من ذاكرة التاريخ – اطلالة على الفكر القومي

لندن امين الغفاري

تناولت عدة أطروحات معالجة الفكر القومي في العراق وقدمت فيه عدة دراسات فيها الكثير من العمق والتأصيل، وقام برعاية العديد منها مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، وذلك من خلال تقديمها للقارئ العربي ومنها على سبيل المثال أطروحة )الدكتور فاضل محمد حسين البدراني( وعنوانها الفكر القومي لدى الأحزاب والحركات السياسية في العراق 1945 – 1958.وأطروحته تلك تمثل اضافة جديرة بالتسجيل بتعرضها وللمرة الاولى للفكر القومي لدى الأحزاب والحركات السياسية في العراق عن طريق استعراض برامجها وتوجهاتها الفكرية القومية وتجسيدها لهذه الاطروحات النظرية في مواقفها العملية ازاء احداث الساحة العربية وقد اختارت تلك الحقبة المحددة ذ كما يذكر – بكونها اهم وادق الحقب واعقدها في تاريخ العراق المعاصر، وحول الفكر القومي ونشأته نتعرض ابتداء لبداياته بشكل عام، وذلك كما يشير اليها الكثير من الكتاب أوالباحثين وتكشف بأن تكوين الفكر القومي عند العرب يعود ابتداء الى عصور سبقت ظهور الأسلام ويرجعون في ذلك الى مرحلة قديمة تتعلق بالقبائل حين قامت بالتوطين في ارض محددة قاموا بالأستقرار عليها وتنميتها بوسائل تكفل لهم المعيشة، ومن ثم قاموا بالدفاع عنها ضد الطامعين في موقعها أو فيما سهروا عليه من اعداد لمدهم بمتطلبات الحياة تحت سمائها، ونتج عن ذلك بشكل طبيعي وجود لغة مشتركة بين القاطنين لتلك الأرض، للتعامل والتفاهم واستمرارا للتعايش في ربوعها، وترتب على ذلك بشكل تلقائي بلورة مقومات مانتعارف عليه باسم الأنتماء القومي.يضاف الى ذلك أنه بظهور الأسلام قام عنصر جديد كان من شأنه دعم وتعميق مرتكزات بناء وتكوين الأمة العربية واستئصال النزعة القبلية من خلال العنصر الجديد الجامع بينها وهو الاسلام، ومن خلال عملية التطور والبناء والأنتشار المتقدمة وتعريب اقاليم الوطن العربي بدأت حضارة بازغة في الظهور، وهي الحضارة العربية التي شهدها التاريخ، قبل ان تتعرض في أزمان لاحقة الى عوامل الضعف والتراجع والانهيار في عصور من التدهور والأنحطاط أدت في النهاية الى سقوط بغداد في عام 1258. ولكن بعد عدة قرون من الأنقطاع الحضاري عاودت الأمة من جديد تلمس سبل النهضة في حوالي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكانت نقطة الأنطلاق هي فكرة التحرر العربي من الأحتلال الأجنبي، ويشير الدكتور وميض نظمي في أطروحته )الجذور السياسية والفكرية والأجتماعية للحركة القومية العربية في العراق( الى عدة مطبوعات أصدرتها »جمعية بيروت السرية« كانت منها منشورات حملت تنديدا عنيفا بمساوئ الحكم العثماني وكانت تدعو العرب الى الثورة عليه واطاحته معلنة في ذلك الجهاد( وكانت هذه الجمعية هي أول جهد منظم في حركة العرب القومية التي تأسست عام 1875. وكان لوصول جماعة )الأتحاد والترقي( الى السلطة في الدولة العثمانية عام 1908 ثم اتباعها سياسة التتريك التي جعلت الشعوب العربية واليونانية والصربية تتجه نحو الاستقلال الذاتي وفي عام 1909 تم عزل السلطان عبدالحميد الثاني، ثم جاء

نوري السعيد أصدرالمرسوم رقم 19 عام 1954 بحل الأحزاب والنوادي في العراق
نوري السعيد أصدرالمرسوم رقم 19 عام 1954
بحل الأحزاب والنوادي في العراق

