حوار مع الكاتبة ماري مطر حول أدب الأطفال

ادب الطفل وُجد اساسا ليسهل حياة الطفل

بيروت من ليندا نصّار

يشكّل أدب الأطفال جزءًا مهمًّا من حياة الطّفل الّذي يعتبر ركيزة أساسيّة لبناء المجتمع. ولأدب الأطفال وظائف متعدّدة أهمّها تثقيف الطّفل وتوجيهه نحو وعي القيم الإنسانيّة والعمل على بناء شخصيّته بطريقة سليمة. من هنا يعتبر هذا النّوع الأدبيّ مسؤوليّة كبيرة تقع على عاتق المؤلّف الّذي يراعي قدرات وحاجات الأطفال…

في هذا الصّدد كان لنا لقاء مع الكاتبة ماري مطر معلّمة اللغة العربيّة للأطفال، ومترجمة القصص العالميّة، ومؤلّفة القصص القصيرة والمسرحيّات للأطفال أيضًا. نذكر من مؤلّفاتها: تكنولوجيا ولكن،  أمّي صاحبة الكاراج، متسوّل ولكن، أغنّي بالعربيّة ( كتاب أغانٍ للأطفال)

«الحصاد»:  انطلاقًا من فكرة أنّ أدب الأطفال مسؤوليّة في بناء شخصيّة الطّفل. ما هي المعايير الّتي تعتمدينها أو تأخذينها بعين الاعتبار قبل الشّروع في إنتاج أيّ جديد؟unnamed

 ماري مطر: ممّا لا شكّ فيه هو أنّ أدب الأطفال مسؤوليّة كبيرة جدًّا، وهو من أكثر الأنواع الأدبيّة الّتي تخضع للرّقابة، سواء أكان من قبل الأهل أم من المعنيّين، لما له من تأثير في عقليّة الطّفل وتنشئته. وبحكم أنّني مربّية ومعلّمة للأطفال فأنا أتلمّس حاجتهم، وأدرك قدراتهم وكيفيّة تطويرها، وخصوصًا من خلال أدب الأطفال، فأسعى إلى تأليف قصّة أو مسرحيّة أو أغنية فهي من أسرع الوسائل لتوصيل المطلوب إلى عقل الطّفل. وعندما لا أجد منها ما أنا بحاجة إلى الاستعانة به، أسعى إلى العمل على تأليف المضمون المناسب لأهدافي انطلاقًا من الواقع القريب من أطفالنا وبيئتهم الّتي صارت شبيهة إلى حدٍّ كبير بالبيئات الأخرى وذلك بسبب الانفتاح والعولمة. ولا بدّ من الانتباه لمستوى اللّغة المعتمد وللفئة العمريّة الّتي من أجلها تُكتب القصّة وكذلك المضمون، وهنا قد يجد المؤلّف نفسه أمام تحدٍّ كبير في انتقاء اللّغة البسيطة والسّهلة لمضمون بسيط، يعالج قضيّة أو يطرح مشكلة لقارئ أو مطّلع صغير. وبالنّسبة إلى شخصيّة الطّفل وبنائها فلأدب الأطفال دور كبير أيضًا، حيث أنّه من المعروف عن الأطفال حبّهم للخيال والتّقليد، فنراه يقلّد شخصيّات القصص ويتأثّر بها وقد يغرم بها أحيانًا، ومن هنا لا بدّ من الانتباه والوعي الشّديد في أثناء عمليّة التّأليف والعمل على زرع أحلى القيم والأهداف عند الإنتاج.

«الحصاد»:  ما هي العوامل المساعدة على تربية أساليب الإبداع والقيم لدى الطفل؟

ماري مطر:  مرحلة الطّفولة هي المرحلة الأساسيّة والتّأسيسيّة في حياة البشريّة، وكما يقال إنّ الطّفل هو كالإسفنجة قابل ليتشرب من الوسط الّذي تضعه فيه، وبالتّالي فإنّ عمليّة التّنشئة على بساطتها،  لا تخلو من التّعقيد… وكما قلنا سابقًا، فإنّ لأدب الأطفال دورًا كبيرًا في زرع القيم المطلوب تحقيقها: كالقيم العربيّة من حيث احترام العائلة وتقديرها والكرم والشّهامة والوفاء … بالإضافة إلى ثقافتنا الغنيّة والّتي تتجسّد بالشّعر والخطّ والعلم والمعرفة. كلّ هذه الأمور يمكن صبّها في قوالب مختلفة الأنماط والأشكال والأساليب لتنمي الحسّ الإبداعي لدى أطفالنا الّذين هم أجيال المستقبل ونبراسه.

«الحصاد»:  إلى أيّ مدى تجدين علاقة بين أدب الطفل وواقعه؟

ماري مطر:  أدب الطّفل وُجد أساسًا ليسهّل حياة الطّفل وليطرح أمامه كلّ ما هو بحاجة إليه أو لتوعيته تجاه ما يواجهه، ولمساعدته على التّواصل والتّعامل مع كلّ من حوله… حتّى أنّ الخيال والأسلوب الخيالي المطروح في أدب الأطفال هو لتنمية فكره وقدراته… وكلّما كان الإنتاج قريبًا من واقع الطّفل وعالمه، نجح في الوصول إلى فكره .

