زعيمة المعارضة الالمانية أندريا نالز تغني في البرلمان ضد انجيلا ميركل

جاد الحاج

من المفترض بوزيرة العمل السابقة والعضو الحالي في البرلمان الألماني البوندستاغ عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أندريا نالز، أن تتولى أحد أهم المناصب في الديمقراطية الألمانية، وهو تحديدا زعامة الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي ينتظر أن يتحول إلى رأس حربة المعارضة. ومن المتوقع لهذه المهام أن تجعل من نالز الزعيمة المحتملة للمعارضة، وذلك بالنظر إلى نوع الائتلاف الحكومي الذي قد يتكون بزعامة المستشارة أنجلا مركل. وبعد أن سماها زعيم الحزب مارتن شولتس للمنصب البرلماني الحساس، حازت نالز على أكثرية 90 من أصوات المحازبين المعنيين.

أما أول ما صدر عن نالز بعد انتخابها لهذا المنصب، فتمثل في تصريحها، الذي يدل على استعداد مميز للمجابهة والمواجهة، إذ أبلغت الصحفيين بأن الحزب الاشتراكي الديمقراطي سوف »يشكل معارضة مندفعة بقوة مشاعرها«. ثم تابعت كلامها بالتأكيد الواضح والجازم على »أننا خلال الأعوام الأربعة التالية سوف نناضل من أجل استعادة السلطة«. وإذا أوحى هذا الكلام بشيء، فإنه يوحي بأن نالز لن تتخلى عن معاداتها المضمرة والظاهرة للمستشارة أنجلا مركل، حتى ولو ظلت تعمل تحت قيادتها في الحكومة السابقة التي انقضى أجلها يوم الاقتراع بتاريخ 24 أيلول )سبتمبر( الماضي.

اندريا نالز: إمّا ان اصبح ربة بيت واسرة أو مستشارة المانيا
اندريا نالز: إمّا ان اصبح ربة بيت واسرة أو مستشارة المانيا

عند سؤالها عن مدى تكيفها مع خروجها من الائتلاف الحكومي الكبير بين المسيحيين الديمقراطيين والاشتراكيين الديمقراطيين ودخولها إلى صفوف المعارضة وربما قيادتها، أجابت نالز: »اعتبارا من الغد سوف نقف أمامهم وجها لوجه« واعتبر الصحافيون الألمان أن ما قالته نالز كان أشد شراسة وقسوة مما نقل إلى الصحافة الدولية ونقلته من تصريحها، الأمر الذي أثار دهشة المراسلين ووجومهم. تجدر الإشارة إلى أن نالز كانت في العام 2013 — وقبيل دخول حزبها في الائتلاف الحكومي الكبير مع الحزب المسيحي الديمقراطي — قد هاجمت المستشارة مركل، بل شنعت بها وسخرت منها، مستخدمة في ذلك المسعى أحد أبيات أغنية أطفال فولكلورية شائعة عبر أوروبا، علما أنها عمدت إلى ترديده بالغناء حتى داخل قاعة البرلمان!

تتحمل نالز على مدى الأعوام المقبلة مسؤولية التحقق من ظهور حزبها وكتلته البرلمانية بمظهر الجبهة الواحدة الموحدة داخل البرلمان. والمفترض بأفضل قادة الكتل البرلمانية، ولو نظريا، أن يكونوا متحدثين بارعين إلى جانب كونهم حاسمين وقادرين على تأكيد ذواتهم وفرضها. ويعرب زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي مارتن شولتز عن قناعته بأن نالز تتمتع بالثقة وبقدرة تأكيد الذات التي يحتاج إليها حزبها المتراجعة شعبيته كثيرا حسب نتيجة الاقتراع، وذلك في إطار مسعاه الرامي إلى تحديث نفسه وإدخال المرأة في صفوف قيادته لاحتلال المزيد من المناصب الحساسة والهامة في صفوفه.