الأحتلال البريطاني للعراق عام 1914، وكان من شأن هذه التطورات ان فتحت الباب الى ايقاظ الفكر القومي وظهوره، وبدأت عمليات التعاطف والمشاركة في المؤتمرات العربية سواء في اسطنبول او باريس، وقام )طالب النقيب( بتأسيس جمعية البصرة الاصلاحية وتضمن برنامجها تأليف مجالس محلية للولايات العربية، وقد سار منهج الفكر القومي في العراق لاسيما في البداية الى تحقيق المساواة في الحقوق تجاه العرب في اطار الدولة العثمانية، وثمة ملاحظة هنا نذكرها تتعلق بذلك التشابه في ثورة احمد عرابي في مصر عام )1881( التي طالبت في بداياتها بالمساواة مع الحقوق التي يتمتع بها الأتراك والشركس دون ان تطلب الاستقلال عن الدولة العثمانية. تطورت الحركة القومية وشهدت العديد من الجمعيات التي حملت لواءها حتى جاءت الحرب العالمية الأولى حيث ووجهت بنكسة التقسيم )سايكس ذ بيكو(عام 1916، ولم يكن هناك بد من مواصلة العرب لنضالهم ضد السيطرة الأستعمارية الجديدة، وظهرت في العراق جمعيات )العهد العراقي( وظهرت بعدها جمعية )حرس الأستقلال( بزعامة علي البزركان وجلال بابان وغيرهم، ثم كانت ثورة العراق الوطنية عام 1920 التي كان من شأنها تزايد حركة الوعي الجماهيري في مجالاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية

الحياة الحزبية في العراق

ظهرت مجموعة من الأحزاب في اغسطس عام 1922 منها )حزب التقدم(عبد المحسن السعدون و)حزب الشعب( ياسين الهاشمي و)حزب العهد( نوري السعيد و)حزب الأخاء الوطني( ناجي السويدي ورشيد عالي الكيلاني وياسين الهاشمي والسمة المميزة لتلك الأحزاب التي نشأت في تلك الفترة انها ركزت على موضوع استقلال العراق بينما )حزب الأستقلال( في الموصل الذي تأسس في اول سبتمبر 1924 هو من قام برفع شعار الوحدة العربية، ثم برز فصيل اّخر من خلال نشاط عناصر )التنظيم القومي السري( عام 1928 بقيادة يونس السبعاوي وقد تأسس عام 1927 في دمشق وبيروت وتونس ثم فتح له فرع في بغداد ويهدف الى توحيد الأمة العربية. كان انشغال هذه التنظيمات بقضية الاستقلال له مايبرره باعتباره المطلب الضاغط في الوعي الجماهيري، وان كان قد تطور بعد ذلك وبدأ في تبني شعار الدعوة لمجابهة الأستعمار وتحقيق الوحدة مجددا، وقد تمت ملاحظة ذلك الأمر من خلال مشاركة الأحزاب والجمعيات السياسية القومية في العراق في المؤتمرات العربية الشعبية، بل والتعبير عن المؤازرة المطلقة لحقوق الشعب العربي من المحيط الى الخليج، وكانت القضية الفلسطينية هي المحور الذي استندت اليه كافة المساهمات العراقية في المؤتمرات المختلفة التي تواجدت بها بما فيها بالطبع المؤتمرات الدولية. ينوه الدكتور فاضل البدراني بمجموعة من الكتب العربية والمترجمة التي تحدثت عن تلك المرحلة ابتداء من 1945 الى عام 1958 ومنها مؤلفات عبدالرزاق الحسني وخصوصا )تاريخ الأحزاب السياسية العراقية(من 1918 الى 1958 وكتاب هادي حسن عليوي )الأتجاهات الوحدوية في الفكر القومي العربي المشرقي( »مركز دراسات الوحدة العربيه« وكتاب باسل الكبيسي حركة القوميين العرب، أما الكتب المترجمة فمنها كتاب )نوري السعيد( لمؤلفة والدمار لغولمن وكان سفيرا للولايات المتحدة في العراق من 1954الى 1958، وكتاب )الصراع على سوريا( لكاتبه باتريك سيل ويكشف فيه عن الصراع العراقي – المصري حول الزعامة

