وهم المعرفة وشهادات منتهية الصلاحية

الدكتور إبراهيم الحريري

الأمية ثلاث: تعليم ومعرفة وتكنولوجيا – البرفسور عبدالله الموسوي – جامعة لندن

 أعظم عدو للمعرفة ليس الجهل، وإنما وهم المعرفة- البرفسور ستيفن هوكنج – جامعة كامبرج.

تواجه العديد من دول الجنوب تحديا ثلاثي الأبعاد يتمثل في القضاء على الأمية التقليدية من جهة، والأميتين المعلوماتية والمعرفية من جهة أخرى، وهذا يتطلب بناء بيئة معرفية تستبدل مفهوم التعليم )teaching( بمفهوم التعلّم )learning(، انسجاما مع الحكمة المعاصرة التي تقول: »المعرفة لا تُمنح من قبل المعلم، بل تُصنع بواسطة المتعلم«.

وإن وهم المعرفة)The illusion of knowledge( هو أحد انحيازات الدماغ البشري فلا أحد يفلت من هذا الوهم مهما بلغ من العلم فكل شخص مصابٍ به ولكن على درجات متفاوتة

فما هو وهم المعرفة ؟

لتعريف وهم المعرفة لابد من التعريف والتفريق بينه وبين الجهل، والجهل نوعان جهل بسيط وجهل مركب.

الجهل البسيط )إيجابي( : هو أن يجهل الإنسان علما ما ولكنه يعرف بأنه جاهل به، ولا يخلو انسان في هذا الوجود من هذا الجهل مهما بلغ من العلم لأن حياة الإنسان أقصر من أن يستطيع الإطلاع على كل علم.

أما الجهل المركب)سلبي(: فهو جهل الانسان أنه جاهل وعلاج هذا الجهل بالتدريب على اثبات المعادلات الرياضية حتى يصحو دماغه ويتحول جهله من السلبي إلى الإيجابي – أي الجهل البسيط.

و نستذكر قول الخليل بن أحمد الفراهيدي: »الرجال أربعة، رجل يدري ويدري أنه يدري فذلك عالم فاتبعوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك نائم فأيقظوه، ورجل لا يدري ويدري انه لا يدري فذلك مسترشد فأرشدوه، ورجل لا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه«.

و لمعرفة وتشخيص وهم المعرفة نعرف منه نوعين :

– اعتقاد الإنسان أنه يعرف أكثر من معرفته الحقيقية

– الإشتباه بين الإطلاع والمعرفة

)Familiarity vs Knowledge(

وهذا عادة يكون واضحا بالنسبة لطلاب المدارس وخصوصا في الرياضيات فيظن الطالب أنه عرف المادة بينما هو فقط فهم الفكرة بشكل عام وعند البدء في حل المسائل تبدو عليه الحيرة ويقع في الأخطاء.

وهم المعرفة أخطر من الجهل المركب لأن الجهل المركب يضر صاحبه، بينما وهم المعرفة يضر صاحبه ومن هم ضمن دائرته )مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ(

ولتوضيح المعنى نأخذ هذا المثال، لو طلبنا من ثلاثة أشخاص )جاهل بسيط وجاهل مركب ونصف متعلم( أن يقودوا طائرة، فالجاهل البسيط سوف يعترف مباشرة بعدم مقدرته، والجاهل المركب قد يحاول ولكن سرعان ما يدرك عدم مقدرته، وأما نصف المتعلم والذي اطلع فقط على كيفية الإقلاع سوف يقلع بالطائرة ولكن لن ينتبه أنه لم يطلع على كيفية الهبوط ولا كيفية التعامل مع تقلبات الأحوال الجوية فتحدث الكارثة

وهم المعرفة يُصاب به المتعلمون والأخصائيون من أطباء ومهندسين ورياضيين وسياسيين ومحامين وغيرهم، فالطبيب يعتقد أنه يعلم أكثر مما بالفعل يعلمه ولاعب الشطرنج يقدر مهارته أكثر من المهارة الحقيقية التي يملكها.

درجات وهم المعرفة متفاوته ويبدأ مع بداية الإنسان في الإطلاع على العلوم ويزداد الوهم كلما زاد اطلاعه إلى أن يبلغ الأمر ذروته ومع مواصلة التعلم يبدأ الفرد الإدراك الحقيقي لقيمة معارفه حتى يصل إلى تقييم متقارب بين معرفته الحقيقية وتقيـيمه لنفسه، ولا يبلغ هذه الدرجة إلآ الراسخون في العلم، ومن هنا جاءت الحكمة )رحم الله امرؤ عرف قدر نفسه(

في عصرنا الحالي ساهمت الفضائيات ومواقع التواصل في انتشار وهم المعرفة واعتقد الناس أنهم يعرفون الكثير من العلوم وبمستوى يؤهلهم في الحديث عنها، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية.

