دولة الأكراد المنتظرة ما لها وما عليها

ضرورة اصدار قرار بعراقية كركوك

د. ماجد السامرائي

منذ اعلان الاستفتاء على استقلال الأكراد عن العراق دخل الملف الكردي منعطفا خطيرا لم تواجهه الدولة العراقية منذ تأسيسها.ولقد تشجع الكثيرون من العراقيين مواطنين وسياسيين ومثقفين لإعلان المواقف الرافضة لهذه الخطوة الانفصالية حتى من بينهم المؤمنون بحق تقرير المصير للشعب الكردي. ذلك ان قيادة البارزاني اختارت طريق اللاعودة مع العراق الدولة والكيان مستندة في هذه الخطوة الانفصالية على الكنز الذهبي كركوك وعلى قناعة هذه القيادة بأن أمامها حكومة في بغداد غير قادرة على إدارة مثل هذه القضية الوطنية الكبيرة فهي قد واجهت عصابة داعش بإمكانيات أكثر من عشرين دولة كبرى بقيادة الولايات المتحدة ولم تدر تلك الحرب بعقل وطني جامع وانما بعقل طائفي مذهبي. وهي في حالتها الجديدة في الملف الكردي تبدو عاجزة تماما لان الطائفية والتعصب العرقي يتماثلان في النوايا والاهداف السياسية رغم  التفاف جميع عرب العراق حول حكومة بغداد في هذا الملف الوطني .هناك معطيات تاريخية وسياسية عراقية تضع القيادة الكردية في مأزق واضح وستواجه مشكلات كبيرة في القدرة على التماسك في كيان تحلم أن تأخذ فيه كركوك الى هذا الكيان الجديد وسط محيط مضطرب فيه تتصاعد المصالح الإقليمية ليس في جزء من العراق وإنما في كلّه.

فتاريخيا يعيب الاكراد على عرب العراق أنهم ابناء دولة وكيان مصطنع على أعقاب معاهدة )سايكس بيكو( حرموا من خلالها من إنشاء كيانهم الخاص، وهم يعتقدون أن لهم حقوق الجغرافية والتاريخ في هذه الارض التي يقيمون عليها في العراق في حين أن جميع الحقائق التاريخية تؤكد أن الاكراد تجمعهم روابط اللغة والدين الا انهم أقوام نزحوا من أواسط آسيا وهناك آراء تقول بأصولهم الفارسية وأخرى تقول بآريتهم وانهم نزحوا الى ارض بلاد ما بين النهرين منذ اقدم العصور ومن حقهم الاعتزاز بكرديتهم وليس عراقيتهم.لكن استعانتهم بتاريخهم غير العراقي ووجودهم على ارض العرب العراقيين لا يمنحهم أحقية استلاب ارض العراق وخيراته. فلماذا اذن لا يمنح مثل هذا الحق للمسيحيين الآشوريين الذين لهم الفضل الاول بوجود العراق. الدولة العراقية ومؤسساتها )فيصل الأول( أعطى الكرد حقوقهم ضمن الهوية الوطنية العراقية وتبوأ الأكراد مناصب عليا في الحكومات والجيش، كما تعاملت الحكومات اللاحقة مع الأكراد بذات المبادئ حيث اعتبر الدستور الجمهوري الأول العرب والأكراد شركاء بالوطن، كما تمتع الأكراد ولأول مرة في التاريخ بحقوق الحكم الذاتي وفق بيان 11 مارس )آذار( 1970 ثم قانون الحكم الذاتي لعام 1974 الذي تقرر بجانب واحد من قبل الحكومة المركزية بعد رفض القيادة الكردي بسبب عدم ضم مدينة )كركوك( لهم، ودخولهم في صراع عسكري مع بغداد حيث استخدمت البندقية الكردية لتنفيذ أطماع الآخرين وبعد أن دخلت امريكا على الخط وأراد اللوبي البهودي في واشنطن تنفيذ مشروع »الشرق الأوسط الكبير »إنطلاقاً من العراق بعد إزاحة نظامه السياسي عبر سلسلة من الإجراءات التي لم تشهدها المنطقة من قبل مثل فرض منطقتي الحظر للطيران الحكومي عام 1991 في شمالي العراق وجنوبه مما أتاح للأكراد

كركوك... جوهر الخلاف بين بغداد والقيادة الكردية
كركوك… جوهر الخلاف بين بغداد والقيادة الكردية