الفكر القومي لدى الأحزاب ذات النشأة العربية

1 – حزب البعث الأشتراكي في العراق

يقول د. البدراني عدة اشارات – قبل طرح موضوع تأسيس حزب البعث – لكتابات ميشيل عفلق التي عبرت عن بروز فكرة الانبعاث القومي كما وردت في مقالاته )عهد البطولة( عام 1935 ومقاله أخرى له )ثروة الحياة( عام 1936 تبرز بها ملامح عامة لمفهوم الاشتراكية ثم مقالة )نصرة العراق( عام 1941 بعد ان شهدت الساحة العراقية ابرز حدث وطني وقومي تجسد في انتفاضة عام 1941 التي قادها مجموعة من الضباط القوميين، وصولا الى قيام الحزب بوصفه احد التيارات العاملة ضمن الأتجاه القومي العربي، وهو ينطلق في ممارساته النضالية المختلفة من الايمان بالعمل الثوري كبديل لأسلوب الاصلاح ولتجسيد الدعوة القومية ومعالمها في صفة الحزب وشعاراته وأهدافه، وقد عرّف الحزب نفسه بأنه حركة قومية شعبية انقلابية ويحدد الأمين العام للحزب مفهوم الانقلاب بالقول »ان الانقلاب هو محور حركتنا التي يميزها عن سائر الحركات الاخرى ويجب ان يفهمه البعثيون فهماً داخليا عميقا قبل ان يفهموا منه أنه مجرد خطة لتنظيم المجتمع في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعيه«(.

من جانب اّخر يرى حزب اليعث )انه في عصر تتحرر فيه الامم المظلومة التي عانت أعمق تجربة للألم، لابد أن يكون مفهوم القومية عندها مفهوما تحرريا انسانيا واشتراكيا تقدميا(.ان شعوب اّسيا وافريقيا عانت كثيرا من صور الظلم الوطني والأجنبي ولذلك كان عليها ان تحمل

ميشيل عفلق تاريخ في الفكر والحركة القومية
ميشيل عفلق تاريخ في الفكر والحركة القومية

ثوراتها طابعا تحريريا انسانيا لأنها بذلك تتوحد ضد الاستعمار في حين لايصيب الظلم في الغرب الا طبقات بينما الشرق عبارة عن أمم مظلومة والأمة العربية احداها )عفلق في كتاب معركة المصير الواحد ص29(. وقد أكد البعث على هذا المفهوم الجديد للعروبة، باعتبار انها التي تولد ضمن سياق تاريخي جديد وتحمل معاني مختلفة لم تعرفها القومية في الغرب، وقد جاء شعار حزب البعث العربي الاشتراكي على النحو التالي» أمة عربية واحدة ذات رسالة خالده» أي انه انطلق اساسا من ان العرب أمة واحدة، ووحدة الأمة حقيقة ثابتة، وماالفوارق بين اجزاء الوطن العربي الا فوارق مصطنعة، وقد جاءت دعوة الحزب الى وحدة عربية شاملة وكانت دعوته للوحدة مرتبطة بالدعوة الى التحرر من الاستعمار او التحرر من الاستغلال الطبقي وهو يختلف عن دعوة »حركة القوميين العرب« نحو الوحدة )فالحركة كرست في دعوتها القومية على الوجه السياسي للوحدة العربية دون اي اهتمام بمضمونها الثوري ذ غازي فيصل الراوي موقف الاحزاب اللبنانية من الوحدة العربية من 46 الى 58 ماجستير الجامعة المستنصرية ص141(.

