مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية حيال العراق عام 2022 : مشهد تراجع المكانة

أ.د. مازن الرمضاني*

لقد ذهبنا في مقالنا المنشور في العدد السابق من الحصاد إلى القول: إن المشهد المحتمل لمستقبل السياسة الخارجية الأمريكية حيال العراق في عام 2022، وربما ما بعده، سيكون تعبيرا عن مشهد مركب سيجمع في أن بين إرتقاء مكانة العراق و/أو تراجعها في هذه السياسة. وقد تم إطلاق تسمية التكيف المتوازن عليه.

ولأننا تناولنا في ذالك المقال مشهد إرتقاء مكانه العراق في السياسة الخارجية الأمريكية،  سنعمد في هذا المقال إلى البحث في مشهد تراجعها.

تجدر الإشارة إلى أن هذا المشهد ياخذ بفكرة أن المستقبل يُعد حصيلة لتأثير معطيات سلبية ممتدة من عام 2012 إلى عام 2022، وبمخرجات تؤدي إلى أن تتميزهذه السياسة بتراجعها. لذا يُعد هذا المشهد بمثابة النقيض للمشهد الأول، جراء اقترانه بمعطيات ومنٌ ثم بسياسات وتفاعلات مختلفة.

وقد يُثير تناول هذا المشهد تساؤلات عن موضوعيته سيما وأن معطيات واقع هذه السياسة تشير إلى إحتمالية تغليب مشهد إرتقاء مكانة العراق فيها على سواه، هذا جراء أثر تلك المدخلات الجيوبوليتكية والاقتصادية والسياسية الداعمة لديمومة أهميته في الإدراك الأمريكي.

 ولا نختلف مع مضامين هذه التساؤلات. فالواقع الراهن يؤكدها.ومع ذلك، نقول إن تَميز عالم اليوم بخاصية التغيير لا تسمح علميا برؤية المستقبل وكأنه ينغلق على مشهد واحد وحتمي، وأنما منفتحا على العديد من المشاهد المستقبلية البديلة. إن هذا الإنفتاح يتطلب التفكيربما يسمى بالتفكير خارج الصندوق، أي بما لا يصارعادة إلى التفكيربه. وهذا هو محط إهتمام دراسات المستقبلات.

 بيد أنٌ هذا المشهد، لا يعني أنٌ مكانة العراق في السياسة الخارجية الأمريكية حياله ستتميز بديمومة تراجعها. فمخرجات تاثيرمجموعة معطيات إيجابية عراقية وإقليمية وأمريكية، قد تؤدي إلى الحد من هذا التراجع، وبما يؤمن العودة بها إلى مشهد الإرتقاء. ومع ذلك يفترض مشهد تراجع مكانة العراق في السياسة الأمريكية انها ستبقى متأثرة بمضمون المنطق العام، الذي يتأسس عليه.

ونرى أن هذا المشهد يُعد حصيلة لمخرجات تأثير ثلاثة مستويات من المعطيات : عراقية، وأمريكية، وإقليمية.

1.المعطيات العراقية

تتعدد هذه المعطيات المؤثرة سلبا في الإدراك السياسي الخارجي الامريكي حيال العراق. ونرى ان أهمها تكمن في الإخفاقات السياسية والاقتصادية والإمنية

1.1 الإخفاق السياسي

لقد ادى إنتفاء الإدراك الأمريكي الدقيق لمعطيات الواقع العراقي ليس فقط إلى إخفاق صيغ تعامله واياها وانما أيضا إلى دعم بناء ركائز عملية سياسية داخلية عاجزة عن إدارة دولة عصرية.

 ويفترض هذا المشهد أن العراق مثلما كان العراق قبل 2012، إستمر أيضا بعد هذا العام، يعاني من تراكم مخرجات سياسات ماقبل هذا العام. فتأثيرها جعل العراق، يتميز بخصائص دولة سلطة وليست دولة هدف، ودولة مكونات طائفية تمارس الاقصاء والتهميش وليست دولة مُواطنة ومؤسسات فاعلة ومستقلة هذا فضلا عن إستمرارها دولة فاسدة، تأخذ بسياسة الإدارة بالأزمة سبيلا للتغطية عن عجزها وفشلها العميق.