حرية الهيمنة السياسية والعسكرية بعد انسحاب القطعات العراقية الى وسط وجنوبي العراق وقيام إقليم كردي شبيه بالدولة المستقلة. واصبحت القيادة الكردية لها شأن نافذ في صناعة النظام الجديد في ظل الاحتلال العسكري الأمريكي في تحالف استراتيجي مع القيادات الشيعية حيث رحب هذا التحالف المصلحي الهش بقرار الحاكم العسكري )بريمر( بحل الجيش العراقي الذي كان البداية الحقيقية لإشاعة الفوضى وانهيار دولة العراق ومؤسساتها الوطنية. كانت القيادة الكردية أكثر من حليفتها الأحزاب »الشيعية« حرصاً على عدم قيام جيش وطني عراقي لأنها تعلم بأن وجوده سيحد من الطموح نحو نزعات الاستقلال عن العراق وهذا ما يحصل هذه الأيام. وقامت القيادات الكردية بجناحيها )جلال والبارزاني( بوضع البنود الرئيسية للدستور الذي رسم إطاره العام اليهودي )فيلتمن( فهم الذين ابتدعوا »الفيدرالية »في بلد موحد لا يحتاج اليها لكنهم أرادوا تقنين الواقع المتميز الجديد الذي كسبوه، وأصبح هذا البند كما غيره ملاذاً لدعاة تفكيك العراق وزرع الاضطراب السياسي والاجتماعي فيه، كما هم الذين أطلقوا على بلدات عراقية فيها اختلاط عرقي إسم »المناطق المتنازع عليها »وفق المادة )140( من ذلك الدستور وسط رضى من الأحزاب »الشيعية والسنية« التي قايضت مصالح السلطة بحقوق الوطن. ولهذا ظلت قضية )كركوك( كما كانت عبر عقود في منطقة الظل وتحت رماد بارود برميل النفط قابلة للتفجير في أية لحظة ضعف الإرادات ونزوة السياسيين وابتعادهم عن مصالح شعوبهم. خلال السنوات الخمس عشرة الماضية خضعت العلاقة ما بين المركز واقليم كردستان للمد والجزر، كشفت قيادة كردستان بزعامة )مسعود البارزاني( خلالها عن تنفيذها مسلسلا متصاعدا في الحصول على الأمتيازات والمكاسب أكثر من باقي مدن العراق. أرادوا قانوناً للنفط والغاز يمنحهم حرية مطلقة بالانتاج والتصدير تضاف الى نسبة )17%( من ميزانية العراق المركزية. صحيح إن منطقة كردستان تميزت بالأمن والاستقرارقياساً على مدن العراق في الوسط والجنوب بسبب هيمنة المصالح النفعية لدى الأحزاب العربية وإشاعة الكراهية والحقد بين أهم طائفتين عربيتين )الشيعية والسنية( مما وفر فرص الابتزاز لدى قيادة البرزاني ووصوله الى مرحلة الدعوة للاستقلال عن العراق مع كركوك مثيراً بذلك أزمة وطنية كبيرة تتعلق بكيان العراق الواحد. ولهذا وجدت قيادة )البرزاني( إن الفرص أصبحت مؤاتية لها لإثارة أزمة »كركوك«كقضية رئيسية ضمن مشروعها في الاستقلال عن العراق. هذا المشروع الذي يدغدغ عواطف الجمهور الكردي بحلم »الدولة »رغم المعاناة المعيشية للكرد في هذا الإقليم الذي توفرت أمامه فرص الطمأننينة والحياة المستقرة. ولو كانت القيادة تقبل بالبقاء داخل العراق يمكن التوصل الى حل رضائي لكركوك، فهم يقولون بأنها »كردستانية« أي تابعة للأمة الكردية حتى وان كان فيها عرب وتركمان بغض النظر عن نسب الاحصائيات الرسمية لكنهم بالمقابل يرفضون نظرياً سياق إن العراق جزء من الأمة العربية لأن ذلك في اعتقادهم شوفينية أليست هذه )تناقضات جاهلة(.لقد استفادت قيادة )البرزاني( من أزمة الحكم في بغداد وضعف حكومته وإنشغال أحزابها بالمصالح الضيقة وتحكم إمبراطورية الفساد ولهذا صعدت من مطالبها لتدخل في مشروع »الاستقلال« عن العراق وهو مشروع خطير رغم بريق شعاراته للأكراد، والأخطر من ذلك كله جعل )كركوك( ضمن مشروع الاستفتاء المقرر في الخامس والعشرين من أكتوبر بما يقود الى مرحلة من التوتر ولتصبح )كركوك( بمثابة مركز الحرب المقبلة بين عرب العراق وكرده في مخالفة صريحة للدستور العراقي الذي شاركت القيادة الكردية في وضعه.وحصلت خطوات إستفزازية مثل إصرار محافظ )كركوك(على رفع العلم الكردي على مباني المحافظة مخالفا بذلك قرار البرلمان العراقي الذي يسري على كل العراق وبضمنه محافظات »كردستان«. والقيادة الكردية تعام بأنها غير قادرة على انتزاع )كركوك( من العراق رغم ضعف ووهن الحكومة المركزية ببغداد وتعدد مراكز التوجيه والقرار فيها والأهم خضوع تلك القرارات لرغبات ومصالح طهران الطامعة أيضاً بخيرات العراق، إضافة لتركيا التي تعتقد بأن كركوك »التركمانية« هي البقعة التي تحرك المشاعر القومية »التركية« وستكون حساباتها مع القيادة البرزانية ذات شأن آخر. كما إن بغداد وفي الحدود الدنيا لمستويات الإرادة الوطنية لا تستطيع اللعب بقضية )كركوك( لأنها قضية وجود لكيان العراق وليست أزمة عابرة. وأعتقد إن حسابات قيادة )البرزاني( ليست دقيقة في اعتقاده بأنه سيتمكن من انتزاع )كركوك( من حضن الوطن، وتحويلها الى مركز المال والحامي الأول للدولة »الجديدة«. إن الأزمة حالياً في مرحلة خطيرة بحاجة الى إرادة عراقية قوية وقيادة سياسية مركزية تتمتع بشعبية »برلمانية« وهذا متحقق نظرياً على الأقل، الذي عليه واجب اصدار قرار واضح يقول بعراقية كركوك وعدم السماح بضمها الى الدولة »الكردية« الجديدة