المرأة العراقية من مهابة المكانة اللائقة إلى الاحتقار الانساني

اخذت مكانتها المتميزة عبر التاريخ لكنها اليوم مظلومة

د. ماجد السامرائي

منذ عصور العراق الأولى في الألف الرابع قبل الميلاد كانت للمرأة مكانتها المميزة وتحدثت عن ذلك الوقائع والأساطير، فقد كانت عشتار رمزا لأسطورة الحب والحرب عند السومريين والبابليين والآشوريين، وكان لها معبدان، الأول في نينوى باعتبارها آلهة الحب، والثاني في أربا إيلو باعتبارها آلهة الحكمة والحرب. وكان معظم قادة وملوك الآشوريين يزورونها في معبدها قبل توجههم في حملات جديدة أو تقرير أمر مهم يخص مصير الإمبراطورية ليأخذوا منها النصح والموافقة، وهناك رموز وأسماء لامعة لنساء حكمن في عهود آشور وبابل والوركاء مثل شبعاد وانخيدو آنا وسمير أميس.

ارتبط اسم المرأة العراقية بالأرض فهي المانحة للحياة وهي الملكة الراعية، ولذلك أخذت مكانتها المتميزة عبر التاريخ،

وعرفت المرأة العراقية بثقافتها وصبرها ونضالها، حيث كانت تنظيماتها النسوية. فقد كانت هنالك بمنظمة النهضة النسويةا، ولديها مجلة كانت تصدرها الأديبة بولينا حسون باسم بليلىا. كما أصدرت مريم تومة، صحيفة يومية عام 1937، باسم بفتاة العربا.

وفي أربعينيات القرن الماضي تأسست جمعيات خيرية ورابطة المرأة العراقية. لقد بدأت المرأة العراقية المشاركة في الحياة العامة، منذ نهاية القرن التاسع عشر، أثناء الحكم العثماني. وافتتحت أول مدرسة في بغداد عام1880 سجلت فيها 90 فتاة. وساهمت المرأة في ثورة العشرين. كما ساهمت المرأة العراقية في مختلف المجالات، وكانت نازك الملائكة، الناقدة ورائدة الشعر العربي الحديث. وينص تقرير النساء والأطفال في العراق، الصادر عن منظمة اليونسيف، عام 1993 بأنه يندر أن تتمتع امرأة في الشرق الأوسط بما تتمتع به المرأة العراقية. ففي مجال العمل صدر قانون رقم 191 عام 1975، يساوي المرأة والرجل بالحقوق والمزايا المالية، إذ تتلقى أجرا مساوياً لأجر الرجل، ودخلها مستقل عن زوجها. وفي عام 1974 صدر قانون التعليم المجاني في مختلف المراحل الدراسية. وفي عام 1979 أصبح التعليم إلزاميا للبنين والبنات حتى عمر الثانية عشر. وصدر في عام 1978، قانون الحملة الوطنية الشاملة لمحو الأمية، وفي عام 1988، أكد قانون التعليم العالي، إن التعليم العالي حق لكل مواطن تتوافر فيه الشروط الموضوعية. وفي عام 1980، حصلت المرأة العراقية على حقها في التصويت والترشيح، وفازت في العام نفسه 16 امرأة بعضوية المجلس الوطني، وفي عام 1984، فازت 33 امراة بعضوية المجلس الوطني، وهي أعلى نسبة في الوطن العربي منذ وصول النساء إلى البرلمان حينذاك. كانت اول طبيبة عراقية عينتها وزارة الصحة ارمنية، هي الدكتورة آناستيان، وهي اول فتاة عراقية دخلت مدرسة الطب في بغداد وتخرجت فيها سنة 1939. اما الدكتورة سانحة أمين زكي التي اضافت إلى تاريخ المراة العراقية صفحة مشرقة عندما كتبت ذكرياتها فتقول : ولدت الدكتورة سانحة محمد امين زكي في بغداد سنة 1920 وكانت اول فتاة مسلمة تدخل

