مسحة الحكمة عند خليل روكز

تُختصر مأساة الطبيعة البشرية بقسوة الحياة وظلم الانسان وأنانيّة البشر… فالقوي يأكل الضعيف والغني يفترس الفقير، وهذا بالتأكيد ما يصيب في الشاعر مقتلاً حين يكون محبّاً للخير مصطفياً لبراءة الطفولة، وادعاً أميناً يتنكّب أخلاق الانتماء الى الذاكرة السمحة التي أساسها الحق والخير والجمال…

سيقول أحدكم ما هذا الكلام في حضرة الشاعر، سأقول كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي: »إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، إن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا »…

هكذا نختصر خليل روكز المبدع والمفكر ، الذي أغنى الزجل اللبناني كتابةً وارتجالاً، وسما بالمنبر الزجلي الى ذروة الكمال، وكان له الفضل الأكبر في تطوير المناظرات الشعرية، وذلك بنقلها من صعيد العنتريات الى صعيد الحوار الفكري البنّاء، فتناول مختلف المواضيع وتصدّى لأغلب المشكلات التي عاناها الانسان في زمانه كما في كل مكان. ولا شك أن خليل روكز استطاع بموهبته الفذّة معالجة الكثير من المسائل الاجتماعية عارضاً لها الحلول المناسبة…

هنا نجتمع حول الزمان الذي مرّ على رحيل الشاعر خليل روكز منذ أكثر نصف قرن ، 27 تشرين الثاني 1962، لنؤكد أن ما قاله في ذلك العصر يصلح لعصرنا الحاضر وللغد.. مفردة مفردة….

أنظروا كيف يصف ظلم الانسان وافتراس الغني للفقير، حيث وجَدَ في الذئب وداعة لم يستشفّها في الانسان:

بتشرب عرق عا قصبة الخاروف،

وبتخاف عا غنماتك من الديب…

وحول شرّ الانسان كطبيعة متأصّلة والعبادة قناع زائف لحجب شرّ الأفعال عن العيون:

وبالناس أجواخ النوايا مبطّني،

بحيّات سوء وشوك والظاهر خزام…

وعن عاطفة الأم لولدها التي تستبدل عاطفة الأمومة بعاطفة المعلبات:

وطفل الّبيربى عا حليب البودرة،

بعكس الّبيربى عا حليب العاطفة…

لقد وضع الشاعر خليل روكز منهجاً وهدفاً للشعر والقول، فلا يجوز أن نقول ما لا يلزم، وقد أحاطنا بكثيرٍ من المفردات التي تجعلنا نقف لمواجهة أنفسنا، وما نفع أدب لا يخدم هموم الناس وقضايا المجتمع…

في الذكرى السنوية الرابعة والخمسين لغياب شاعرٍ عملاق كخليل روكز، لا يسعني سوى القول أن الأدب الحيّ يبقى خالداً في نفوس الأجيال… وروكز من القلّة الخالدين كأرز لبنان ونبي جبران وعظماء الفكر والأدب والثقافة…

عاش أدب خليل روكز مع الزمان، وعاش الحب في مسكن الإيمان …أما القهر وحده فهو الذي يعيش في رحى الوجدان …

أيها الخليل لم يزل بيدرك يذروه القمح وخيرك يغلُّ شعراً على الأوطان …