2 عبدالناصر يواصل نقده لنظامه

لابد من معرفة الحقيقة من افواه الناس وليس من تقارير الأجهزة

المعارضة في مجلس الأمة جبانة ولاتستطيع ان تقترب من اخطاء الكبار

يواصل عبدالناصر تقييمه لنظام حكمه، وقد عرضنا في العدد الماضي الجزء الأول من المحاضر السرية، والتي كشف فيها عبدالناصر عن المثالب التي أدت في النهاية الى كارثة الخامس من يونيو عام 1967، ويكشف عادل حموده من خلال التسجيلات السرية التي اذاعها مؤخرا للأجتماعات التي حضرها عبدالناصر في لقاءاته المتعددة عبر عودته عن قرار التنحي ومنها ذلك الاجتماع، ويقول عادل حموده ان عبدالناصر نطق بأصعب جملة يمكن ان يتفوه بها حاكم بعد الهزيمة )كنت متصور ان الناس تطلع وتضربنا بالجزمة لأننا عملنا عملة ماتستاهلش غير ضرب الجزمة(، وسكنت هذه العبارة أحد شرائط محاضر مجلس الوزراء برئاسته يوم 2 اغسطس عام 1967 في قصر القبة وبقيت في مقابر السرية أكثر من نصف قرن رغم اهميتها في تقييم ما حدث والأستفادة منه قبل ان يصبح تغيير النظام )أو السيستم( على حد قوله أمرا لامفر منه.يبدأ عبدالناصر الحديث قائلا : أنا كنت شايف عيوب في الفترة اللي فاتت، وعيوب كثيرة.. أولها ان المجتمع بتاعنا مجتمع مقفول.. العمل السياسي كله عمل سياسي سايح وده بيوجد عيوب ولايوجد تضامن، وتساءل بعد 15 سنة من الثورة واحنا دلوقت بنمثل جيل في آخر مراحله

كنت متصور ان الناس تطلع وتضربنا بالجزمه
كنت متصور ان الناس تطلع وتضربنا بالجزمه

هل السيستم صح؟..على الورق صح..ولكن لما نيجي على الطبيعة بنلاقيه مش صح لأن هناك صراعات في كل حتة في داخل الاتحاد الاشتراكي )التنظيم السياسي الوحيد(.النقطة الثانية : ما مستقبل هذا النظام ؟ علينا قبل مانخلص دورنا في الحياة ان نضمن ان يكون النظام سليما مش شخص ولا اشخاص وبهذا نبقى عملنا حاجة والا بنضيع.. بنبص نلاقي الدنيا كلها ضايعه في الهواء واللي يقدر يخبطها يخبطها بالبساطة كده وييجي اللي يقول أنا استمرار للنظام ويدوق البلد العذاب. لابد أن المجتمع بتاعنا يبقى مفتوح أو العمل السياسي يبقى عمل سياسي مفتوح لأن لم ييجي حد النهارده ويهاجم سيد مرعي مثلا )وزير الزراعة والاصلاح الزراعي( وقد أكون أنا مقتنع أنه مخطئ لكن أقوم ادافع عنه، طيب ليه أدافع عنه؟.

استدراك

حين أقرأ كلمات عبدالناصر عن )المجتمع المفتوح( أتذكر مقالات الأستاذ هيكل التي أعقبت النكسة عام 1967، ومناداته )بالمجتمع المفتوح( أيضا، وكذلك )بعدم التناطح مع امريكا( والتعامل معها كما يتعامل مصارع الثيران في حلبة الصراع فالمصارع يسدد للثور ضربات مؤثرة يمكنها أن تصرعه لكن دون الألتحام المباشر معه( أتذكر كم كانت تلك المقالات سببا في اثارة الكثير من الوان الغضب والادانة من كتابات الأستاذ هيكل بين اعضاء التنظيم السياسي)الأتحاد الشتراكي( وخصوصا )منظمة الشباب( ووصفه بأنه يميني الفكر، فقد كانت المشاعر معبأة تماما ضد الولايات المتحدة، ورغم التقدير الكبير الذي كانت تحظى به مقالات هيكل والمتابعة الدقيقة لكل ما يكتب، الا ان الثورة ضده كانت عارمة، ولم يدر بخلد أحد أن تلك المقالات كانت ترجمة لأفكار عبد الناصر وانعكاسا لما يدور في خلده، ومراجعة منه في الطريقة التي يتعامل بها مع القوى الكبرى،وضرورة تطويرها بحيث تتجنب الصدام، وتحتفظ بالأستقلالية، بالأضافة الى أن قضية الحريات أصبحت قضية أساسية، لأن مايمكن أن يحدث داخل المجتمع المغلق من سلبيات سوف يقود بالضرورة الى كوارث سياسية.