إن مخرجات واقع الإخفاق السياسي، متفاعلة مع الإستفتاء في كردستان العراق على الإستقلال، قد تفضي إلى ترتيب تلك المعطيات التي تُسهل سحب تجربة تقسيم يوغسلافيا عليه ومن ثم البدء بتنفيذ خطة جوزيف بايدن : نائب الرئيس الأمريكي السابق أوباما، التي رمت إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات متصارعة. وبهذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن تنبوء الكاتب الأمريكي :غراهام فولر

»…إن العراق لن يكون قادرا على البقاء )بمعنى موحدا(« والتي كان قد قالها في كتابه : العراق في العقد القادم. هل سيقوى على البقاء في عام 2000 ؟ وإن كانت تدخل ضمن عمليات تسويق الحرب الأمريكية على العراق في وقته، إلا أنها قد تصبح حقيقة في نهايات العقد الثاني أو بدايات العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، إن إستمرت خصائص الواقع العراقي الراهن على حالها.

ويفترض هذا المشهد أن تجذرمقومات الإخفاق السياسي في العراق سيفضي بصانع القرارالأمريكي إلى إدراك أن مخرجات هذا الإخفاق ستنطوي على تهديد للمصالح الأمريكية في العراق، وأن حمايتها يتطلب الأخذ بسياسة تعمد إلى مقايضة تشجيع صناع القرار العراقي على إجراء إصلاحات هيكلية داخلية مقابل إستمرارالدعم الأمريكي للعراق، إلا أن فرص نجاح مثل هذه المقايضة قد تكون محدودة.

فالإنسحاب العسكري الامريكي من العراق في نهاية عام 2011 الغى واقعيا إمكانية توافر الولايات المتحدة على اداة تأثير مباشر في عملية صنع القرار العراقي، وهو الأمرالذي لم يُؤد إلى جعل إطارالأنسياق العراقي وراء المطالب الأمريكية الإصلاحية أضيق إتساعا فحسب، وأنما أدى ايضا إلى أن تتأسس، تدريجيا، قناعة أمريكية مفادها أن صناع القرار العراقي يعمدون إلى عدم الإستجابة. إن هذه القناعة الأمريكية هي التي تفسر ومنذ عام 2012 صعودا، ضآلة الدافعية الأمريكية للتدخل الفاعل في جوانب مهمة من الشأن الداخلي العراقي، للحد من إخفاقاته.ولا يلغي ذلك الدعم الأمريكي للعراق في حربه مع داعش.

2.1 الإخفاق الاقتصادي

خلال سنوات ماقبل عام 2012 لم تعمد الولايات المتحدة إلى بناء أوإعادة بناء تلك المستلزمات الضرورية لتأمين النهوض الاقتصادي العراقي تحقيقا لدولة التحديث والرفاهية. فتأمين النهوض الاقتصادي للعراق لم يكن هدفا امريكيا أصلا. ولا يلغي ذلك إناطة عمليات إعادة الإعمار بالشركات الامريكية الكبرى، كهاليبروتون وبكتيل مثلا. إن هذه العمليات لم يرد بها تغيير الواقع الاقتصادي ذ التنموي للعراق، وأنما إنعاش الاقتصاد الأمريكي. وكذلك لم يكن هذا النهوض هدفا حقيقيا للحكومات العراقية المتعاقبة بعد عام 2005..

لذا يفترض هذا المشهد أن الاقتصاد العراقي سيبقى بعد عام 2012 مشلولا ومنهكا. ومما يدعم هذا الافتراض تنوع الإختلالات الهيكلية الاقتصادية التي استمر العراق يعاني منها. ومن بين ابرزها مثلا: توقف عملية التنمية، استشراء ظاهرة الفساد المالي والاداري، تفاقم ظاهرة البطالة، تدهور القطاعين الصناعي والزراعي، تخلف القطاعات الانتاجية، فضلا عن مشكلة التضخم. إن ديمومة هذه الإختلالات هي التي أدت إلى تحول العراق إلى دولة مستوردة لكل شىء تقريبا. وبضمن ذلك الغذاء الذي كان العراق قبل عام 2003 يتوافر على شبه إكتفاء ذاتي فيه.