و هذا وذاك يدفعنا بالتفكير بمصطلح الشهادات ا  ا المطروق بالوقت الحاضر وقد أصبحنا نجده بالشهادات المهنية التي تحوي تاريخ صلاحية )Expiry Date( وقد يكون الطرح صاعقا للكثير بأن يصبح  يوما للشهادات الجامعية تاريخ صلاحية، أو أن تصبح الشهادة غير مطابقة ومناسبة للوظائف المقبلة؟ إن المتأمل لواقعنا اليوم ومدى التطور العلمي والتكنولوجي الذي وصلت اليه الحضارة الانسانية وخاصة خلال السنوات الأخيرة، يرى بأننا مقدمون على مرحلة جديدة من الظواهر الحديثة للأعمال والتوظيف مثل التوظيف الالكتروني، والتوظيف عن بعد، ومشاركة الجماهير والهواة في الاعمال، والمكاتب الافتراضية، والمشاركات العلمية للأعمال، وغيرها من المسميات والظواهر التي ظهرت بقوة على ساحة الوظائف بل وادارة المنظمات الكبرى، فلم تعد الوظائ وفقا للشهادة الجامعية او التقدم لها وفقا للظروف والشروط التقليدية السابقة من تقديم أوراق وعمل مقابلات شخصية وتوصيات أو مجاملات وغيرها من الأمور السابقة التي يعلمها الجميع.

إن نحن نعيش مرحلة متقدمة من أساليب وأشكال التوظيف قائمة على مبادئ الحضارة الحديثة التي تتسم بالمعرفة المفتوحة للجميع والتكنولوجيا المتشعبة في كل حياتنا والابتكارات السريعة التي تكاد تكون يوميا والنظريات والثقافات الاجتماعية الحديثة التي لا ترتبط بمكان بل اصبحت الثقافة متاحة للجميع والإنخراط في ثقافات متعددة في آن واحد من السهل بمكان عن طريق الشبكات الاجتماعية والمنتديات والمواقع العالمية على شبكات الانترنت التي لا تعترف بمكان أو بجنس أو بلون، واصبحت الشركات تعتمد التوظيف عن بعد والاستعانة بالهواة الذين يبتكرون وسائل ومنتجات جديدة ويساهمون في حل مشكلات لأكبر الشركات العالمية.

ولم تعد الشهادات الجامعية او التخصصات والدرجات الاكاديمية هي المعيار الأساسي في الاستعانة وتوظيف العاملين في كثير من الشركات الكبرى فضلا عن المتوسطة أو المنشآت الصغيرة، فالمعيار هو ما تقدمه من قيمة لهذه الشركات وما تملكه من مهارات وإبداع تحقق أهداف وطموحات هذه الشركات.

ومما يؤكد هذه الفرضية انتشار الدورات العلمية والمتكاملة لكافة التخصصات والمهارات وانتشار المراجع والكتب بشكل مجاني ومفتوح، اصبح أي طالب في أي مكان ان يتعلم ويمارس ويناقش ويشارك في دورات ومشاريع وأعمال ومسابقات عالمية وإبداع الكثير  من المنتجات والمشاريع والخدمات.

و بعد تشخيص المشكلة نلخص بأن علاج وهم المعرفة يتكون من خطوتين :

– إدراك وجود وهم المعرفة

– البدء في رحلة استكشاف بحر الجهل لدى الفرد نفسه وتشخيصه بكل أبعاده.

فهل آن الأوان أن يراجع شبابنا ما يملكونه من معارف ومهارات، وما يستطيعون تقديمه للشركات، وألا يركنوا إلى شهادات جامعية فقط، لا تلبث ان تكون ديكورا اضافيا لحائط المنزل، ولا يستطيعون الإنخراط في حياتهم العملية، فسوق المنافسة شديد وتداعيات العولمة عظيمة وسريعة وأصبحت المعلومات هي السلاح الوحيد لكل من يريد ان يضع قدمه في صراع الحضارة الحديثة صراع المعرفة القائمة على التكنولوجيا المتقدمة التي تتغير بسرعات مذهلة حتى أصبحت منتجات اليوم قديمة خلال عدة أشهر والنظريات العلمية ما تكون تاريخا للعلم بسبب ما يظهر من علاقات جديدة ونظريات ومعارف حديثة.

فأختم قائلا لشبابنا العربي: نحن أمة إقرأ تسلحت بالعلم والعمل والمعرفة فحكمت العالم وساهمت بالنهضة الإنسانية ولن نرجع لسابق عهدنا الا بتخلصنا من التقليد الأعمى والاستهلاك للغرب وتسلحنا بالابداع والابتكار والتميز والانتاج وصقل الخبرات ونهج المنهج العلمي بعيدا عن الخرافات والتكهنات.