2 – حركة القوميين العرب

 بداية تنظيمها كانت )كتائب الفداء العربي( التي اسسها مجموعة من الشباب في مطلع العشرين من اعمارهم عقب نكبة فلسطين عام 1948، وكان من نواتها )جورج حبش فلسطيني واحمد الخطيب كويتي ووديع حداد فلسطيني وهاني الهندي سوري وصالح شبل فلسطيني وحامد الجبوري عراقي(. وجاءت افكار الحركة استمراراً لما تبنته كتائب الفداء من أفكار )جوزيبي مازيني(مؤسس جمعية »ايطاليا الفتاة« في ما يتعلق بمزايا الوحدة ورفضه مقولة الصراع الطبقي كما تأثروا بأفكار بسمارك وكافور وبالتجارب الوحدوية في ايطاليا والمانيا. يمكن القول ان الحركة في مرحلة النشوء والبناء غيرها في مرحلة النضوج والانطلاق ايام تصاعد المد القومي وقيام وحدة مصر وسوريا )الجمهورية العربية المتحدة( ومارافقها من تطورات سياسية في الوطن العربي وهي بالتأكيد غيرها في مرحلة التشتت والتفرقة، وقد مرت بمراحل ثلاث. المرحلة الأولى ذ سيطر عليها المناخ السياسي الحماسي للأنتقام من صناع الهزيمة، وكانت بشكل عام مشبعة بجو من العداء لبعض المذاهب كالاشتراكية والشيوعية وكذلك لليهود والحكام العرب المسؤولين عن الهزيمة. المرحلة الثانية ذ شهدت عملية اعادة تأسيس وغادر صفوفها اغلب العناصر ذات الانتماءات البرجوازية والاقطاعية ونتيجة للصراعات الفكرية الداخلية والأحداث التي جرت على الساحة العربية شهدت الحركة تحولا جديدا في تاريخها اتسمت بانقيادها لفكر الرئيس جمال عبدلناصر او مايسمى )بالناصرية( المرحلة الثالثة ذ شهدت انهيار التركيب التقليدي للحركة وانبثاق تنظيمات ماركسية لينينية، تخوض تجاربها في الاقطار التي توجد بها.

الأتجاهات القومية للأحزاب القطرية في العراق

1 – حزب الأستقلال 1946 – 1958

يقف حزب الاستقلال مثلا بارزا لتطور الفكرة القومية في العراق، وقد تضمن الحزب تيارين قوميين الأول علماني يفصل مابين الدين والسياسة والثاني ديني لايفصل بين الدين والسياسة، ولم تجر انشقاقات داخل الحزب لأتفاق الآراء على )تحريم التعصب الأقليمي والطائفي الديني( ويقول محمد مهدي كبه رئيس الحزب في تعريفة للقومية )انها جماع مشخصات الأمة ومقومات حياتها من وحدة الدم )العنصر( والتربة )الوطن( واللغة والتاريخ والثقافة( »محمد مهدي كبه ذالحركة القومية واهدافها ص35 دار دجلة للطباعة«.

2 – الحزب الوطني الديموقراطي1946 – 1958

تقدم في 5 اّذار)مارس( عام 1946 كل من كامل الجادرجي ومحمد حديد وحسين جميل وعبدالكريم الأذري من )جماعة الأهالي( وهي التي تشكلت عام 1932)قامت هذه الجماعة على رافدين الأول من جمعية النشء العراقية 1924 ومنهم عبدالفتاح ابراهيم ومحمد حديد وغيرهم والثاني عبدالقادر اسماعيل وحسين جميل وغيرهم تنادي بافكار تقدمية اصلاحية عبر جريدتهم الأهالي( وقد اجيز الحزب ثم توقف نشاطه عام 1954 أثر ازمات خطيرة على الصعيد الفكري ومن بينها انشقاقات وفي عام 1956 تشكل باسم )المؤتمر الوطني الديموقراطي( بطلب كل من فائق السمرائي وحسين جميل وحصل على الأجازة وبدأ نشاطه الرامي الى الخروج من ميثاق بغداد ثم قيامه بعد ذلك بالأنتفاضة الوطنية عام 1956 من اجل مؤازرة مصر في احداثها.

