على هامش مهرجان الشّعر الدّوليّ في طنطا 2017- حوار مع الشّاعر والأكاديميّ المالطي أدريان غريما

للترجمات دور كبير في تقليص المسافات بين اللغات والثقافات

بيروت من ليندا نصّار

تعتبر التّرجمة من العوامل الأساسيّة المساعدة على انفتاح الحضارات وتلاقحها، وتمازج الثقافات، ولها دور كبير على صعيد التقارب الفكريّ والمعرفيّ بين الدّول والمجتمعات. كذلك تكمن أهمّيّة التّرجمة في تسهيل عمليّة التّلاقي بين اللّغات لتصبح ثقافة التّداول بين أبناء المجتمع والوطن الواحد بمن فيهم الشّعراء والكتّاب. فالترجمة نوع من إعادة النسخ وهي عمليّة ليست سهلة فعلى المترجم أن يتمتّع برؤى خاصّة، وأن يستطيع التقاط الفكرة والصّورة في الشّعر خصوصا لكي لا يفقد معناه، وكلّما كان المترجم دقيقا ومثقّفا ومتقنا للّغة، استطاع إيصال المعنى المنشود إلى المتلقّي.

بالنّسبة إليه : »للترجمات دور كبير في تقليص المسافات بين اللّغات والآداب، لجعلها أقرب إلى بعضها البعض، ففي الترجمة الأدبية محاولة نقل »الرّوح« والعواطف من العمل الأصلي، لخلق عالم جديد ومختلف«. أدريان غريما شاعر من »مالطا« وهو أستاذ الأدب المالطي في الجامعة، أصدر أدريان العديد من الدواوين الشعرية، التي حازت عدة جوائز، كما ترجم شعره إلى عدّة لغات، وقد صدر له ديوان أيضا بعنوان »مسافات« نقله إلى العربيّة الشاعر والمترجم الفلسطينيّ وليد النّبهان.

على هامش مهرجان طنطا للشّعر الدّوليّ بدورته الثّالثة 2017،  »الحصاد« التقت الشّاعر أدريان غريما وكان لها معه الحوار الآتي:

»الحصاد«:   لديك ديوان بعنوان »مسافات« وقد نقله إلى العربيّة الشاعر المترجم الفلسطينيّ وليد النبهان. في رأيك إلى أيّ مدى نجحت التّرجمة في إيصال قصائدك إلى القارئ العربيّ بعد ترجمة الحدود بين اللّغات؟

ادريان غريما:  على الرّغم من أنّ اللّغة المالطية هي ذات أصول عربيّة وفيها عدّة كلمات من اللّغة العربيّة، فهي من الأصل المغربي، إلاّ أنّني لا أستطيع أن أتحدّث عن ترجمة قصائدي إلى العربية، لأنّي لا أعرف اللّغة العربية ولا أعرف الكثير من قواعدها الغنية وأصول  الآداب المكتوبة بهذه اللّغة. لكن يمكنني التقاط بعض الكلمات هنا وهناك لأنها عمليّا تحمل المعنى نفسه في المالطية، ولا أستطيع  أن أذهب أبعد من ذلك. فمثلا عنوان قصيدتي »سبعون عاما من الكدمات«، التي وردت في مختارات طبعة 2017 من مهرجان طنطا للشعر الدّوليّ 2017، هو نفسه في اللغة العربية، وهذا ما جعله يبدو مألوفا جدّا بالنّسبة إلي، ولكن لا أستطيع الجزم في مدى تأثير الكلمات معنويا وعاطفيا، في الجمهور والقراء الناطقين باللغة العربية اليوم.

   أرى أنّ الترجمة الشعرية هي عمليّة خلق قصيدة بلغة »أجنبية« شرط الالتزام بقواعدها. بالنّسبة إليّ للترجمات دور كبير في تقليص المسافات بين اللّغات والآداب، لجعلها أقرب إلى بعضها البعض، ففي الترجمة الأدبية محاولة لنقل »الرّوح« والعواطف من العمل الأصلي، لخلق عالم جديد ومختلف لها. وهذا ما أشعر به عندما أستمع إلى قصائدي »المترجمة« إلى العربيّة من قبل المترجم الفلسطينيّ وليد النّبهان. من هنا القصيدة الجيّدة حتّى ولو كانت مترجمة، فهي تتسرّب إلى الأحاسيس والعواطف وتلمس كلّ متلقٍّ بحسب تجربته الشّخصيّة.

من جهة أخرى، تبدو القصيدة ثابتة بالنّسبة إليّ ولا تتغيّر حتّى ولو تمّت ترجمتها إلى لغّات أخرى لأنّها تظلّ تنطق بأفكاري وتشير إلى العواطف الّتي حاولت استكشافها في تلك اللّحظة الشّعريّة قدر الإمكان، وهنا يكمن دور المترجم الذي يعمل على إعادة  إنشاء المشاهد والصّور الشّعريّة نفسها، ما يجعلني أدرك وأشعر أنّ هناك علاقة بيني وبين قصيدتي المترجمة، حتى لو أنّي لا أعرف اللغة والأدب الذي تم من خلاله إعادة خلق القصيدة. والدّليل على ذلك أنّني بعد أن تلوت قصيدتي في كلية التجارة في جامعة طنطا، جاء رجل ومعه مترجم ليقول لي أن قصيدتي »سبعون عاما من الكدمات«، قد لمسته حقّا، فقد استطاع أن يرى معاناة والده فيها وشعر أنّها تعبّر عنه إلى أقصى حدّ. ما حدث آنذاك ليس فقط لأن القصيدة ترجمت إلى العربية، بل لأنّ ذات الإنسان ممتلئة بعمق ما تقدّمه إليه الحياة دائما، فيتأثّر عندما يستمع إلى قصيدة تعبّر عن تجربة تشبهه، لأنّ التّرجمة هي شكل من أشكال إعادة القراءة وإعادة الخلق لإيصال المشاعر والأفكار  نفسها كما سبق أن ذكرت.