عودة الى المحضر

يستطرد عبد لناصر: لما ييجي حد ويقول لي ان ده خد بيت من الحراسة وده خد عفش )منقولات( وحصل حاجات كتير الناس بتتكلم.. كان ايه ؟ هل ادافع عن هذا التصرف وقد لاأكون مقتنعا أبدا به؟ طالما الناس اللي في السلطة حاسة ان ما فيش حد حايقول لهم انتم بتعملوا كذا، فده معناه اننا دخلنا في مرحلة فساد وحندخل على مرحلة أعلى.ورغم ان احنا عندنا القوة، وأنا بالذات عندي انني اقدر اعمل اللي اقدر اعمله لكن في اوقات فيه حاجات ماكنتش اقدر أعملها.. اذا فيه عيب في السيستم وهو عيب كبير جدا وهو العملية المقفولة اللي مشيت واتخذت ذريعة لكل واحد يعمل في وزارته زي ماهو عايز.ثم يقول : طيب انا احاسب مين والا مين ؟ ولا أنا عارف جاري ايه في وزارتكم ؟ انا مااعرفش وان عرفت فانا باعرف سماعي واما عن طريق تقارير المخابرات، وحتى المخابرات تعرف منين ؟ من واحد باشكاتب عند سيد مرعي مثلا ولو كان صديق سيد مرعي مايرحلوش أو كان ناقما عليه جدا وده يرحلو عادة بتاع الداخلية وبتوع المخابرات ويجيبوا منه التقارير، وسبق جت لنا معلومات بالشكل ده ! وبعدين في مجلس الأمة برضه ماحدش حيجرؤ يقف ويقول ان سيد مرعي قام بتعيين اقاربه وجاب ناس من قريته.لكن يطلعوا يتكلموا بره في مجالسهم الخاصة ويكبروها وبرضه يحصل ده تحت ستار المجتمع المقفول، ويضرب عبدالناصر مثلا آخر في وزارة الثقافة فترة )ثروت عكاشة( ان واحد راح قال للناس : أنا هاعتقلكم.. وهو ماعندوش سلطة الأعتقال ولا ثروت عكاشة عنده سلطة اعتقال ولا علي صبري عنده سلطة اعتقال، وطبعا الناس خافت وصدقوا وبيقولوا اننا ممكن نفرض حراسة وممكن كذا وكذا الى آخر هذه المعاناة وهذا يحدث لأننا في اطار مجتمع مقفول !

ضرورة وجود معارضة حقيقيه

يقول عبدالناصر في المحضر :لابد ان تكون هناك معارضة منظمة..معارضة منظمة للحكومة يعني معارضة حقيقية.. المعارضة الفردية اللي موجودة في مجلس الأمة معارضة هزؤ جدا ولا يمكن ان تؤدي الغرض وهي ايضا معارضة جبانة لايستطيع احد منها ان يتكلم بصراحة لأن النظام أساسا نظام مقفول،وميزة المعارضة انها حتصطاد الأخطاء ولذلك التصرفات تكون محسوبة، لأن المعارضة تفضح المخططات وتشكل خطرا على وجوده في الوزارة أو في العمل السياسي.يرد على عبدالناصر وزير التعليم عبدالعزيز السيد قائلا : المعارضة لاتخلق، يعني في نظام الحزب الواحد لانستطيع خلق معارضة لمجرد اننا عايزين معارضة ولذلك السؤال الأساسي هل يمكن داخل الاتحاد الاشتراكي خلق حزبين، والناس تقدر تغير حزب وتأتي بالحزب الآخر في اطار نفس النظام الأشتراكي؟ هذا هو السؤال. ؟

