دماؤكم لم تذهب هدراً

معن بشور

تشاء الأقدار أن يختار الله موعداً لرحيل رفيق العمر عبد الكريم حمد قيس )أبو عدنان(، أحد قادة الثورة الفلسطينية المعاصرة، في ذكرى استشهاد مخيم تل الزعتر الذي يبقى نقطة سوداء في تاريخنا نسعى جميعاً إلى تجاوزها من أجل بناء علاقة أخوّة ومودة وشراكة بين اللبنانيين والفلسطينيين.

وكأن القدر أيضاً أراد أن يقول أن القادة الذين يمضون حياتهم مع أبناء شعبهم، يبقون في مماتهم إلى جانبهم أيضاً، فالقادة المبتعدون عن شعبهم هم الأكثر عرضة للانحراف والفساد والاستبداد…

وإذا كنا نحرص منذ ربع قرن على إحياء ذكرى رحيل الحبيب إبي عدنان، كما كل الشهداء، فليس ذلك وفاءً لمن يستحق الوفاء، ولا تأكيداً على مكانة من استطاع بنضاله ومبدئيته أن يحتل مكانة عالية في قلوب الناس وعقولهم، بل أيضاً لأننا نعتقد أن الشعوب والأمم تحيا بشهدائها، بل تستعيد من خلال نضالهم صفحات خالدة من تاريخها، وتدرك من خلال سيرتهم عظمة الإنجازات والدروس التي حفلت بها هذه التجارب.

بل إننا نعتقد أن هذه المناسبات التي نحييها في ذكرى راحلينا الكبار هي فرصة لكي نضعهم في أجواء حال أمّتهم، لاسيّما حال فلسطين جرح هذه الأمّة وقلبها…

نقول لأبي عدنان، وشهداء تل الزعتر، وكل شهداء فلسطين والأمّة، أن تضحياتهم ودماءهم لم تذهب هدراً، بل أن البذار التي زرعها جيلكم تثمر اليوم انتفاضات متتالية، ومقاومة مستمرة، وصموداً نادراً، وآخر هذه الثمار هو انتفاضة الأقصى التي انتصرت بها عين المقدسيين على مخرز الاحتلال.

نقول لشهدائنا أن المقاومة، كحركة وفكرة وثقافة التي ربطتم حياتكم بها، تزهر يوماً بعد يوم في لبنان وديار الأمّة كلها، وتتحول إلى ظاهرة مرعبة للعدو الذي لم يعد يخفي قلقه من تناميها وخطرها على وجوده…

نقول لأبي عدنان، إن ما نبهت إليه مبكراً، أنت ورفاقك في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، حول البعد الأممي والدولي للقضية قد بدأ يثمر تحولات شبه يومية في الرأي العام الدولي، ويتحول إلى مكاسب جدية لفلسطين في المنظمات الدولية، وصولاً إلى تحقيق إنجاز تاريخي باعتبار فلسطين عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة…

إنه عهد الوفاء لفلسطين وقضايا الأمّة، نجدّد التزامنا به، وعهد الحفاظ على المبادئ التي أفنى الشهداء والمناضلون أعمارهم من أجلها، وعهد النضال الدؤوب كي تستعيد أقطارنا المعذبة في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر وكل أقطار الأمّة أشراقها وأنوارها ووحدتها وانتصارها على كل أعداء الأمّة.

الشهيد ابو علي مصطفى

قائد من نوع خاص

 في 27 آب/ اغسطس 2001، اغتالت يد الارهاب الصهيوني المناضل الكبير ابو علي مصطفى الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في مكتبه في رام الله في اطار خطة صهيونية لتصفية القيادات الفلسطينية لم تتوقف عنها منذ قيام الكيان الصهيوني حتى اليوم… لا سيما تلك القيادات التي التزمت خط المقاومة ودافعت عن ثوابت الشعب الفلسطيني.

 لقد دفع ابو علي مصطفى ثمن نضاله الطويل ضد المشروع الصهيوني، ولكنه أيضاً دفع ثمناً غاليا لكلمة قالها لدى عودته إلى فلسطين عام 1999،«لقد عدنا لنقاوم وندافع عن شعبنا وحقوقنا ولم نأت لنساوم«.