3 – حزب الجبهة الشعبية المتحدة 1951 – 1954

تمت اجازته في 26 اّيار )مايو( عام 1951 وعقد مؤتمره الأول في 8 يونيو 1951 وانتخب طه الهاشمي رئيسا للمكتب الدائم وصادق البصام امينا للسر والشيخ محمد رضا الشبيبي رئيسا للجنة السياسية وتمثلت سياسة الجبهة في المجال الداخلي الى تحقيق نظام ديموقراطي دستوري ومكافحة الفساد في الدولة وفي السياسة الخارجية الى التعاون العربي وكذلك الشعوب المحبة للسلام والعمل على صيانة عروبة فلسطين وقد اصدرت العديد من الصحف منها جريدة الجبهة الشعبية المتحدة )عبدالرزاق الشيخلي( جريدة الدفاع )صادق البصام( جريدة الهدى في الموصل )المحامي سامي الخطيب( جريدة المشعل في البصرة )كاظم السامر( وكانت هذه الصحف تتعرض الى حالات غلق وفي 24 يونيو 1952 عطلت جريدة )الجبهة الشعبية المتحدة(.يذكرأن حزب الجبهة قد تحالف مع الحزب الوطني الديموقراطي عام 1951، وأصدرا جريدة )المواطن( في 26 مايو من نفس العام وهي جريدة سياسية اسبوعية ساهم في اصدارها عن حزب الجبهة محمود الدرة وعن الحزب الوطني الديموقراطي حسين جميل، ولكن مالبث أن انفك هذا التحالف أثر دخولهما انتخابات 30 ديسمبر عام 1952، وتم استقلال حزب الجبهة الشعبية المتحدة بجريدة )المواطن(. اعلنت نهاية الجبهة رسميا بعد القرار الذي اتخذه نوري السعيد بحل الاحزاب والنوادي والجمعيات وفق المرسوم رقم 19 عام 1954.وكان هذا القرار تمهيدا لعقد ميثاق بغداد. طالب حزب الجبهة من خلال جريدته )المواطن( الجماهير العربية الى انتهاج النضال القومي من اجل التحرير وتحقيق الوحدة العربية، كما انتقد مواقف العرب أزاء القضية الفلسطينية، كما نشرالحزب نداء في العدد الاول من الجريدة بعنوان )أيها المواطن انتصر لكفاح مصر ومعركتها هي معركتك، ونصرها هو نصرك( كانت مصر قد أقدمت على الغاء معاهدة 1936 مع بريطانيا في 8 اكتوبر عام 1951، حيث وقف النحاس باشا في البرلمان وخاطب النواب قائلا : من اجل مصر وقعت معاهدة 36 ومن اجل مصر اطالبكم اليوم بالغائها »ورفضت بريطانيا الألغاء من جانب واحد، ونشأت حركة مقاومة في منطقة قناة السويس حيث كانت المعسكرات الأنجليزية«.

مواقف التنظيمات الأممية من الأتجاهات القوميه

1 – الحزب الشيوعي العراقي

دخل الفكر الماركسي الى العراق خلال العشرينات من القرن الماضي عبر المطبوعات والنشرات الماركسية الوافدة من سوريا ولبنان فاجتذبت افكارها بعض المثقفين الذين انكبوا على دراستها وتداولها بين الأصدقاء والمعارف باعتبارها فكرا جديدا عن العدل الأجتماعي وتأسست أول خلية ثم مالبثت ان توسعت وفي ضوء هذا الأتساع انعقد في )بغداد( اول اجتماع تأسيسي للشيوعيين في 31 مارس عام 1934 وقد ضم حسين الرحال وعوني بكرصدقي وغيرهما وأصدر هؤلاء الرواد مجلة علنية باسم )الصحيفة( وكانت تصدر كل اسبوعين وصدر العدد الأول منها في 28 سبتمبر عام 1924 وركزت هجومها على الاستعمار والاقطاع والطائفية، ثم مالبثت أن صودرت وتم الغاؤها بسبب توجهاتها الماركسية.في عام 1934 انعقد في بغداد اجتماع اّخر بغرض التأسيس لتنظيم جديد أطلق عليه )لجنة مكافحة الأستعمار والأستثمار( وتم فيه

جورج حبش أحد الأقطاب في نشأة حركة القوميين العرب
جورج حبش أحد الأقطاب في نشأة حركة القوميين العرب

انتخاب أول لجنة مركزية وانتخب فيه ايضا )عاصم فليح( أول سكرتير لها، وفي عام 1935 اتخذت اللجنة المركزية قرارا باعلان اسم الحزب الشيوعي العراقي بدلا من اللجنة السابقة، ومع هذا التطور حدث تطور لاحق بظهور العضو يوسف سلمان يوسف الشهير باسم )فهد(، وقد لعب دورا بارزا في حركة وتاريخ الحزب بحيث يعد مؤسسة سواء في بناء خلايا الحزب في بعض المدن العراقية أو في اقامة مركزه في بغداد، وهو من مواليد 1901 ويتمتع بثقافة ماركسية في جوانبها النظرية كفكر أو العملية في اجادة أساليب التنظيم او الأتصال الجماهيري وقد حصل عليها من خلال دراسته في جامعة )كادحي الشرق( في موسكو من عام 1935 الى عام 1938 وقد تم اختياره سكرتيرا عاما للحزب الى ان تم اعدامه في عام 1949.

