الفنان التشكيلي نزار ضاهر: التجريد في لوحاتي ينطلق من الواقع

التجريد في لوحاتي ينطلق من الواقع

سناء بزيع

الفنان التشكيلي اللبناني نزار ضاهر ينقش أبجدية الألوان  ويحيك أحلاماً مطرزة بترابٍ أحمر وزيت زيتون. تنظر إلى لوحاته وجدارياته فتخال نفسك في عالم مسحور  مسيج بماء العمر المنصرم  وابتهالات الروح الآتية من السفوح.

وهنا أيضاً أوسمة وشهادات وصورٌ تخبرك بقية الحكاية.

 عن البدايات   حيث وجد الفنان نزار ضاهر أولى أدواته من التراب وزيت الزيتون والفحم المطحون ولون النار المتدفق من المواقد  والثلج المتلألئ فوق التلال.

يقول: هذه الأيام الخوالي لن تمحى من الذاكرة  لن أنسى سقوط » البَرَد« على الحيطان ممزقاً صمتها  تلك الحيطان التي كوّنت بيتنا العتيق حيث سال ترابها مع ماء الشتاء ليكوّنوا مادةً أنتظرها طفلاً  حيث كنت أنتظر ان يجف ذلك التراب لأمزجه مع زيت الزيتون فأشكل لوحتي الطفولية وأنا لا أعي من الرسم إلا ما أراه في مجلات يقتنيها أخي الأكبر  بعد ذلك بدأت أنقل صور البطاقات التذكارية التي كانت تصلني من إخوتي من روسيا حيث كانوا يدرسون وتلك البطاقات كانت تحمل رسوما وصوراً رائعة لفنانين كبار

وبدأ شغفي بالرسم يعلو ويبتعد إلى أن سافرت أيضاً إلى روسيا و أكملت دراستي هناك  بعد عودتي إلى لبنان مكثت خمس سنوات متواصلة في قريتي في البقاع حيث حوّلت بيتنا القديم إلى محترف فكنت ملتصقاً التصاقاً كاملاً مع الطبيعة بكل تحولاتها وصورها الملونة المتناقضة  لذا انصرفت انصرافاً كلياً فكراً وجسداً وروحاً إلى السهل الذي أعطاني ما أعطى لتتكرس لوحة » تلال« التي دخلت للمرة الأولى متحفاً عالمياً وهذا ما تحدثت عنه سابقاً.

لوحة من اعمال نزار ضاهر
لوحة من اعمال نزار ضاهر

أما عن علاقته بأعماله ولوحاته وطقوسه الخاصة فيقول: أحياناً كثيرة أترك بعض لوحاتي جانباً لأعود إليها لاحقاً وذلك للبحث والدراسة  أحاورها أتأملها  وتلك اللوحة هي التي تفرض علي ذلك لأنني أرى فيها لوناً أو صرخة ما أو بصمة أو لمسة معينة  لذلك أعود للبحث والتحاور معها لنعبر معاً ممراً آخر.

وعن علاقته  بلوحاته : عشت حالات وجدانية ولا زلت أعيشها مع بعض اللوحات التي تربطني بها حالة خاصة عاطفية ووجدانية فلا أستطيع التخلي عنهم  هذا يحصل معي الآن ففي محترفي لوحتان اخبئهما عن أعين الزائرين  وهذا لأن لكل لوحة حكاية وقصة وذاكرة ترتبط بأمكنة وأشخاص فتتسع اللوحة لتحمل كل ذاك الحنين

الألوان عند نزار ضاهر  نراها حيناً صارخة حتى الاشتعال  وأحياناً خافتة وحالمة وضبابية حتى السبات  هل لهذا علاقة بدورة الطبيعة أم بإحساس الفنان ورؤيته.

حدثنا عن سرك مع اللون؟ قال: الألوان مرآتي تعكس ما بداخلي وتعكس رؤيتي وأحاسيسي  لذا اللوحة تقول ما أريد قوله تتكلم لغتي وتعبر عن مكنوناتي  تفرح وتحزن معي تتألم وتصمت أحياناً  لذا على اللوحة أن تكون صادقة لأنها تمثلني. أنا فنان صادق وحقيقي أجتهد وأتعب لكي تظهر أعمالي بالشكل الذي أحب أن تظهر به. بالعودة إلى الألوان فالطبيعة تشبهنا إلى حدٍ بعيد أو نحن نشبهها فهي تمر بدورات وفصول يتغير فيها النور والظل  الضوء والعتمة  لون الشجر والسهل والجبال  إذن لدورة الطبيعة ألوانها التي تنعكس أمامنا كاللوحة المستحيلة.

تقول: في لوحاتي الكثير من التجريد لكنه التجريد الذي ينطلق من الواقع. نعم اللوحة التي تأخذني إليها دائماً أتحاور معها لنصل إلى طريق واحد  دائم البحث والتجارب  ولا أحب التقيد بعناوين وتسميات معينة  أرسم بإحساسي ولا أنكر فضل  الأكاديمية التي علمتني لكني سأكون أنا  لي رؤيتي الخاصة وهذا ما أنا عليه  على الآخر يتقبلني أو لا فذاك شأنه  أسمع وجهات النظر ولكني أرسم بالشكل الذي أقتنع به وأحبه  ولا أريد أن أدخل في مزادات التجارة والثرثرة.

نال الفنان نزار ضاهر لقبين من مؤسستين روسيتين كبيرتين : اللقب الأول أكاديمي كامل العضوية في أكاديمية سان بطرسبرغ للعلوم والفنون بناءً على ترشيح من قبل معهد » ريبين« الذي تخرج منه عام 1986   هذا القب يمنح للمرة الأولى لفنان شرق أوسطي وعربي وهو يمنح مرة واحدة كل ثلاث سنوات. وبحصوله على هذا اللقب يتمتع بكامل حقوقه ويقوم بكامل واجباته اتجاه الأكاديمية كأي عضو روسي يحمل هذا اللقب. وعلى سبيل المعرفة يذكر بأن العضوين الفخريين في الأكاديمية هما  » الرئيس فيدال كاسترو« و» بيار غولوا« وهو معاصر وصديق للرئيس ديغول.

أما من الأسماء الدائمة العضوية الشخصية الأسطورية »كلاشينكوف« مخترع الرشاش  والنحات الشهير ميخائيل أنيكوشين  فهي كما ذكرت أكاديمية للعلوم والفنون  وهناك العديد من العلماء والفنانين الكبار.

أما اللقب الثاني فهو لقب أكاديمي شرف في الأكاديمية الروسية للفنون  وهذا اللقب يمنح للمرة الأولى لفنان تشكيلي عربي  في موسكو مع شهادة تقدير بحضور رئيس الأكاديمية شخصياً  ومن المعلوم ان الأكاديمية لا تمنح عضوية كاملة لغير الروس لذلك مُنحت لقب أكاديمي شرف.

هنا لا بد من الإلتفاتة لعدد المرات الأولى التي حصلت في مسيرة الفنان ضاهر فيذكر: أنه ومنذ أكثر من عشر سنوات تم اختيار لوحته الشهيرة » تلال« لتعرض في متحف » الأرميتاج« وكانت اول لوحة تعرض هناك لفنان لبناني وعربي  وفي نفس النهار دخلت لوحة ثانية متحف الأبحاث العلمية في معهد » ريبين« بعد ذلك أول لوحة في متحف الشرق في موسكو  ثم لوحتان في المتحف الوطني الصيني كأول فنان لبناني  كما في متاحف الأردن وتونس و الكويت أيضا ..