقليم قبل الانتخابات الرئاسية والحكومية الكردية في الخريف المقبل. إضافة الى مشكلات أربيل مع المركز وسط المصاعب الاقتصادية في انخفاض أسعار النفط وقضية المناطق المتنازع عليها والتي تمت السيطرة الكردية عليها خلال الحرب على داعش. توقيت الاستفتاء محاولة اختراق ذات أبعاد محلية وإقليمية ودولية، وجد مسعود البرزاني من خلالها إن ظروفها مؤاتية، فالعراق مقاد من قبل حكومة ضعيفة استندت على قيادات حزبية طائفية شرعت دستوراً عام 2006 وضع قواعد تسمح بالتجزئة والتقسيم وغياب الهوية الوطنية فجعل العراق بلد » المكونات » وليس » المواطنة » وأباح الأقاليم من أجل القيادة الكردية التي تشعر بفضلها على الأحزاب العربية )الشيعية والسنية( قبيل الاجتياح العسكري الأمريكي للعراق عام 2003 حين استضافت معارضة لندن في أربيل التي قررت شكل النظام السياسي لما بعد نظام صدام. وتمت بلورة التحالف)الشيعي الكردي( الذي ظل محور العملية السياسية لما بعد انتهاء مهمة رئيس الانتداب الأمريكي)بول بريم( لحين إنفراطه عملياً بعد اجتياح »داعش« في يونيو 2014 وتبدد آمال الأكراد في الحصول على امتيازات الثروة قانونياً بعدم تشريع »قانون النفط والغاز«. وقد سبق لقيادات شيعية خصوصاً )مجلس الحكيم( الذهاب الى مشروع )إقليم شيعي( بالبصرة خلال الفترة القلقة أعوام 2005 و2006 ثم تراجعت بعد هيمنة تلك الأحزاب على السلطة كلياً، وتمرير النصيحة الإيرانية القائلة بأن حكم الكل أفضل وأضمن من حكم الجزء. خطوة الاستفتاء شكلية وعملية جس نبض رغم معوقات المناطق المتنازع عليها والمسيطر عليها عسكريا من قوات البيشمركة وقصة كركوك غير  المحسوم أمر عائديتها  وفق المادة 140 من الدستور الذي تركها معومة.القيادة الكردية واثقة من تحقيق الاجماع الكردي على الاستقلال بعد الاستحواذ على كركوك وجميع المدن والمناطق الاخرى التي لم تكن ضمن خارطة اقليم كردستان ولعل هذه واحدة من مغانم حرب داعش التي حصل عليها الأكراد وأطلق عليها )مسعود البرزاني( حدود الدم في تعبير عن خارطة الدولة الكردستانية المقبلة. معتقدا بأنه سيحول الأمال الى واقع، فدائماً ما كان قائد الاتحاد الوطني جلال الطالباني يقول » بأن الدولة الكردية حلم » مسعود البرزاني يعتقد بأنه قادر على قيادة هذه العملية التاريخية وستسجل بإسمه وإسم عائلته ويثأر لخذلان والده الراحل )مصطفى البرزاني( بسقوط )جمهورية مهاباد( 1946-1947 التي أزاحها الإيرانيون بالقوة وأعدموا قائدها )قاضي محمود (

رحلة الاستقلال ستكون صعبة والتحديان الكبيران هما » الوحدة الداخلية والظروف الاقليمية والدولية » والتي سيكون لها تأثيرها في التعويق أو التسهيل.على المستوى الكردي رغم الاجماع على هدف الاستقلال لكن الخلافات الحزبية حادة حول التوقيتات وسط مشاعر لدى قيادات اتحاد الطالباني والتغيير بأن مسعود البارزاني المنتهية ولايته يسعى الى استثمار الشعور القومي الكردي  لفرض قيادته وتجديد ولايته.ولعل القضية الاعقد تكمن في الحصول  على رضى بغداد التي تتنازعها الدوافع والأغراض المتعددة والمعبرة لدى بعض الأحزاب » الشيعية« عن الموقف الايراني المتشدد ضد قيام دولة كردية في الجوار، والبعض الآخر يتخذ المواقف السلبية نكاية بمسعود البرزاني. الى جانب تناقضات المواقف لدى بعض القوى العربية السنية فبعضها يجد في الخطوة الانفصالية الكردية رصيدا يساعدها على تحقيق »الإقليم العربي السني » والبعض الآخر يرفضها تمسكاً بعروبة العراق ووحدته. فيما يتصرف رئيس الوزراء بغموض وتردد متسائلا: هل هذا وقت الاستفتاء والذهاب الى الاستقلال ؟ خصوصاً إنه يشعر بأن الظروف السياسية ستتعقد أكثر بعد نهاية الحرب على »داعش« واقتراب موعد الانتخابات في ربيع عام 2018