»الحصاد«:  إلى أيّ مدى تجد انسجاما ما بين النّصّ المترجم والنّصّ الأصليّ؟

ادريان غريما:  فعليّا هناك انسجام كبير ما بين القصيدة الأصليّة والقصيدة المترجمة على صعيد الرؤى الجمالية، بمعنى أنها تسعى إلى تحقيق فكرة معينة عن الجمال وعن حقيقة  فن الشعر. لذلك إذا كانت القصيدة الأصلية تسعى إلى خلق إيقاع سريع، يلتقط الأنفاس، فقد يرغب المرء من خلال الترجمة أن تؤدّي إلى نشوء ردّة فعل مماثلة. ولكن يجب أن تتكيف مع القواعد اللّغويّة التي تؤسّس للنسخة الجديدة، حتى ولو عنينا بذلك القواعد الصّعبة.

لدينا جميعا مفاهيم وخبرات مختلفة حول ماهيّة الفن وجماليّته، وهذه الخبرات والمفاهيم والرّؤى الجماليّة  الّتي امتلكناها يوما ما، تتغيّر جذريّا على مر السنين. فقد أصبحت أولي أهمية أكبر للكلمة على أنّها مجموعة  من الأصوات أو الكلمة كصورة أعني الكلمة  التي تدخل في علاقة غير عادية مع كلمات، وأصوات، وأغراض أخرى.

»الحصاد«:  هل ثمّة تناسج بين اللّغات على مستوى الرؤية الجمالية؟ أم أن ترجمة الشعر تدفع التلقي نحو إنتاج معنى آخر؟

ادريان غريما:  لست متأكدا من مدى الانسجام بين مختلف الرؤى الجمالية. فأحيانا تكون رؤيتنا للفن مختلفة جدا عن رؤية الكتاب الآخرين والشعراء والمترجمين الأدبيين، وما نحاول فعله بالكلمات يختلف أيضا اختلافا عميقا من شخص إلى آخر. بالنسبة إلي إنّ الفن ينقل، أولا وقبل كل شيء، الإيقاع، والتوتر الأسلوبي، والعواطف والصور والخبرات واللحظات…

يحمل الشّعر معانيا متعدّدة وهي ليست بالسّهلة وليس للترجمة الحق في تغيير المعنى، لإنتاج معان جديدة، أو لإضافة معان إلى النّصّ الأصلي. ما يحدث على الأرجح هو أن كلمات مختلفة تنقل عوالم وأفكار وعواطف مختلفة قليلا لتصل إلى القرّاء بطرق مختلفة  أيضا ولكن من دون المسّ بالمعنى الأصليّ.

  في الترجمة حركة وحياة ومن دونها لا يمكن التّواصل بين الأشخاص بسبب غياب اللغة المشتركة الّتي توصل الفكرة . وفي غياب التّرجمة تبقى لغة الابتسامات، أو بعض أنواع التقارب الثقافي. من هنا تبدو قوّة الكلمات الّتي تأخذنا أبعد من الزّمان والمكان. فعندما أحضر مهرجانا، مثل مهرجان طنطا، أكون ممتنا جدّا عندما يترجم لي شخص ما، ويسمح لي بالتّواصل مع الناس الذين لم أكن قادرا على التّواصل معهم بطريقة عميقة.

في جميع الحالات الترجمة تلغي الحدود، وترجمة اللغات والثقافات، والعواطف تتطلب ترجمة اللغة. وكلما ازداد عدد اللغات التي نتكلم بها، كلما ازدادت إمكانية التّواصل على مستوى حياة الإنسان. باختصار اكتسبت الترجمة اليوم أهمية كبيرة أكثر من أي وقت مضى.

من ديوان مسافات للشّاعر أدريان غريما ذ نقله إلى اللّغة العربيّة الشّاعر والمترجم وليد النّبهان:

»سبعون عاما من الكدمات«

تتخلّص من وقتك غير المتناسق

برشاقة سبعين عاما من البُقَع

تنغرز الإبر الغاضبة بصخب

في جلدك الرقيق

ساقاك تميلان في الهواء غير المستقر

بين السرير

وأنبوب الدم

وعداد السم

سبعون عاما من الكدمات

تحشرج قرب عمودك الفقري.

أصابعك مرتجفة

تبحث عن أشواك تفاقم الأحشاء

تنحت المديةُ أعماقَك،

فيما أنبوب البَوْل يستريح على فخذيك

كحبل سُرِّيٌّ يجب عدم قطعه

إمكانية جلب ستارة للسرير 12 في الجناح الثالث تشعرك بالإهانة

القفازات المطاطية تجرِّدك من سمعتك

كلُّ لابسي المعاطف

والمبتدئين،

وكل ذي شارب

ساقاك مائلتان تتأملان المسافة،

تستلقي

أبي، هل أرفع ساقيك على السرير؟

بالكاد تتقبل إذلالا آخر

أغطِّي قدميك من جديد،

لكن تحت بطانية جلدك الخفيف

تتواصل الأوبرا

والسم يصير دما

والبُشرى تصل جميع الأركان

حتى أكثرها بعدا.

الشاعر ادريان غريما

غلاف »مسافات« لادريان غريما