الشاعرة المصرية ديمة محمود : الشعر امتداد للواقع وتفاعل معه

بيروت- من ليندا نصّار

الشّعر بالنّسبة إليها امتداد للواقع وتفاعل معه ومن ثمّ تحليق نحو عالم مليء بالسلام والمحبة، والشاعر مزارع يصنع حديقة ويعمل على تجميلها بالموسيقى والكلمة ليقدّمها إلى محيطه هديّة تغني العيون وتمتّع الأذهان. إنّها ديمة محمود الشاعرة والكاتبة المصرية والتي صدر لها ديوانان »ضفائر روح« دار الأدهم 2015 ذالقاهرة.  و»أشاكس الأفق بكمنجة« عن دار العين2017 ذ القاهرة.  نشرت ديمة في عدة مواقع وصحف ومجلات ورقية وإلكترونية مصرية وعربية.  وهي تكتب قصيدة نثر مغايرة تتمرد على المألوف، بتوظيف مبتكر للغة ومجاز شفاف لا يجنح إلى التصنع والمبالغة ولا التسطيح.

الحصاد التقت الشاعرة ديمة محمود وكان لها معه الحوار الآتي: Top of Form

غلاف ضفائر روح
غلاف ضفائر روح

»الحصاد«: كيف يمكن للوعي الشّعريّ أن يستنطق الأثر في علاقته بالموقف والشّخصيّة؟

ديمة محمود: الشعر هو تفاعل مزيج المركوم المعرفي بمحاوره المختلفة والخبرة الحياتية وإسقاطات البيئة المحيطة. لذا فإن رؤية الشاعر هي تداعٍ لهذا التلقي ببعديه الواعي واللاوعي. ولا يمكن لشاعر حقيقي أن يقدم نصاً جيداً يخلو من رؤية ما كامتداد حتمي لهذا التفاعل. وإلا تصبح الكتابة عبثاً وظاهراً براقاً من الاصطناع الاستعاري والمجازي دونما جوهر ناضج يحمي جسم القصيدة وروحها وقدرتها على الخلود وإثارة الفكر والتداعيات لدى الآخر قبل الدهشة والاستمتاع.

»الحصاد«: تتطرّقين إلى عدّة قضايا في دواوينك ومعظمها تنطلق من مشاغل الذّات منطلقة نحو العالم وهمومه ومآسيه. ما هي القضيّة الأقرب والتي تشغل بال ديمة؟

ديمة محمود: الشاعر ابن بيئته ومجتمعه لذا فإن ما يكتبه هو إفراز متوقع لهذا الارتباط. أنا لست بعيدة عما يحيط بي من أحداث وتفاعلات حياتية فردية وجماعية.  كما وأني أؤمن بأنه على الشاعر أن يكون جزءًا من مجتمعه في قصيدته أيضاً ولا ينبغي له أن يكون منفصلاً عن قضايا المجتمع والإنسانية وأن يتخذ موقف المنظر لحالته الخاصة فقط.

وربما كانت فكرة حق الإنسان في الاستمتاع الكامل على طريقته وكونها هي الحرية الحقيقية، هي جوهر ما أكتبه.

»الحصاد«: ثمّة نقطة التقاء أو خيط يربط قصائد الشّعراء ونلمح ذلك في ديوانيك »ضفائر الرّوح« و»أشاكس الأفق بكمنجة«. من هنا إلى أيّ مدى يمكن اعتبار ديوانك الثاني امتدادًا للدّيوان الأوّل، وما هي نقطة الالتقاء في ما بينهما؟

ديمة محمود: في )ضفائر روح( وربما كونه الديوان الأول تمركزت كتابتي حول الذات وربما هذا ما مهد إلي بسهولة أن أنطلق نحو )الأفق( في )أشاكس الأفق بكمنجة(  لكن ثمة خيط مشترك بين الاثنين وهو ذلك الحلم بعالم أفضل.

»الحصاد«: انطلاقًا من فكرة »الشعر مقاومة لقبح هذا العالم«، كيف يستطيع الشّعراء أن يوثّقوا ما هو جميل من تجاربهم للتغلّب على المأساة وسط هذا الكمّ الهائل من الدّمار والمعاناة في الدّول العربيّة خصوصًا؟

ديمة محمود: ليس الأمر توثيقاً ولا أعتقد على أية حال أن الشعر توثيق بشكل أو آخر لأحوال العالم العربي البالغة البؤس. يكفي للشاعر أن يزرع قصائده المليئة بالجمال المحبوك بمهارة بالغة ما بين اللغة والصورة الشعرية والاستدعاء المعرفي… ليصنع حديقة ويعزف على آلة الكمان!