نساء عراقيات... يظلمهن عراق اليوم
نساء عراقيات… يظلمهن عراق اليوم

كلية الطب

حالة المرأة بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 أخذت بالتدهور في العديد من المظاهر وأهمها تنامي حالة العنف ضدها من قبل الرجل أو من أو بعض المنظمات السياسية والدينية والمذهبية في مخالفة صريحة للإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 كانون الأول/ ديسمبر عام 1993، كما أن العودة إلى العشائرية والطائفية، أدى إلى تعرض المرأة العراقية إلى أنواع جديدة من العنف، نتيجة لارتفاع نسبة الأرامل والمطلقات، كما إن إلغاء قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، أدّت إلى تعدد الزوجات، والعزوف عن الزواج، والزواج المؤقت. إضافة إلى القهر في المجتمع، يؤدي إلى مضاعفة العنف الأسري أي ممارسة قهر اكبر على المرأة في الأسرة. كما انتشرت حالات المتسولات والاتجار بالمرأة بسبب انتشار البطالة بين الرجال وتراكم الإحباط لديهم مما يجعل المرأة ضحيةً لتزايد العنف الأسري. فالمرأة تعيل الأسرة وتبقى رئاستها للرجل وتصبح خاضعة للاستلاب والقهر الاقتصادي والنوعي. كما تعاني المرأة بسبب تفشي الفقر وانتشار البطالة بين الرجال، من الحرمان من التعليم وحق اختيار الزوج أو الاعتراض عليه. كما تعيش المرأة العراقية خطر التفجيرات والاختطاف والقتل العشوائي أو المنظم وتفكك البنية التحتية وتلوث مياه الشرب بفضلات المجاري والمواد المشعة وقلة الدواء في المستشفيات وتضاعف نسبة الأطفال المصابين بسوء التغذية، وانتشار المخدرات بين الصبيان، والإصابة بأنواع الأمراض السرطانية بتأثير اليورانيوم المنضب، الذي استخدم عامي 1991 و2003، إضافة إلى التهديد بإلغاء الحصة التموينية وصعوبة الحصول على الكهرباء والبنزين وقناني الغاز. إضافةً إلى الانتهاكات لحقوقها في سجون النساء، وقد وثقت هذه الانتهاكات منظمة العفو الدولية التي أصدرت بتاريخ 22/2/2005 تقريراً شاملاً عن وضع المرأة العراقية وأجواء الرعب التي تعيشها يومياً. حذرت عدة منظمات دولية تعمل في العراق من أن تتحول بلاد الرافدين إلى بلد الأرامل والأيتام، بعد أن فاق عددهم 8 ملايين شخص قبل ثلاث سنوات. ورغم تضارب التقارير عن عددهم الفعلي، هناك إجماع على أهمية مواجهة هذه المشكلة. وتفاقم أزمة السكن التي تسحق يومياً وتحيل الكثير من العائلات الفقيرة والكادحة وخاصة النساء الأرامل والمطلقات مع أطفالهن إلى العيش في ظل ظروف قاسية ومريرة وحرمان مطلق أو تتكدس أربع إلى خمس عائلات في دار واحدة تزدحم بالأطفال وانعدام الحياة الطبيعية الخالية من المشاكل. والتأثير الصارخ لرجال الدين والمؤسسات الدينية المتخلفة وليس لبعض علماء الدين الذين يتفاعلون مع العصر الحديث والتغيرات الطارئة على الحياة وكذلك المشعوذين والسحرة واللاعبين بعقول كثرة من الذكور البسطاء والمسيطرين على عقول نسبة كبيرة من النساء وعلى تصرفاتهن وممارساتهن اليومية. وارتفاع نسبة الجريمة المرتكبة بحق النسوة من حيث الاختطاف والابتزاز والاغتصاب الجنسي والاعتداء بالضرب والاضطهاد والقمع غير المعهودين. وكذلك تفاقم الفساد في الدولة والمجتمع حيث تعاني المرأة في ظل هذا الفساد وخاصة في المحاكم الشرعية والمدنية حيث لا يمكن تدبير حالة واحدة دون رشوة… الخ. والأنباء تشير إلى اتساع ظاهرة انتحار النساء في العراق بشكل كبير. الا انه لا توجد ارقام دقيقة او احصائيات رسمية تسجل هذه النسبة. لكن المتفق عليه ان هذه الظاهرة حدثت بشكل مخيف في جميع المحافظات مع ارتفاع نسبتها في المحافظات الشمالية. وسط تكتم شديد حول اسبابها. وذلك للاعراف الاجتماعية والقبلية التي لا تزال مُستحكمة داخل المجتمع العراقي. ومنذ نشوب أزمة النزوح الحالية في شهر يناير 2014 بالتزامن مع احتلال »داعش« أصبحت ألأحوال الانسانية في العراق أكثر خطورة، لا سيما مع بلوغ إجمالي عدد النازحين حتى اليوم نحو 3. 2 مليون شخص، بينما 8 ملايين آخرين في حاجة إلى تلقي مساعدات إنسانية.