       و يفيد رأي أن إرتباط العراق بعلاقة اقتصادية مع الولايات المتحدة الامريكية تتماشى مضامينها مع تلك العلاقة المحكومة اصلا من قبلها لا يسمح بتراجع العلاقة الاقتصادية الثنائية. ويفترض هذا المشهد عكس ذلك. فصانع القرار العراقي لا يستطيع المضي في سياسة تجاهل الاختلالات الاقتصادية العراقية إلا إذا أراد الإنتحار سياسيا. لذا من المحتمل إقتران زمان المستقبل المتوسط بجهد عراقي يسعى إلى التنمية.

بيد أن نجاح مثل هذا الجهد يستدعي الأخذ أولا بثمة شروط مهمة. ومنها مثلا أن تكون العلاقة الاقتصادية العراقيىة-الأمريكية قائمة على أساس التوازن النسبي في المصالح الاقتصادية المشتركة. وثانيا، إنفتاح اقتصادي واسع على دول متقدمة لتأمين تنوع المصادر الكفيلة بإشباع الحاجات التنموية للعراق. إن مخرجات الاخذ بهذه الشروط وسواها قد لا تفضي إلى الحد من إستمرار تحكم الولايات المتحدة الأمريكية في العلاقة الاقتصادية العراقية-الأمريكية لصالحها فحسب، وأنما أيضا إلى إحتمال تراجع هذه العلاقة لتأكل الدافعية الثنائية.

3.1.الإخفاق الأمني

لقد عمدت القوات الامريكية قبل إنسحابها من العراق إلى تبني إستراتيجية فرق تسد تجسدت في تكريس إختلالات هيكلية في النسيج الاجتماعي العراقي، فضلا عن إستخدام العنف بدرجات عالية للحد من تصاعد المقاومة العراقية ضدها.

ولم تتغير الإشكالية الأمنية بعد الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق. فهذه إستمرت متفاقمة دون أن تستطيع الإجراءات الحكومية الحد منها. ومرد ذلك ان صانع القرار الأمني في العراق اتخذ من مضامين انماط السلوك الامريكي حيال العراقيين عموما إنموذجا لأنماط سلوكه دون أن يتعلم الدرس منها وهو أن المغالاة في استخدام القوة لاغراض تأمين الأمن الداخلي يؤجج الإشكالية الأمنية ولا يساعد على حلها.

ويٌجد تصاعد أشكال العنف في العراق دعما له في عدم اتخاد اجراءات حكومية جادة لحل ازمات جوهرية أسسها الاحتلال ومنها أزمات الاندماج الوطني، والاجتثاث والمحاصصة الاثنية-القومية. إن غياب افعال جادة لتحقيق مصالحة وطنية حقيقية تتماثل وتلك التي مرت بها دولة جنوب افريقيا مثلا افضى بأحد أبرز دعاة الحرب على العراق وهو كينيث م. بولك إلى القول ان: » عدم توافر القيادة العراقية على القدرة والارادة لحل المشاكل التي تؤجج الانقسام في العراق )هي التي( تدعم إستمرارية مشاكله.«

  1. معطيات الواقع الداخلي والخارجي الامريكي

لقد حرر إنهيار الاتحاد السوفيتي الولايات المتحدة الأمريكية من قيد كان في العموم كابحا لأنماط حركتها السياسية الخارجية واتاح لها، بالتالي التربع على قمة الهرم السياسي الدولي دونما منازع يذكر. بيد أن إستمرار هذا التربع لا يعني أن الإستراتيجية الأمريكية للأمن القومي الأمريكي في القرن الواحد والعشرين ستكون قادرة على جعل هذا القرن أمريكيا، كما يكررذلك أمريكيون. فتأثير معطيات داخلية وخارجية تحد من ذلك..

فاما عن المعطيات الداخلية فهي تقترن بمجمل تلك الإختلالات الهيكلية التي يعاني منها الجسد القومي الامريكي. وقد قال بول كينيدي: »إن اثارها تفضي الى أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية أمة في طور التاكل«، أو أمة: »لاتملك قدرة الإستمرار في فرض رؤيتها وقيمها على العالم« كما أكد برجنسكي في وقته.