»الحصاد«:تقولين في قصيدة الشّاعر: »الشّاعر شوكة ناتئة من غصن أجرد/ قوّضه الصّهد واحتباس المطر/ بزغت الشّوكة رغمًا عن الغصن/ في مجازفة لرأب الصّدع بالقصيدة«. مَن هو الشّاعر وما هو الشّعر بالنّسبة إلى ديمة محمود؟ وإلى أيّ مدى استطعت التّعبير عن هذا الواقع عبر القصيدة انطلاقًا من رؤيتك الخاصة؟

ديمة محمود: الشاعر هو فرد في هذا الكون تنطلق قدرته على التعبير من خلال اللغة وتأخذ بعداً جمالياً وقد يمارس لعبة التخفي ليجلو ما علا المشهد من غبار فيبدو المألوف مدهشاً وقد يصنع هو المشهد كاملاً بتدرجات موسيقية تعلو وتهبط. كما قد يكون جل ما يفعله أن يضع إصبعه على نقطة متناهية الصغر في مساحة بيضاء.

الشعر هو تلك الشجرة التي تبقى جميلة حين تخضر وتثمر وحين يصفر ورقها أو تتعرى. إنّه فن ثلاثي الرؤوس يدمج اللغة والرؤية والصورة في انسجام يتسابق فيه كل منها إلى روح المتلقي ووعيه ثم يستقر النص الشعري منتشيا بكامل جسده.

»الحصاد«: يعتبر الشّعر النّسويّ أداة لترسيخ أفكار المرأة كما أنّه إثبات لوجودها. ما هو وضع الشّاعرات في مصر والدّول العربيّة؟ وهل يمكن تصنيف ووضع الشّعر النّسويّ في خانة خاصّة به؟6231

ديمة محمود: الحقيقة أنا لا أفضل التصنيف الجندري للآداب ولا للشعر من حيث الكتابة ولا من حيث التواجد. أما بالنسبة للشاعرات في العالم العربي فأنا أعتقد أنهن موجودات بشكل لا يمكن التقليل منه. وفي الواقع فإن النص وحده هو الحكم بين إمرأة ورجل وشعر جيد وشعر رديء لكن ربما ما تتعرض له المرأة من أعباء حياتية تفرض عليها المقاومة والمثابرة لإثبات الذات ومحاولة كسب ما يزال منقوصاً في معظم مجتمعاتنا، يمنح بعض نصوص الشاعرات ثراء بمنحى معين فقط يلامس هذه الجوانب وما يدور في فلكها. ما عدا ذلك أؤمن أن شعرية النص لا ترتبط بالجندرة لا من قريب ولا من بعيد.

»الحصاد«: ما هي مشاريعك المستقبليّة؟

ديمة محمود: في الحقيقة ثمّة عدّة أمور لا يمكن الإفصاح عنها أحيانًا إلى أن تأخذ مكانها لتخرج من حيّز الصّمت إلى الكلام. يمكنني التّحدّث هنا عن مشروعي الذي لا يزال صغيراً، وهو تسجيل النصوص الشعرية من خلال قناتي في »اليوتيوب والساوند كلاود« ويمكنك الاطّلاع على هذه التّسجيلات هناك.

أنا شخصيا أجد متعة بالغة في قراءة النص الشعري. وأؤمن أن هذا النوع من النصوص الحقيقية منها خصوصًا، هي نصوص شفوية تقرأ بحساسية وجمالية عالية والإلقاء يضيف إليها وإلى الآذان المتلقية إحساسًا مضاعفًا. وبالمناسبة في رأيي إنّه من غير الصحيح أبدا ما يتم تداوله كثيرًا في هذه الأيام عن أن قصيدة النثر ليست قصيدة شفهية أو سماعية وأنها كتابية فقط، فالإلقاء أو قراءة هذا النوع من القصائد ولو من دون أسلوب محترف يعتبر إعادة كتابة النص المكتوب على الورق. وأعتقد أن كل شاعر ينبغي أن يكون قادراً على إلقاء الشعر ولو بحد أدنى من التفاعل والفصاحة والسلامة اللغوية طبعاً.

من ناحية الكتابة، ألّفت مرة عبارة أحب أن أدونها هنا كما هي، وأن أتشاركها مع القرّاء:

»ما الشعر…

الشعر هو أن تقرأ كلاماً يقض عقيرتك حتى تتلوه صلاة جهريةً  لا تملّ فيها الابتهال والتماهي حتى تصل… «

في النهاية لقد قلت الكثير لكن قد أتمكّن من أن أضيف ماهو بمثابة حلم مفرط في العبثية، وهو: ماذا لو كان العالم كله شاعرا أو نصفه حتى، أعتقد أن قدراً ما أكبر من الانطلاق والجنون والطيران سيكون موجوداً. وسيعمّ الحب والسلام وسيقلّ الشرّ والرصاص والدماء ربما.

الشاعرة ديمة محمود: الشاعر شوقه ناتئة من غصن اجرد