«الحصاد»:  ما هو تأثير الأدب المترجم في الطّفل؟

ماري مطر:  لقد كانت لي تجربة مميّزة في ترجمة مجموعة قصص للأطفال ومنها بعض القصص العالميّة من اللّغة الأجنبيّة إلى اللّغة العربيّة، وقد سعيت إلى ترجمتها بأسلوب سلس معتمدة على الجمل القصيرة المسجّعة… محاولة التّأثير في طفلنا القارئ ليس بالكلمة فقط بل بالموسيقى أيضًا. فكلّما نوّعنا بطرائق العرض كلّما نجحنا في الوصول ليس إلى عقل المتعلّم فقط بل إلى قلبه أيضًا. وكم أنّ لغتنا العربيّة اليوم بحاجة إلى كلّ أنواع الدّعم لمواجهة النّفور والاستهجان.

وبالنّسبة إلى تأثير الأدب المترجم في الطّفل، فأدب الأطفال هو أدب مميّز سواء أكان مترجمًا أم عربيًّا أصيلاً… لكن ما يتميّز به هذا الأخير أحيانًا، هو تفوّقه في ملء النّقص الّذي نعانيه في مجتمعنا، حيث نجد أنّ الإنتاج الغربيّ صار يسبقنا بأشواط وأشواط وخصوصًا أنّ دولهم تكرّس أموالاً وجهودًا لهذا النّوع من الإنتاج . بينما في العالم العربي يقع العبء على كاهل بعض الأشخاص أو الدّور، والّتي بدورها قد لا تتبنّى مشاريع مكتملة كبيرة الكلفة بل تفضّل العمل على نطاق ضيّق وبسيط. ومن هنا ندعو الدّول العربيّة إلى دعم هذا الأدب نظرًا لأهمّيته ودوره.

«الحصاد»:  برأيك ما هو مستقبل أدب الأطفال؟

ماري مطر:  أدب الأطفال كان موجودًا على مدار التّاريخ، لكنّه كان بسيطًا ومحدودًا، ويمكننا القول إنّه كان يتمّ من خلال العائلة نفسها وبمجهود شخصيّ أحيانًا. ومع مرور الوقت برزت أهمّيّة هذا الأدب خصوصًا مع تطوّر الحياة وانفتاحها، حتّى صار أدبًا قائمًا بذاته، وبات يأخذ حيّزًا كبيرًا من الاهتمام والعمل والمتابعة، ليس فقط في البلاد المتقدّمة بل في كلّ أنحاء العالم، ومسيرته مستمرّة وما زال يزداد انتشارًا.

«الحصاد»:   كونك كاتبة أدب أطفال (قصص عربيّة ومترجمة، وأغاني) ومعلّمة لغة عربيّة، وعارضة قصص باعتماد الدّمى. ما هو دورالأدب المقروء والمسموع والمرئي في تقريب اللّغة العربيّة إلى الطّفل في ظلّ ما تعانيه هذه الأخيرة اليوم؟

ماري مطر:  لغتنا العربية في تدنٍّ مستمرّ، على الرّغم من بعض الجهود المبذولة… فهي في منافسة مع انتشار وهيمنة اللّغات الأجنبيّة. وبالتّالي فإنّ كل جهد وكلّ عمل وكلّ إبداع هو مهمٌّ في هذه المرحلة مهما اختلف نوعه، سواء كان مقروءًا أو مسموعًا أو مرئيًّا. وبالطّبع فإنّ هذه الطّرق متى ما اجتمعت مع بعضها البعض، كان نجاح العمل مضمونًا أكثر، وخصوصًا في عالم الأطفال، فهم بحاجة إلى تكريس كلّ ما يمكن تكريسه لجذبهم وتشجيعهم على تقبّل اللّغة العربية وتعلّمها.

«الحصاد»:   إلى أي مدى يمكن اعتبار أدب الأطفال عنصرًا مساعدًا في مجال التّعليم؟

ماري مطر:  إنّ عمليّة التّعليم قائمة على أدب الأطفال. ومن دونه يكون التّعلّم جافًّا ومملّاً وقليل الفائدة… ويمكننا القول إنّه يوازي عمليّة التّعلّم في مسيرتها وينمّيها ولولاه لما نجحت هذه المسيرة. فمن منّا لا يعتمد القصّة للإقناع أو التّوجيه أو التّوعية، وكذلك الحال بالنّسبة إلى الأغنية الّتي تضفي رونقًا مميّزًا ومحبّبًا إلى عقول أطفالنا والّتي تسرّع عمليّتي الفهم والحفظ وكذلك المسرحيّة والقصيدة …

«الحصاد»:  ما هو جديد ماري مطر؟

ماري مطر:  حكايتي مع التّأليف والإنتاج الأدبي لا تنتهي طالما أنّني أعيش المجتمع وأعلّم الأجيال وأواكب العصر والتّطوّر، فهناك دائمًا حاجة، وهناك دومًا نقص، فلا بدّ من الإنتاج المستمرّ والعطاء الّذي لا ينتهي والّذي يلامس حاجة ملحّة أو فكراً جديداً أو خيالاً جامحاً … سيصدر لي قريبًا إن شاء اللّه قصتان إحداهما تحاكي الخيال الجميل الّذي يلعب دورًا في عمل الخير، والأخرى واقعيّة سلسة تتحدّث عن أضواء العيد وتأثيرها في المجتمع والتّغيير… على أمل أن يكون لنا دور في نهضة لغتنا العربيّة وتحبيبها إلى قلوب أطفالنا وكبارنا أيضًا.

 ماري مطر: ادب الاطفال مسؤولية كبيرة جدا