 في ذكرى استشهاد ابي علي مصطفى تقفز افكار عديدة، ونتذكر اياماً جمعتنا في بيروت قبل الغزو الصهيوني لها، وخصوصاً زمن الحصار حيث كان »نائب الدكتور جورج حبش يتميز بشجاعة نادرة، وصلابة مضيئة، ومعويات عالية« وأذكر كلمة قالها لي ولاخواني في تجمع اللجان والروابط التقيناه حين زارنا في مقرنا في المصيطبة :« كنا نواجه العقبات والحواجز والكمائن والقيود لنصل إلى العدو ونقاتله في ارضنا المحتلة… لكن العدو اليوم جاء الينا بدباباته وجنوده وضباطه فلنلقنه درساً لن ينساه«.

 ولكن يبقى امران لا يمكن تجاهلهما حين نتحدث عن المناضل والقائد الكبير:

 اولهما انه واحد من أمناء عامين ثلاثة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اولهما المؤسس والمناضل والقائد الكبير الدكتور جورج حبش، وثانيهما المناضل الكبير احمد سعادات الاسير في سجون الاحتلال منذ عام2003, وبينهما القائد الشهيد ابو علي مصطفى.

 ان الشهيد ابو علي مصطفى قد تدرج في مراتب المسؤولية في حركة القوميين العرب منذ ان بدأ مناضلا في صفوفها، ثم مسؤولا حزبياً في شمال الضفة الغربية، فمعتقلا سياسيا في الاردن، فمقاوما مساهما في تأسيس الجبهة الشعبية، فمسؤولا عن تشكيل خلايا العمل الفدائي في الضفة وغزة حيث عمل متخفياً بعد الاحتلال 1967، ثم كأحد قادة المقاومة الفلسطينية في الاردن ولبنان، وكأنه في كل مرحلة من مراحل القيادة يثبت جدارة وكفاءة وشجاعة ووعياً ثوريا جعلته يحتل مكانة رفيعة بين رفاقه في الجبهة، واخوانه في الثورة، كل من عرفه في اطار حركة التحرر العربية والعالمية…

 بين شهداء فلسطين، قادة ومناضلين ، الذين يضيئون سماء بلادهم كل يوم، يبقى اسم ابو علي مصطفى ذ رحمه الله ذ نجما مضيئا لا يخبو شعاعه، ولا ينطفئ نوره في وجدان شعبه وضمير امته…

 كان رحمه الله قائدا من نوع خاص.

نديم البيطار في ذكرى رحيله الثالثة

يوم غاب عنا المفكر العربي الكبير ابن بينو العكارية الدكتور نديم البيطار في 25 آب/أغسطس 2014، كتبت في »السفير« الغالية: نديم البيطار… الوحدة العربية من الحلم إلى العلم.

كم نفتقد اليوم الوحدة العربية… ونفتقد الحلم والعلم معا… وكم نفتقد الدكتور عصمت سيف الدولة الذي وصف البيطار »بنبي الوحدة«… ونفتقد الغالي الدكتور محمود حسين، المصري – اللبناني؛ الذي كان خير تلميذ وأوفى صديق لنديم البيطار.

»ناصر 56«

رحمه الله… كان محفوظ عبد الرحمن مبدعاً بقدر إيمانه بربه ووطنه وأمّته… شكل مع شريكة عمره المبدعة سميرة عبد العزيز ثنائياً في العطاء والنضال…

حين كتب فيلم ناصر 56 في التسعينيات )1996(، وحضره ملايين المصريين والعرب. قال لي في أحد دورات المؤتمر القومي العربي: لقد راهنا في إخراجنا لفيلم عن جمال عبد الناصر على أن الرجل ليس مجرد حنين لذكرى عزيزة في حياة الأمّة فحسب، بل هو تعلق بمن مثل لأمّته نهجاً ومساراً ومشروعاً لا مستقبل للعرب بدونه…

ولقد جاء الإقبال الجماهيري الملاييني على حضور الفيلم في مصر وخارجها ليؤكد سلامة هذا الرهان…

رحمه الله، والعزاء للأخت المبدعة سميرة ولنجله المخرج باسم ولكل أفراد أسرته ولمحبيه الكثر…

لماذا ؟!!