وتتعدد هذه الاختلالات. وتكفي كمثال الإشارة إلى الاقتصادية والعسكرية منها. فأما عن الأولى فمفادها أن الاقتصاد الامريكي على الرغم من إستمرار تقدمه على سواه عالميا إلا أنه وكما أكد الخبير الاقتصادي العربي، رمزي زكي، إستمر يعاني من ثالوث خطير المدى في أثاره وأركانه هو عجز ضخم في الميزان التجاري، وعجز مستمر في الميزانية العامة، فضلا عن الإنخفاض الحاد في المدخرات.

 إن انكماش الاقتصاد الامريكي لا يجعله قادراعلى إستمرار تحمل أعباء سياسة خارجية تتميز بإنغماس مكثف في التفاعلات السياسية الدولية. ولدور الاقتصاد في تأمين هبوط أوإراتقاء الدول تبقى الفاعلية الخارجية لاية دولة انعكاسا سلبا أو إيجابا، لنوعية فاعليتها الداخلية ومنها الاقتصادية.

وكذلك يُعد صحيحا أن الولايات المتحدة الأمريكية إستمرت تحتكر قدرة عسكرية تقليدية وغير تقليدية غير مسبوقة. بيد أن هذه القدرة كسبيل لديمومة التأثير والنفوذ العالمي أخذت بالتراجع، خصوصا بعد أن أكدت عملية غزووإحتلال العراق أن إستخدام القوة العسكرية قد يستطيع تغيير أحد أنظمة الحكم غير المرغوب فبه ولكن بأكلاف مادية ومعنوية باهظة لا تبرراللجوء اليه..

وأما عن المعطيات الخارجية فهي تفيد أن العالم أضحى، ومنذ نهاية الحرب الباردة يمر بعملية تحول تاريخية غير مسبوقة في سرعتها وشاملة وعميقة في تأثير ابعادها وتحدياتها. إن هذه العملية قد افضت إلى، نمو الرفض الدولي، ضمنا أو صراحة للهيكلية الأحادية للنظام السياسي الدولي. فعلى خلاف السنوات الأخيرة من القرن الماضي عندما كان الإطار الدولي الذي يحتضن هذا الرفض محدودا أدى نمو قدرات اعداد من الدول، ولاسيما تلك التي اضحت سائرة في طريق الإرتقاء بقدراتها إلى مستوى الدول الكبرى أو العظمى إلى المطالبة بعالم لا تتحكم في محصلة تفاعلاته دولة واحدة حتى وأن كان اسمها الولايات المتحدة الأمريكية.

إن إرتقاء أعداد من الدول بقدارتها على الفعل الدولي المؤثر، هو الامر الذي سيجعل من الولايات المتحدة أحدى القوى الدولية المؤثرة ولا غير وسيدفع بها إلى الحد من إنغماسها السياسي الدولي الواسع في التفاعلات الدولية. وقد يكون العراق من بين تلك الدول التي ستعمد الولايات المتحدة إلى الحد من علاقاتها معها، لتوافر بدائل أفضل.

 وأضافة إلى ذلك، يكتسب مشهد تراجع العلاقة الامريكية-العراقية دعما مضافا وعلى صعيدين نفطي وسياسي. فاما عن الصعيد النفطي فهو يرتبط بأزدهار انتاج النفط الصخري ) الزيتي( في الولايات المتحدة متفاعلا مع انخفاض في الاستهلاك الأمريكي للنفط، وهو الأمر الذي لم يؤد إلى بروز فجوة بين الإنتاج والإستهلاك تساوي نحو حوالي 5.5 مليون برميل يوميا مع احتمال إتساعها عبرالزمان، فحسب، وأنما أيضا الى تأكل الحاجة الأمريكية للنفط المستورد ولا سيما من دول الخليج العربي وبضمنها العراق.

إن تأكل هذه الحاجة وأن لا يلغي ولزمان قادم استمرار تدفق النفط العربي الى الولايات المتحدة، إلا أنه قد ينطوي على ما يفيد أن العلاقات الامريكية مع دول الخليج العربي وبضمنها العراق، قد لاتبقى في الأمد البعيد ضمن قمة الأولويات الإستراتيجية الأمريكية العليا كما كانت.