عادل حموده أذاع هذه التسجيلات
عادل حموده
أذاع هذه التسجيلات

سيد مرعي )وزير الزراعة والاصلاح الزراعي( كيف توجد معارضة وكيف يكون تنظيمها ماهي المعارضة سلاح بحدين لأنها قد تكون معارضة مطلقة ولذلك تكون فاسدة ويكون غرضها التجريح وبالتالي بتنعكس على النمو الكبير اللي تم في 15 سنة والتجريح غالبا مايكون شخصيا او يكون تجريح الموضوع وسيلة لتجريح الشخص ودي بنشوفها في انجلترا نفسها. الخطورة اللي جعلت النظام مقفول ان الشخص يتروى قبل مايتكلم لأنه لو قال رأيه ربما يتهم بانه رجعي أو رأسمالي وأصبحت موضة أن الأكثر تقدمية هو الأكثر يسارية، يبقى لابد انه داخل الاتحاد الاشتراكي يكون فيه حزبان كاملان ويكون خلافهما على موضوعات معينة ظاهرة، والحقيقة اننا في الاتحاد الاشتراكي يوجد حزبين مش حزب واحد لكن حزب بيتكلم وحزب خايف يتكلم ولو تكلم الصامتون سوف نجد معارضة قوية وليست من اجل المعارضة. يبقى ان نتكلم عن حق الفرد تجاه الدولة..قبل الثورة لو جت حكومة وفصلت موظف كان يلجأ الى مجلس الدولة ليحكم في صالحة وبعودته لعمله، لكن بعد الثورة تراجع ذلك، ولذلك لابد من دعم مجلس الدولة، لأن به مستشارين بيحكموا بالقانون، وبعيدين عن سلطة الدولة، ثم نقطة أخرى حول ديوان المحاسبة، فتقريره كان بينزل مجلس الأمة، ويتعرض لنقاشات حتى في الصحف، ويمكن للوزير ان يرد عليه اذا تعرض لشيء، ومش بالضرورة ان تقرير ديوان المحاسبة لايتعرض لأخطاء، ولكن من فترة لم يعد التقرير يصل الى مجلس الأمة، وهذا يفتح الباب للفساد.

العمال والفلاحون ومدى التعبير عنهم

يتمتع الفلاحون والعمال بنسبة 50% على الأقل في عضوية كل المجالس المنتخبة بما فيها مجلس الأمة باعتبارهم يشكلون الغالبية من تعداد الشعب المصري، وبالتالي هم أصحاب المصلحة الحقيقية في اطار قوى الشعب العامل، واستطرد سيد مرعي في هذا الحوار فقال :مجلس الأمة فيه خمسين في الميه عمال وفلاحين ولكن اقعد سيادتك تلاقيهم مالهمش علاقة بالفلاحين، وانت لن تسمع الحقيقة الا من الفلاحين في القرى وليس الفلاحين في مجلس الأمة ليه ؟ لأن فلاحين المجلس لوناهم يعني مسكنا فرشة ودهناهم بوية مابقاش عارف هو بيمثل الفلاحين ولا عارف هو بيعبر عن مين ؟ وابتدى يفكر بشكل سياسي هل الكلمة دي هتغضب الوزير أو لا تغضبه، ودي اسباب ضعف مجلس الأمة. تدخل السيد/ عبدالمحسن ابو النور)وزير استصلاح الأراضي( قائلا : مبدأ ان يبقى فيه اكثر من حزب ده مرتبط في الواقع بأهداف أكثر ماتكون نقاط او مسالك او اسلوب.. والنظام مبني على اهداف معينه.. اهداف اشتراكية ومافيش خروج على هذه الاهداف فاذا اختلفنا بنختلف على قدر تنفيذ هذه المبادئ.. لكن وجود اكثر من حزب ينقل الاختلاف الى هذه المبادئ.. وكده العملية هتتسرسب منا.. حزبين قدام بعض لن تكون علاجا.بدل مانعمل حزبين قصاد بعض مانعملها عملية رأسية من خلال المجالس الشعبية المنتخبة ونقدر نجمع آراء الناس\وكده نكون بنعرف رغبات الناس من الجذور بعد ما نفتح لهم مجال الرأي ومجال الفكر ونوسع الصدور. يتدخل السيد كمال رفعت قائلا : من هنا انا باطالب ان نناقش\العملية بعمق اكبروالا قد تؤدي بنا الى اخطار احنا لانستطيع التنبؤ بها. يتحدث السيد لبيب شقير )وزير التعليم العالي( بالنسبة للكلام عن المعارضة هو اساسا رقابة والناس تعبر عن رأيها بوضوح انا باعتبر ان فيه فرق بين المعارضة والرقابة واعتقد ان من الاسباب اللي خلت العملية دي ظهرت في الخمس سنين الاخيرة عدم استكمال الجهاز السياسي بعد تشكيل الاتحاد الاشتراكي لأن كان المفروض نعمل المجالس الشعبية في المحافظات وهي قد تتولى الرقابة واللجنة المركزية وباقي التشكيلات السياسية وهي كفيلة بالرقابة الاعلى وممكن قوي تكون المعارضة في اطارها.