لمن يعتبر اتفاق الطائف ميثاقه، والدستور مرجعه، والمعاهدات والاتفاقيات التزاماً… كيف يرفض التنسيق مع سوريا، والعلاقة المميزة معها، وهي في صلب الميثاق الأول والثاني اللذين لم يزالا، وكل المعاهدات والاتفاقيات، نافذي المفعول…

شهداء الجيش جاءوا من كل الوطن ليطهروا بدمائهم كل الوطن…

شهداء الجيش القادمون من برقايل وزحلة والكويخات أكّدوا باستشهادهم وحدة وطن عماده جيشه… وحاضنه شعبه… ودرعه مقاومته…

مقاومو الوطن بإسعافهم رفاق السلاح أكّدوا من جديد المعادلة التي حققت كل الانتصارات…

رحم الله الشهداء… وشفى الجرحى… ونصر لبنان كل الوطن…

»شبيبة الهدى« عطاء بلا حدود

شكّلت جمعية شبيبة الهدى في حياة بيروت خصوصاً، ولبنان عموماً، ظاهرة تستحق الاهتمام، كما تستحق الدراسة لأنها قدّمت، رغم انعدام الإمكانيات المتوفرة لها، نموذجاً لعمل تطوعي ساهم في أيام الحرب باسعاف العديد من المواطنين، وإخلاء جثث عدد آخر من تحت الأنقاض، كما ساهم بإطفاء الكثير من الحرائق التي عمّت المناطق المختلفة…

وفي زمن السلم ساهمت الجمعية، وما تزال، في خدمة الناس، رغم ضآلة إمكانياتها، بل ساهمت في العديد من المشاريع البيئية والاجتماعية، لاسيّما في مجال المبادرات الشبابية التي أرادت أن تطلق وعياً وحدوياً، وإرادة وحدوية عند شباب لبنان الواحد والواعد الذي أبعدته الحرب عن بعضه البعض ومزقته النعرات الطائفية والمذهبية.

في آواخر الثمانينيات، مع اشتداد وطيس الحرب الملعونة، احتضن أهالي بيروت جمعية شبيبة الهدى )كما احتضنوا هيئات مماثلة كانت رمزاً للعطاء الإنساني كهيئة الإسعاف الشعبي(، ففتحوا لها أكثر من 17 مركزاً في أحياء العاصمة، واشتروا لها سيارات الإسعاف، وكان لسان حالهم يقول في غياب الدولة وأجهزتها نحتاج إلى من يقيم بجوارنا ويوفر لنا الضمانات التي نحتاجها في زمن الحرب، وكانت »شبيبة الهدى« تلبي النداء، وكان متطوعو الدفاع المدني موجودين حيث يجب أن يكونوا…

جمعية شبيبة الهدى التي تأسست في مثل هذه الأيام عام 1984، بعد أن كان اسمها »كشاف العروبة«، كان شبابها أول من هبّ لإخلاء الجرحى من المدينة الرياضية يوم بدأت حرب 1982، بقصفها وأول من دخلت مخيم صبرا وشاتيلا وكشفت حصول المجزرة الرهيبة، وأول من كان يسارع إثر كل قصف إلى مكان القصف للقيام بواجبها، وهي التي خرجت بمسيرة شبابية من الطريق الجديدة )حيث منشأها إلى عائشة بكار، حيث استشهد المفتي الشيخ حسن خالد(، في الذكرى السنوية لاستشهاده، حاملة يافطة شهيرة بعنوان »لن ننساك أيها المفتي الشهيد«، يوم كان كثيرون يخشون إحياء ذكرى تلك القامة الكبيرة التي أعطت عمرها من أجل لبنان والعروبة.والاسلام…

لم تبخل الجمعية على العاصمة والوطن بأغلى شبابها، فكان منهم الشهداء )المحامي محسن طراد، الرئيس المؤسس للجمعية، فؤاد ابو حطب أول قائد لجهاز الدفاع المدني، محمود دالاتي، محمد عبد الله، محمد قعقور، حسان النويري، محمد فران، سعد حيدر، كمال الاسطه، محمد رستم( الذين مثلوا باستشهادهم وحدة الوطن وتكامل مكوناته…

هذه الجمعية التي أهملتها الدولة والأجهزة المعنية، وأدارت ظهرها لها المنظمات الدولية المعنية بأنشطتها، وما تزال صامدة تقدم النموذج النقي والصادق للخدمة الإنسانية…

تحية إكبار وجلال لشهداء الجمعية وكل شهداء الدفاع المدني، وتحية لأعضائها الأوفياء واعضاء هيئتها الإدارية وفي مقدمهم رئيس الجمعية المناضل الإنساني والاجتماعي مأمون مكحل.