 ومما يدعم هذا الإحتمالية بدء انتقال الأهتمام الإستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية الى منطقة شرق أسيا إدراكا منها للدور العالمي الذي يحتمل بأرجحية عالية أن تؤديه مجموعة دول أسيوية خلال زمان المستقبل المتوسط، ولا سيما الصين والهند واليابان، وأتجاه الولايات المتحدة إلى محاولة إحتواء منافسة هذه الدول لها.

المعطيات الإقليمية

تتعدد القوى الإقليمية التي لمخرجات سياساتها الخارجية تاثير في نوعية العلاقة العراقية ذالأمريكية  أما إرتقاء أو تراجعا. وهي تحديدا : المملكة العربية السعودية، وتركيا، وإيران، وإسرائيل. وحول مشهد تراجع أهمية العراق في السياسة الخارجية الأمريكية، من المرجح أن تتباين سياسات هذه القوى بين أما رافض أو داعم له.

فأما عن القوى الرافضة، وهي : المملكة العربية السعودية، وتركيا، وإسرائيل، فمن المرجح إنها ستنطلق من رؤية مشتركة مفادها أن مضمون هذا المشهد سيجعل إيران هي الطرف الأكثر ربحا، سيما وأن مخرجات تراجع إنغماس الولايات المتحدة في الشأن العراقي متفاعلا مع تنوع مصادر التأثير الإيراني في العراق سيفضي إلى تكريس الانسياق العراقي وراء السياسة الخارجية الإيرانية، الأمرالذي سينطوي على دعم مضاف للمشروع القومي الايراني في أن تكون هي القوة الإقليمية المهيمنة. ومن هنا، ستعمد هذه القوى إلى توظيف علاقاتها مع الولايات المتحدة، وبعضها متميزة، للحد من تراجع العلاقة العراقية-الأمريكية سبيلا لدعم الإستقلالية العراقية حيال إيران.

وبالإضافة إلى هذه الرؤية المشتركة، لكل من هذه القوى الإقليمية أيضا مصلحتها الخاصة التي تدفعها إلى التحرك على الولايات المتحدة للحد من تدهورعلاقتها مع العراق. فهذا يتيح مثلا للمملكة العربية السعودية فرصة مهمة لتوظيف العلاقة السعودية-الأمريكية سبيلا داعما لتطويرالعلاقات السعودية-العراقية، سيما وأن إيران تسعى جاهدة إلى تعطيل تبلورعلاقات واعدة بين العراق ودول الخليج العربي. والشىء ذاته ينسحب على تركيا.

أما بالنسبة لإسرائيل فهي، وجراء موقف العراق منها منذ عام 1948 تبقى معنية بالشأن العراقي حاضرا ومستقبلا وبالتالي لها هي الاخرى مصالح مهمة جراء إستمرار العلاقات العراقية-الأمريكية وطيدة. ولعل أبرزها توظيف علاقتها الخاصة مع الولايات المتحدة سبيلا لمنع عودة العراق ليشكل تهديدا جادا لامنها. لنتذكر أن الإدراك الإسرائيلي للعراق إستمر قبل عام 2003 يرى فيه بمثابة التحدي الإمني الإقليمي الاساس.

وتبقى إيران، هي الدولة الإقليمية الوحيدة التي ستربط طبيعة العلاقة العراقية-الأمريكية بنوعيةعلاقتها بالولايات المتحدة، صراعا أوتعاونا. فعندما يكون الصراع سمتها، فإيران ستندفع إلى توظيف نفوذها العميق في العراق من أجل ضبط علاقته مع الولايات المتحدة في الاقل و/ أو الدفع بإتجاه تراجعها، من أجل أن لا يكون داعما للسياسة الأمريكية حيالها. والعكس سيكون كذلك صحيحا. فالتعاون عندما يكون سمتها، فإيران ستذهب إلى توظيف العراق لتطوير وترسيخ التعاون الأمريكي ذالإيراني فيه.

أستاذ العلوم السياسية ودراسات المستقبلات