لقد انعكس التدهور الشامل في الحياة العراقية على المرأة فتحولت في نظر الأحزاب الحاكمة إلى مخلوق قاصر مهان يتم تزويجه في عمر الطفولة تحت رعاية دينية مذهبية فوق الدولة والقانون في ظل إعادة العراق إلى عصور الجهالة والتخلف، وهذه هي ثمار العصر الديمقراطي الأميركي الذي بشر به الرئيس الأسبق جورج بوش العراقيين. لا ينكر أنه في عالم الأديان والمذاهب هناك اجتهادات في الأحوال الشخصية تُحترم تبعا لاحترام حقوق الإنسان، ولكن في ظل الدولة المدنية لا يجوز تعميم تلك الاجتهادات على النظام السياسي الذي يحكم الجميع. فعلى سبيل المثال إن الفقه الشيعي يجعل سن التاسعة سقفا للتزويج الفعلي، وما دون ذلك يصح كتابة عقد للمداعبة الجسدية دون دخول شرعي. أثبت كبار الفقهاء الشيعة في فتاواهم هذا بالتصور الاجتهاديا فيما رفضه آخرون مثل آية الله محمد حسين فضل الله وآية الله محمد باقر الصدر. ويعاد اليوم ترويج مشروع بذات المفاهيم المتخلفة داخل البرلمان العراقي عبر ما يسمى بمشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية ا حيث تم إدراجه في جلسة مجلس النواب في 31 أكتوبر الماضي على الرغم من الاعتراضات الواسعة من قبل مؤسسات المجتمع المدني ونواب من كتل مختلفة. مشروع قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية المقدّم من المجلس الإسلامي الأعلى، والتعديلات المقترحة سيئة للغاية تهدف إلى إعادة مجتمعنا إلى عصر الحريم والجواري بإجازة الزواج بأطفال قصر. هذا المشروع يتضمن مجددا مخالفة دستورية واضحة لأنه يحيل الأحوال الشخصية إلى الأوقاف رغم أنه في كل دول العالم يمثل قضية قانونية لتنظيم أمور المجتمع، وهذا خرق لمبدأ الفصل بين السلطات لأن تعديل القانون يسيء للمجتمع والمرأة العراقية، ولأنه يجيز الزواج من القاصرات وغيرها من أمور فيها تعد على حقوق المرأة ومن بينها وضع الحق للرجل لتحديد طبيعة الزواج، وهذا ينافي مبادئ حقوق الإنسان والقضاء العراقي فستكون لكل عائلة ولكل زوج تفسيراته الخاصة وحسب رغبة رجل الدين الذي لا نعرف مواصفاته كي نعطيه هذه السلطة والصلاحية لتنظيم أمور أحوال الناس الشخصية وأمور الزواج. وهذا القانون يهدف إلى إعادة المجتمع العراقي إلى عصر الحريم والجواري بإجازة الزواج بأطفال قصر )البنات خصوصا(، وجعل الزوجة في مرتبة الخادمة، وسحب قضايا الأحوال الشخصية من السلطة القضائية الدستورية إلى سلطة غير دستورية هي سلطة رجال الدين، كما أن القانون لم يراعِ أنّ المجتمع العراقي فيه إلى جانب المسلمين، مسيحيون وصابئة وإيزيدية وبهائية وفيه مسلمون من مذاهب عدة وليس من مذهب واحد، هو المذهب الشيعي، ولم يلتفت إلى التعارض بين أحكام القانون المقترح وشرعة حقوق الإنسان الدولية المُلزمة كما جعل عمر الزواج يبدأ في عمر 9- 13 سنة.

هذا التغيير تقف وراءه جهات من الإسلام السياسي بهدف كسب انتخابي في مجتمع مازال يعاني من كبت جنسي ويحمل ثقافة ذكورية تسعى لغلق منافذ الحقوق للمرأة ومساواتها إنسانيا مع الرجل، وإحالتها إلى جهاز إمتاع دون تقدير لإنسانيتها أو بلوغها الجسدي أو مشاعرها بكونها كائنا لا يختلف عن الرجل في مشاعر الحب والاختيار. إن تطبيق هذا القانون يذكرنا بتصرفات تنظيم داعش مع الفتيات عندما تم إجبار صغيرات السن على الزواج من عناصره أثناء وجوده في الموصل وسوريا، ويأتي هذا التعديل الذي وافقت عليه رئاسة مجلس النواب، في وقت تواجه فيه البلاد الانتهاكات لحقوق الإنسان، ولحقوق المرأة على وجه الخصوص، وبدلا من أن يتصدى مجلس النواب لهذا التدهور الخطير في ملف حقوق الإنسان، ويعمل على وضع حد له، نجده يتجاهل هذا الواقع، ويسعى إلى تكريس انتهاك حقوق المرأة والإنسان عبر التشريع القانوني الجديد، الذي يتعارض مع مبادئ الديمقراطية، ويخرق الدستور في مادته 2 التي تنص على أنه بلا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في الدستورا. وإذا كانت القوى الدينية المذهبية بعد هيمنتها على مجلس النواب قادرة على تمرير ما ترغبه من قوانين وقرارات، إلا أن عليها مسؤولية عدم أخذ البلد إلى ساحات الفرقة والاضطراب الاجتماعي بعد ما عاناه أهله من التشظي السياسي، ولا بد لها أن تدرك أن عالم اليوم لا يقبل بعصر الجواري الذي طبقه داعش في العراق، فهل القدرة على التحكم السياسي بالقرارات العامة تبيح تلك الإهانة بحق المرأة العراقية؟

لقد حدثت ردود فعل واسعة ضد هذا القانون الظالم من قبل اوساط نسوية عراقية واسعة ومن قبل منظمات المجتمع المدني. وكذلك رفض بعثة الأمم المتحدة في العراق )يونامي( ودعوة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى ضرورة إجراء مشاورات واسعة لهذا التطور الخطير في حالة المرأة العراقية