اليورو.. من مخاطر الانقراض إلى ارتفاع يخيف رئيس المركزي الأوروبي

ربح 15  منذ بداية 2017 وهو الأفضل أداء بين عملات الدول العشر الكبرى

 

لندن: جمال الجزائري

بعد أن كان مهددا قبل سنوات قليلة بـ«الانقراض« وتفكك منطقته بفعل »تراجيديا الديون« اليونانية، استعاد »اليورو« بريقه ورنينه في الأسواق العالمية، حيث ارتفع في سبتمبر/ أيلول الماضي فوق حاجز 20ر1 دولار. قد يبدو هذا خبرا جيدا للعملة الأوروبية الموحدة، لكنه أثار بالعكس قلق البنك المركزي الأوروبي حيث قال رئيس البنك، ماريو دراغي، في مقره بمدينة فرانكفورت الألمانية، »إن التقلبات الحالية في سعر الصرف تمثل مصدرا لعدم الأمان يتطلب المتابعة اليقظة«.

وقفزت العملة الأوروبية الموحدة لأول مرة منذ سنتين فوق حاجز 20ر1 دولار. وفسر الخبراء ذلك بنمو الاقتصاد في منطقة اليورو بشكل قوي في حين أن الوضع الاقتصادي في أمريكا ليس في أفضل حالاته هذه الأيام حيث لم تحقق حكومة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعودها بشأن خفض الضرائب واعتماد برنامج إنفاق حكومي يحفز سوق العمل.

ويؤدي تعاظم سعر صرف اليورو إلى ارتفاع سعر منتجات الشركات الأوروبية في الأسواق العالمية بشكل مستمر وهو ما من شأنه أن يؤدي لتراجع الصادرات القادمة من منطقة اليورو ويكبح بذلك النمو الاقتصادي.

وفي الوقت ذاته تصبح الواردات القادمة من مناطق عملات أخرى أقل سعرا مما يخفض التضخم في منطقة اليورو ويصعب على البنك المركزي الأوروبي تحقيق هدف الوصول بمعدل الغلاء، التضخم، في المنطقة إلى أقل من 0ر2 بقليل.

وارتفع اليورو إلى أعلى مستوى في عامين ونصف العام في رغم تعليقات البنك المركزي الأوروبي التي لم تردع المراهنين على ارتفاع اليورو بالسوق والذين عززوا مراهناتهم على أن العملة الموحدة تظل دون قيمتها الحقيقية بوجه عام مقابل العملات المنافسة.

اليورو... من حالة الخطر إلى ارتفاع مخيف
اليورو… من حالة الخطر إلى ارتفاع مخيف

ووجد اليورو دعما في تقرير نشرته »رويترز« عن أن مسؤولي البنك المركزي كانوا متفقين بوجه عام على أن الخطوة القادمة هي خفض مشترياتهم للسندات، وهو ما دفع عوائد السندات أيضا للارتفاع.

وبصفة عامة، يشير ضعف الدولار إلى أن هناك قوة دفع جديدة تدعم ارتفاع اليورو.

وربح اليورو نحو 15 في المئة منذ بداية العام وهو الأفضل أداء بين عملات الدول العشر الكبرى منذ بداية 2017.

وقد سجل الدولار أدنى مستوياته في أكثر من عامين ونصف العام مقابل سلة عملات منافسة بفعل تقلص التوقعات بقيام مجلس الاحتياطي الاتحادي )البنك المركزي الأمريكي( بزيادة أسعار الفائدة مرة أخرى هذا العام، بينما ارتفع اليورو إلى أعلى مستوى في عدة سنوات في أعقاب اجتماع البنك المركزي الأوروبي.

وفي الوقت الذي قال فيه رئيس بنك الاحتياطي الاتحادي في نيويورك ويليام دادلي في خطاب إن البنك المركزي يجب أن يواصل زيادة أسعار الفائدة الأمريكية تدريجيا بافتراض أن التضخم المنخفض سوف يرتفع، بدت ثقة الرجل أقل قليلا مقارنة مع تصريحاته السابقة الداعية لزيادة أسعار الفائدة.

وساهمت نبرة الخطاب في دفع عوائد سندات الخزانة الأمريكية التي ينظر إليها كملاذ آمن للانخفاض، مما قلص الطلب على الدولار ودفع العملة الأمريكية إلى الهبوط لأدنى مستوى في نحو عشرة أشهر مقابل العملة اليابانية عند 107.33 ين.

المركزي الأوروبي يستمر في سياسة الفائدة البنكية المنخفضة

أبقى البنك المركزي الأوروبي على سياسة خفض الفائدة البنكية على الرغم من تزايد مطالب البنوك بالبدء في الخروج من هذه السياسة التي توفر أموالا رخيصة في سوق المال حيث قرر مجلس محافظي البنك خلال اجتماع في فرانكفورت الإبقاء على الفائدة البنكية عند معدل 0.