المحضر طويل في مناقشاته وفي مجموعة الأشخاص الذين تناوبوا الحديث في رؤى واقتراحات بعضها اعترض على وجود حزبين باعتبار ان حزب يتولى المعارض، وفي ذلك الأطار ستكون معارضة بالتعيين، بينما المعارضة المطلوبة ان تكون معارضة حقيقية، والبعض رؤيته تحددت ان وجود حزب معارض لابد وان يكون له منهج مختلف عن المنهج الأشتراكي وبذلك ندخل في متاهة أخرى و)العملية تتسرسب منا( كما عبر السيد عبدالمحسن ابو النور، ولذلك قرأنا مداخلة الدكتور النبوي المهندس )وزير الصحة( قائلا :لاخلاف على المعارضة ولابد لها ان تقوم ولكن الخلاف في الثوب الذي ترتديه المعارضة وهنا اشعر ان على سيادتك ان تشرح لنا ماغمض علينا.

سيد مرعي قال ان فلاحي البرلمان اصبحوا سياسيين
سيد مرعي
قال ان فلاحي البرلمان اصبحوا سياسيين

خاتمة المحضر

يجيب جمال عبدالناصر : بكل اسف ما عنديش فكرة راسخة في رأسي، ولذلك عايزكم تنوروني وتتكلموا. أنا باقول انه في عيوب وبعدين اذا استمر هذا النظام بهذه العيوب ستنتهي البلد الى كارثة.. العيب في النظام.. وممكن أنا أمشي سيادة القانون ولكن ممكن حد غيري ييجي مايمشيش سيادة القانون، ما هو احنا في آخر مرحلة لينا في العمل يعني داخلين على الفترة النهائية ولازم نسلم القيادة لناس لكن لو سلمتها لهم بهذا السيستم نكون قد اتجهنا الى المجهول، متعرفش الناس اللي جاية هاتيجي منين، وفيه ناس كتير بتعد نفسها علشان تاخد الحكم، ولذلك لابد من عمل سيستم غير مغلق واللي يضمن للناس المستقبل. المطلوب نعمل سيستم نمشي عليه ونضمن للبلد سلامتها في كل الاحوال وكل الظروف. المستقبل غامض والمواضيع اللي باتكلم فيها بصراحة لأن فيه قوى كثيرة متصارعة وكلكم حاسين بيها فيبقى السؤال هو كيف نصنع النظام السليم اللي يكفل البلد في مستقبلها حتى بعد احنا ما ننهي دورنا وده لازم نعمله دلوقتي.

لكن كان للقدر احكام أخرى ورحل عبدالناصر قبل ان يرسخ نظاما يتصدى للتحديات.

أمين الغفاري