ولعل التوقعات بحصول التشدد في مواقف بغداد من الخطوات الكردية سيعتمد على حنكة القيادة الكردية في الذهاب الى الطريق السلس في الحصول على الهدف، مثل عدم إدخال المناطق المتنازع عليها بالاستفتاء المنتظر. وهذا ما وضح في تصريحات بعض القادة الكرد وبينهم مسؤول هذا الملف )هوشيار زيباري( المعروف بدبلوماسيته حيث أعلن » بأن الاستفتاء لا يعني الاستقلال » رغم إنه أكد بأن هذا القرار يشير الى أن » الأكراد وصلوا الى نقطة اللاعودة » وإذا شعرت بغداد بأن الأكراد سيسلكون الطريق المتشدد فإنهم سيقفون بقوة بوجهها ولن تتحقق الولادة. أما على صعيد البلدين الجارين )إيران وتركيا( فقد رفضتا الاستفتاء. وحذرت طهران من أن القرار »يمكن أن يؤدي إلى مشاكل جديدة«، وعلاقة إيران ملتبسة فهي تدعم جناح الطالباني بقوة الذي يسيطر على السليمانية وقد لا تتردد في الموافقة على حصوله على فيدرالية خاصة ترتبط ببغداد » الشيعية » ومعلوم إن هنالك سوقا  اقتصادية سوداء كبيرة بين إيران وكردستان الشرقية ساعدتها على تجاوز العقوبات  المصرفية  التي فرضت عليها حيث في كل عام تم تهريب بلايين الدولارات على شكل سلع  من الاقليم الكردي  ويشمل ذلك السلع المنزلية  والالكترونية وان بعض رجال الاعمال)قوات أمنية فاسدة تحرس الحدود( استفادوا  من تلك التجارة. لكن إيران في النهاية لن تجد حيلة في بناء علاقات إيجابية مع دولة الأكراد الجديدة إذا ماوجدت إنها حصلت على التأييد الدولي الكامل. في حين أن تركيا التي تعتبر ممرا لصادرات النفط الكردستاني العراقي، اعتبرت أن قرار تنظيم الاستفتاء »اتخذ بطريقة غير مسؤولة« ويشكل »خطأ فادحا«. لكنها ترى ان هنالك بعض الفائدة  من وجود كردستان مستقلة مستقرة . لقد ازدهرت التجارة والاستثمار التركي  في كردستان وتحول الاقليم الى شريك  اقتصادي مهم لتركيا وفي نفس الوقت فأن النمو الاقتصادي التركي  السريع  قد دفع تركيا  الى استيراد المزيد من النفط والغاز والسعي الى تنويع تجهيزاتها من الطاقة، كا ان انقرة لم تعد ترى في  الاستقلال الكردي كنذير للعنف  وعدم الاستقرار على حدودها بعد التطمينات الكثيرة التي قدمها مسعود البارزاني لتركيا الجارة الجديدة مما وفر القناعة لدى تركيا بأن الجار الكردي سيكون أفضل من بغداد المحكومة من القيادة » الشيعية » كما تطمح تركيا أن تساعد هذه العلاقة الجديدة على إخماد التوتر المسلح في الجنوب التركي من قبل حزب العمال التركي.

.الولايات المتحدة اعترضت على توقيت الاستفتاء لكنها أعربت مرارا عن تأييدها لمبدأ تقرير المصير. فمن دون الدعم الأمريكي فإن استقلال كردستان سيكون امراً مستبعدا، مع إن الأكراد يحظون بدعم قوي لدى الكونغرس. والسينوريوهات المتوقعة لرحلة الاستقلال :-

سيناريو الاستقلال الكردي من طرف واحد والذي سيلاقي اعتراضاً قوياً من بغداد والمنطقة والعالم. وتتخله الكثير من المشكلات والمعوقات.

السيناريو الثاني وهو المرجح عن طريق الدخول في مفاوضات سلسة مع بغداد التي ستجد نفسها مضطرة للقبول » بالطلاق الشرعي » والمحافظة على علاقات سلمية مع الجار الجديد، وتبتعد عن الجار التركي. وقد يصبح الاحترام المتبادل والسيادة المتساوية المشتركة فكرة جذابة لكلا الجانبين لأنها ستمنع كلاً من بغداد وأربيل من التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية لكل منهما. وقد توفّر بعض »قواعد اللعبة« والخطوط الحمراء الأساسية مساعدة كبيرة بشأن تبديد مخاوف بغداد من تدخل تركيا أو أي دولة سنّية أخرى بالكيان الشيعي في بغداد. هنالك الكثير من المشتركات ما بين دولة كردستان والعراق، في مقدمتها المجال الاقتصادي من حيث البنية التحتية المشتركة )النفط والغاز( كما ستشعر المؤسسات الاقتصادية الدولية )صندوق النقد الدولي( و)البنك الدولي( بكثير من الإطمئنان للعمل في كردستان.

الطريق ما بين الاستفتاء والاستقلال طويلة ومعقدة وتحفها المخاطر، وحتى لو تحقق هدف الاستقلال الكردي فإن الأصعب هو الحفاظ على تلك الدولة وبنائها واستقرارها.