وبذلك تظل الفائدة في منطقة العملة الأوروبية الموحدة، اليورو، عند أدنى مستوى لها.

وفي حالة احتفاظ البنوك الاستثمارية بأموال لدى البنك فستدفع فائدة سلبية قيمتها 4ر0 وهي ما يسميها خبراء بالفائدة العقابية.

كما سيستمر البنك في استثمار 60 مليار يورو شهريا في شراء سندات سيادية وسندات شركات وذلك حتى أواخر كانون أول/ديسمبر عام 2017 على الأقل وذلك في محاولة من البنك لتحفيز الاقتصاد في منطقة اليورو والدفع بنسبة التضخم إلى المستوى الذي يراه خبراء البنك إيجابيا للتنمية الاقتصادية وهو مستوى 0ر2 وذلك لأن الخبراء يرون أن انخفاض الأسعار فترة طويلة يمكن أن يدفع المستهلكين للتردد في شراء السلع اللازمة لهم أملا في تراجع سعرها أكثر وهو ما من شأنه أن يتسبب في حدوث كساد.

البنوك الألمانية تدعو لإنهاء سياسة خفض الفائدة

وفي المقابل تزايدت ضغوط البنوك الألمانية على البنك المركزي الأوروبي لإنهاء سياسة خفض الفائدة البنكية حيث قال رئيس مصرف »دويتشه بنك« الألماني، جون كريان، خلال ملتقى لرؤساء البنوك في فرانكفورت إنه لابد من إنهاء عصر المال الرخيص في أوروبا رغم قوة اليورو.

كما أكد جيورج فارينشون، رئيس بنوك »شبار كاسِن« أنه قد آن الأوان الآن »للعودة والعمل على عودة الأمور لطبيعتها«.

وحسب وزير المالية الألماني فولفجانج شويبله فإن النمو الاقتصادي الجيد الذي ساد مؤخرا يبرر »اقتراب أوروبا كثيرا من تطبيع السياسة المالية«.

وقال شويبله خلال الملتقى إن تعبير »سياسة نقدية غير عادية« يعني أنها سياسة غير معتادة وأن الجميع على مستوى العالم يتمنون عودة الأمور لطبيعتها في أقرب وقت ممكن«.

غير أن شويبله شدد في الوقت ذاته على استقلالية البنك المركزي الأوروبي.

وتأمل أسواق المال في أن يبعث المركزي الأوروبي على الأقل برسائل تبين خططه عام 2018 في ما يتعلق ببرنامج شراء السندات السيادية الذي يتكلف عشرات المليارات.

ويتوقع خبراء الاقتصاد ألا ترتفع الفائدة البنكية قبل عام 2019.

ورأى كريان أن ضخ كميات كبيرة من الأموال بفائدة ضئيلة ساعد البنوك المركزية في دول الاتحاد الأوروبي كثيرا خلال السنوات الماضية »ولكن سياسة الفائدة المتساهلة تؤدي دائما إلى اختلالات كبيرة« مضيفا: »أصبحنا نرى مؤشرات على وجود فقاقيع مالية في أماكن متزايدة في سوق المال لم نكن نتوقع وجودها فيها«.

وأشار رئيس البنك المركزي الألماني في هذا السياق إلى انفجار الأسعار في سوق العقارات وارتفاع أسعار الأسهم بشكل غير مسبوق.

ورأى كريان أن الارتفاع الأخير في سعر اليورو مقابل الدولار ربما أخر البدء في الخروج من السياسة النقدية المتساهلة وقال: »يسبب لي ارتفاع قيمة اليورو قلقا وذلك ليس فقط لأنه يصعب الصادرات.. بل لأن التطور في أسواق العملات الأجنبية ربما خدم البنك المركزي الأوروبي كحجة للاستمرار في زيادة الفائدة السلبية على اليورو«.

واشتكى كريان من أن خفض البنك المركزي الأوروبي الفائدة البنكية إلى أدنى مستوى لها في تاريخها يلحق ظلما بالبنوك الأوروبية أمام البنوك الأمريكية المنافسة لها.

تقوية نمو منطقة اليورو ومخاوف من التضخم

وقال مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي في سبتمبر/ أيلول الماضي إن اقتصاد منطقة اليورو نما بوتيرة قوية بلغت 0.6 في المئة في الأشهر الثلاثة حتى يونيو/ حزيران مقارنة مع الربع الأول، مؤكدا تقديراته الأولية وتوقعات السوق.

وأكد »يوروستات« أن النمو الاقتصادي بمنطقة اليورو التي تضم 19 دولة تسارع في الربع الثاني بعد نمو بلغ 0.5 في المئة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام.