كان الحزب على موقف مناقض للفكر القومي منذ نشأته فقد كان اسير تنازع بين الأممية والوطنية، وفي هذا الأطار قال ميشيل عفلق )لم يدرس واقع المجتمع العراقي بشكل علمي دقيق بل اوجد التبريرات التي تجعل حركة الواقع العربي منسجمة مع التفسيرات الماركسية ذ اللينينية لذلك لم يهتم بمشكلات العرب القومية الكبرى، واذا اضطر اعضاؤه للحديث عنها في نشراتهم او صحفهم وأدبياتهم فلم يكن ذلك الا بمقدار مايؤدي الى حصولهم على مكاسب حزبية خاصة أو مجاراة القوى القومية والتقدمية أو محاباة المشاعر القومية(، ويمكن هنا الأشارة الى ان الحزب أيد قرار التقسيم في قضية فلسطين عام 1947 واقامة وطن قومي لليهود، وذلك استجابة لموقف الأتحاد السوفييتي في تأييد التقسيم، بينما كان الحزب قد اصدر قبل ذلك بيانا في اكتوبر عام 1945 شجب فيه فكرة انشاء الوطن القومي الصهيوني.

2- الحركة الأسلامية

ان الحركات الأسلامية الآن تتعدد في العالم العربي، وان كان اساس معظم هذه الحركات قد خرج من معطف جماعة الأخوان المسلمين التي نشأت في مصر في مدينة الاسماعيلية عام 1928 على يد الشيخ حسن البنا، وان كانت في العراق لها ظرف مختلف في تعددها واختلافها فهناك الحركة الاسلامية للأكراد والحركة الأسلامية للتركمان وكذلك فان للشيعة حركاتهم واحزابهم الاسلامية، وان كانت هناك اهمية لجماعة الأخوان المسلمين في العراق. بدأت جماعة الأخوان المسلمين في العراق عام 1944 باسم جمعية الأخوة الاسلامية بقيادة الشيخ محمد محمود الصواف الذي حصل على تصريح من مكتب الأرشاد في مصر بالحركة في العراق عام 1942، وبذلك امتد التواصل بالحصول على المنشورات والأصدارات، وحين حاولوا الحصول على تصريح رسمي بالعمل جوبهوا بالرفض ولذلك عملوا تحت واجهات من الأسماء مثل )جمعية الهداية الأسلامية( وفي عام 1949 تأسست جمعية )الأخوة الأسلامية( بصورة رسمية وانتخب )أمجد الزهاوي( رئيسا ومحمد محمود الصواف سكرتيرا. يمكن القول ان الحركة شأنها في ذلك شأن كل التيارات الدينية تتبنى مفهوم الوحدة الأسلامية، بما يتضمن مشروع الخلافة، ولذلك فانها تعبر عن مفهوم الوطن، في حين ان فكرة القومية لم تأت لكي تحل مكان الدين، وليس الدين مناهضا لفكرة القومية، فالدعوة الدينية موجهة للعالم أجمع، بينما القومية تنحصر في دائرة جغرافية معينة تتوافر فيها عناصر محددة يلفها الهاجس القومي.

كلمة أخيرة : ان العراق ككيان وكمجتمع كان له دور فاعل ومؤثر، ولذلك كان استهدافه مخططا لكي يتعطل الدور ويتراجع التأثير، وهو وفق مكوناته البشرية والطبيعية قادر على احتواء مشاكله ومعوقاته، كما ان تجربته الثرية عبر قواه الفكرية والسياسية قادرة على دفع حركته لكي ينهض من جديد، وما هذه الدراسات والبحوث والأجتهادات الا منارات عبر الطريق تختلف معها او تتفق فذلك خيار الفرد في اطار مجتمع ديموقراطي .