يبدو الحزب بقيادته الحالية عاقد العزم والتصميم على صقل صورته وتلميعها، والبروز منفصلا وبعيدا بصورة واضحة عن مواقف الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه المستشارة مركل، وهو حزب الوسط في الحياة السياسية الألمانية، بينما يعتبر الحزب الاشتراكي الديمقراطي من يسار الوسط. وقد ظل الحزبان شريكين متلازمين في ائتلاف حكومي عريض وواسع النطاق على مدى الأعوام الأربعة الماضية. لكن الحزب الاشتراكي الديمقراطي ذ وهو الشريك الأصغر في الائتلاف الحكومي السابق — أعلن في الحملة الانتخابية الأخيرة أنه لن يشارك في ائتلاف مع حزب المستشارة مركل. ومن سوء طالع شولتس أن تقتصر حصته من المقترعين يوم 24 أيلول )سبتمبر( على ما نسبته 20,5، وهذه أدنى نسبة ينالها حزبه في تاريخه الطويل الذي يتجاوز كثيرا عمر شريكه في الائتلاف الكبير.

تنتسب نالز البالغة من العمر 47 عاما إلى الجناح اليساري في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وهذا يتناسب مع مساعي شولتس الرامية إلى توجيه حزب العمال والطبقة العاملة التقليدي نحو جذوره وأصوله. من ناحيتها، طالما أظهرت نالز الحرص على تعزيز حقوق العمال وصيانتها دون استعداء أصحاب العمل. وهي تبدو في أتم الارتياح حين تنطلق على سجيتها في الدفاع عن حقوق العمال. لا تزال وسائل الإعلام المحلية والأجنبية تنقل عن الزعيمة البرلمانية الجديدة قولها أخيرا ذ وهي بعد لا تزال تشغل حقيبة العمل ذ لعمال صناعة الفولاذ في مجمع شركة تايسنكروب: »لقد حضرنا هنا لنكافح. وأنا شخصيا سوف أكون دائما إلى جانبكم«. من المعلوم أن هذه الشركة ينتظر أن تتعرض للدمج مع شركة تاتا الهندية، الأمر المفترض به أن يؤدي إلى خسارة العديد من الوظائف وفرص العمل.

حين كانت نالز وزيرة العمل في الحكومة الائتلافية السابقة، أفلحت الوزيرة التقدمية في إدخال الحد الأدنى القومي الرسمي للأجور إلى ألمانيا اعتبارا من العام 2015، وذلك على الرغم من المقاومة الشرسة التي جابهتها في البلاد التي طالما فضلت على الدوام إبرام الاتفاقات الجماعية بين العمال وأصحاب العمل بشأن الأجور والرواتب، التي يتم التفاوض عليها في كل من قطاعات الاقتصاد الألماني على حدة. فما هو المسار الذي انتهجته هذه السيدة لتكريس مكانتها في العمل السياسي؟

ولدت أندريا نالز في 20 حزيران )يونيو( 1970 في مقاطعة آيفل في أقصى غرب ألمانيا. ومن الجائز وصف مسيرتها العملية حسب التعبير المستعمل أو الدارج في ألمانيا، بأنها »سياسية محترفة«، بمعنى أنها لم يسبق أن تعاطت أي عمل خارج نطاق العمل السياسي. انضمت نالز إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي في سن الثامنة عشرة ؛ ولاحقا عملت على تأسيس إحدى الجمعيات المحلية التابعة للحزب في إحدى القرى المجاورة لمدينة منديغ المعتبرة مسقط رأسها. في الجامعة، درست نالز الأدب الألماني والفلسفة والعلوم السياسية في عاصمة ألمانيا الغربية، بون.

في العام 1995، أضحت نالز قائدة جناح الشباب )الجوزوس( في الحزب. وفي العام 2009، أصبحت أمين عام الحزب، قبل أن تجد نفسها تنشغل في الانكباب على تفاصيل نشاطها في حقيبة العمل. وهي اليوم مهتمة بكونها زعيمة المعارضة الرئيسية داخل البرلمان. في هذا المجال، تجدر الإشارة إلى ما كانت نالز قد قالته في مجلة المدرسة التي حصلت فيها على دروسها الثانوية، وذلك في مقابلة أعلنت من خلالها عن خططها لمسيرتها المهنية إنها »إما ان تصبح ربة بيت وأسرة او مستشارة ألمانيا«