وعدل مكتب الإحصاءات بالرفع بيانات النمو في منطقة اليورو على أساس سنوي. ونما الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة 2.3 بالمئة في الربع الثاني واثنين بالمئة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، ارتفاعا من التقديرات السابقة للنمو البالغة 2.2 في المئة و1.9 في المئة على الترتيب.

وعلى أساس سنوي جاء النمو في الربع الثاني أيضا أعلى من متوسط توقعات خبراء اقتصاديين في استطلاع أجرته رويترز والبالغ 2.2 في المئة على أساس سنوي.

وتؤكد البيانات النهائية لنمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني متانة اقتصاد المنطقة وتمثل نبأ سارا للبنك المركزي الأوروبي مما قد يمهد الطريق لتقليص برنامجه للتحفيز النقدي.

وخفض البنك المركزي الأوروبي بعض توقعاته للتضخم في ضوء ارتفاع اليورو بينما رفع بعض توقعاته للنمو بعدما سجل اقتصاد منطقة اليورو أفضل موجة نمو خلال عقد.

وزاد اليورو 13 بالمئة مقابل الدولار خلال العام الحالي وهو ما يعطي مؤشرات متباينة للبنك المركزي الأوروبي كونه يعكس قوة الاقتصاد لكنه يكبح التضخم من خلال خفض تكلفة الواردات.

ويتوقع المركزي الأوروبي الآن أن يسجل التضخم 1.5 بالمئة في 2017 و1.2 بالمئة في 2018 مقارنة مع توقعاته في يونيو حزيران ببلوغه 1.5 و1.3 بالمئة على الترتيب. كما خفض البنك توقعاته للتضخم في 2019 إلى 1.5 بالمئة من 1.6 بالمئة. وتقل هذه الأرقام عن الهدف الذي حدده البنك عند أقل قليلا من اثنين بالمئة.

ويتوقع البنك معدل نمو 2.2 بالمئة في العام الحالي مقارنة مع 1.9 بالمئة في التوقعات السابقة. ولم يطرأ تغيير على توقعات البنك لنمو 2018 و2019 لتستقر عند 1.8 بالمئة و1.7 بالمئة على الترتيب.

وقد ألقى التضخم بظلاله، حيث أظهرت بيانات وكالة الإحصاء الأوروبية )يوروستات( الصادرة تباطؤ وتيرة تضخم أسعار المنتجين )الجملة( في منطقة اليورو خلال تموز/يوليو الماضي بأكثر من التوقعات.

فقد ارتفعت أسعار الجملة خلال تموز/يوليو الماضي بنسبة 2 سنويا وهو ما يقل عن التوقعات التي كانت 1ر2 سنويا. وكان المؤشر قد سجل 4ر2 خلال حزيران/يونيو الماضي وفقا للبيانات المعدلة، في حين كانت القراءة الأولية لذلك الشهر 5ر2 سنويا.

وجاء ارتفاع أسعار الجملة خلال تموز/يوليو الماضي بنسبة 2 كنتيجة أساسية لارتفاع أسعار السلع الوسيطة بنسبة 7ر2 والسلع الاستهلاكية غير المعمرة بنسبة 4ر2 سنويا.

في الوقت نفسه، ارتفعت أسعار الطاقة بنسبة 2 سنويا وأسعار السلع الرأسمالية بنسبة 9ر0 وارتفعت أسعار السلع المعمرة بنسبة 5ر0 خلال تموز/يوليو الماضي.

في الوقت نفسه استقر مؤشر أسعار الجملة خلال تموز/يوليو الماضي عند نفس مستواه في الشهر السابق دون تغيير، وذلك مقابل تراجع بنسبة 2ر0 شهريا في حزيران/يونيو الماضي.

ارتفاع مفاجئ لثقة المستثمرين في منطقة اليورو

وبالرغم هذه المخاوف أظهر تقرير اقتصادي ارتفاع ثقة المستثمرين في منطقة اليورو في بداية أيلول/سبتمبر الماضي على خلاف التوقعات.

وبحسب نتائج المسح الذي أجراه مركز أبحاث »سينتكس«، ارتفع مؤشر ثقة المستثمرين في منطقة العملة الأوروبية الموحدة خلال أيلول/سبتمبر الحالي إلى 2ر28 نقطة مقابل 7ر27 نقطة في آب/أغسطس الماضي. وكانت التوقعات تشير إلى تراجع المؤشر إلى 3ر27 نقطة.

في الوقت نفسه تراجع المؤشر الفرعي لقياس الثقة في الموقف الراهن للاقتصاد من 40 نقطة إلى 75ر39 نقطة، في حين ارتفع مؤشر التوقعات من 16 إلى 3ر17 نقطة خلال الفترة نفسها.

وارتفعت ثقة المستثمرين في ألمانيا إلى 34 نقطة خلال أيلول/سبتمبر الحالي مقابل 2ر33 نقطة خلال آب/أغسطس الماضي.